خدام: بوش أبلغنا برسالة خطية أن عون «عقبة»... والأسد اعتبرها «ضوءاً أخضر» لإنهاء تمرده (الحلقة الخامسة)

روى في مذكرات تنشرها «الشرق الأوسط» أن الأميركيين حذروا سوريا من استغلال صدام حسين للهجوم

الرئيسان السوري بشار الأسد واللبناني ميشال عون في دمشق في 3 ديسمبر 2008 (أ.ف.ب)
الرئيسان السوري بشار الأسد واللبناني ميشال عون في دمشق في 3 ديسمبر 2008 (أ.ف.ب)
TT

خدام: بوش أبلغنا برسالة خطية أن عون «عقبة»... والأسد اعتبرها «ضوءاً أخضر» لإنهاء تمرده (الحلقة الخامسة)

الرئيسان السوري بشار الأسد واللبناني ميشال عون في دمشق في 3 ديسمبر 2008 (أ.ف.ب)
الرئيسان السوري بشار الأسد واللبناني ميشال عون في دمشق في 3 ديسمبر 2008 (أ.ف.ب)

ساد انطباع بأن عملية إزاحة الجنرال ميشال عون من قصر بعبدا في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 1990 تمت بصفقة بين دمشق وواشنطن، قضت بمساهمة سوريا بقسم من قواتها في عملية إحباط الغزو العراقي للكويت، مقابل تفويضها بإزاحة عون ووضع يدها على لبنان.
في نهاية 1989 وبداية 1990، جرت سلسلة اتصالات دبلوماسية بين دمشق وواشنطن، شملت نقل السفير الأميركي إدوارد دجيرجيان رسائل من الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر، إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد ونائبه عبد الحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع.
في هذه الحلقة من مذكراته، التي تنشر «الشرق الأوسط» فصولاً منها، يستعرض خدام تفاصيل هذه المراسلات، ولقاءات الأسد مع الرئيس اللبناني إلياس الهراوي، قبل العملية العسكرية ضد عون في 13 أكتوبر 1990، بعد تمهيد الأرضية الثنائية والدولية، ومساهمة سوريا في تحرير الكويت.
وفي 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، أبلغ الشرع دجيرجيان أن «عون متمرد، ومن حق الدولة التعامل معه على هذا الأساس، وأن عرقلة جهود الدولة في توجهها لإنهاء تمرده تعني استمرار الأزمة في لبنان واستمرار النزيف».
وفي ديسمبر (كانون الأول) 1989 تسلم الشرع رسالة من بوش إلى الأسد، لإطلاعه «على آخر تطورات الوضع في لبنان والاتصالات التي أجريناها من أجل تطبيع الوضع في لبنان ومساندة الشرعية اللبنانية المتمثلة بالرئيس اللبناني الجديد الهراوي وحكومة (سليم) الحص، وإزالة العقبات التي تحول دون تنفيذ وثيقة الطائف» للعام 1989، وقال بوش في رسالته: «لقد أصبح واضحاً للجميع أن الجنرال عون هو العقبة الرئيسية في طريق تعزيز السلطة الشرعية الجديدة، واستعادة وحدة لبنان وتنفيذ اتفاق الطائف».
في المقابل، فإن المبعوث الفرنسي فرنسوا شير، الذي زار دمشق في 28 نوفمبر ونقل رسالة من الرئيس فرنسوا ميتران «أقرّ بأن الجنرال عون هو عقبة في لبنان، وبأن جميع الاتصالات التي جرت معه لتأييد اتفاق الطائف والانصياع للسلطة الشرعية الجديدة في لبنان لم تنجح، برغم اتصالات الحكومة الفرنسية المستمرة مع عون لإقناعه بذلك. لكن، ترى الحكومة الفرنسية الاستمرار في اتِّباع الوسائل السلمية لإقناع عون بالتخلي عن مواقفه».
في الثاني من أغسطس (آب) 1990، اجتاحت القوات العراقية الكويت، وحدث زلزال كبير في المنطقة بسبب هذا الاجتياح الذي غيَّر الأولويات، كما أن خطورة الاجتياح، وما يمكن أن تؤول إليه من نتائج، ركَّزت الاهتمام العربي، ومنه الاهتمام السوري، باتجاه الخليج. ومما لا شك فيه أن الوضع الجديد أضعف عون الذي كان الحكم العراقي يسانده، وكانت بعض الدول العربية تتعاطف معه بسبب الضغط العراقي. فالاجتياح خلق حالة جديدة، زادت من تعقيدات الوضع بالنسبة لميشال عون.
وفي 29 أغسطس، استقبل الرئيس حافظ الأسد الرئيس الهراوي. وحسب محضر الاجتماع، تحدث الهراوي شاكراً ما قدمته سوريا من مساعدة في تخطي المحنة الدستورية، بإقرار الإصلاحات الدستورية، رغم أن بعض اللبنانيين يقولون إن المشكلة في لبنان خارجية. واستعرض الوضع حتى الوصول إلى اتفاق الطائف، الذي لعبت سوريا دوراً كبيراً في إقراره، وأكد أن الطائف «ليس ما نصبو إليه، ولكنه تسوية لإنهاء الحرب، وأن تنفيذ اتفاق الطائف خطوة كبيرة إلى الأمام».
وتساءل الهراوي عن كيفية معالجة الوضع، وقال إن الحكومة أصدرت بياناً في 11 في يوليو (تموز) حصل على التأييد، وتحدث عن الاتصالات مع عون رغم اعتراض بعض السياسيين، وأن جميع هذه الاتصالات لم تصل إلى نتيجة، وأن عون مستمر في إجراءاته وفي تعقيده للوضع، وأنه لا بد من إنهاء عون لإكمال الإصلاحات. كما تحدث عن دور الدولة في هذا المجال، وأضاف أن بقاء عون مشكلة كبيرة، وبالتالي لا يُعرف متى تنتهي أحداث الخليج، لا سيما أن الأميركيين نفسهم طويل.
وتابع الهراوي: «في لقائنا في القاهرة أعطيتم الضوء الأخضر، وجاءنا (رئيس الأركان) العماد (حكمت) الشهابي و(قائد قوات الردع اللواء محمد سعيد) بيرقدار، وعقدنا اجتماعات عدة، وسيستخدم (قائد الجيش إميل) لحود ثمانية آلاف جندي. وقال بيرقدار للحود: (سنقدم لكم مدفعية وذخائر وأسلحة). أملنا هو الخلاص من عون، وأعتقد أن مجرد عرض العضلات سيؤدي إلى انهياره».
وعلق الدكتور سليم الحص على أن وجود عون منافٍ لكل شيء، وعون يراهن على الوضع في المنطقة.
تساءل الأسد: «بعد عون، أليست هناك مشكلة؟». أجاب الهراوي: «ذهابه بداية حل، وسنتابع تشكيل وزارة جديدة»، فأجابه الأسد: «الحلقات الأخرى (يقصد القوات اللبنانية)، ألا تحتاج إلى جهد عسكري؟». فرد الهراوي: «بالنسبة لوليد جنبلاط ونبيه بري، بمساعدتكم تحل الأمور. هناك مشكلة جعجع».
تدخلتُ في الحديث، وتحدثت عن مناورات جعجع ورسائله ومضامينها، ومواقفه العدائية والتقسيمية.
تحدث الأسد ثانية فقال: «نعيش معكم، ونشارككم أفكاركم ومشاعركم، ولست ضد تمنياتكم. انطباعي أن موقف الفرنسيين ليس إيجابياً، ولا بد من الاتصال بهم لمعرفة موقفهم الحقيقي، وهم متشبثون بعون. حرصُنا على سرعة الحل ليس أقل من حرصكم. الوضع خطير في المنطقة. لذلك، إحساسنا بأهمية الحل ليس أقل من الماضي، وتبقى مشكلة لبنان لها خصوصيتها بالنسبة لنا. لكنْ هناك تداخل عجيب بين مصالح الدول الإقليمية، ولكل دولة مشكلة. هناك مشكلة العراق، وهناك تفسيرات وتساؤلات كثيرة. موقف سوريا لم يتغير من أي مشكلة، والآخرون يتحدثون عن العراق كما كنا نتحدث نحن. هناك من الدول مَنْ يتمنى ألّا تؤثر مشاكل أخرى على ترتيباتهم المتخذة، سواء السياسية أو العسكرية (ويقصد الولايات المتحدة بالنسبة لموضوع العراق والكويت). تعرفون أننا كنا جادين، وأرسلنا قوات ولم نسحبها، حتى لا يُعطى الانطباع بأن القوة رجعت. وهناك عشرون سبباً يدفعنا للانتهاء بسرعة. لنا مصلحة بعدم تصديع جبهة الطائف. نحن حريصون على مشاركة الجيش اللبناني، لأنه أول بروز مادي له للحركة. نريد معرفة الجو العالمي ورأيكم، لأن بعض القوى العالمية تخشى التشويش الآن على استراتيجيتها».
رد الهراوي: «طرحتَ موضوعين: الأول، هل هناك متطلبات عسكرية لإنهاء عون؟ عندما ننتهي من عون، بواسطة الجيش اللبناني وبالتعاون مع سوريا، سيتعاون الجميع ولن يقاوم أحد آخر منهم. على الصعيد الخارجي، لدي موظف في الخارجية اسمه طوني شديد، طُلب منذ يومين إلى السفارة الأميركية في دمشق، وقرأ لي محضر لقائه مع دجرجيان الذي زار الوزير الشرع. وكان الشرع حاسما ودجرجيان متردداً، وأجابه طوني: الدولة أخذت قراراً، وسنطلب من سوريا المساعدة. فأجابه (دجيرجيان) إنها مسؤولية الحكومة اللبنانية. اتصلت بسفيرنا في واشنطن وسألته عن الأمر، لكن ليس لديه معلومات، وقال إنه ذهب إلى (مجلس) الأمن القومي لمعرفة الوضع في الخليج. تحدثنا عن لبنان، وقال لي السفير إن بوش مرتاح لإقرار الإصلاحات. وقال له نسيب لحود إن الهراوي سيحسم موضوع عون، فأجابه الأميركي: هل ستطلبون المساعدة السورية؟ أجاب لحود: نعم. قال الأميركي: إننا نتساءل: هل تساعد سوريا؟ يمكن أن سوريا تريد الإبقاء على صورتها الحسنة في الغرب، وصار لها جيش في الخليج (لإنهاء الغزو العراقي للكويت)».

تدخلتُ في الحديث قائلا: «الوضع الآن في المنطقة معقد. العراق اجتاح الكويت، وهناك تحالف دولي لإخراجه من الكويت، واحتمال وقوع الحرب احتمال جدي. والأميركيون، كما أبلغونا، قلقون من خروج فرنسا من التحالف إذا قمنا بعمليات عسكرية في لبنان، وكذلك دول الخليج. إن فتح المشكلة عسكرياً في لبنان الآن يقلق بعض دول الخليج، لأنهم يخشون أن يؤثر ذلك على عملية تحرير الكويت».
وفي نهاية اللقاء وعد الأسد بدراسة الوضع في ضوء التطورات الإقليمية والدولية.
بعد هذا اللقاء، تصاعد الوضع في لبنان، واتخذ عون إجراءات ضد المناطق الأخرى في لبنان، واتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بفرض الحصار على المنطقة التي يسيطر هو عليها، ولم تفلح جميع المحاولات التي بذلتها اللجنة العربية أو بعض الشخصيات اللبنانية بالوصول إلى حل مع عون.
كنت استدعيتُ السفير الأميركي في دمشق في 7 أكتوبر 1990، وهذا بعض ما دار بيننا، حسب المحضر:
السفير: «لدي البريد، إذا كان بالإمكان أن أعطيكم نتائج الاجتماعات في نيويورك وواشنطن. بالنسبة للبنان: سيادة نائب الرئيس، لا بد أن (وزير الخارجية فاروق) الشرع قد تحدث إليكم عنه. لكن أود أن أتحدث معكم مباشرة حول آخر موضوع سألتموني عنه وطلبتم الاتصال بواشنطن من أجله، وهو يتعلق بموضوع لبنان. طبعاً، نقلت حديثنا لواشنطن، وتسلمت هذا الرد: خلال مقابلة الشرع مع (وزير الخارجية جيمس) بيكر، تحدث عن هذه المبادرة بإمكانية استعمال القوة العسكرية ضد الجنرال عون. وطبعاً، بيكر ذكّر الشرع بموضوع لبنان على أنه نوقش بشكل عام مع الأسد، وأن موضوع الحل العسكري لم يبحث».
رد خدام: «صحيح»، فرد السفير: «حسب التقارير والمعلومات التي تقول إن هذا الموضوع ربما تحدث به بيكر مع الرئيس الأسد، فهذا غير صحيح. وبيكر قال للسيد الشرع: نريد أن نؤجل أو نضع جانبا أي اقتراح في متابعة هذا الموضوع، إذا كان يدور في خلدكم مثل ذلك. وقال بيكر: أي عمل عسكري من جانب سوريا ضد عون ربما سيساء فهمه، وربما أيضاً سيستغل من قبل صدام. وقال الشرع لبيكر: لا يوجد سوء تفاهم فيما يتعلق بالوضع بين الولايات المتحدة وسوريا، وإن سوريا تنظر، أو ترى الموضوع بنفس الطريقة. وكما قلتم لي، سيادة نائب الرئيس، إن سوريا الآن ليس في منظورها أن تحّول الانتباه عما يجري في الخليج في الوقت الحاضر. وكما قال الشرع للسيد بيكر خلال اتصالاتنا، إن الحل العسكري قد يأتي عن طريق الهراوي أو القوات اللبنانية. وقال الشرع لبيكر: لا شك بأننا سنأخذ بعين الاعتبار آراء أو وجهة نظر الولايات المتحدة».
تابع السفير أن «الشرع قال لمعاون وزير الخارجية (جون) كيلي إن الهراوي، أو قائد الجيش، سيقوم بأي عمل عسكري بشرط أن يحصل على دعم سوريا في هذا العمل. أي أنه إذا كان سيقوم بعمل عسكري، فإنه يود دعماً سورياً في تنفيذ هذا العمل. وطبعاً، بيكر أكد للأسد (كما أكد الرئيس للرئيس الهراوي) دعم الحكومة اللبنانية الشرعية، وقال إن على اللبنانيين أن يفكروا أكثر من مرة في حال لجوئهم إلى أعمال العنف، وحذرهم من أن أي عمل تكون سوريا متدخلة فيه قد يحّول الأنظار عن الخليج، وسيكون لفرنسا والفاتيكان الفرصة لمعارضة اتفاق الطائف. لذلك نصح الأسد اللبنانيين بأن يتشاوروا حتى لا تستغل فرنسا والفاتيكان هذا الموقف. وقال كيلي: عندما سألنا اللبنانيون عن إمكانية اللجوء إلى العمل العسكري، قلنا: الولايات المتحدة ليست معنية بموضوع إعطاء الضوء الأخضر لتلك العملية، رغم أننا كنا على اتفاق بأن عون يشكل عقبة. كما أكد كيلي للشرع، أنه ليس لدى الولايات المتحدة أسباب تدفعها لترضى بعمل عسكري. ونوه كيلي بالتقدم السياسي الذي أحرزته الحكومة اللبنانية مؤخراً، وأكد أنه ليس من جانبنا أي شيء يشير إلى أننا ندعم عون، نريده أن يتنحى».
رد خدام: «على كل حال، الحكومة اللبنانية لديها انطباع آخر عن الموقف الأميركي. الدكتور (سليم) الحص (رئيس الحكومة اللبنانية) استنتج بشكل واضح، وكذلك الرئيس الهراوي، أن الحكومة الأميركية لا مانع لديها، وأن الأمر يتعلق بالحكومة اللبنانية. طبعاً، دقة الموضوع بالنسبة لنا أننا، فعلاً، نرى الآن أن الظروف الراهنة غير ملائمة بسبب الوضع في الخليج. لكن المشكلة الكبرى التي نواجهها هي أن عون وجماعته واتجاهات أخرى في لبنان، يروجون أن سوريا لا تريد إنهاء عون، وهي عملياً ضد اتفاق الطائف، رغم أننا كل يوم نصدر مائة تصريح حول تأييد الطائف وتأييد الشرعية في لبنان، ولم نترك وسيلة لنحاول إقناع اللبنانيين أننا مع الشرعية. ولكن، مع ذلك، هناك تشويش كبير على موقف سوريا».
وتطرقتُ إلى أن هناك بعض الأطراف «طلبت من الهراوي تجميد اتفاق الطائف»، الأمر الذي علق عليه السفير بأن أميركا «ضد ذلك»، فقلت: «أعرف الموقف الأميركي، ولكن هذا الكلام، إضافة إلى رفض عون الخروج، وإضافة إلى الانهيار الاقتصادي والاضطراب السياسي والخلافات القائمة في الحكومة بين الوزراء، كل هذا يجعل الوضع في منتهى السوء. ما نخشاه هو أن تقرر الحكومة اللبنانية القيام بعمل عسكري وتطلب رسمياً من سوريا، تنفيذاً لاتفاق الطائف، تقديم المساعدة. هذا أمر نخشاه. الأمر الآخر الذي نخشاه هو أن تنهار الشرعية. ولذلك، أرى أن من المفيد أن يقوم السيد السفير باستدعاء ممثل للحكومة اللبنانية ويبلغه بشكل واضح الموقف الأميركي».
رد السفير قائلاً: «سأستدعي ممثل الحكومة اللبنانية غداً، وسأنقل الموقف الأميركي برمته إليه، حتى لا يبقى هناك سوء فهم. وسنقول للبنانيين إننا كنا دوماً معكم، ولسنا الآن في مجال أن ننتقدكم أو نزعجكم (...) لا أحب التعامل مع القيادة اللبنانية من خلال وسيط، ولدي الثقة بالممثل الذي سيرسله الهراوي. لكن ليس هناك بديل عن المناقشات وجهاً لوجه. أعمل وأصلي ليعود سفيرنا إلى لبنان حتى يكون هناك تبادل لوجهات النظر يومياً، لأن هذا مخيب للآمال، وخصوصاً بالنسبة للّبنانيين، لأني أعرفهم منذ سنوات، إذ إن عليك أن تتصل بهم يومياً حتى لا ينحرفوا عن الطريق. طبعاً أنا هنا، أوراقي واعتمادي في سوريا، وأستطيع أن أرى الرئيس الأسد بسهولة، ولكن لا يسمح لي الوقت لرؤية الهراوي. وطبعاً، حكومتي تسمح لي بمقابلة الحص، وهذه هي السياسة الصحيحة. ولكنْ هناك أمور مهمة سأؤكد على أن يكون كل شيء بشأنها مكتوباً، وسأقوم أنا بكتابتها شخصياً ليأخذها (الممثل الشخصي) للهراوي. هذه أفضل طريقة، وأنا أشكركم على تعليقاتكم، وآمل أن يكون الموقف واضحاً جداً (...)».
إزاء تطور الأوضاع في لبنان وأزمة الخليج، جرت مناقشة إمكانية العمل العسكري الذي تُلِحُّ عليه الحكومة اللبنانية، وجرت لقاءات عدة على المستوى العسكري، بين عسكريين سوريين ولبنانيين، واتُّخِذت كافة التحضيرات لتنفيذ هذا العمل. وأبلغنا الحكومة اللبنانية أن المشاركة السورية تتطلب وجود طلب لبناني، حتى يكون العمل في إطار الشرعية، ولإسقاط أي حملات في المستقبل، لا سيما وأننا دخلنا لبنان عام 1976 بطلب من الرئيس سليمان فرنجية والجبهة اللبنانية، ومع ذلك، بعد أشهر شنت تلك الجبهة حملات ضد سوريا، وتورطت في عمليات قتالية ضد قواتنا. ورأينا أن الولايات المتحدة باتت منخرطة بكل إمكاناتها في الخليج، مما لا يتيح لها الفرصة لموقف ضدنا أو تحريك إسرائيل، لأن أي تحرك إسرائيلي سيضر بعملية الخليج.
وفي 9 أكتوبر 1990، استقبلت السيد فارس بويز، مبعوث الرئيس الهراوي، وأبلغني رسالة موجهة لي وأخرى للرئيس الأسد، تتضمنان الاستعداد لإنهاء تمرد عون.
ولا بد من الإشارة إلى أن مجلس الوزراء اللبناني عندما ناقش الموضوع، اعترض الحص على استخدام القوة، واتُّخِذ القرار رغم عدم موافقته، ورفض توقيع الرسالة التي تطلب المساعدة السورية والتي كان يجب أن يوقعها باعتباره وزيراً للخارجية، فقام الهراوي بتوقيع الرسالة وتوجيهها إلى الرئيس الأسد.
وفي صباح 13 أكتوبر، قامت القوات السورية، بالاشتراك مع الجيش اللبناني، بشن هجوم واسع على منطقة سيطرة عون، مهدت له بقصف مدفعي وجوي. وفي التاسعة والنصف صباحاً، أعلن عون تسليمه للشرعية، وفر للسفارة الفرنسية التي التجأ إليها تاركاً زوجته وابنتيه اللواتي عاملهن جنودنا معاملة كريمة وحسنة. وفي الثانية عشرة كانت المنطقة كلها تحت السيطرة. وهكذا انتهى عون.
هكذا انتهى الجنرال المتمرد، وتم اتفاق بين الحكومة اللبنانية والسفير الفرنسي، بعد مفاوضات دامت عدة أيام، على ترحيل عون إلى فرنسا، ضمن شروط معينة، منها ألا يعود إلى لبنان قبل فترة محددة.
> سيادة الأخ الرئيس الفريق حافظ الأسد حفظه الله
تحية طيبة وبعد،
عطفاً على مباحثاتنا السابقة التي تناولنا فيها الرأي حول الأوضاع اللبنانية العامة، وما تعانيه من الحالة الشاذة المتمثلة بتمرد القائد السابق للجيش وعصيانه على السلطة الشرعية.
وبالإشارة إلى القمة السورية ـ اللبنانية الأخيرة التي ضمت في الجانب اللبناني كلاً من دولة رئيس مجلس النواب السيد حسين الحسيني ودولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص، وتناولت بالبحث استمرار القائد السابق للجيش في تمرده ومواقفه السلبية، وما ينبغي اتخاذه من تدابير وإجراءات لوقف النزف اللبناني والقضاء على التمرد، مما يتيح للسلطة الشرعية إكمال مسيرة الإنقاذ والوفاق والسلام.
فإنه يسرني أن أعلم سيادتكم أن مجلس الوزراء تداول في التاسع من هذا الشهر في كل هذه الأمور، وقرر بالإجماع تأكيد قراراته السابقة بتكليف الجيش اللبناني إنهاء تمرد القائد السابق للجيش، ومناشدة سيادتكم، عملاً بوثيقة الوفاق الوطني، ومن واقع العلاقات الأخوية التي تربط بين سوريا ولبنان، إعطاء أوامركم الكريمة إلى القوات العربية السورية المتمركزة في لبنان لمؤازرة الجيش اللبناني في تنفيذ المهمة الموكلة إليه.
إني على ثقة كبيرة، ياسيادة الرئيس، بأن استجابتكم السريعة لهذا المطلب إنما تعكس عزمكم الأكيد على المساهمة الفاعلة في إنقاذ لبنان، وفي تحقيق أماني الشعب اللبناني وآماله بوطن عزيز يعمه الأمن والسلام والاستقرار، وإن لبنان السليم المعافى سوف يحفظ لسوريا الشقيقة بقيادتكم الحكيمة، الدعم الكبير الذي يلقاه منها كلما اشتدت عليه الصعاب وكلما احتاج إلى العون والمساعدة.
حفظكم الله يا سيادة الأخ الرئيس، وسدد خطاكم لما فيه عزة الشعب السوري الشقيق، ولما فيه مصلحة العرب ومصلحة بلدينا.
والسلام عليكم.
أخوكم
إلياس الهراوي
> سيادة الأخ الأستاذ عبد الحليم خدام المحترم
نائب رئيس الجمهورية العربية السورية
تحية طيبة وبعد،
يسرني أن أبعث إليكم نسخة عن قرار مجلس الوزراء المتخذ في الجلسة التي عقدها بتاريخ اليوم بشأن إنهاء الحالة الشاذة المتمثلة بتمرد القائد السابق للجيش، وطلب مؤازرة القوات العربية السورية للجيش اللبناني للقيام بالمهمة الموكلة إليه.
راجياً أن يكون في إنجاز هذه المهمة ما يساعد الدولة اللبنانية على إكمال مسيرة الإنقاذ والوفاق والسلام، بدعم أخوي كريم من الشقيقة سوريا بقيادة سيادة الرئيس حافظ الأسد.
مع أخلص عواطفي وأطيب تمنياتي.
أخوكم
إلياس الهراوي

خدام: الأسد اقترح إعطاء المعارضة العراقية وعوداً وهمية... وخاتمي حذر من دولة كردية (الحلقة الأولى)
خدام: الأسد غيّر رأيه ومدد للحود فاصطدمت سوريا بالإرادة الدولية (الحلقة الثانية)

خدام: استقبلنا رفيق الحريري بناء على اقتراح جنبلاط... وحافظ الأسد «امتحنه» (الحلقة الثالثة)
خدام: هاجمت قواتنا ثكنة «حزب الله»... وهذا ما دار مع السفير الإيراني (الحلقة الرابعة)

خدام: صدام بعث برسائل سرية إلى خامنئي ورفسنجاني... واقترح قمة بحضور «المرشد» (الحلقة السادسة)
رفسنجاني في رسالة لصدام: تتحدث عن القومية العربية وتنتقد رفضنا لاحتلال الكويت (الحلقة السابعة)
خدام: قلت لعرفات إنك تكذب وتتآمر على فلسطين ولبنان وسوريا (الحلقة الثامنة)
خدام: السعودية لعبت دوراً بارزاً لدى أميركا في حل «أزمة الصواريخ» مع إسرائيل (الحلقة التاسعة)
خدام: كنت أول وآخر مسؤول سوري يلتقى الخميني... وهذا محضر الاجتماع (الحلقة 10)

خدام: حافظ الأسد كان سريع التأثر بأفراد عائلته... وعلاقتنا وصلت أحياناً إلى القطيعة (الحلقة الـ 11 والأخيرة)



احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم، الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة بالضفة الغربية المحتلّة، بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة التي حرمت مسقط رأس السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي، من الاحتفال.

لكن هذا العام، بدت المدينة الواقعة في جنوب الضفة الغربية أكثر حيوية، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث يواجه مئات الآلاف برد الشتاء القارس بعد أن تركتهم الحرب في خيام مهترئة ومنازل مدمرة.

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم (أ.ب)

وفي الفاتيكان، من المقرر أن يترأس البابا لاوون الرابع عشر قداس عيد الميلاد الأول له عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش في كاتدرائية القديس بطرس، بعدما دعا إلى «24 ساعة من السلام في العالم أجمع».

وانتخب الحبر الأعظم الأميركي من قبل مجمع الكرادلة، في مايو (أيار)، عقب وفاة البابا فرنسيس، وهو يتميّز بأسلوب أكثر هدوءاً من سلفه، لكنه سار على خطاه في قضايا أساسية، مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.

«أمل»

في بيت لحم، طغت على الأجواء أصوات الطبول ومزامير القِرَب التي تعزف ألحان تراتيل ميلادية شهيرة، بينما توجّه المسيحيون، صغاراً وكباراً، نحو وسط المدينة حيث ساحة المهد.

وقالت ميلاغروس إنسطاس (17 عاماً) التي ترتدي الزي الأصفر والأزرق لكشافة الساليزيان في بيت لحم «اليوم مليء بالفرح، لأننا (من قبل) لم نكن قادرين على الاحتفال بسبب الحرب».

وعلى غرار سائر دول الشرق الأوسط، يشكّل المسيحيون أقلية في الأراضي المقدسة، إذ لا يزيد عددهم على 185 ألفاً في إسرائيل، و47 ألفاً في الأراضي الفلسطينية.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي جابت شارع النجمة الضيق المفضي إلى كنيسة المهد والساحة المؤدية لها.

وتجمّع حشد غفير في ساحة المهد، فيما أطلّ عدد قليل من المتفرجين من شرفات مبنى البلدية لمتابعة الاحتفالات.

وفي وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء.

ويعود بناء الكنيسة إلى القرن الرابع، وقد بُنيت فوق مغارة يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وُلد فيها قبل أكثر من ألفي عام.

وقالت كاتياب عمايا (18 عاماً)، وهي من أعضاء الكشافة أيضاً، إن عودة الاحتفالات تمثّل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا يمنحنا أملاً بأن المسيحيين ما زالوا هنا يحتفلون، وأننا ما زلنا نحافظ على التقاليد».

في وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء (أ.ف.ب)

«إخوتنا وأخواتنا في غزة»

خلال الحرب المدمرة التي دارت في قطاع غزة، عمدت بلدية بيت لحم المنظمة للاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد إلى تخفيف مظاهر الاحتفال، فاقتصرت على المراسم الدينية.

وقالت عمايا: «هذه الاحتفالات هي بمثابة أمل لشعبنا في غزة... بأنهم سيحتفلون يوماً ما ويعيشون الحياة من جديد».

وقبل ساعات ظهر الأربعاء، وصل بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم، استعداداً لترؤس قداس منتصف الليل التقليدي في كنيسة المهد.

وقال لدى وصوله إلى كنيسة المهد أمام المئات من المحتشدين: «أُوصِل لكم التحيات والصلوات من إخوتنا وأخواتنا في غزة».

وكان بيتسابالا زار غزة المدمّرة من الحرب في عطلة نهاية الأسبوع، وترأس قداس عيد الميلاد في رعية العائلة المقدسة بمدينة غزة الأحد.

بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا وسط الحشود (أ.ب)

وأُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية أميركية وقطرية ومصرية وتركية، ودخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن السكان ما زالوا يواجهون حياة صعبة وبائسة بعد فقدان منازلهم وأحبتهم.

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بخرق الاتفاق.

«مكان مميّز جداً»

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح.

ويعتمد اقتصاد مدينة بيت لحم، على وجه الخصوص، على السياحة.

وتسببت الحرب في غزة بعزوف السياح عن المجيء خلال الحرب إلا أعداد قليلة جداً، كما تسببت الحرب بارتفاع معدلات البطالة.

لكن الزوار المسيحيين بدأوا، في الأشهر الأخيرة، بالعودة تدريجياً إلى المدينة المقدسة.

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح (أ.ف.ب)

وقال جورج حنا، من بلدة بيت جالا المجاورة «بيت لحم مكان مميّز جداً، نريد أن تصل رسالتنا إلى العالم كله، وهذه هي الطريقة الوحيدة».

وخلص إلى القول: «نأمل أن نتمكن من الاحتفال، وأن يكون الأطفال سعداء، هذا هو العيد بالنسبة لنا».


التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».


وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».