على الرغم من إعلان طهران أن زيارة وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، إلى موسكو الأربعاء «تصب في مساعي حل الأزمة الأوكرانية»، فإن مجريات الحوار مع الوزير الروسي سيرغي لافروف والتصريحات التي أطلقها الأخير بعد اللقاء قد دلت على أن الاهتمام الأساسي انصب على مناقشة الملف «النووي» الإيراني، ومسألة اقتراب الأطراف المتفاوضة من التوصل إلى صيغة نهائية للاتفاق، فضلاً عن موضوع التحركات الثنائية لموسكو وطهران في مواجهة العقوبات المفروضة على البلدين، وتعزيز ما وصف بأنه «مسار التصدي للإملاءات الغربية».
وأفاد عبد اللهيان، لدى وصوله إلى العاصمة الروسية، بأن «بعض الأطراف الغربية تريد من طهران لعب دور فاعل في هذه القضية»، مبينا أن «متابعة العلاقات الثنائية وقضية أفغانستان أيضاً ضمن جدول مباحثاتنا في هذه الزيارة»، موضحاً أن «بعض الأطراف الغربية طلبت من الجمهورية الإسلامية الدخول إلى الأزمة الأوكرانية للمساعدة في خفض المواجهات العسكرية وإعادة الأوضاع إلى طاولة المفاوضات ووقف الحرب».
تزامن ذلك، مع إعلان محمد جمشيدي، مساعد الشؤون السياسية في مكتب الرئيس الإيراني، أن «مسؤولاً كبيراً في أوروبا الغربية طلب وساطة من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لإنهاء الحرب في أوكرانيا»، وأضاف: «بعد سلسلة مشاورات، أرسلت مبادرة سلام إلى جانب رسالة مهمة، نقلها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إلى موسكو».
وفي وقت لاحق، ذكرت وكالة «إيسنا» الحكومية أن «المسؤول الأوروبي الكبير الذي طلب الوساطة هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون». علماً بأن آخر مكالمة هاتفية بين ماكرون ورئيسي كانت في 23 يوليو (تموز) الماضي، واقتصرت على مفاوضات الاتفاق النووي، و4 محتجزين فرنسيين لدى طهران، بحسب بيان من الرئاسة الفرنسية وآخر من الرئاسة الإيرانية.
اللافت أن الجانب الروسي لم يعلق على هذا الموضوع، وركزت تصريحات الوزير لافروف في مستهل اللقاء وبعده على جوانب أخرى متعلقة بالملف النووي والعلاقات الثنائية.
وقال مفتتحاً جلسة المباحثات إن موسكو وطهران «تركزان على إنشاء آليات تعاون موثوقة ضد سياسة الإملاءات الغربية» وزاد: «اليوم بالطبع علينا أن ننظر في جميع مجالات العلاقات الاقتصادية والإنسانية والثقافية بين بلدينا ونناقش المهام في مجال السياسة الخارجية التي حددها قادتنا».
وأضاف لافروف أن البحث الثنائي ينطلق من ضرورة معالجة قضايا مثل الإحياء غير المشروط للاتفاق النووي والوضع المتأزم في المنطقة والتنسيق في إطار الأمم المتحدة.
وفي إشارة لافتة؛ قال الوزير الروسي إن «روسيا تقبل بالكامل النص الأخير للاتفاقية الخاصة باستعادة (خطة العمل الشاملة المشتركة) للبرنامج النووي الإيراني»، مضيفاً أن بلاده «تسترشد بموقف طهران في هذا المجال».
ووفقاً له؛ فإن «كل ما يعتمد على روسيا، فعلناه جميعاً منذ وقت طويل. نحن راضون تماماً عن النص الحالي للاتفاقية، كما أخذ يتبلور الآن».
وفي ملف التعاون ضد نظام العقوبات والقيود المفروضة على الجانبين، قال لافروف إن البلدين تقدما خطوات على مسار تبني آليات مشتركة، وأضاف: «نحن راضون عن الطريقة التي تتطور بها علاقاتنا الثنائية. هذه العلاقات وصلت إلى مستوى نوعي جديد، وهو ما سيتم تحديده في اتفاقية كبيرة بين الدولتين».
وتابع لافروف: «العمل في مجال تحضير هذه الوثيقة، بات الآن في مراحله النهائية. وهذه الاتفاقية تتمتع بأهمية استراتيجية وتحدد المبادئ التوجيهية الأساسية لمواصلة البناء المجمع الكامل للعلاقات الروسية الإيرانية في العقود المقبلة»، مشيراً إلى تحقيق تقدم في التعاون المصرفي، وقال إن نظامي الدفع المصرفيين «مير» الروسي و«شتاب» الإيراني سيتم دمجهما في المستقبل القريب. وقال إن هناك «مفاوضات موضوعية جارية على مستوى البنوك المركزية (بين روسيا وإيران). لقد تحدثوا في يوليو (تموز) 2022 واتفقوا على نوع من خريطة الطريق التي ستقودنا إلى هذه النتيجة. أنا متأكد من أن هذا سيحدث قريباً».
في المقابل؛ كرر عبد اللهيان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع لافروف عقب المباحثات، التركيز على الملف الأوكراني، وقال إن بلاده مستعدة للمساعدة في الوضع حول محطة الطاقة النووية في زابوروجيا. وزاد أن بلاده «مستعدة للمشاركة في تعزيز الهدوء والأمن في محطة الطاقة النووية في زابوروجيا وملحقاتها، (..) كما تطرقت المحادثات الروسية الإيرانية كذلك إلى قضية أسرى الحرب الذين يحظون باهتمام خاص».
في غضون ذلك، وجهت وزارة الخارجية الروسية إشارة لافتة من خلال التأكيد على أهمية أن تقدم طهران «أجوبة عن اسئلة جوهرية» طرحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقاً للمثل الدائم لروسيا لدى المنظمات الدولية ميخائيل أوليانوف.
وقال أوليانوف في حديث لصحيفة «إزفستيا» إنه «يترتب على إيران الإجابة عن أسئلة جوهرية للوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل إغلاق التحقيق في جزيئات اليورانيوم الموجودة في المنشآت النووية».
وزاد أوليانوف أن «الإجابة عن الأسئلة الأساسية ينبغي لها أن تكون بالقدر الذي يمكن الوكالة من اتخاذ قرار بالفعل لإزالة هذا الموضوع من جدول الأعمال». وشدد على أن إيران «لا تثق بالشركاء الغربيين الذين يشاركون في محادثات فيينا. وهناك بالفعل سبب لعدم الثقة، حيث اتخذت الدول الغربية موقفاً صارخاً وغير أمين بشأن العراق في ظل حكم صدام حسين وحيال الملف الكيماوي السوري».
ودافع أوليانوف في الوقت ذاته عن مواقف طهران، مشيراً إلى أن «معظم مخاوف الغرب بشأن جزيئات اليورانيوم التي تم العثور عليها في المواقع الإيرانية قبل عام 2003 لا أساس لها من الصحة». وشدد على أنه «لا يوجد نشاط نووي غير مصرح به حالياً في هذه المنشآت». وزاد: «معظم المخاوف التي يتحدث عنها زملاؤنا الغربيون لا تستحق العناء. كل هذا كان منذ وقت طويل، ولا تجري حالياً أنشطة نووية غير مصرح بها في هذه المنشآت». وأكد أنه «لا تزال هناك عقبتان رئيسيتان بين إيران والولايات المتحدة: أولاً: تطالب إيران بضمان أنها تستطيع جني الفوائد الاقتصادية التي وعدت بها الصفقة الأصلية. والثاني هو تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جزيئات اليورانيوم التي عثر عليها في 3 منشآت نووية في إيران».
ملفا «النووي الإيراني» و«التصدي للغرب» يهيمنان على مشاورات لافروف وعبد اللهيان
طهران تحدثت عن جهود وساطة لإنهاء الصراع في أوكرانيا بطلب فرنسي
ملفا «النووي الإيراني» و«التصدي للغرب» يهيمنان على مشاورات لافروف وعبد اللهيان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة