تلوث الهواء يدمر البكتيريا النافعة لدى الأطفال

يزيد من الجراثيم الضارة المسببة للالتهابات

تلوث الهواء يدمر البكتيريا النافعة لدى الأطفال
TT

تلوث الهواء يدمر البكتيريا النافعة لدى الأطفال

تلوث الهواء يدمر البكتيريا النافعة لدى الأطفال

من المعروف أن تلوث الهواء من أهم المشكلات الصحية التي تواجه العالم الآن، نظراً لتأثيره البالغ السوء على الصحة العامة، خصوصاً في المدن الحضرية التي تنتشر فيها أبخرة المصانع وعوادم السيارات، وتقل فيها المساحات الخضراء. وهناك العديد من الدراسات التي تناولت هذا التأثير السلبي على صحة الأطفال.
وفى أحدث هذه الدراسات، أشار الباحثون إلى احتمالية أن يتسبب التلوث البيئي الناتج من التعرض لكميات متزايدة من الرصاص والغازات الضارة في تغيير التوازن البكتيري بين البكتيريا النافعة (الميكروبيوم) والضارة داخل أمعاء الرضع، خصوصاً في الأشهر الستة الأولى من الحياة.

التلوث والبكتيريا الضارة
أوضح الباحثون من جامعة كولواردو (University of Colorado Boulder) بالولايات المتحدة، أن الدراسة التي نشرت في مطلع شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي في مجلة «بكتيريا الأمعاء النافعة» (the journal Gut Microbes) تعد الأولى التي تربط بين استنشاق الهواء المحمل بالملوثات المختلفة وبين حدوث تغيرات في تركيب الميكروبيوم (microbiome) الضروري، للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي للطفل، والمساعدة في عملية الهضم، وأيضاً يلعب دوراً مهماً في حماية الطفل من الحساسية، والإصابة بمرض السكري، بجانب دوره في تنمية القدرات الإدراكية والذهنية للطفل.
قام الفريق البحثي بإجراء الدراسة على 103 من الأطفال الرضع الأصحاء الذين ينتمون لأصول لاتينية في كاليفورنيا، وكانوا جميعاً يرضعون رضاعة طبيعية، واعتمد الباحثون على التسلسل الجيني لفحص عينات البراز الخاصة بهم للكشف عن الميكروبات المفيدة والضارة.
وتم تثبيت العوامل المختلفة بين الرضع مثل الجنس والوزن عند الولادة والعمر بالشهور، وتكرار مرات الرضاعة الطبيعية. وكذلك تم تسجيل أماكن وجود هؤلاء الأطفال، ومعرفة عناوين منازلهم على وجه التحديد، ومعرفة المواصفات القياسية لجودة الهواء لكل منطقة سكنية تبعاً لوجود غازات معينة ملوثة للهواء أو مواد ثقيلة مثل ثاني أكسيد النيتروجين الذي يعد الغاز الأساسي المنبعث من عوادم السيارات.
أوضحت النتائج أن الرضع الذين تعرضوا لمستويات أعلى من تلوث الهواء كان لديهم المزيد من البكتيريا الضارة في أمعائهم، وهذه البكتيريا هي المرتبطة بحدوث الالتهابات، مما يزيد من خطر الإصابة المتكررة بالأمراض، وذلك لأن الهواء الملوث كان له تأثير ضار على تناقص أعداد الميكروبيوم (وهو مجموع الميكروبات المتعايشة مع إنسان). وبالتالي يخسر الرضيع فوائده المتعددة التي تتعدى مجرد الحماية من الأمراض مثل تأثيره الجيد على الشهية والنمو والوقاية من حساسية الأنسولين، وتقوية المناعة بشكل عام، بجانب التأثير الإيجابي على النمو الإدراكي، وتحسين مزاج الطفل، وتنمية التفكير، بل والوقاية حتى من الأمراض المزمنة مثل السكري من النوع الأول.

البكتيريا النافعة
ومن المعروف أن البكتيريا النافعة تقوم بعملها الأساسي في الوقاية من الأمراض المختلفة من خلال التنافس على الحيز المكاني مع البكتيريا الضارة داخل الأمعاء الدقيقة، وكلما كانت أعداد الميكروبيوم كبيرة، وتحتل مساحات أكبر من الجدار المبطن للأمعاء، كلما كانت فرص البكتيريا الضارة في الوجود أقل، والعكس صحيح. وحسب الدراسة، كان التلوث البيئي عاملاً مهماً في حدوث خلل في أعداد الميكروبيوم، ما أدى لإصابة الأطفال بالعديد من الأمراض. تجدر الإشارة إلى أن الاستخدام المبكر للمضادات الحيوية هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى نقص أعداد الميكروبيوم في الرضع.
وجد الباحثون أن الأطفال الذين تعرضوا لمستويات كبيرة من مادة معينة تسمى الدقائق المتطايرة PM2.5 (بقطر 2.5 ميكرون) كان لديهم نسبة 60 في المائة أقل من البكتيريا النافعة، ما أدى إلى زيادة خطورة إصابتهم بنزلات معوية. وفي الوقت نفسه كان الأطفال الذين تعرضوا لكميات كبيرة من مادة تسمى PM10 (بقطر 10 ميكرون) لديهم نسبة 85 في المائة أكثر من نوع معين من البكتيريا الضارة. وهذا النوع مرتبط بحدوث الالتهابات المختلفة، وكذلك بعض أنواع السرطانات والتصلب المتعدد لاحقاً في البلوغ.
وحذرت الدراسة من أن هذه المشكلات الصحية قد يكون لها تأثير أكبر على الأقليات العرقية والمجتمعات التي تعاني من الفقر والدخول المنخفضة. وفى الأغلب تكون المنازل والمدارس في مثل هذه التجمعات بالقرب من الطرق السريعة أو المصانع المزدحمة. وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال تتعرض مجتمعات السكان من الأصول الأفريقية والإسبانية إلى ملوثات الهواء بنسبة 1.5 مرة أكثر من مجتمعات السكان من الأصول الأوروبية، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها وكالة حماية البيئة الأميركية لعام 2018.
نصحت الدراسة المجتمعات المختلفة المحرومة من الهواء النقي بعدة مقترحات لتجنب تلوث الهواء، سواء داخل المنزل أو خارجه، مثل تجنب السكن بجوار المصانع كلما أمكن، وأيضاً تجنب المشي في الهواء الطلق في مناطق الازدحام الشديد، وبضرورة ترك النوافذ مفتوحة عند القيام بالطهي، وبقية نوافذ الغرف، خصوصاً التي يقضي فيها الأطفال الكثير من الوقت، وبالنسبة للرضع يجب أن تقوم الأمهات بالرضاعة الطبيعية لأطفالهن، كلما كان ذلك ممكناً، لتقوم بما يشبه تعويض تأثير البيئة لأطول فترة ممكنة.
وأكدت الدراسة أن الحماية من التلوث البيئي ليست نوعاً من الرفاهية، ويكفي أن نعرف أن تلوث الهواء يعد خامس عامل خطر رئيسي لحدوث الوفاة حول العالم، ويتسبب في موت حوالي 8.8 مليون شخص سنوياً. ويؤكد الباحثون أن معظم المضاعفات التي تحدث في الأمراض المزمنة مثل أمراض الجهاز التنفسي والسكري من النوع الثاني تكون بسبب تلوث الهواء. وفي دولة مثل الولايات المتحدة انخفضت جودة الهواء منذ عام 2016 بشكل كبير، رغم الجهود المبذولة للحفاظ على البيئة، ويمكن تخيل الأمر في الدول الأكثر فقراً.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

تكريم د. عبد الحفيظ خوجة بـ«جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي»

تكريم د. عبد الحفيظ خوجة بـ«جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي»
TT

تكريم د. عبد الحفيظ خوجة بـ«جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي»

تكريم د. عبد الحفيظ خوجة بـ«جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي»

في احتفال متميز أُقيم مساء يوم أمس (الخميس)، بمدينة أبوظبي، جرى تكريم الدكتور عبد الحفيظ يحيى خوجة بـ«جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي»، في دورتها الثالثة لعام 2024، في مجال الإعلام والتثقيف الصحي.

تكريم إعلامي طبي

وسلَّم التكريم راعي الحفل، الدكتور طارق الهيدان وكيل وزير الخارجية الأسبق بدولة الإمارات، وسعادة الأستاذ سلطان العنقري، السفير السعودي لدى دولة الإمارات ضيف شرف الاحتفال، وبحضور عدد من منسوبي السفارة ووفد من المركز الوطني للطب التكميلي والبديل بالمملكة وصفوة من العلماء والباحثين المتميزين في الطب التقليدي والتكميلي والطب النبوي من جميع أنحاء العالم.

جهود التوعية الصحية

الجدير ذكره أن هذا التكريم يُعدّ اعترافاً مستحقاً بجهود الدكتور عبد الحفيظ خوجة المستمرة في توعية المجتمع وتعزيز الصحة العامة، عبر الإعلام الصحي الهادف، لأكثر من 40 عاماً، دمج خلالها الطب بالإعلام مستخدماً الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة لتوصيل المعلومة الصحية بكل دقة وأمانة وبأسلوب يتناسب مع مختلف شرائح المجتمع.

ويساهم الدكتور عبد الحفيظ خوجة في ملحق «صحتك» بـ«الشرق الأوسط»، منذ نحو 20 عاماً.