رحلة تطور اللقاحات عبر الألفية الماضية

أسبوع التحصين العالمي تحت شعار «حياة طويلة للجميع»

رحلة تطور اللقاحات عبر الألفية الماضية
TT

رحلة تطور اللقاحات عبر الألفية الماضية

رحلة تطور اللقاحات عبر الألفية الماضية

يشهد الأسبوع الأخير من شهر أبريل (نيسان) (24 - 30) من كل عام، احتفالاً عالمياً بأسبوع التحصين العالمي. ويهدف في هذا العام إلى تسليط الضوء على العمل الجماعي المطلوب والتشجيع على استخدام اللقاحات لحماية الناس من جميع الأعمار من الأمراض، وتحفيز مزيد من المشاركة حول التطعيم على مستوى العالم، لتأكيد أهمية التطعيم وتحسين صحة ورفاهية الجميع في كل مكان، رافعين شعار «حياة طويلة للجميع» (Long life for all)، سعياً وراء العيش بحياة طويلة وبشكل جيد.
بهذه المناسبة، أقام قطاع الصحة العامة وصحة المجتمع بوزارة الصحة بدولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمراً توعوياً بعنوان «التطعيم حياة» للتعريف بأهمية التحصينات في صحة المجتمع وجودة الحياة. ترأس المؤتمر الدكتور حسين عبد الرحمن الرند الوكيل المساعد لقطاع المراكز والعيادات الصحية في وزارة الصحة بدولة الإمارات، الذي أكد أنه بفضل التحصينات، عاش المليارات من البشر في جميع أنحاء العالم حياة أطول، كبروا وطالت أعمارهم وتحسنت جودة حياتهم. حقاً، لقد وفرت اللقاحات الفرصة والأمل لنا جميعاً للاستمتاع بحياة أكثر إرضاءً، ما يحفزنا لنكافح جميعاً من أجل اللقاحات، وحماية الناس من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، سعياً وراء حياة طويلة وجيدة.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن الحياة الطويلة للجميع ليست وعداً، وإنها هي طموح، لأن كل شخص يستحق فرصة في حياة مُرْضِية.

- أهمية اللقاحات
تحدث إلى «صحتك» الأستاذ الدكتور أشرف أمير أحد المتحدثين في المؤتمر، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع واستشاري طب الأسرة، مؤكداً أن اللقاحات أنقذت الأرواح بشكل كبير منذ بداياتها في عام 1796، حيث كان أول تحصين ضد الجدري (Smallpox) وهو بمثابة الحرب ضد الأمراض، وأُعْطيت من خلاله، لأول مرة، الفرصة لتحصين الجميع، تلتها عشرات اللقاحات لاحقاً، عبر قرنين وربع قرن من الزمن.
منذ القدم، بحث الناس عن طرق لحماية أنفسهم من الأمراض المعدية. فمن ممارسة «التجدير» (الذي يعني التلقيح بفيروس الجدري للتطعيم) في القرن الخامس عشر إلى لقاحات «مرسال الرنا» (mRNA vaccines) المستخدمة اليوم للتحصين.
وقد كان لمنظمة الصحة العالمية (WHO) دور كبير ومهم وحاسم في الحد من الأمراض الخطيرة من خلال التحصين العالمي في القرنين العشرين والحادي والعشرين. وفي أسبوع التحصين العالمي، تتعاون جميع المؤسسات من جميع أنحاء العالم لإضفاء الحيوية على هذا الأسبوع.

- تاريخ اللقاحات
تحدث الدكتور أمير عن قصة هذه الاكتشافات غير العادية التي أنقذت حياة الملايين، وفقاً لتواريخ حدوثها، كالتالي:
> من 1400 إلى 1700، منذ القرن الخامس عشر على الأقل، حاول الناس في أجزاء مختلفة من العالم منع المرض عن طريق تعريض الأشخاص الأصحاء للجدري عمداً - وهي ممارسة تُعرف باسم التجدير (variolation)، (من اسم الجدري، فاريول variole). تشير بعض المصادر إلى أن هذه الممارسات كانت تحدث منذ 200 قبل الميلاد. تصف الروايات المكتوبة من منتصف القرن السادس عشر شكلاً من أشكال التجدير المستخدم في الصين يُعرف بالنفخ، حيث يتم تجفيف قشور الجدري وطحنها ونفخها في فتحة الأنف باستخدام أنبوب!
> في عام 1721، جلبت السيدة ماري وورتلي مونتاغو (Lady Mary Wortley Montagu) التطعيم ضد الجدري إلى أوروبا، من خلال طلب تلقيح ابنتيها ضد الجدري كما لاحظت ممارسته في تركيا.
> في عام 1774، حقق بنيامين جيستي (Benjamin Jesty) تقدماً كبيراً باختبار فرضيته القائلة إن الإصابة بجدري البقر - وهو فيروس بقري يمكن أن ينتشر إلى البشر - ويمكن أن يحمي الشخص من الجدري.
> في مايو (أيار) 1796، توسع الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر (Edward Jenner) في هذا الاكتشاف، وقام بتلقيح جيمس فيبس البالغ من العمر 8 سنوات بمواد تم جمعها من قرحة جدري البقر، على الرغم من معاناته من رد فعل محلي والشعور بتوعك لعدة أيام، تعافى فيبس تماماً.
> بعد شهرين، في يوليو (تموز) 1796، قام جينر بتلقيح فيبس بمادة من قرحة الجدري البشرية من أجل اختبار مقاومة فيبس الذي ظل في صحة تامة، وأصبح أول إنسان يتم تطعيمه ضد الجدري. تمت صياغة مصطلح «لقاح vaccine» لاحقاً، مأخوذاً من الكلمة اللاتينية التي تعني بقرة، فاكا (vacca).
> في عام 1872، ابتكر لويس باستير (Louis Pasteur) أول لقاح تم إنتاجه في المختبر: لقاح كوليرا الطيور في الدجاج، على الرغم من تعرضه لسكتة دماغية ووفاة اثنتين من بناته بسبب التيفود.
> في عام 1885، نجح لويس باستير في منع داء الكلب (Rabies) من خلال التطعيم بعد التعرض. وكان أول شخص يتلقى التطعيم بنجاح (جوزيف مايستر)، من 13 حقنة، كل منها يحتوي على جرعة أقوى من فيروس داء الكلب.
> في عام 1894، عزلت الدكتورة آنا ويسيلز ويليامز (Anna Wessels Williams) سلالة من بكتيريا الدفتيريا (Diphtheria) التي تعد حاسمة في تطوير مضاد السموم لهذا المرض.

- لقاحات العصر الجديد
> من عام 1918 إلى عام 1919، قتلت جائحة الإنفلونزا الإسبانية ما يقدر بنحو من 20 إلى 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك جندي واحد من بين كل 67 جندياً أميركياً، ما جعل لقاح الإنفلونزا أولوية عسكرية أميركية. تم إجراء تجارب مبكرة على لقاحات الإنفلونزا: اختبرت كلية الطب بالجيش الأميركي مليوني جرعة عام 1918، لكن النتائج غير حاسمة.
> في عام 1937، طور ماكس ثيلر وهيو سميث ويوجين هاجن لقاح 17 د ضد الحمى الصفراء (yellow fever). تمت الموافقة على اللقاح في عام 1938 وتلقاه أكثر من مليون شخص في ذلك العام. وحصل ثيلر على جائزة نوبل.
> في عام 1939، أظهر عالما البكتيريا بيرل كندريك وجريس إلدرينج فاعلية لقاح السعال الديكي (whooping cough). أظهر العلماء أن التطعيم يقلل من معدلات إصابة الأطفال بالمرض من 15.1 لكل 100 طفل إلى 2.3 لكل 100.
> بحلول عام 1945، تمت الموافقة على لقاح الإنفلونزا الأول للاستخدام العسكري، تلاه في عام 1946 الاستخدام المدني. يقود البحث الطبيبان توماس فرنسيس جونيور وجوناس سالك، وكلاهما مرتبط ارتباطاً وثيقاً بلقاح شلل الأطفال.
> من 1952 إلى 1955، طور جوناس سالك أول لقاح فعال ضد شلل الأطفال وبدأت التجارب. قام سالك باختبار اللقاح على نفسه وعائلته في العام التالي، وأجريت تجارب جماعية شملت أكثر من 1.3 مليون طفل في عام 1954.
> بحلول عام 1960، تمت الموافقة على استخدام النوع الثاني (OPV) من لقاح شلل الأطفال، الذي طوره ألبرت سابين، باستخدام الفيروس المضعف ويمكن إعطاؤه عن طريق الفم، وكانت تشيكوسلوفاكيا أول دولة في العالم تقضي على شلل الأطفال.
> في عام 1967، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن البرنامج المكثف لاستئصال الجدري، مستهدفة أكثر من 30 دولة من خلال المراقبة والتطعيم. تم القضاء على الجدري في الغالب بأوروبا الغربية وأميركا الشمالية واليابان.
> في عام 1969، بعد أربع سنوات من اكتشاف الدكتور باروخ بلومبرغ (Baruch Blumberg) لفيروس التهاب الكبد بي، طور أول لقاح مضاد مع عالم الأحياء الدقيقة إيرفينغ ميلمان، باستخدام شكل من الفيروس معالج بالحرارة.
> من 1981 إلى 1990، تمت الموافقة على لقاح معطل مشتق من البلازما وآخر معدّل وراثياً (DNA recombinant)، ولا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم.
> في عام 1971، تم دمج لقاح الحصبة مع النكاف والحصبة الألمانية (rubella) في لقاح واحد (MMR) بواسطة الدكتور موريس هيلمان.
> في عام 1974، أنشأت منظمة الصحة العالمية البرنامج الموسع الأساسي للتحصين (EPI) لتطوير برامج التحصين في جميع أنحاء العالم. الأمراض الأولى التي يستهدفها برنامج التحصين الموسع هي الدفتيريا والحصبة وشلل الأطفال والتيتانوس والسل والسعال الديكي.
> في أعوام 1978 - 1983، تم ترخيص لقاح متعدد السكاريد يقي من 14 إلى 23 سلالة مختلفة من الالتهاب الرئوي بالمكورات.
> في عام 1980، أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على الجدري، الوباء الأكثر فتكاً منذ أقدم العصور، تاركاً وراءه الموت والعمى والتشوه.
> في عام 1976، سجلت حالات السعال الديكي أدنى مستوى لها على الإطلاق في الولايات المتحدة.
> في عام 1985، تم ترخيص أول لقاح ضد الأمراض التي تسببها المستدمية النزلية من النوع ب (Haemophilus influenzae type b (Hib)
> في عام 1988، بعد استئصال الجدري، أطلقت منظمة الصحة العالمية مبادرة عالمية لاستئصال شلل الأطفال المنتشر في 125 دولة، بحلول عام 2000.
> بحلول عام 1994، تم القضاء على شلل الأطفال من الأميركتين، تلتهما أوروبا عام 2002، وبحلول عام 2003، أصبح المرض متوطناً في 6 دول فقط.
> في عام 1995، قادت الدكتورة آن ساريويسكي (Anne Szarewski) فريقاً للبحث عن لقاح لفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) المتسبب لحالات طبية أخرى، منها سرطان عنق الرحم. وقد تمكن من تقليل حدوث

- سرطان عنق الرحم في جميع أنحاء العالم بمقدار الثلثين.
> في عام 2006، تم تطوير نسخة أقل خطورة من اللقاح المضاد لفيروس الروتا (rotavirus) المسبب للإسهال الحاد عند الأطفال الصغار، وحتى عام 2019 تم استخدامه في أكثر من 100 دولة.
> في عام 2006، تمت الموافقة على أول لقاح لفيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، كجزء من جهود القضاء على سرطان عنق الرحم.
> في عام 2016، نجح مشروع لقاح التهاب السحايا (Meningitis)، في القضاء على مرض المكورات السحائية من المجموعة المصلية A في بلدان حزام التهاب السحايا في أفريقيا، ويتم الآن دمجه في برامج التحصين الوطنية الروتينية.
> في عام 2019، تم إطلاق أول لقاح (RTS / S) للملاريا يمكن أن يقلل بشكل كبير من أكثر سلالات الملاريا فتكاً وانتشاراً بين الأطفال الصغار، وهي المجموعة الأكثر عرضة للوفاة من المرض.
> في عام 2021، تم إنشاء مخزون عالمي من اللقاحات لضمان الاستجابة لفاشية إيبولا (Ebola)، واستخدامه في البلدان المعرضة لخطر كبير.

- جائحة كورونا واللقاحات
> في 30 يناير (كانون الثاني) 2020، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أن تفشي فيروس كورونا الجديد 2019 (SARS-CoV-2) يمثل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً. في 11 مارس (آذار)، أكدت المنظمة أن «COVID-19» أصبح جائحة.
> في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وبعد عام واحد فقط من اكتشاف الحالة الأولى لـ«كوفيد - 19»، تم تطوير وإنتاج وتوزيع لقاحات «كوفيد - 19» بسرعة غير مسبوقة، وبعضها يستخدم تقنية mRNA الجديدة، وتم إعطاء جرعات اللقاح الأولى.
> بدءاً من يوليو (تموز) 2021، تم إعطاء ما يقرب من 85 في المائة من لقاحات «كوفيد - 19» في البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط.
وهكذا فقد تم، لأكثر من قرنين من الزمان، تطعيم الناس ضد الأمراض الفتاكة، منذ أن تم ابتكار أول لقاح في العالم ضد الجدري إلى التقنيات الجديدة المستخدمة في لقاحات «كوفيد - 19». وقد ساعدت اللقاحات، حتى الآن، في الحماية من أكثر من 20 مرضاً. وفي السنوات الثلاثين الماضية فقط، انخفضت وفيات الأطفال بنسبة تزيد على 50 في المائة، ويرجع الفضل في ذلك لحد كبير إلى اللقاحات. وسوف تحتاج العقود المقبلة إلى تعاون وتمويل والتزام ورؤية عالمية لضمان عدم إصابة أي طفل أو بالغ بمرض يمكن الوقاية منه باللقاحات أو وفاته.
لقد علمنا التاريخ أن الاستجابة العالمية الكاملة والفعالة للأمراض، التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، تستغرق وقتاً ودعماً مالياً وتعاوناً - وتتطلب يقظة مستمرة.
- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

صحتك تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)

فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

اكتشف الباحثون وجود صلة بين عدوى الأمعاء المزمنة الناجمة عن فيروس شائع وتطور مرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كم عدد الزيارات السنوية للطبيب حول العالم؟

كم عدد الزيارات السنوية للطبيب حول العالم؟

وفق تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

صحتك أكواب من الحليب النباتي بجانب المكسرات (أرشيفية - إ.ب.أ)

دراسة: النباتيون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب

تشير دراسة إلى أن النباتيين قد يكونون أكثر عرضة للاكتئاب؛ لأنهم يشربون الحليب النباتي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك تساهم المكسرات والأسماك الدهنية والخضراوات والفواكه في رفع مستويات الكوليسترول الجيد (أرشيفية- جامعة ناغويا)

أفضل الوجبات الصحية للعام الجديد

خلص خبراء إلى أن أفضل وجبة غذائية لعام 2025، هي الوجبة «المتوسطية» التي ترتبط بالعادات الغذائية لسكان منطقة حوض المتوسط.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين
TT

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

أثارت التقارير عن زيادة حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف اختصاراً بـHMPV في الصين أصداء قاتمة لبداية مماثلة لجائحة كوفيد - 19 قبل خمس سنوات تقريباً، كما كتبت ستيفاني نولين(*).

ولكن رغم أوجه التشابه السطحية، فإن هذا الوضع مختلف تماماً، وأقل إثارة للقلق، كما يقول خبراء الطب.

وإليك ما نعرفه عن «الفيروس المتحور الرئوي البشري» Human Metapneumovirus المعروف اختصاراً HMPV. ويسمى أحياناً أخرى بـ«الميتانيوفيروس البشري».

ما «الفيروس المتحور الرئوي البشري»؟

إنه أحد مسببات الأمراض العديدة التي تنتشر في جميع أنحاء العالم كل عام، وتسبب أمراض الجهاز التنفسي. وهو فيروس شائع؛ بل شائع جداً لدرجة أن معظم الناس يصابون به وهم ما زالوا أطفالاً وقد يعانون من عدة إصابات في حياتهم. وفي البلدان التي تشهد شهوراً من الطقس البارد، يمكن أن يكون لفيروس الجهاز التنفسي البشري موسم سنوي، تماماً مثل الإنفلونزا، بينما في الأماكن الأقرب إلى خط الاستواء، فإنه ينتشر بمستويات أقل طوال العام.

هذا الفيروس يشبه فيروساً معروفاً بشكل أفضل في الولايات المتحدة، «الفيروس المخلوي التنفسي»، RSV الذي يسبب أعراضاً تشبه إلى حد كبير تلك المرتبطة بالإنفلونزا وكوفيد، بما في ذلك السعال والحمى واحتقان الأنف والصفير.

معظم عدوى فيروس HMPV خفيفة، تشبه نوبات البرد الشائعة. لكن الحالات الشديدة يمكن أن تؤدي إلى التهاب الشعب الهوائية أو الالتهاب الرئوي، وخاصة بين الرضع وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة. أما المرضى الذين يعانون من حالات الرئة السابقة، مثل الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن أو انتفاخ الرئة، فهم أكثر عرضة لنتائج وخيمة.

منذ متى كان الفيروس موجوداً؟

تم التعرف على الفيروس في عام 2001، لكن الباحثين يقولون إنه انتشر بين البشر لمدة 60 عاماً على الأقل. ورغم أنه ليس جديداً، فإنها لا يحظى بالقدر نفسه من التعرف على الإنفلونزا أو كوفيد - 19 أو حتى الفيروس المخلوي التنفسي، كما يقول الدكتور لي هوارد، الأستاذ المساعد لأمراض الأطفال المعدية في المركز الطبي لجامعة فاندربيلت.

أحد الأسباب هو أنه نادراً ما تتم مناقشته بالاسم، إلا عندما يتم إدخال الأشخاص إلى المستشفى بسبب حالة مؤكدة منه.

ويضيف هوارد: «من الصعب حقاً التمييز بين السمات السريرية والأمراض الفيروسية الأخرى. إننا لا نختبر بشكل روتيني فيروس الجهاز التنفسي البشري بالطريقة التي نفعلها لكوفيد - 19 أو الإنفلونزا أو الفيروس المخلوي التنفسي، لذا فإن معظم حالات العدوى لا يتم التعرف عليها ويتم إرجاعها إلى أي عدوى تنفسية موجودة».

كيف يصاب الشخص بالفيروس التنفسي البشري؟

ينتشر الفيروس في المقام الأول من خلال الرذاذ أو الهباء الجوي من السعال أو العطس، ومن خلال الاتصال المباشر بشخص مصاب أو من خلال التعرض للأسطح الملوثة - وهي نفس الطرق التي يصاب بها الناس بنزلات البرد والإنفلونزا وكوفيد-19.

هل يوجد لقاح أو علاج له؟

لا يوجد لقاح ضد فيروسات الجهاز التنفسي البشري. ولكن هناك لقاح ضد فيروس الجهاز التنفسي المخلوي، ويجري البحث حالياً لإيجاد لقاح يمكنه الحماية ضد الفيروسين بجرعة واحدة، لأنهما متشابهان. لا يوجد علاج مضاد للفيروسات مخصص لفيروسات الجهاز التنفسي البشري؛ إذ يركز العلاج على إدارة الأعراض.

ماذا تقول الصين عن انتشاره؟

أقرت السلطات الصينية بارتفاع حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري، لكنها أكدت أن الفيروس كيان معروف وليس مصدر قلق كبير. ويذكر أن فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد - 19 كان مسبباً جديداً للأمراض، لذا لم تتمكن أجهزة المناعة لدى الناس من بناء دفاعات ضده.

وفي مؤتمر صحافي عقدته مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الصين في 27 ديسمبر (كانون الأول)، قال كان بياو، مدير معهد الأمراض المعدية التابع للمركز، إن حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري آخذة في الارتفاع بين الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 14 عاماً أو أقل. وقال إن الزيادة كانت ملحوظة بشكل خاص في شمال الصين. وأضاف أن حالات الإنفلونزا زادت أيضاً.

وقال إن الحالات قد ترتفع خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة، في نهاية يناير (كانون الثاني)، عندما يسافر العديد من الناس ويتجمعون في مجموعات كبيرة.

لكن كان قال بشكل عام: «بالحكم على الوضع الحالي، فإن نطاق وشدة انتشار الأمراض المعدية التنفسية هذا العام سيكونان أقل من العام الماضي».

وأظهرت البيانات الصينية الرسمية أن حالات فيروس التهاب الرئة البشري كانت في ارتفاع منذ منتصف الشهر الماضي، سواء في العيادات الخارجية أو في حالات الطوارئ، وفقاً لـ«وكالة أنباء شينخوا» الرسمية. وقالت الوكالة إن بعض الآباء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لم يكونوا على دراية بالفيروس وكانوا يطلبون المشورة عبر الإنترنت؛ وحثت على اتخاذ الاحتياطات الهادئة والعادية مثل غسل اليدين بشكل متكرر وتجنب الأماكن المزدحمة.

في إحاطة إعلامية روتينية يوم الجمعة الماضي، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية أن حالات الإنفلونزا والفيروسات التنفسية الأخرى تزداد بشكل روتيني في هذا الوقت من العام ولكنها «تبدو أقل حدة وتنتشر على نطاق أصغر مقارنة بالعام السابق».

وقال المسؤولون الصينيون الأسبوع الماضي إنهم سيضعون نظام مراقبة للالتهاب الرئوي من أصل غير معروف. وسيشمل النظام إجراءات للمختبرات للإبلاغ عن الحالات وللوكالات المعنية بمكافحة الأمراض والوقاية منها للتحقق منها والتعامل معها، حسبما ذكرت «هيئة الإذاعة والتلفزيون» الصينية.

ماذا تقول «منظمة الصحة العالمية»؟

لم تعرب «منظمة الصحة العالمية» عن قلقها. واستشهدت الدكتورة مارغريت هاريس، المتحدثة باسم المنظمة، بتقارير أسبوعية من السلطات الصينية أظهرت ارتفاعاً متوقعاً في الحالات.

«كما هو متوقع في هذا الوقت من العام، أي شتاء نصف الكرة الشمالي، فإن هناك زيادة شهرية في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وكذلك RSV وفيروس الميتانيوفيروس» هذا، كما قالت هاريس عبر البريد الإلكتروني.

هل يجب أن نقلق؟

التقارير الواردة من الصين تذكرنا بتلك التي وردت في الأيام الأولى المربكة لجائحة كوفيد، ولا تزال «منظمة الصحة العالمية» تحث الصين على مشاركة المزيد من المعلومات حول أصل هذا التفشي، بعد خمس سنوات.

لكن الوضع الحالي مختلف في جوانب رئيسة. كان كوفيد فيروساً انتقل إلى البشر من الحيوانات ولم يكن معروفاً من قبل. أما فيروس الإنسان الميتانيوفيروس هذا فقد تمت دراسته جيداً، وهناك قدرة واسعة النطاق لاختباره.

هناك مناعة واسعة النطاق على مستوى السكان من هذا الفيروس على مستوى العالم؛ لم تكن هناك مناعة لكوفيد. يمكن لموسم فيروس الإنسان الميتانيوفيروس الشديد أن يجهد سعة المستشفيات -وخاصة أجنحة الأطفال- لكنه لا يرهق المراكز الطبية.

وقال الدكتور سانجايا سينانياكي، المتخصص في الأمراض المعدية وأستاذ مشارك في الطب في الجامعة الوطنية الأسترالية: «ومع ذلك، من الضروري أيضاً أن تشارك الصين بياناتها حول هذا التفشي في الوقت المناسب». «يتضمن هذا بيانات وبائية حول من يصاب بالعدوى. وسنحتاج أيضاً إلى بيانات جينومية تؤكد أن فيروس HMPV هو السبب، وأنه لا توجد أي طفرات كبيرة مثيرة للقلق».

* خدمة «نيويورك تايمز»