علاج أسرع بالقسطرة لشرايين القلب

يضمن خروج المريض من المستشفى في اليوم نفسه

قسطرة لفتح الشرايين مع دعامة توضع في مواقع تضيّقها
قسطرة لفتح الشرايين مع دعامة توضع في مواقع تضيّقها
TT

علاج أسرع بالقسطرة لشرايين القلب

قسطرة لفتح الشرايين مع دعامة توضع في مواقع تضيّقها
قسطرة لفتح الشرايين مع دعامة توضع في مواقع تضيّقها

تفرض ظروف وتداعيات جائحة «كوفيد - 19» الوبائية مزيداً من التطوير الإكلينيكي في ابتكار طرق تقديم الخدمات العلاجية للمرضى، بما يحقق رفع كفاءة استيعاب المستشفيات لمعالجة مختلف الحالات المرضية الأخرى، وأيضاً رفع قدرات المستشفيات على التعامل مع أي ضغوطات وبائية تتطلب تخصيص مزيد من الأسرة لمرضى «كوفيد - 19».

- تحول طبي
وضمن جهود تحسين «الاستفادة الأمثل» (Best Utilization) من أسرة تنويم المرضى بالمستشفيات، وأسوة بالتطور الطبي العالمي الحاصل في الاعتماد أكثر على تقديم المتابعة الطبية عبر العيادات الافتراضية (Virtual Clinic)، تبرز أهمية التحول الطبي نحو إجراء المعالجات التدخلية والجراحية عبر آلية «الخروج في اليوم نفسه» (Same-Day Discharge)، أي دون الحاجة إلى مبيت المرضى في المستشفى وشغلهم الأسرة.
وتوفر هذه الآلية تقديم الإجراء التدخلي أو الجراحي للمريض دون تأخير في الانتظار لتوفر سرير التنويم في المستشفى، مع اتخاذ كل الاحتياطات العلاجية لضمان سلامته الصحية وكفاءة معالجته بشكل ملائم.
وضمن عدد 7 يناير (كانون الثاني) الحالي من مجلة الكلية الأميركية لطب القلب (JACC)، أصدرت «الكلية الأميركية لطب القلب» (ACC) تقرير 2021 بشأن إجماع خبرائها في لجنة التنسيق الإدارية لـ«الخروج في اليوم نفسه» (SDD) بعد إتمام إجراء التدخل العلاجي عبر الجلد بالقسطرة لتضيقات شرايين القلب التاجية (PCI) لمرضى القلب.
وقالت الكلية: «أدى التطور في إجراء التدخل العلاجي بالقسطرة لتضيقات شرايين القلب التاجية، إلى تحسين السلامة والفاعلية، للمرضى وطريقة معالجتهم. وتُظهر البيانات الطبية أنه في سياق اتخاذ مسار «الخروج في اليوم نفسه»، كخيار إكلينيكي عملي، يمكن تجنب الحاجة للمراقبة الطبية في المستشفى طوال ليلة وصباح اليوم التالي لما بعد إتمام المعالجة التدخلية، وذلك لمرضى مختارين ممنْ لا يعانون من زيادة معدل الوفيات، أو الاضطرار لإعادة دخول المستشفى (Rehospitalization)، أو غيرها من المضاعفات.
ونبه التقرير إلى أن تبني هذا النهج الإكلينيكي المتطور، يكون بالتشاور مع المريض، للمرضى البالغين الذين تمثل معالجة شرايين القلب بالقسطرة لهم إجراءً علاجياً «اختيارياً». هذا مع إعطاء تعليمات واضحة للإجراءات العلاجية بعد الخروج، كتناول الأدوية وموعد المتابعة في العيادة وكيفية التصرف عند ملاحظة أي أعراض مرضية وغيره.
وأوضحت أن تعريف «الإجراء الاختياري» (Elective Procedure)، وفق سجل بيانات القلب والأوعية الدموية الوطني بالولايات المتحدة، هو: «إجراء علاجي للشرايين التاجية عبر الجلد PCI، ويتم إجراؤه للشخص كمريض خارجي (Outpatient) عند عدم وجود مخاطر كبيرة (Significant Risk) لحصول نوبة الجلطة القلبية أو الوفاة».
وذلك بخلاف «الإجراء المستعجل» (Urgent Procedure) عندما يكون ثمة قلق طبي بشأن احتمال وجود حالة مستمرة لنوبة الجلطة القلبية أو الذبحة الصدرية لدى المريض الذي تم تنويمه في المستشفى، ما يتطلب إجراء العلاج التدخلي للشرايين القلبية قبل خروجه منها. وأيضاً بخلاف «الإجراء الإسعافي» (Emergent Procedure) حينما يكون ثمة قلق طبي عميق بشأن سلامة حياة المريض، ما يتطلب معالجة طارئة دون أي تأخير.

- إجراء يومي
وتحت عنوان «فوائد الخروج في اليوم نفسه»، ذكر التقرير أن من المفاهيم الخاطئة الشائعة الاعتقاد بأن المرضى قد يعتريهم التوتر أو القلق من عدم مراقبتهم طبياً داخل المستشفى خلال ليلة ما بعد الإجراء التدخلي في القلب. وقالت الكلية: «تدعم الأدلة العلمية فكرة أن غالبية المرضى يفضلون الخروج في اليوم نفسه ويفضلون القدرة على العودة إلى منازلهم المريحة بعد الإجراء التدخلي في القلب». وأشار التقرير إلى نتائج دراستين واسعتين حول هذا الأمر، تبين من نتائجهما أن ما يقرب من 80 في المائة من المرضى أفادوا بذلك التفضيل.
وبالنسبة لمرافق تقديم الرعاية الطبية، قال التقرير ما ملخصه إن الخروج في اليوم نفسه بعد التدخل العلاجي بالقسطرة لتضيقات شرايين القلب التاجية، يقدم لها العديد من الفوائد. لأن كثيراً من تلك المرافق حالياً غير قادرة على تلبية طلبات القبول لأقسام الطوارئ الخاصة بهم. وخلال أوقات الحاجة إلى رفع قدرة استيعاب الأسرة بالمستشفيات مع توفير معالجة مرضى القلب، يُعد تنفيذ طريقة «الخروج في اليوم نفسه» إحدى الطرق لزيادة توافر أسرة تنويم المرضى. وأضاف: «لقد وجدت الدراسات أن اتباع نهج الخروج في اليوم نفسه للمريض بعد التدخل العلاجي بالقسطرة لتضيقات شرايين القلب التاجية (PCI)، يرتبط بانخفاض يصل إلى 50 في المائة في نسبة التكاليف المادية، لتقديم الرعاية الطبية لهم، أي بما لا يقل عن 7 آلاف دولار عند اتخاذ طريق الشريان في المعصم (Radial Artery Access) لإجراء القسطرة ومعالجة تضيقات الشرايين التاجية. وتوفير المستشفيات الأميركية ما يصل إلى 500 مليون دولار سنوياً».

- انخفاض تدفق الدم لعضلة القلب... أعراض متفاوتة
عند انخفاض تدفق الدم إلى القلب، تعتري عضلة القلب حالة تُسمى «إقفار عضلة القلب» (Myocardial Ischemia). ونتيجة لها، لا تتلقى عضلة القلب الكمية الكافية من الأكسجين. وعضلة القلب تحتاج الأكسجين كي تتمكن من العمل بكفاءة وفق احتياج الجسم لضخ الدم إلى أعضائه المختلفة.
وللتوضيح، يحتاج الجسم خلال الراحة كمية من الدم المُحمّل بالأكسجين، كما يحتاج حال بذل المجهود البدني كمية أعلى من الدم ومن الأكسجين. ولذا حال بذل المجهود البدني، يُطلب من القلب أن يضخ كمية أعلى من الدم للجسم. ويقوم القلب بذلك عبر رفع معدل نبض القلب بالدرجة الأولى، وبالتالي رفع كمية الدم الذي يضخه للجسم خلال الدقيقة الواحدة.
وعندما تكون ثمة تضيقات أو سدد في أحد شرايين القلب، فإن عضلة القلب قد تُؤدي المطلوب منها حال الراحة البدنية. ولكن عند بذل المجهود البدني، وارتفاع وتيرة الطلب من القلب لضخ مزيد من الدم، لا تتلقى عضلة القلب دماً وأكسجيناً كافياً لإتمام هذه المهمة المطلوبة منها.
وهنا تبدأ عضلة القلب بالشكوى والأنين، الذي يظهر على هيئة «ألم الذبحة الصدرية» (Angina Pectoris)، والذي يكون عادةً في الجانب الأيسر من الصدر. وكذا الحال عند حصول الانسداد المفاجئ لأحد شرايين القلب، الذي يؤدي إلى حصول الألم الحاد في الصدر لـ«نوبة الجلطة القلبية» (Heart Attack).
وقد يحدث ألم الصدر المرتبط بإقفار عضلة القلب بسبب: الإجهاد البدني، والضغط العاطفي، والتعرض لدرجات الحرارة الباردة، وتناول وجبة ثقيلة أو كبيرة، وممارسة الجنس.
وهناك علامات وأعراض أخرى تشمل ألماً في الفك أو العنق، وألماً بالكتف أو الذراع، وتسارع ضربات القلب، وضيق النفس عند القيام بنشاط بدني، والغثيان والقيء، والتعرُّق، والإرهاق.

- رأب شرايين القلب التاجية بالقسطرة
> التدخُّل بالقسطرة عبر الجلد لعلاج الشرايين التاجية (Percutaneous Coronary Intervention)، هو إجراء يُستخدم لتوسيع التضيقات الناجمة عن تراكم الدهون والكوليسترول في جدار أحد شرايين القلب، أو لفتح أحد شرايين القلب المسدودة. وهذا الإجراء العلاجي يُصنف بأنه «تدخلي» (Invasive)، وليس «جراحياً» (Surgical)، أي لا يتطلب إجراؤه شق الجلد للوصول إلى القلب.
ويستخدم الإجراء في حالتين:
- عند الإصابة بنوبة الجلطة القلبية لفتح الشريان القلبي المسدود بسرعة وتقليل حجم الضرر على القلب نتيجة لها.
- لتخفيف أو إزالة الأعراض المُصاحبة لضيق أحد الشرايين القلبية،عندما لا تُفلح الأدوية في السيطرة عليها.
وتجدر ملاحظة أن الإجراء العلاجي التدخلي لتوسيع الشرايين المتضيقة أو المسدودة، لا يعني اختفاء مرض القلب، بل هو علاج موضعي لتراكم الدهون والكوليسترول في أحد مقاطع أحد الشرايين القلبية. ومن الوارد جداً تكرار حصوله في مناطق أخرى وشرايين أخرى في القلب، ما يفرض على المريض بدء رحلة الوقاية المتقدمة (Secondary Prevention) لمنع تكرار حصول هذه المشكلة. أي بتناول الأدوية الموصوفة من طبيب القلب والمتابعة لديه في العيادة، وضبط ارتفاع ضغط الدم والتحكم في نسبة سكر الدم وخفض مستويات الكوليسترول الخفيف والتوقف عن التدخين والبدء بممارسة الرياضة والعمل على خفض وزن الجسم وتقليل التعرض للتوتر والقلق النفسي.


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».