إسرائيل تدرس «تقييد» عملياتها في الضفة

لدفع أجهزة السلطة للعمل ضد المسلحين

تجمع تضامني مع الأسرى الفلسطينيين أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في رام الله أمس (أ.ف.ب)
تجمع تضامني مع الأسرى الفلسطينيين أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في رام الله أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تدرس «تقييد» عملياتها في الضفة

تجمع تضامني مع الأسرى الفلسطينيين أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في رام الله أمس (أ.ف.ب)
تجمع تضامني مع الأسرى الفلسطينيين أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في رام الله أمس (أ.ف.ب)

يدرس مسؤولون في جهاز الأمن الإسرائيلي اقتراحاً بتقييد العمليات الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية وتخفيف الاحتكاك العنيف مع المسلحين الفلسطينيين، في محاولة لتعزيز التنسيق الأمني مع أجهزة أمن السلطة.
وجاء الاقتراح في ظل اعتقاد قوي بأن أجهزة الأمن الفلسطينية تمتنع عن العمل في شمال الضفة الغربية بموجب أوامر صادرة عن القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية الغاضبة من إسرائيل واتهاماتها لها بـ«الضعف»، وكذلك من الولايات المتحدة وعدم تأثيرها على إسرائيل فيما يخص التصعيد الأمني وغياب التقدم السياسي.
وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن ممارسات إسرائيل أجبرت أجهزة الأمن الفلسطينية على التوقف عن العمل في مناطق شمال الضفة الغربية، كي لا تظهر الأجهزة الأمنية بوصفها «متعاونة مع الاحتلال»، إذا ما أقدمت هي الأخرى على تنفيذ اعتقالات واشتبكت مع المسلحين هناك.
وتتحسب إسرائيل من تزايد ضلوع أفراد في أجهزة الأمن الفلسطينية في الاشتباكات مع قوات الجيش الإسرائيلي لدى اقتحامها مدناً مثل جنين ونابلس ومخيمات اللاجئين هناك من أجل تنفيذ حملات اعتقال في صفوف الفلسطينيين. كما ينتظر الإسرائيليون الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 23 سبتمبر (أيلول) الجاري، وتتوقع أن يكون شديد اللهجة ضد إسرائيل، ما سيساهم في رفع مستوى التصعيد.
وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن أي تصعيد آخر في شمال الضفة سيغيّر الخطط وسيجبر الجيش على العمل بشكل أوسع في هذه المناطق.
وتوضح «هآرتس» أن المسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي يعترفون بأنه لا يوجد بديل حقيقي لعمل أجهزة السلطة في الضفة، ويرون أنه لا يوجد سوى سيناريوهين مركزيين فقط هما «مساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على استعادة المسؤولية الأمنية في مدن شمال الضفة، أو الوقوف على الحياد ومشاهدة السلطة تنهار، وهذا يتطلب من إسرائيل الدخول إلى الفراغ».
وعملياً يوجد سجال في إسرائيل حول الخطوة المقبلة، وما إذا كان يجب الاستمرار بالحملات العسكرية في شمال الضفة وتوسيعها عبر عملية عسكرية واسعة قبل انتخابات الكنيست، في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أو التراجع والسماح للسلطة بالعمل هناك.
وتعالت في إسرائيل الأصوات حول أي الخطوتين يجب اتخاذها: شن عملية عسكرية واسعة، أو إفساح المجال لأجهزة الأمن الفلسطينية وتشجيعها على تنفيذ عمليات في شمال الضفة على قاعدة أن السلطة الفلسطينية أيضاً «تنظر إلى (حماس) و(الجهاد الإسلامي) على أنهما عدوتان أساسيتان لها».
وبناءً عليه، حذّرت «حماس» السلطة الفلسطينية أمس، من السير وراء الدعوات الإسرائيلية للعمل ضد المسلحين الناشطين في الضفة. وقالت الحركة في بيان إن سعي حكومة يائير لابيد «المتطرّفة» لاستمالة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية ودعوتها للمشاركة في «الحرب والعدوان ضد أبناء شعبنا» في مخيمات الضفة وبلداتها، يُعدان «محاولة مشبوهة نحذّر السلطة من التساوق معها».
ولا يُعتقد أن السلطة ستبادر إلى مساعدة إسرائيل في هذا المجال رغم الضغوط التي تمارسها تل أبيب عليها من أجل استعادة سيطرتها على مناطق الضفة التي تشهد نشاطاً للمسلحين أو الدخول في محاربة التنظيمات الناشطة هناك، وهي رسائل نقلتها إسرائيل كذلك للولايات المتحدة القلقة أيضاً من التصعيد في الضفة الغربية.
وقال رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أهارون هاليفا، أمس (الثلاثاء)، إن الأوضاع في الضفة الغربية تتجه إلى التصعيد وستتفاقم حدتها خصوصاً مع زيادة الصراع على وراثة الحكم بعد انتهاء حقبة الرئيس محمود عباس. وأضاف: «حدوث انتفاضة ثالثة شعبية واسعة وعنيفة سيناريو محتمل للغاية، ولكن ليس بعد، وسوف تتزامن مع معركة الخلافة على الرئاسة بعد عباس، ونحن بحاجة إلى التنبيه والاستعداد لها الآن». وأضاف: «ما نراه الآن في الوقت الحالي هي مظاهر انفجار يكمن تحت السطح، لا يوجد مركز ثقل، ولا توجد عاصمة للإرهاب، هناك عدة عواصم للإرهاب».
كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، التي زارت إسرائيل والسلطة الفلسطينية الأسبوع الماضي، قد نقلت للمسؤولين الفلسطينيين الذين التقتهم في رام الله، مثل الوزير حسين الشيخ، ومدير المخابرات ماجد فرج، مخاوف إسرائيل من الوضع الميداني ودعت السلطة للعمل على الأرض. لكنّ الشيخ قال لها، حسبما يقول الفلسطينيون، إنه «ليس صحيحاً أن أجهزة أمن السلطة ضعيفة، الجيش الإسرائيلي يعتقد أنه سيعمل في الليل والأجهزة الأمنية الفلسطينية تعمل بالنهار، لا. لا يمكننا القيام بدورنا والجيش الإسرائيلي يقتحم مدننا كل يوم، ويعتقل ويقتل الناس، ماذا يتوقعون؟».
واتهم الشيخ إسرائيل بتعمد إضعاف السلطة لدرجة خنقها اقتصادياً، ثم الادّعاء أن أجهزة الأمن الفلسطينية ضعيفة، مضيفاً: «قلنا لهم قبل عام إن ممارساتهم تُضعف السلطة، وتقود للتصعيد، والآن يدّعون أنهم يريدون تقوية السلطة. إنها نكتة».
وتبادُل الاتهامات بين إسرائيل والسلطة جاء في وقت تعتقد فيه إسرائيل أن الضفة مقبلة على انتفاضة ثالثة أو ما يشبهها، في ظل تصعيد غير مسبوق يقوده شبان مسلحون لا ينتمون للفصائل وراحوا يتحولون إلى أبطال شعبيين ويكثفون هجماتهم ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية.
وبناءً عليه تدرس إسرائيل خطوات أخرى ترمي إلى تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وقد سمحت مؤخراً بتدريب عسكري للأجهزة الفلسطينية في الأردن تحت إشراف أميركي، وقالت إنها لا ترفض المصادقة على نقل أسلحة وذخيرة أخرى إلى الأجهزة الفلسطينية، بهدف تعزيز قوتها ضد المجموعات المسلحة الفلسطينية، بما في ذلك أيضاً إمكانية تشكيل قوة فلسطينية خاصة، مدربة ومسلحة أكثر للعمل في شمال الضفة.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي «مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

«مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

قتلت إسرائيل 3 فلسطينيين في الضفة الغربية، الخميس، بعد حصار منزل تحصنوا داخله في نابلس شمال الضفة الغربية، قالت إنهم يقفون خلف تنفيذ عملية في منطقة الأغوار بداية الشهر الماضي، قتل فيها 3 إسرائيليات، إضافة لقتل فتاة على حاجز عسكري قرب نابلس زعم أنها طعنت إسرائيلياً في المكان. وهاجم الجيش الإسرائيلي حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس صباحاً، بعد أن تسلل «مستعربون» إلى المكان، تنكروا بزي نساء، وحاصروا منزلاً هناك، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في المكان انتهت بإطلاق الجنود صواريخ محمولة تجاه المنزل، في تكتيك يُعرف باسم «طنجرة الضغط» لإجبار المتحصنين على الخروج، أو لضمان مقتلهم. وأعلنت وزارة

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

في وقت اقتطعت فيه الحكومة الإسرائيلية، أموالاً إضافية من العوائد المالية الضريبية التابعة للسلطة الفلسطينية، لصالح عوائل القتلى الإسرائيليين في عمليات فلسطينية، دفع الكنيست نحو مشروع جديد يتيح لهذه العائلات مقاضاة السلطة ورفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية؛ لتعويضهم من هذه الأموال. وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الخميس، إن الكنيست صادق، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين جراء هجمات فلسطينية رفع دعاوى لتعويضهم من أموال «المقاصة» (العوائد الضريبية) الفلسطينية. ودعم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ومن المعارضة، كذلك، المشروع الذي يتهم السلطة بأنها تشجع «الإرهاب»؛

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

دخل الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب وقصف بدباباته موقعاً في شرق مدينة غزة، أمس الثلاثاء، ردّاً على صواريخ أُطلقت صباحاً من القطاع بعد وفاة القيادي البارز في حركة «الجهاد» بالضفة الغربية، خضر عدنان؛ نتيجة إضرابه عن الطعام داخل سجن إسرائيلي.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

صمد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ، فجر الأربعاء، منهيا بذلك جولة قصف متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية استمرت ليلة واحدة (أقل من 24 ساعة)، في «مخاطرة محسوبة» بدأتها الفصائل ردا على وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان في السجون الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بعد إضراب استمر 87 يوما. وقالت مصادر فلسطينية في الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة مصرية قطرية وعبر الأمم المتحدة نجحت في وضع حد لجولة القتال الحالية.

كفاح زبون (رام الله)

اشتباكات سورية جديدة تُهدّد خرائط النفوذ القديمة

سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

اشتباكات سورية جديدة تُهدّد خرائط النفوذ القديمة

سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)

غيّرت التحركات العسكرية حول حلب لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات خرائط السيطرة ومناطق النفوذ في شمال غربي سوريا، وحرّكت حدود التماس بين جهات سورية محلية متصارعة، وقوات إقليمية ودولية منتشرة في تلك البقعة الجغرافية.

وتشي سخونة العمليات العسكرية بأن الهجوم قد يتمدد إلى كامل الشمال السوري، وينذر بإشعال جبهة شمال شرقي البلاد الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت روسيا وتركيا، اتفقتا في مارس (آذار) 2020 على تفاهمات تكرّس خفض التصعيد ووقف إطلاق النار شمال غربي سوريا، بعد سنوات من دعم موسكو للقوات الحكومية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، ومساندة أنقرة لفصائل مسلحة معارضة.

دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب 29 نوفمبر (أ.ب)

الخبير العسكري والمحلّل السياسي عبد الناصر العايد قال لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة حلب وحدودها الإدارية خارج دائرة الهجوم، حتى الآن، سيما مركز المدينة نظراً لتشابك وتعقد الحسابات الدولية وخضوعها لتفاهمات روسية - تركية أعقبت الاتفاقية الموقّعة عام 2020.

وتوقع العايد أن يصبح «التركيز بالدرجة الأولى على إخراج الميليشيات الإيرانية من المنطقة، وأن تستمر المعارك بشكل أعنف في قادم الأيام لتشتعل مناطق جغرافية تمتد بين ريف إدلب الشرقي والجنوبي، إلى جانب ريف حلب الغربي والشمالي».

حسابات إقليمية

وتخضع مدينة إدلب ومحيطها ومناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة لـ«هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة معارضة أقل نفوذاً، ويسري منذ 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته روسيا الداعمة لدمشق؛ وتركيا التي تدعم الفصائل المسلحة المعارضة بعد هجوم واسع شنّته القوات النظامية بدعم روسي واستعادت آنذاك مناطق شاسعة من قبضة تلك الفصائل.

ويرجع الخبير العسكري عبد الناصر العايد، وهو ضابط سوري سابق منشق يقيم في فرنسا، تقدم الفصائل المسلحة ووصولهم نحو مدخل حلب الغربي، إلى: «شدة الهجوم وزخم التحشيد الذي أُعد له منذ أشهر»، مشيراً إلى أن «المعارك ستتركز في تخوم حلب الغربية والجنوبية، ومناطق شرق إدلب وصولاً إلى معرة النعمان».

وباتت الطريق الدولية السريعة (إم 5) التي تربط مدينتي حلب شمالاً بالعاصمة دمشق خارجة عن الخدمة؛ معيدة للأذهان مشهد توقفها كلياً لسنوات بعد اندلاع الحرب السورية لتجدد العمليات العسكرية خلال الأيام الماضية على طرفي الطريق.

وما يزيد من ضبابية معارك الشمال السوري غياب الدعم الروسي للقوات النظامية وإحجامها عن الهجمات الجوية، كسابق تدخلاتها لصالح الحكومة السورية، ويعزو العايد موقف موسكو إلى عدم رغبتها في دعم الميليشيات الإيرانية المقاتلة هناك، ليقول: «لأن حلب بالكامل خرجت عن السيطرة الروسية ولم يبقَ لها أي تأثير فعلي، علماً أن الروس شاركوا بقوة برياً وجوياً لاستعادة شطر حلب الشرقية من قبضة الفصائل المعارضة منتصف 2016»، ويعتقد أن «عدم مشاركة روسيا، حتى الآن، بمعركة حلب مردّه: (بمثابة عقوبة مضاعفة للميليشيات الإيرانية، ويبدو هنالك أبعاد متعلقة بملفات استراتيجية خارج سوريا)»، على حد تعبير المحلل العسكري العايد.

تبادل لإطلاق النار في محيط حلب بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة (أ.ف.ب)

مقايضة تركية - روسية

وبحسب مقاطع فيديو وصور نشرها نشطاء محليون على منصات التواصل الاجتماعي، وصلت الهجمات لمدخل مدينة حلب الغربي بالقرب من حي الحمدانية العريق، كما أصبحوا على بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء وهما بلدتان شيعيتان تتمتع جماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران بحضور عسكري وأمني قوي هناك، إلى جانب قربهما من بلدة تل رفعت الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً؛ ما ينذر بتوسع وتمدّد المعارك القتالية نحو كامل الريف الشمالي لمحافظة حلب ثاني أكبر المدن السورية.

بدوره؛ يرى براء صبري، وهو باحث مساهم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن قوات «قسد»، شريكة واشنطن في حربها ضد التنظيمات الإرهابية، تخشى من حصول تركيا على مقايضة عسكرية من روسيا على الأرض «تشمل بلدة تل رفعت مقابل الضغط على (هيئة تحرير الشام) وفصائل (رد العدوان) للتوقف وضبط إيقاع الهجوم».

وتابع صبري حديثه قائلاً: «على الرغم من أن الهجوم السريع على قوات دمشق (القوات الحكومية) والخسائر الكبيرة هناك توحي بتسجيل نصر لصالح المعارضة و(هيئة تحرير الشام)، لكن من غير المتوقع تغطية مدينة حلب ولن يُسمح بسقوطها، لا من قِبل الروس أولاً، ولا من قِبل الإيرانيين و(حزب الله) المنهكين في صراعهما مع إسرائيل ثانياً».

وتشير المعطيات الميدانية لمعركة حلب إلى أن الحدود التي ستشعلها المرحلة المقبلة لن تكون كما سابق عهدها، بعد اتفاق سوتشي 2020، بين الرئيس التركي إردوغان والروسي بوتين، ومنذ 4 سنوات لم تتغير حدود السيطرة بين الجهات السورية المتحاربة والجهات الدولية الفاعلة، بما فيها فصائل المعارضة في شمال سوريا التي تدعمها تركيا، وقوات «قسد» التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي من البلاد.

مسلحون يستولون يوم 29 نوفمبر على دبابة للجيش السوري بالقرب من الطريق الدولية M5 (أ.ف.ب)

الإيرانيون لا يملكون الكثير

وعن الموقف الإيراني ودور جماعة «حزب الله» اللبنانية في حين وصلت العمليات العسكرية إلى بلدتي النبل والزهراء، أوضح صبري أن الإيرانيين: «لا يملكون الكثير ليقوموا به للدفاع عن المنطقة لأن الطيران الإسرائيلي يترصدهم، لكن المتوقع أن يتحول (حزب الله) مجموعة مستميتة عندما يصل الخطر إلى نبل والزهراء وهما معقل الشيعة السوريين هناك».

وحذَّر هذا الباحث من انزلاق المعركة إلى طابع مذهبي، منوهاً بأن الهدنة في لبنان التي دخلت حيز التنفيذ: «ستمكن (حزب الله) من لملمة صفوفه والتحرك أكثر بدعم إيراني، وسيحول الحزب ما يسميه انتصاراً في لبنان إلى حافز لإظهار وجوده من جديد في سوريا».

وقد تكون الهجمات العسكرية لـ«تحرير الشام» محاولةً لإعادة تموضع جغرافي في مساحة واسعة في أرياف حلب وحماة وإدلب غربي سوريا، غير أن الباحث براء صبري شدد بأن الروس ستكون لهم الكلمة الفصل، وقال: «بالنسبة للروس سقوط حلب بمثابة النكبة لانتصاراتهم المدوية التي حققوها خلال الأسبوعين الماضيين في خط الدونباس بأوكرانيا، وداخل روسيا نفسها في منطقة كورسك».

وذكر صبري في ختام حديثه بأن حلب أكبر من قدرات المعارضة المسلحة و«هيئة تحرير الشام»، «وأكبر من استطاعة تركيا نفسها، وإذا أخذنا بأن الهجوم خرج عن تخطيطها أو سُمح له بالمرور دون اعتراض؛ فسيقابله تشدد تركي إذا تسبب بسقوط حلب التي ستُغضّب الروس كثيراً».