قُدر لمصراتة أن تحتل مكانة بارزة من بين المدن الليبية التي لعبت دوراً ملحوظاً في تاريخ البلاد، على الأقل منذ بداية العقد الماضي وما واكبه من تحركات لإسقاط النظام السابق، وحتى المعارك البينية بين أبنائها للفوز بقيادة الحكومة الجديدة.
ومصراتة، الواقعة شمال غربي ليبيا على بُعد 200 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس، منذ أن أسهمت في إسقاط النظام السابق عام 2011، تصدرت الملعب السياسي، ومسرح العمليات العسكرية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
وأمام تقلب موجات السياسة، يتوقع أن تعيش مصراتة، التي تعد ثالث أكبر مدينة ليبية، حالة من التوتر على خلفية المنافسة على رئاسة حكومة مرتقبة يحضر لها مجلس النواب، بإزاحة الحكومة الراهنة، بين ثلاثة من أبنائها هم فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق، وأحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي السابق، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الحالية. لذا قد ينفتح المشهد، بحسب توقعات مراقبين، على صراع جديد قد تُدفع إليه التشكيلات المسلحة، إذا لزم الأمر.
ويتنافس المرشحان للانتخابات الرئاسية باشاغا ومعيتيق، بالإضافة إلى مروان عميش، على رئاسة الحكومة الجديدة، التي سيعلن مجلس النواب، الثلاثاء المقبل، خلفاً لغريمهم الدبيبة.
وسبق لرئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، القول في نهاية الشهر الماضي، إن حكومة «الوحدة الوطنية» انتهت ولايتها، «ولا نقبل أي دفاع عن استمرارها»، داعياً إلى «ترك الشعب الليبي ليختار»، لكن الدبيبة أبدى تمسكاً باستمرار حكومته حتى إنجاز الانتخابات، وقال إن «ما يقوم به صالح، محاولة يائسة لعودة الانقسام»، وإن «حكومته أنجزت استحقاقاتها كافة تجاه ملف الانتخابات دون تقصير».
وأمام هذه الأجواء المتوترة، التي يتوقع أن تتقاسمها مصراتة خلال الأيام المقبلة، تبرز مجموعة من المخاوف لدى طيف سياسي مستقل بالمدينة لا يتبع باشاغا، أو الدبيبة، محذرين من تقاسم الاثنين ولاءات ميليشيات عديدة بمصراتة وطرابلس، ما يُعظم من مخاوف الاحتكام إلى المجموعات المسلحة، ومن ثم العودة بغرب البلاد إلى دائرة الاشتباكات الدامية. وتحتضن مصراتة القوة الأكبر من العتاد والتشكيلات المسلحة التي سبق لها لعب دور كبير في صد قوات «الجيش الوطني» عن دخول العاصمة طرابلس بالحرب التي اندلعت في الرابع من أبريل (نيسان) 2019.
باشاغا، من جانبه، سعى خلال الفترة التي ترأس فيها وزارة الداخلية بحكومة «الوفاق» السابقة، لتفكيك عدد من الميليشيات المسلحة بالعاصمة، لكنه استبقى على المحيطين به، والعمل على تدجينهم لضمان ولائهم.
ويرى محيطون بوزير الداخلية السابق، والمقرب من تركيا، أن «ثورة 17 فبراير (شباط)» صعدت به إلى الواجهة، ككثيرين من أبناء جيله، وأدخلته عالم السياسة من باب الاندماج في «المجلس العسكري» الذي تشكل في مصراتة، عقب إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. ومنذ ذلك الوقت، وباشاغا يواصل الصعود بدأب نحو تحقيق حلمه، وإن كان بحذر شديد.
والتحق باشاغا بالكلية الجوية، وتخرج فيها برتبة مُلازم طيار عام 1984، لكنه سرعان ما استقال عام 1993 واتجه للأعمال الحرة.
وقبل يومين من الجلسة التي سيعقدها مجلس النواب في طبرق بشرق ليبيا، للاستماع إلى رؤية المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، باتت النوايا، حتى الآن، متجهة إلى عزل الدبيبة وحكومته، إذ يقول عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي: «أيام حكومة الدبيبة أصبحت معدودة»، و«بدأ العد التنازلي لنهاية قصة» رآها «مخجلة ومؤلمة من النهب والسلب والخداع وسيطرة العائلة الواحدة على مقاليد الأمور في البلاد». ومضى الدرسي، مدافعاً عن حظوظ باشاغا في ترؤس الحكومة الجديدة، ورأى أنه «يملك رؤية وطنية، تؤكد أن العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بشكل عادل السبيل الوحيد لعودة الوئام لليبيين».
وذهب في تصريحات إعلامية إلى أن «الحكومة المرتقبة لن تكون بها مغالبة»، متابعاً: «باشاغا سيدخل التاريخ حينما يؤسس للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وستشهد ليبيا هذا قبل نهاية العام».
واستدراكاً للعواقب المحتملة، وجه الدرسي، النائب عن مدينة بنغازي، رسالة لحملة السلاح في طرابلس، وقال: «إياكم أن تكونوا حائط صد أمام رغبة شعبكم»، مضيفاً أن «الليبيين يعلمون أن الدبيبة (فاشل) ولن يستمر، ولا يغركم الإعلام الذي يحرض على قتل الليبيين». ونقلت حكومة «الوحدة الوطنية»، عبر المتحدث باسمها محمد حمودة، ما نسب إليه من توعد الحكومة الجديدة بالحرب، وقال: «عانينا لسنوات من حروب يتمت وشردت الآلاف وخسرنا فيها خيرة شباب بلادنا». وتابع حمودة: «نحن الآن في أمس الحاجة لسواعد شبابنا أن تتوجه للتنمية والإعمار، بعزيمة أبنائها ستطوي ليبيا صفحة الحروب والانقسام وتذهب إلى الازدهار والنماء».
وحذر المجلس الأعلى للدولة من الانفراد بالسلطة، مشدداً على ضرورة المضي باتجاه الاستفتاء على الدستور أو بالوصول إلى قاعدة دستورية توافقية تعبر عن رؤى الأطراف كلها وتضمن إجراء انتخابات ذات مصداقية وقادرة على عبور المرحلة. ودافع الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو، عن الإجراءات التي يتخذها مجلس النواب بتعيين رئيس جديد للحكومة، وقال إنه «سيد قراره». وانتهى، في تصريحات إعلامية، إلى أن حكومة الدبيبة «خطر على وحدة ليبيا واقتصادها»، وأن المواطنين «يكادون يجوعون في ظل هذه الحكومة التي تنفق المليارات».
مصراتة... «رقم صعب» في قيادة ليبيا
ينتمي إليها الدبيبة وغريماه باشاغا ومعيتيق
مصراتة... «رقم صعب» في قيادة ليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة