هل تضررت الأزمة الليبية بعد مغادرة ويليامز منصبها؟

سيتفاني ويليامز (البعثة)
سيتفاني ويليامز (البعثة)
TT

هل تضررت الأزمة الليبية بعد مغادرة ويليامز منصبها؟

سيتفاني ويليامز (البعثة)
سيتفاني ويليامز (البعثة)

بعد أيام قليلة من رحيل المستشارة الأممية سيتفاني ويليامز عن ليبيا، بدا لكثير من السياسيين الليبيين أن الأزمة المستعصية التي تراوح مكانها منذ أكثر من عِقد «مستمرة في التعقيد، وربما ستطول لفترة إضافية»؛ لكون الدبلوماسية الأميركية المحنكة كانت قطعت شوطاً مهماً باتجاه الحل، قبل أن تغادر منصبها كمستشارة للأمين العام للأمم المتحدة.
وتكمن تخوفات هؤلاء السياسيين في أن ويليامز ساهمت في إيجاد طرق لتطبيق المسارات، التي نص عليها «اتفاق جنيف»، السياسية والأمنية والاقتصادية؛ تمهيداً لإجراء الاستحقاقات الانتخابية المطلوبة، ومن ثمّ الإبقاء على هدنة وقف إطلاق النار دون اختراق؛ ولذلك يرون أن الأزمة الليبية «في طريقها لمزيد من التعقيد، إن لم تستدرك الأمم المتحدة الفجوة التي تركتها ويليامز، وتسارع بتعيين مبعوث جديد ينهض بأعباء الملف».
واصطدمت جميع جهود الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لتعيين مبعوث جديد خاص له في ليبيا، خلال الأشهر الماضية، بالرغبات المتعارضة لكثير من الدول في مجلس الأمن الدولي، ومناكفاتهم السياسية لإجهاض هذا الإجراء. غير أن الأمين العام، وهو يثني على الفترة التي أمضتها ويليامز في ليبيا، جدد التزام المنظمة الأممية بدعم «عملية يقودها الليبيون ويملكون زمامها لمواجهة التحديات المتبقية وضمان إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن». ورأى غوتيريش، أن ويليامز «أسهمت إسهاماً بالغ الأهمية في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في عموم البلاد في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، واعتماد (ملتقى الحوار السياسي) الليبي لخريطة الطريق السياسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وفي تحقيق مستوى غير مسبوق من الإجماع داخل اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب و(الأعلى للدولة) بشأن الإطار الدستوري للانتخابات».
وأمام مخاوف بعض الليبيين من ازدياد الجمود السياسي، بعد مغادرة ويليامز منصبها سارع ريزدون زينينغا، القائم بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بلقاء بعض القوى السياسية في أنحاء ليبيا «لجمع خيوط الأزمة في يد البعثة» مجدداً، واستكمال المسار ذاته الذي مضت فيه المستشارة السابقة، وفق وصف أحد السياسيين الليبيين لـ«الشرق الأوسط».
وخلال لقائه مع نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، أكد زينينغا على ضرورة «رسم مسار للانتخابات في أقرب وقت ممكن، بناءً على (إطار دستوري) توافقي». في حين جددت البعثة، في بيان مساء أول من أمس، «التزامها بدعم ليبيا لتجاوز الانقسامات السياسية الحالية في هذا الوقت الحرج؛ واستئناف المسار نحو الاستقرار؛ تماشياً مع خلاصات مؤتمري برلين وباريس. فضلاً عن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة».
وفور مغادرة المستشارة الأممية السابقة، التقى القائم بأعمال رئيس البعثة عمداء بلديات زوارة ومصراتة وسوق الجمعة، وتاجوراء وصرمان والزنتان، باعتبارهم يمثلون عمداء أكثر من 130 بلدية في ليبيا، وأكد لهم أن الأمم المتحدة «تمضي في مسار واضح لإجراء الانتخابات كأولوية قصوى». ونقلت البعثة عن العمداء «رغبة الشعب القوية في اختيار قادته ومؤسساته عن طريق الانتخابات»، بالإضافة إلى ضرورة تنظيم الانتخابات في أقرب وقت.
كما التقى القائم بأعمال رئيس البعثة في بنغازي أعضاء اللجنة العسكرية «5 5»، التابعين لـ«الجيش الوطني» الليبي، وحثّهم على مواصلة الجهود في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وإعادة توحيد المؤسسات العسكرية، بعد أن ناقش معهم الآراء حول تبعات الانسداد السياسي الراهن على الوضع الأمني في البلاد.
غير أن تحركات زينينغا في ليبيا، لم تخفف من حدة مخاوف جُلّ الليبيين من «إطالة فترة الانشقاق السياسي، وتوسيع هوة الانقسام، ومن ثم فشل ما حققته البعثة الأممية من تقدم عبر المسارين السياسي والأمني، والدخول في دوامة جديدة قد تفضي للعودة إلى النزاع المسلح».
وكان يفترض أن تلتئم لجنة «المسار الدستور»، المكونة من مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» بعد عيد الأضحى الماضي؛ بهدف استكمال التوافق حول ما تبقى من النقاط الخلافية، التي تم ترحيلها من لقاءات القاهرة وجنيف، لكن الانقسام السياسي والنزاع على رئاسة الحكومة، واستقالة ويليامز، أجّل هذا اللقاء إلى موعد غير معلوم.
وقبل مغادرة منصبها، علّقت ويليامز الجرس في رقبة القادة الليبيين، وقالت، إن «عليهم مسؤولية تجاه مواطنيهم، وتجاه الأجيال القادمة لتقديم التنازلات التاريخية اللازمة لإتاحة الفرصة لتحقيق الإنجاز المنشود».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
TT

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

فتح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الذي تم تسريبه قبل صدوره رسمياً، باباً جديداً من الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، بعدما كشف عن «وقائع فساد»، وسط مطالب سياسية ومجتمعية بفتح تحقيق فيما تضمنه من تجاوزات.

وتنوعت أشكال الإنفاق و«التجاوزات المالية»، التي أوردها تقرير الديوان، الذي يعدّ أكبر جهاز رقابي في ليبيا، بين رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات الليبية لـ3478 موظفاً، منهم 1923 دبلوماسياً، و1555 عمالة محلية، والإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

وأفاد التقرير بأن رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات وصل إلى 1.5 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند «سيارات»، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

ورغم ما كشف عنه التقرير من «تجاوزات مالية» أثارت حفيظة جل الليبيين الذين يعانون في صرف رواتبهم الشهرية، فقد قال عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد في تقرير ديوان المحاسبة».

شكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

كما رصد التقرير إنفاق نفقات بدل سكن موظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة 316.44 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة (ر. ال) التموينية، مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وأرجع أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حجم التجاوزات المالية إلى «غياب المتابعة والمحاسبة، وشرعنة الأجسام التنفيذية من الخارج، والصرف بترتيبات مالية خارج قوانين الميزانية، وما إلى ذلك من انقسام وفوضى».

النائب العام المستشار الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

ولم يستثن التقرير أي جهاز من الأجهزة الليبية، حيث رصد إنفاق 10 آلاف دولار مقابل إقامة وفود رئاسية لليلة الوحدة في جناح فندقي خلال زيارتها إلى نيويورك، رغم وجود مقر ليبي لضيافة الشخصيات المرموقة. كما تضمن التقرير صرف 720 ألف دينار، مقابل توفير طائرة لنقل نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى دولة غينيا مؤخراً.

وأظهر التقرير أيضاً توسع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في الإنفاق بشكل كبير، بداية من الصرف على «رحلات الطيران» قيمتها أكثر من مليوني ونصف مليون، وصولاً إلى إنفاقها 665 ألف دينار على «إحياء ليلة القدر» خلال شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى تخصيص نحو نصف مليون دينار لإقامة ندوة تتعلق بالانتخابات.

وقال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد إمطيريد، إن هذه المخالفات ستتطلب إجراء تحقيقات موسعة ضد حكومة الدبيبة، متوقعاً أن يبدأ خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في التحرك، وكذلك النائب العام المستشار الصديق الصور.

إمطيريد توقع أن يبدأ خالد المشري في التحرك للتحقيق في التجاوزات التي أبرزها التقرير (المكتب الإعلامي للمجلس)

ورأى إمطيريد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ظهور هذه التقارير عادة ما يستهدف إزاحة الحكومة، وهو ما يقصد به راهناً الدبيبة، وذكّر بالتقارير التي أصدرها الديوان في الأعوام السابقة ضد حكومة فائز السراج السابقة، والصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي المقال.

ويعتقد إمطيريد أن الولايات المتحدة «تقف وراء صدور مثل هذه التقارير. وديوان المحاسبة يبدأ في الضغط عندما يأخذ الضوء الأخضر منها ومن لندن، ويعمل على تحقيق رغبات المجتمع الدولي بالضغط، الذي يكون ربما لإنهاء حالة الخمول السياسي في ليبيا، وتحقيق الاستقرار».

لكن «الديوان» استبق تلك الاتهامات، وحذر من «الانحراف بالتقرير عن مساره المهني والموضوعي، واستغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة». ودافع عن نفسه قائلاً إنه يمارس مهامه، وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وأوضح أنه يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في بيئة القطاع العام، ومعالجة أوجه عدم الالتزام، أو القصور والضعف في الأنظمة والسياسات المعمول بها، بما يضمن حسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح.

يشار إلى أن تقرير 2022 تضمن أيضاً «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء سيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وإلى جانب ما رصده التقرير من «تضخم الرواتب في وزارة الداخلية، والإسراف في التكليف المباشر والتعاقدات غير الضرورية»، تحدث أيضاً عن «سوء إدارة الموارد والمخصصات المالية في وزارة الدفاع»، بالإضافة إلى «الانحراف في توجيهها عن التوجيه السليم بما يخدم بناء وتنظيم المؤسسة العسكرية».

وأمام استفحال التجاوزات ووقائع الفساد، تساءل أوحيدة: «مَن سيحاسب من في ظل هذا النهب للمال العام؟».

وللعلم، فإن مكتب النائب العام فتح تحقيقات عديدة فيما تضمنه تقرير الديوان لعام 2022.