جدل علمي حول بداية تكوّن ذاكرة الطفل

دراسة جديدة تشير إلى نشوئها في عمر أصغر

جدل علمي حول بداية تكوّن ذاكرة الطفل
TT

جدل علمي حول بداية تكوّن ذاكرة الطفل

جدل علمي حول بداية تكوّن ذاكرة الطفل

يحاول العلماء دوماً التوصل إلى العمر الحقيقي الذي يبدأ فيه الإنسان تذكّر الأحداث الحياتية. والحقيقة إن الوصول إلى عمر محدد لـ«بداية الذكريات (Earliest Memories)» من المسائل التي حدث فيها اختلاف علمي كبير، خصوصاً أن هناك دراسات ترى أن بدايتها تكون في «الطفولة المبكرة (early childhood)»، بينما هناك دراسات أخرى ترى أن الذاكرة تبدأ في نهاية الطفولة المتوسطة وبداية الطفولة المتأخرة.
وبطبيعة الحال؛ هناك دخل للفروق الفردية بين الأشخاص في قوة الذاكرة بجانب البيئة والتنشئة التي يمكن أن تكون معززة لتذكر أحداث معينة لكثرة تكرارها.
وفي أحدث دراسة تناولت الموضوع، أشار العلماء إلى احتمالية أن يبدأ الطفل في التذكر بداية من عمر عامين ونصف؛ أي بمعدل أقل من بقية الدراسات، بعام كامل.
ذاكرة الصغار
الدراسة الجديدة قام بها فريق بحثي من جامعة «نيو فوند لاند التذكارية» في كندا بقيادة الدكتورة كارول بيترسون، الخبيرة في أبحاث فقدان الذاكرة والخرف، واستمرت 21 عاماً، ونُشرت في «مجلة الذاكرة (journal Memory)» ورُوجعت عن طريق بيانات سابقة.
أشارت الدراسة إلى أن الذاكرة ليست مكاناً ثابتاً في المخ يمكن التوصل إليه، ولكنها مرتبطة بمجموعة أشياء وجوانب حيوية أخرى تعزز من قوتها، مثل تسجيلها عن طريق الصور أو الفيديوهات، والاحتفاظ بالأشياء المتعلقة بها من ملابس وألعاب على سبيل المثال، وكذلك الحكايات وتقاطع أحداثها مع أشخاص آخرين. وبناء على ذلك التصور؛ فإن ما يقوله الناس عن أقدم ذكرياتهم ليس حداً فاصلاً ولا يعدّ بداية لذلك. ولكن في الأغلب تكون هناك ذكريات أخرى محتملة (potential memories) يمكن استدعاؤها أيضاً قبل هذا العمر.
وأوضح الباحثون في الدراسة أن معظم الناس يحتفظون بذكريات بداية من عمر العامين. وهناك عاملان اعتمدوا عليهما في تكوين هذا الرأي: أولهما أنه من السهل جداً جعل الناس يتذكرون أقدم ذكرياتهم بمجرد سؤالهم عن ذلك، ثم يستطرد الناس في تذكر معلومات قبل أقدم هذه الذكريات بعام كامل بالشكل الذي يذهلهم شخصياً. ويكون الموضوع أشبه ما يكون بتحفيز آلة معينة وتركها تعمل تلقائياً.
أما ثاني هذه العوامل فهو تحريف الذكريات بشكل ممنهج من خلال الخطأ في تواريخ حدوثها، بمعنى أن كثيرين يعتقدون أن عمرهم كان أكبر وقت تذكر هذه الأحداث. وعلى سبيل المثال يمكن للشخص تذكر تفاصيل انتقاله إلى حي معين على اعتبار أنه كان في الخامسة من العمر، ولكن حقيقة الأمر أن الأسرة تكون انتقلت فعلياً إلى هذا الحي بينما كان عمره لا يتجاوز 3 سنوات؛ مما يدل على أن الذاكرة تبدأ في وقت مبكر جداً.
ذكريات مبكرة
تعدّ هذه الدراسة بمثابة مراجعة لـ10 من الأبحاث التي قامت بها الدكتورة كارول حول فقدان الذاكرة الطفولي (childhood amnesia)؛ سواء من المقالات البحثية التي نُشرت في السابق أو التي لم تُنشر. وجُمعت البيانات من المختبر الخاص بها منذ عام 1999 وحتى الآن، والتي قامت فيها بأبحاث الذاكرة على 992 مشاركاً، وجرت مقارنة ذكريات 697 من المشاركين مع ذاكرة الآباء. ومن خلال كل هذه التجارب، ثبت أن ذاكرة الأطفال أقدم بكثير مما يظنون عند البلوغ تبعاً لذاكرة الآباء.
وفي أحد الأبحاث التي راجعتها الباحثة، كان هناك دليل فعلي على نظرية الذاكرة المحتملة؛ حيث حدثت مقابلات مع أطفال بعد مرور عامين، ثم 8 أعوام، على بداية ذكرياتهم الأولى، وكانوا جميعاً قادرين على تذكر الأحداث نفسها. ولكن في مقابلات لاحقة مع الأطفال أنفسهم أعطوا عمراً متأخراً للأحداث عن وقت حدوثها الفعلي. وبعد مرور 8 أعوام أخرى اعتقد كثيرون أنهم كانوا أكبر عمراً من الأحداث بسنة كاملة. لذلك مع تقدم الأطفال في العمر يستمر الأطفال في تغيير العمر الذي يعتقدون أنهم كانوا عليه في وقت تلك الذكريات المبكرة.
تفسر الباحثة الأمر من خلال ما أطلقت عليه «ظاهرة التليسكوب (telescoping)» (يقوم التليسكوب بتقريب الأشياء البعيدة جداً أقرب من مكانها الحقيقي). وهذا يعني أن فعل التذكر مثل النظر من خلال عدسة التليسكوب. وكلما كان الحدث بعيداً؛ قامت عدسة التليسكوب بجعله يبدو أقرب، مما يجعل المخ يقوم بتحريك الذاكرة الأولى إلى الأمام لمدة عام كامل حتى تكون 3 أعوام ونصف العام، وهو العمر الذي أجمعت عليه الدراسات السابقة.
ووجدت الدراسة أن هذا التأثير لا يكون موجوداً إذا قام الطفل أو البالغ بتذكر أحداث بعد عمر الرابعة. وأوضحت أن الحكم على بداية الذاكرة من خلال دراسة واحدة ربما لا يكون دقيقاً، ولكن مع متابعة نتائج العديد من الدراسات يمكن التوصل إلى العمر التقريبي والذي يكون أقل من التوقعات.
ولكن؛ وعلى الجانب الآخر، يعتقد علماء النفس والأطباء النفسيون المناهضون لهذه الفرضية أن الذاكرة الأولى لا يمكن أن تكون في هذا العمر المبكر. وهذه الذكريات التي يسردها الأشخاص ما هي إلا انعكاس لروايات ومعلومات مسبقة عن طفولتهم ويقوم المخ بعمل أقرب ما يكون لتجميع لقطات متناثرة من فيلم سينمائي وبناء تخيل كامل عليه وإضافة تفصيلات معينة موجودة في الواقع مثل لون الملابس الخاص بتمثال معين. ومع التكرار يقوم المخ باستعادة القصة التي جرى تجميعها كما لو كانت حدثاً حقيقياً، وحتى مع وجود «ظاهرة التليسكوب» يكون استدعاء الحدث نفسه غير حقيقي. ولوحظ ذلك لدى الأشخاص في مرحلة متوسط العمر وما بعدها.
وفي النهاية؛ فإن الجدل لا يزال مستمراً حول البداية المؤكدة للذكريات الأولى.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
TT

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، إلى جانب مكملات زيت السمك، يمكن أن يبطئ بشكل كبير نمو خلايا سرطان البروستاتا لدى الرجال الذين يختارون المراقبة النشطة، ما قد يقلل من الحاجة إلى علاجات عدوانية في المستقبل، وفق ما نشر موقع «سايتك دايلي».

وجد باحثون من مركز UCLA Health Jonsson Comprehensive Cancer Center أدلة جديدة على أن التغييرات الغذائية قد تبطئ نمو الخلايا السرطانية لدى الرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذين يخضعون للمراقبة النشطة، وهو نهج علاجي يتضمن مراقبة السرطان من كثب دون تدخل طبي فوري.

سرطان البروستاتا والتدخل الغذائي

قال الدكتور ويليام أرونسون، أستاذ أمراض المسالك البولية في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس والمؤلف الأول للدراسة: «هذه خطوة مهمة نحو فهم كيف يمكن للنظام الغذائي أن يؤثر على نتائج سرطان البروستاتا».

وأضاف: «يهتم العديد من الرجال بتغييرات نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي، للمساعدة في إدارة إصابتهم بالسرطان ومنع تطور مرضهم. تشير نتائجنا إلى أن شيئاً بسيطاً مثل تعديل نظامك الغذائي يمكن أن يبطئ نمو السرطان ويطيل الوقت قبل الحاجة إلى تدخلات أكثر عدوانية».

تحدي المراقبة النشطة

يختار العديد من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة المراقبة النشطة بدلاً من العلاج الفوري، ومع ذلك، في غضون خمس سنوات، يحتاج حوالي 50 في المائة من هؤلاء الرجال في النهاية إلى الخضوع للعلاج إما بالجراحة أو الإشعاع.

وبسبب ذلك، يتوق المرضى إلى إيجاد طرق لتأخير الحاجة إلى العلاج، بما في ذلك من خلال التغييرات الغذائية أو المكملات الغذائية. ومع ذلك، لم يتم وضع إرشادات غذائية محددة في هذا المجال بعد.

في حين نظرت التجارب السريرية الأخرى في زيادة تناول الخضراوات وأنماط النظام الغذائي الصحي، لم يجد أي منها تأثيراً كبيراً على إبطاء تقدم السرطان.

الاستشارة الغذائية

لتحديد ما إذا كان النظام الغذائي أو المكملات الغذائية يمكن أن تلعب دوراً في إدارة سرطان البروستاتا، أجرى الفريق بقيادة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس تجربة سريرية مستقبلية، تسمى CAPFISH-3، والتي شملت 100 رجل مصاب بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة أو متوسط ​​الخطورة والذين اختاروا المراقبة النشطة.

تم توزيع المشاركين بشكل عشوائي على الاستمرار في نظامهم الغذائي الطبيعي أو اتباع نظام غذائي منخفض أوميغا 6 وعالي أوميغا 3، مع إضافة زيت السمك، لمدة عام واحد.

ووفق الدراسة، تلقى المشاركون في ذراع التدخل استشارات غذائية شخصية من قبل اختصاصي تغذية مسجل. وتم توجيه المرضى إلى بدائل أكثر صحة وأقل دهوناً للأطعمة عالية الدهون وعالية السعرات الحرارية (مثل استخدام زيت الزيتون أو الليمون والخل لصلصة السلطة)، وتقليل استهلاك الأطعمة ذات المحتوى العالي من أوميغا 6 (مثل رقائق البطاطس والكعك والمايونيز والأطعمة المقلية أو المصنعة الأخرى).

كان الهدف هو خلق توازن إيجابي في تناولهم لدهون أوميغا 6 وأوميغا 3 وجعل المشاركين يشعرون بالقدرة على التحكم في كيفية تغيير سلوكهم. كما تم إعطاؤهم كبسولات زيت السمك للحصول على أوميغا 3 إضافية.

ولم تحصل مجموعة التحكم على أي استشارات غذائية أو تناول كبسولات زيت السمك.

نتائج التغييرات الغذائية

تتبع الباحثون التغييرات في مؤشر حيوي يسمى مؤشر Ki-67، والذي يشير إلى مدى سرعة تكاثر الخلايا السرطانية - وهو مؤشر رئيسي لتطور السرطان، والنقائل والبقاء على قيد الحياة.

تم الحصول على خزعات من نفس الموقع في بداية الدراسة ومرة ​​أخرى بعد مرور عام واحد، باستخدام جهاز دمج الصور الذي يساعد في تتبع وتحديد مواقع السرطان.

وأظهرت النتائج أن المجموعة التي اتبعت نظاماً غذائياً منخفضاً في أوميغا 6 وغنياً بأوميغا 3 وزيت السمك كان لديها انخفاض بنسبة 15 في المائة في مؤشر Ki-67، بينما شهدت المجموعة الضابطة زيادة بنسبة 24 في المائة.