يعدّ ارتفاع ضغط الدم الرئوي اضطراباً حاداً ومتطوراً ومُهدداً للحياة يحدث في الرئتين والقلب، حيث يكون ضغط الدم في الشرايين الرئوية أعلى من المعدل الطبيعي؛ مما يؤدي غالباً إلى قصور في أداء القلب والوفاة. ويُصاب المرضى بارتفاع ضغط الدم في شرايين الرئتين؛ مما يُسبب ضيقاً في التنفس وتعباً في الجسم؛ الأمر الذي يعوّق قدرتهم على العمل والقيام بالأنشطة اليومية الاعتيادية مثل المشي لمسافاتٍ قصيرة أو صعود السلالم. وقد يؤثر المرض على الأشخاص من جميع الأعمار، بما في ذلك الأطفال، وقد تزيد نسبة الإصابة به إلى 10 في المائة لدى الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة.
- مؤتمر طبي
أقيم بمدينة جدة، في 17 - 19 فبراير (شباط) الحالي، المؤتمر الخامس عشر للجمعية السعودية لارتفاع ضغط الدم الرئوي بمشاركة علماء ومتخصصين من الكثير من البلدان الأوروبية والعربية والخليجية، إلى جانب أطبائنا من المملكة. وفي خلال المؤتمر، أعلنت شركة «باير» عن إطلاق أول منصة رقمية في السعودية لدعم علاج مرضى ارتفاع ضغط الدم الرئوي.
وللتعرف على مرض ارتفاع ضغط الدم الرئوي وللإضاءة على المنصة الرقمية التي تعدّ الأولى من نوعها في المملكة في الارتقاء بالمنظومة الصحية وتوفير الوصول إلى الخدمات الطبية لجميع المرضى أينما كانوا في المملكة تماشياً مع «رؤية 2030» ومع برنامج تحول القطاع الصحي في البلاد، حاورت «صحتك» كلاً من رئيس المؤتمر الأستاذ الدكتور عبد الله محسن الضلعان، رئيس الجمعية السعودية لارتفاع ضغط الدم الرئوي استشاري طب الرئة مدير برنامج ارتفاع ضغط الدم الرئوي بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، والدكتور حسين الحكيم، العضو المنتدب ورئيس قسم الأدوية لدى شركة «باير السعودية».
- ارتفاع الضغط الرئوي
يقول البروفسور عبد الله الضلعان، إن ارتفاع ضغط الدم الرئوي يختلف عن ضغط الدم العام المعروف، فعندما يرتفع الضغط في شرايين الرئة تكون هناك مقاومة لاستقبال ضخ الدم من الجهة اليمنى من القلب ومع مرور الوقت، سواء كانت المقاومة قليلة أو كبيرة تبدأ الجهة اليمنى من القلب بالتعب وبالتالي تبدأ الأعراض، التي من أهمها ضيق النفس مع الحركة ثم تتطور مع الوقت إلى ضيق النفس مع الحركة ولو كانت بسيطة كالنشاطات اليومية والاستحمام مثلاً إلى غيره، ثم يكون هناك استسقاء في الأرجل وفي البطن إلى آخره. وإذا تقدم المرض بشكل أكبر يبدأ المريض لا يستطيع أن يؤدي وظائفه اليومية نتيجة الإرهاق ونتيجة ضيق النفس مع أبسط مجهود، ويبدأ يعاني من إغماءات نتيجة تعب القلب بالجهة اليمنى تماماً وعدم القدرة على ضخ الدم بما يكفي الحاجة للنشاطات المختلفة، وأحياناً يتلف ضبط نبضات القلب وكهرباء القلب نتيجة التوسع الكبير في البطين الأيمن والأذين الأيمن. والجدير ذكره، أن الله سبحانه وتعالى جعل ضغط الدم في شرايين الرئة ضغطاً واطياً جداً؛ وذلك ليستوعب كل الدم الخارج من الجهة اليمنى من القلب، ووجود مقاومة نتيجة ارتفاع الضغط في هذه الشرايين يؤدي إلى أعراض ضغط الشريان الرئوي.
- أنواع وأسباب
مرض نادر مهدد للحياة. ارتفاع الضغط الرئوي مرض ليس منتشراً كباقي أمراض الرئة، ولكنه مرض خطير إذا لم يشّخص بوقته ويعالج ويأخذ الأدوية والمناسبة في الوقت المناسب، والخطورة تكمن في أنه يرفع الضغط في شرايين الرئة مسبباً التعب للقلب الذي يؤدي للوفاة.
المرض على أنواع مختلفة، والأسباب كثيرة، يبدأ بارتفاع ضغط شريان الرئة لأكثر من عشرين مليمتر زئبق مثلاً. وينتشر في المتوسط بنسبة خمسة وعشرين إلى خمسين حالة بالمليون من المجتمعات بالعالم.
ومن النادر أن نشخص طفلاً مولوداً بارتفاع الضغط الرئوي، وهو يكون نتيجة التغييرات الفسيولوجية خلال الحمل تؤدي إلى ارتفاع ضغط الشريان الرئوي من وقت الحمل إلى وقت الولادة، وغالباً ما يكون نتيجة عيوب خلقية في القلب، وبالذات ما يسمى الفتحات بين الأذينين أو البطينين أو الاشتراك بين الدورة الدموية الرئوية والدورة الدموية العامة.
وفي كثير من حالات ارتفاع الضغط الرئوي يكون السبب مجهول الهوية idiopathic، وفي بعضه يكون المرض وراثياً، وتشخيص فرد من الأسرة بهذا المرض يجعل باقي أفرادها معرّضين للإصابة بالمرض بدرجات متفاوتة. وهناك طفرات جينية وُجد أنها تسبب ارتفاع ضغط الشريان الرئوي. كما وُجد أن من لديهم أمرض مناعية كالذئبة الحمراء والأمراض الروماتيزمية والتصلب المتعدد مثلاً تكون لديهم خطورة لتطوير المرض أكثر من الناس الآخرين. وبالنسبة لمرضى نقص المناعة، فنسبة بسيطة منهم يمكن أن يطوروا ضغط الشريان الرئوي. وكذلك أمراض الكبد، فمع الوقت يطور المرضى الضغط الرئوي وبالنسبة لمتوسط أعمار مرضى ارتفاع الضغط الرئوي، ففي أميركا وفي أوروبا يتعدى الخمسة والخمسين سنة، ويختلف في مجتمعاتنا عن المجتمعات الأوروبية والغربية، فقد أشارت الدراسة التي نشرت من مركز الرئة في مستشفى الملك فيصل التخصصي، إلى أنه خمسة وثلاثون عاماً.
< ما الذي يجعل الطبيب يفكر في ضغط الشريان الرئوي؟ أولاً، مدى ثراء معلومات الطبيب عن ضغط الشريان الرئوي، وثانياً الخبرة، وثالثا أن يكون المريض صغير السن في العشرينات أو الثلاثينات مثلاً، ويشكو من ضيق نفس مع مجهود، أو يكون في الأربعينات وليس لديه سمنة ولا عنده أمراض عامة وليس مدخنا. هذه المؤشرات تجعل الطبيب، بما لديه من حب فضول للمعرفة يفكر في ضغط الشريان الرئوي. وعلى العكس، فالمريض الستيني ولديه سمنة وضغط عام وهو مدخن ويشتكي من ضيق نفس، يجعل الطبيب يفكر في ألف سبب آخر من أمراض القلب والرئة.
- التشخيص
أوضح البروفسور الضلعان، أن هناك تشابهاً كبيراً بين مؤشرات وأعراض هذا المرض وأمراض أخرى تصيب القلب والرئة مما يتسبب في تأخير التشخيص؛ ولهذا تركز الجمعية على عقد دورات ومؤتمرات تعريفية بالمرض لأن سرعة تشخيص المرض مهمة لسرعة التدخل، وبالتالي الحصول على نتائج أكثر إيجابية. فمثلاً، فإن العَرَض الرئيسي للمرض هو ضيق النفس مع المشي أو مع أي مجهود، وهو عرض يشترك فيه كثير من أمراض الرئة وأمراض القلب الأخرى، وبالتالي إذا لم يكن الطبيب متخصصاً في ضغط الشريان الرئوي، فلن يفكر أولاً في ارتفاع ضغط الشريان الرئوي، وبالتالي يكون هناك تأخير في التشخيص.
هناك دراسات عدة في أوروبا وأميركا وأستراليا نشرت، وكان متوسط الوقت الذي يلزم من بداية الأعراض إلى الوصول للتشخيص الصحيح سنتين. هناك بروتوكولات وتوجيهات علمية مكتوبة ومنشورة حول طرق التشخيص، وهي منظومة من الفحوص لإثبات أو نفي ضغط الشريان الرئوي، وأسبابه كالوراثية والمناعية وعيوب القلب وإلى آخره. ومنها:
> التصوير التلفزيوني للقلب echo (الترا ساوند للقلب)، وبناءً عليه تتم إحالة المريض إلى مركز متخصص بضغط الشريان الرئوي.
> عمل أشعة مقطعية ووظائف الرئوية.
> القسطرة للجهة اليمنى من القلب، لتوضيح الأرقام الدقيقة لمدى خطورة الحالة وتأكيد بعض الأنواع الخاصة من ضغط الشريان الرئوي، فهناك نوع يمثل 5 - 10 في المائة وهو مجهول السبب، يستجيب لأدوية بسيطة جداً.
- منصة رقمية
< «الآن AAN»... منصة رقمية لمتابعة المرضى. أوضح البروفسور الضلعان، أن جائحة كورونا قد أثرت سلباً على مرضى ضغط الدم الرئوي خلال العامين الماضيين، فإشغال كامل أقسام المستشفيات بمرضى «كورونا» والتباعد الاجتماعي والخوف من زيارة الطبيب حال دون متابعة المريض وحصوله على العلاج المناسب. وبالتالي، كان لا بد من إيجاد طرق أخرى لمتابعة المرضى باستخدام التقنية الحديثة.
وبالتعاون مع شركة «باير»، تم بشكل سريع، تطوير تطبيق وإطلاق منصة أسميناها «الآن AAN» تربط الطبيب المتخصص بمركز الرئة بالطبيب في المستشفيات الطرفية، ولن تكون المنصة محدودة بفترة الجائحة، وإنما ستخلق وسيلة تواصل مباشرة بين المرضى والأطباء المختصين أو المراكز المختصة بالمرض، فالمملكة مترامية الأطراف والمراكز التي تقدم الخدمة المتخصصة لمرضى الضغط الرئوي محدودة وعدد الخبراء في هذا المجال بالمملكة محدود. فوجود مثل هذه المنصة سيعمل نقلة نوعية بإذن الله في سرعة التشخيص والتحويل وأخذ القرارات.
من جهت أخرى، أضاف الدكتور حسين الحكيم، العضو المنتدب ورئيس قسم الأدوية لدى شركة «باير» السعودية، موضحاً أن «باير» تتبع رؤية ونهج العلم لخدمة الجميع «Science for All، Science for better life. Health for all and Hunger for none»، وتعمل منذ مائة وخمسين سنة في العالم ومتواجدة في السعودية منذ أكثر من ستين سنة.
وأكد، أن مرضى ارتفاع ضغط الدم الرئوي هم من أهم أولوياتهم، وخاصة بعد التحديات من جراء جائحة كورونا؛ ما جعلنا ندرك الحاجة الملحة إلى التعاون مع الجمعية السعودية لضغط الدم الرئوي لإيجاد حل مبتكر لمساعدة هؤلاء المرضى والتخفيف من معاناتهم ومساعدتهم بالتحكّم وإدارة مرضهم. مع حماية خصوصيتهم، وسيقوم الأطباء والمتخصصون بإنشاء حسابات فردية لمرضاهم باستخدام معرفات فريدة ستكون مطلوبة للوصول إلى التطبيق.
إن التحديات التي واجهها مرضى ارتفاع ضغط الدم الرئوي خلال جائحة كورونا وعدم التمكن من متابعة الأطباء لهم بحيث إنهم منهمكون بحالات «كورونا»، فلم يستطيعون مساعدة المرضى بإدارة مرض ارتفاع ضغط الدم الرئوي. إلا أن الجهود المبذولة في المملكة كانت عظيمة بحيث إنها استطاعت التحكم بالجائحة والدليل الآن أن أكثر من 80 في المائة من السكان ملقحين وفي الوقت عينه استطاع كل المواطنين الوصول إلى الخدمات الصحية تماشياً مع «رؤية المملكة 2030» وتم تأمين الوسائل التكنولوجية لمساعدة المواطنين على ذلك. وتأتي منصة «الآن AAN» بالتعاون مع الجمعية السعودية لتساعد في هذا الهدف؛ إذ تربط الأطباء بالمرضى وكذلك المرضى ببعضهم والأطباء ببعضهم أينما كانوا، فهذا لا يساهم في إدارة المرض فحسب، بل أيضاً بالكشف المبكر. لذا نطمح من خلال منصة «الآن AAN»، التي تحتوي على معلومات توعوية حول المرض وكيفية إدارته، الارتقاء بالقطاع الصحي وخاصة إدارة هذا المرض والكشف المبكر وتجنّب التعرّض له.
- العلاج والوقاية
< العلاج. أوضح البروفسور الضلعان، أنه حتى هذا اليوم لا يوجد دواء يشفي ضغط الشريان الرئوي نهائياً، فالمريض يحتاج إلى أخذ الأدوية طول عمره ويتعايش معها. ورغم أن الأدوية الخاصة بعلاج ارتفاع الضغط الرئوي غالية ومكلفة (نصف مليون ريال في السنة للمريض الواحد)، فهي متوفرة لكل المرضى بالمملكة، سواء التي تؤخذ عن طريق الفم أو عن طريق مضخات الدواء، ومعها يستطيع المريض أن يؤدي وظائفه اليومية كالعمل والتسوق وحتى السفر.
هناك نوع واحد من ضغط الشريان الرئوي يمكن الشفاء منه تماماً، ينتج من تخثر الدم المزمن ويعمل مع السنين انسدادات في شرايين الرئة، ويعالج جراحياً، وبالتالي يشفى منه المريض نهائياً.
يحذر البروفسور الضلعان من سرعة إصلاح أو إغلاق عيوب القلب الخلقية بين البطينين والأذينين لمرضى ارتفاع الضغط الرئوي من دون دراسة متأنية، فقد تكون مميتة في بعض الحالات. ويمكن غلقها بعد التأكد بالإيكو والقسطرة من عدم وجود ضغط رئوي مرتفع مثل حالات الأطفال حديثي الولادة وعندهم حالات نادرة من العيوب الخلقية، ولم يتطور لديهم المرض.
< الوقاية. لا يمكن الوقاية من مرض ضغط الشريان الرئوي إلا في حالات معينة، وهي:
> المرضى الذين يولدون بثقوب بين تجاويف القلب ويتم غلقها بتوقيت صحيح، فتتم وقايتهم من ضغط الشريان الرئوي.
> ضغط الشريان الرئوي الناتج من بعض الأدوية، فإيقافها يمنع ارتفاع الضغط الرئوي.
> ضغط الشريان الرئوي الناتج من التجلط، فمعالجة مرض الدم الذي يسبب التخثر، يوقف تطور ارتفاع الضغط الرئوي.
> ضغط الشريان الرئوي المتسبب عن طفرة جينية، متابعة أفراد الأسرة بعمل إيكو سنوياً.
- استشاري طب المجتمع