تلوث الهواء وأثره على الصحة العقلية للأطفال

جسيمات دقيقة يمكنها الترسب في خلايا المخ

تلوث الهواء وأثره على الصحة العقلية للأطفال
TT

تلوث الهواء وأثره على الصحة العقلية للأطفال

تلوث الهواء وأثره على الصحة العقلية للأطفال

من المعروف أن تلوث الهواء يعد مشكلة عالمية، خصوصاً في الدول الصناعية والأكثر تقدماً، ويمثل تحدياً كبيراً لمنظمة الصحة العالمية لما له من أخطار طبية متعددة تؤثر بالسلب على أجهزة الجسم المختلفة وليس فقط الرئة. وقد تم منذ عقد كامل اعتماد ملوثات الهواء كعامل خطورة في الإصابة بأمراض القلب وأمراض الجهاز التنفسي. وكلما كان العمر أصغر كلما كان حجم التأثير أكبر وأسوأ.

تأثيرات التلوث

أحدث الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، ونشرت على الإنترنت في نهاية شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي في مجلة «الرابطة الطبية الأميركية» (JAMA Network Open)، وجدت أن التلوث يؤثر أيضاً على الصحة العقلية للأطفال الذين يتعرضون لكميات كبيرة من الهواء الملوث لاحقاً، حينما يصبحون بالغين وليس فقط على الصحة العضوية.
إن كلمة الهواء الملوث تعني تغير طبيعة الهواء الموجود في الجو بدقائق من مواد صلبة (معادن وذرات متناهية الصغر)، أو أبخرة مختلفة (غازات) بنسب معينة أكبر من النسب المسموح بوجودها، وبالتالي تشكل خطراً في حالة دخولها للجسم عن طريق الاستنشاق. وتنبعث هذه الأبخرة من عوادم السيارات والمواد الكيميائية في المصانع بجانب ذرات التراب. ومن هنا تأتى أهمية وجود الأشجار والمناطق الخضراء في المجتمعات الصناعية، حيث تقوم بزيادة كميات الأكسجين الموجودة في الجو لتعادل تلك المواد. ولكن في المدن المزدحمة والصناعية لا تكون المساحات الخضراء كافية لتلافي تلك الأخطار.
وقد وجد الباحثون من جامعة ديوك بالولايات المتحدة (Duke University in Durham)، أن الشباب في المملكة المتحدة الذين تعرضوا لكميات متزايدة من تلوث الهواء في طفولتهم ومراهقتهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بأعراض الاضطراب النفسي والعقلي، خصوصاً الذين عاشوا في المدن الكبرى التي تعاني من ازدحام المرور وعوادم السيارات مثل أكاسيد النتروجين (Nitrogen oxides). ولاحظ الباحثون أن متوسط العمر الذي كانت فيه ذروة الأعراض هو 18 عاماً، وشملت معظم أعراض الأمراض النفسية مثل القلق والمخاوف المختلفة ونوبات الهلع والاكتئاب والفصام. وأوضحوا أنه رغم أن الدراسة أجريت في المملكة المتحدة، إلا أن نتائجها مهمة للمجتمعات التي تتمتع بالتقدم التكنولوجي والدخل العالي، والمجتمعات الصناعية بشكل عام.
قام الباحثون بجمع البيانات الخاصة بـ2000 من المواليد في إنجلترا ومقاطعة ويلز بين عام 1994 و1995 الذين تمت متابعتهم حتى وصلوا إلى مرحلة الشباب. وتابعوا القياسات الخاصة بتلوث الهواء في تلك المدن من الغازات المختلفة، وأيضاً الجسيمات الناعمة الدقيقة (fine particulate)، التي يمكنها الترسب في خلايا الجسم المختلفة، حيث إن حجمها متناهي الصغر وتدخل إلى جسم الإنسان من خلال الجهاز التنفسي.
كانت النتيجة أن 22 في المائة من الذين شملتهم العينة استنشقوا هواءً ملوثاً محملاً بكميات من أوكسيد النتروجين أكبر بكثير من المسموح بها من قبل منظمة الصحة العالمية، و84 في المائة تنفسوا كميات أكبر من الجسيمات الدقيقة.

تقييم الصحة العقلية

قام الباحثون بتقييم الحالة النفسية للمشاركين في عمر الـ18 من خلال متابعة الفئة التي اعتمدت على المواد المخدرة المختلفة، سواء نبات القنب (الحشيش) أو الأدوية المنومة، وأيضاً شملت حالات إدمان الكحوليات والتدخين. وكذلك تمت مراجعة سجلات الذين عانوا من أمراض نفسية أو عصبية مثل فرط النشاط، ونقص الانتباه، ومحاولات الانتحار، والفشل في التواصل الاجتماعي، وكرب ما بعد الصدمة، والاكتئاب ثنائي القطب، والشخصية الحدية، وأيضاً من عانوا من اضطرابات الطعام المختلفة، سواء الشراهة المفرطة، أو عدم تناول الطعام مطلقاً، بجانب الضلالات، حتى المرض العقلي الكامل.
وقدم العلماء إحصائية أشبه بمعادلة حسابية، حيث يكون عامل الاعتلال النفسي (psychopathology factor) هو «عامل بي» أو «p - factor». وكلما زاد هذا العامل، الذي يعنى بالضرورة تدهور الصحة النفسية، كلما زادت فرص الإصابة بالمرض العقلي والنفسي لاحقاً. وقام العلماء بتثبيت بقية العوامل الأخرى التي ربما تلعب دوراً في تفاقم الحالة النفسية مثل الفقر أو انفصال الأبوين وسوء الأحوال الاقتصادية أو الإقامة في مناطق خطرة، والتعرض للمعاملة السيئة من الأقران أو أفراد الأسرة حتى يكون الحكم فقط على تلوث الهواء.
أشار العلماء إلى أهمية أن توضع نتائج هذه الدراسة في الحسبان للكشف المبكر على الاضطرابات النفسية للأطفال الذين يعيشون في مناطق بها نسبة عالية من التلوث البيئي. وتبعاً للدراسات السابقة على فئران التجارب، فهناك أدلة مؤكدة على الأثر السيئ الذي تتركه ملوثات الهواء على المخ، ويعتقد الباحثون أنه نتيجة لحدوث التهاب مناعي من ترسب الدقائق المختلفة في خلايا الجسم، التي تصل إلى المخ من خلال الدم ربما يكون هو التفسير الأقرب للطريقة التي يؤثر بها الالتهاب على المخ والجهاز العصبي بشكل عام.
وهناك تفسير آخر يعتقد أن الضرر الناتج للمخ ربما يكون مباشراً من الدقائق الملوثة التي تصل عن طريق الأنف، والتي بدورها تدمر خلايا المخ والوصلات العصبية المختلفة.
وحذر العلماء من خطورة التعرض لهذه الملوثات، ونصحوا بضرورة أن تكون الأنشطة التي تؤدي إلى انبعاث هذه الغازات مثل مولدات الطاقة أو محارق النفايات أو المصانع المختلفة خارج المدن في أماكن بعيدة عن التجمعات السكنية والمدارس والنوادي، إضافة إلى العمل على إيجاد مصادر بديلة للطاقة غير ملوثة للبيئة. وأيضاً نصحت الدراسة الآباء بمحاولات تجنب السكن على الطرق السريعة والشوارع الرئيسية المكتظة بالمركبات، كلما أمكن ذلك، حيث إن خطرها على الأطفال بالغ الخطورة، ونصحت الحكومات بضرورة الاهتمام بالبيئة والتشجير المستمر.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

يوميات الشرق سرطان الكبد من بين السرطانات الأكثر شيوعاً في العالم (جامعة ييل)

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

حذّرت دراسة أميركية من أن الإفراط في تناول الدهون والسكريات يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد، وذلك من خلال تدمير الحمض النووي في خلايا الكبد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق شاي الكركديه يحتوي على نسبة عالية من مادة «البوليفينول» (غيتي)

مواد طبيعية قد تمنحك خصراً نحيفاً وقلباً صحياً وضغط دم منخفضاً

ثمة كلمة جديدة رائجة في مجال الصحة هي «البوليفينولات»، فبينما ظل العلماء يدرسون المركبات النباتية لسنوات، فقد جذب المصطلح الآن خيال الجمهور لسبب وجيه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

«هارد 75»... تحدٍّ جديد يجتاح «تيك توك» مع بداية العام

مع بداية العام الجديد، انتشر تحدٍّ جديد عبر تطبيق «تيك توك» باسم «هارد 75».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ليست جميع المشروبات قادرة بالفعل على علاجك من نزلات البرد والإنفلونزا (رويترز)

مشروب منزلي يساعد في التخلص من نزلات البرد

تحدثت اختصاصية التغذية كيلي كونيك لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية عن المشروب المنزلي الأمثل لعلاج نزلات البرد والإنفلونزا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الفواكه والخضراوات مليئة بمضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن (رويترز)

تناول الفواكه والخضراوات يقلل خطر إصابتك بالاكتئاب

أكدت دراسة جديدة أن زيادة كمية الفواكه والخضراوات في نظامك الغذائي يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب بمرور الوقت.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

«أسماك مزروعة بخلايا سرطانية»... جديد الأطباء لعلاج الأورام «بسرعة»

يبحث العلماء عن نموذج يتنبّأ بكيفية تأثير العلاج على أورام المرضى (رويترز)
يبحث العلماء عن نموذج يتنبّأ بكيفية تأثير العلاج على أورام المرضى (رويترز)
TT

«أسماك مزروعة بخلايا سرطانية»... جديد الأطباء لعلاج الأورام «بسرعة»

يبحث العلماء عن نموذج يتنبّأ بكيفية تأثير العلاج على أورام المرضى (رويترز)
يبحث العلماء عن نموذج يتنبّأ بكيفية تأثير العلاج على أورام المرضى (رويترز)

هل يستطيع أطباء الأورام اتخاذ قرارات أفضل لعلاج السرطان باستخدام الأسماك؟ تهدف تجربة سريرية من المقرر أن تبدأ هذا الشهر في البرتغال إلى معرفة ذلك.

وتُعدّ الدراسة التي استمرت خمس سنوات بقيادة عالمة الأحياء التنموية، ريتا فيور، من مؤسسة «تشامباليمود»، أول تجربة عشوائية يتلقّى فيها المرضى أدوية تم اختبارها مسبقاً في أجنة سمك الزرد المزروعة بالخلايا السرطانية وأعطت «نتائج واعدة» على الأسماك.

ويقول عالم أحياء الخلايا الجذعية من كلية الطب بجامعة هارفارد، ليونارد زون، الذي لم يشارك في التجربة: «يبحث الجميع عن شيء أكثر تنبؤاً» بكيفية تأثير العلاج في أورام المرضى. وتم استخدام الفئران والذباب قبل ذلك لتجربة أدوية للسرطان، لكن «جميعها كانت له حدود». ويضيف زون: «إذا أظهرت الدراسة الجديدة أن الأسماك لها قيمة تنبؤية عالية، فسوف يهتم الناس بهذا الأمر».

سيتم اختبار أدوية مجربة في سمك الزرد على المرضى لأول مرة (أ.ف.ب)

والاختلافات في أورام المرضى بسبب سمات مثل الوراثة، والتمثيل الغذائي، يمكن أن تجعل اختيار العلاج المناسب أمراً محيّراً لأطباء الأورام. ونظراً إلى إمكانية توفر الكثير من الخيارات المتماثلة تقريباً، فقد يضطر المرضى إلى تحمّل علاج ضار تلو الآخر حتى يستقروا على العلاج الذي يساعدهم. ويمكن للتحليل الجيني في بعض الأحيان أن يغربل الاختيارات، ولكن حتى عندما يحمل سرطان المريض طفرات تشير إلى علاج معين، فليس هناك ما يضمن أنه سيستجيب إليه، وفق ما ذكرته مجلة «ساينس» العلمية.

وبحثاً عن بديل أفضل، كان مختبر العالمة فيور يدرس سمك الزرد منذ ما يقرب من عقد من الزمن. وعزل الباحثون الخلايا السرطانية من المريض، ثم زرعوها في أجنة سمكة الزرد الشفافة التي تنمو بشكل طبيعي خارج الأم. وأضاف العلماء أدوية السرطان إلى مياه الأسماك، كما قدموا جرعات من الإشعاع، وراقبوا الخلايا السرطانية لقياس أي العلاجات «من المحتمل أن تكون فاعلة». وعلى القدر نفسه من الأهمية، ومن خلال الكشف عن الخيارات التي لم تنجح، تُنقذ التجربةُ على الأسماك المرضى من علاجات «قد تكون سامة وغير مجدية».

وفي تقرير صدر عام 2024، قال علماء إن الأسماك استطاعت التنبؤ بصورة صحيحة بالعلاج المناسب لـ50 مريضاً بالسرطان من وسط مجموعة تضم 55 مريضاً. ومن المميزات التي تشجع استخدام سمك الزرد هو أن هذه التجربة تقدّم نتائج سريعة بخصوص العلاج خلال 10 أيام فقط.

وفي التجربة السريرية، ستختبر فيور وفريقها دقة نتائج سمك الزرد على المرضى من خلال غربلة الخلايا السرطانية من السائل الذي يتراكم في بطن الأشخاص المصابين بسرطان الثدي أو المبيض، الذي عادة ما يتم تصريفه بوصفه جزءاً من العلاج.

وتقول فيور: «نحن لا نقوم بإجراءات إضافية على المرضى»، لكن سيتم زرع الخلايا السرطانية في أجنة الأسماك، وبدلاً من اختبار الأدوية التجريبية، كما تفعل الكثير من التجارب السريرية الأخرى، فستحدد الدراسة على الأسماك أي مجموعة من العلاجات المعتمدة تعمل بشكل أفضل، وسيحصل نصف المرضى على الأدوية التي تقترحها نتائج سمك الزرد، وسيتلقّى النصف الآخر العلاج الذي يختاره أطباؤهم، ثم سيجري تقييم النتائج.