المفوض السامي للاجئين: ليس لدينا حل إنساني للأزمة السورية.. وحان وقت الحل السياسي

غوتيريس قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يخشى من نسيان العالم للاجئين العراقيين

أنتونيو غوتيريس
أنتونيو غوتيريس
TT

المفوض السامي للاجئين: ليس لدينا حل إنساني للأزمة السورية.. وحان وقت الحل السياسي

أنتونيو غوتيريس
أنتونيو غوتيريس

في زيارة قصيرة إلى دافوس السويسرية، شارك مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين أنتونيو غوتيريس في أعمال «منتدى الاقتصاد العالمي»، حيث التقى مسؤولين سياسيين وشخصيات مشاركة في المنتدى، بهدف حصد الدعم للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وضمن مساعيه لجمع التمويل للاجئين خاصة السوريين منهم. وفي ما يلي أبرز ما جاء في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» على هامش أعمال المؤتمر:

* لقد طالبتم العالم مرات عدة بدعم اللاجئين في العالم، وبشكل أخص اللاجئون السوريون.. هل حصلتم على ما تحتاجونه من مساعدات المالية لحماية اللاجئين السوريين؟
- بالنسبة للمساعدات المالية، نحو 54 في المائة من الذي طلبناه في عام 2014 لمساعدة اللاجئين السوريين إقليميا. وماذا يعني ذلك؟ أن الاحتياجات تزداد بسرعة، والميزانيات لدعم العمل الإنساني تزداد بوتيرة أبطأ بكثير. وكما بات معروفا، لدينا الآن للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية أكثر من 50 مليون نازح بسبب النزاعات حول العالم. ولكن ما يقلقنا تصعيد الأعوام القليلة الماضية. في عام 2011 هناك 14 ألف نازح أجبروا على الفرار بسبب النزاع، وفي عام 2012 زاد العدد إلى 23 ألفا، في عام 2013، نحو 32 ألفا.. وهكذا نرى التداعيات المتفاقمة لتضاعف الأزمات الجديدة والأزمة الهائلة في سوريا.. والأزمات التي لا تنتهي مثل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأفغانستان والصومال، تخلق حجما كبيرا من الحاجة لمعالجة الحماية البسيطة جدا والمساعدات لإنقاذ الأرواح للمحتاجين في العالم. ومع الأسف قابلية المجتمع الدولي في تمويل تلك المساعدات من الواضح أنها تتأخر، والفجوات في التمويل باتت مزرية. على سبيل المثال، برنامج الغذاء العالمي اضطر لقطع تزويد المساعدات في العديد من المناطق حول العالم بسبب شح التمويل. وكل الفاعلين في المجال الإنساني عليهم ضغوط هائلة ليستطيعوا الرد على احتياجات الضعفاء.
* هل هذا الشح في التمويل بسبب انعدام العزيمة السياسية للتحرك؟
- أعتقد أن المجتمع الدولي لم يفهم بعد مدى الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية. هناك تداعيات من التغير المناخي ونمو التعداد السكاني والكوارث الإنسانية التي تزداد في مناطق متعددة حول العالم. الحقيقية هي أنه إذا كنتم تنظرون إلى ما يصرف للمساعدات الإنسانية حول العالم من خلال القنوات المعروفة، فإنه يبلغ نحو 20 مليار دولار. لا أعلم أي مصرف متوسط الحجم تم إنقاذه من الإفلاس بمبلغ أقل من ذلك. فأعتقد أن العالم عليه أن يغير كيف يضع أولوياته، لأننا نرى معاناة هائلة أولا، وثانيا لأن الأزمات الإنسانية هي عبارة عن عارض ودليل على فشل كبير في العالم. إذا نظرنا إلى الأزمة السورية فإنها ليست فقط كارثة إنسانية، بل باتت تهديدا كبيرا للاستقرار العالمي، والعراق انغمس فيها، ولبنان في وضع حرج جدا، كما أنها باتت تهديدا للسلم والاستقرار العالمي. هناك مقاتلون من كل العالم هناك، وهم مقاتلون قد يعودون إلى دولهم ويقومون بأعمال نراها، أو يطلقون أعمالا عنيفة في أي مكان في العالم. لذا، فإن الرد على المساعدات الإنسانية ليس فقط تضامنا، بل يجب أن يكون جزءا من المصلحة الذاتية المتنورة.
* وماذا عن برامج إعادة توطين سوريين؟
- لدينا تقديرات حول اللاجئين السوريين، فهناك نحو 3.8 مليون لاجئ سوري مسجلين في دول الجوار، وهناك الكثير غير مسجلين ويطلبون المساعدة. ونقدر بأن نحو عُشر هؤلاء يجب إعادة توطينهم في دول ثالثة كالحل الأمثل في الظروف الحالية، بالطبع الحل الأمثل هو العودة إلى الوطن بسلام وكرامة عندما تسمح الأمور بذلك، لكن دائما لدينا أناس عانوا الكثير وقتل أفراد من عائلتهم أو تعرضوا للتعذيب أو كانت لديهم أزمة تصعب من عودتهم إلى بلدهم أو لديهم حالة طبية حرجة. ومن الواضح أن دور الجوار ستعاني في معالجة احتياجاتهم. لذلك، نحو عشر السوريين اللاجئين بحالة إلى إعادة توطين في بلد ثالث. مع الأسف، طلبنا المساعدة، وطالبنا بمنح 130 ألف فرصة لإعادة التوطين لأننا كنا واقعيين وعلى علم بأنه من غير المتوقع أن نحصل على الـ10 في المائة (أي 380 اأفا). حتى الآن وصلنا إلى 100 ألف فرصة مقدمة حتى نهاية عام 2016، ولكن نقوم بجهود كبيرة لتقدم دول أخرى مساعدات إنسانية وفرصا لإعادة التوطين للاجئين في الأردن ولبنان وتركيا لتمنح لهم فرصة مستقبل أفضل. لكننا أيضا نطلب من الدول تحسين برامج لم الشمل، فعل سبيل المثال سويسرا لديها برنامج مهم، أو أن تكون هناك سياسة تأشيرة دخول أكثر مرونة مثل فرنسا والبرازيل. ولكن مع الأسف عندما ننظر إلى أوروبا نجد فقط دولتين، وهما السويد وألمانيا، استجابتا لدعوتنا لتقديم المساعدة الضرورية للشعب السوري.
* لكن هناك مشكلة أساسية حتى لمن يمنح اللجوء، وهي أنه على اللاجئ أن يصل إلى البلد الثالث قبل منحه حق اللجوء، وفي الكثير من الأحيان يحدث ذلك عن طريق المهربين. وهذا الأمر ليس فقط مقصورا على السوريين والعراقيين، ولكن هناك لاجئين من كل العالم، وهم يضطرون للمخاطرة بكل شيء بهدف الحصول على اللجوء. كيف يمكن تعديل القوانين والإجراءات كي لا يكون المهربون هم المستفيدين الوحيدين من هذا الخلل في نظام منح اللجوء؟
- هذه مشكلة عامة، من الواضح أنه لا توجد طريقة لمكافحة التهريب والتحرك غير النظامي، ولا أحب أن أقول غير القانوني، من دون تزويد فرص للتحرك النظامي والقانوني لتحرك الناس. لذلك نحن نصر على أن يتم فتح جميع الحدود لتحرك السوريين في كل مكان، من المنطقة إلى دول أوروبا وغيرها من دول، بالإضافة إلى تحسين برامج إعادة التوطين للسوريين والمساعدات الإنسانية، وأن يحسن برنامج لم شمل العائلة لأن هناك جاليات سورية كبيرة حول العالم ومن خلال برنامج لم الشمل يمكننا أن نقدم الحماية. لذلك من الضروري بالنسبة للاجئين ولتنظيم الهجرة أن نفهم أن الطريقة الوحيدة لمواجهة المنظمات غير القانونية هي من خلال منح الفرص القانونية للناس. وهذا ليس أمرا جديدا. إذا كانت هناك تجارة حرة فإن التهريب يختفي، وهذا أمر طبيعي.
* مع الأزمات المتتالية في العراق، هناك أزمة نزوح ولجوء عراقية، خاصة عندما اقتحم «داعش» عددا من المدن العراقية حيث شهدنا المزيد من النزوح الجماعي.. وهناك مخاوف من مد هذه الأزمة لعقود..
- في الوقت الراهن، مثلما قلت، المشكلة العراقية الأكبر هي للنزوح الداخلي وفي ظروف صعبة جدا جدا، خاصة في وسط وجنوب العراق. في إقليم كردستان كان من الممكن أن نؤمن مواقع أكثر أمنا، وأسهل لنا أن نوزع المساعدات هنا. ولدينا أكثر من 100 ألف لاجئ عراقي جديد، وتركيا استقبلت غالبيتهم. ونحن نعاني لنجعل المجتمع الدولي يفهم أن العراقيين بحاجة إلى حماية مثل السوريين ويمرون بظروف مماثلة. ولدينا نقاشات معمقة مع الدول المضيفة ومع المجتمع الدولي لنصل إلى آلية لحماية العراقيين بطريقة أفضل، لأننا نشعر بخطر أن اللاجئين العراقيين قد يصبحون منسيين.
* هناك مخاوف من تصاعد مشاعر الخوف من الأجانب وفرضهم في دول أوروبية وغربية استقبلت تقليديا اللاجئين. هل تخشون من تأثير ذلك على استقبال اللاجئين من الشرق الأوسط المضطرب؟
- أولا الخوف من الأجانب مع الأسف مشكلة لنا في كل مكان، والأمر يقلقنا بالذات عندما يؤثر على الذين يبحثون عن الأمان ويهربون من دولهم، لأنهم لا خيار آخر لهم. لذلك أن يصبح ضحايا الخوف من الأجانب ضحايا مرتين، أولاهما من العنف والاضطهاد وبلدهم، ثم مجددا في المجتمع الذي يبحثون فيه عن المأوى. نحن قلقون جدا من التطورات، ووجود مسيرات تظهر الخوف من الأجانب، ومعاداة المسلمين خاصة في أوروبا، ونحن نواصل العمل بشكل مستمر لتدشين حملة ضد تلك المشاعر. إذا كان على أوروبا أن تفخر بأمر ما، فيجب أن تفخر بقيم التنوير، وربما هذه أفضل ما قدمته أوروبا للحضارة الدولية، قيم التسامح وتقبل الآخر. وما نراه في بعض الدول الأوروبية الآن هو نسيان للتسامح، ونرى تصرفات غير عقلانية، لأن الحقيقة هي أن أوروبا تحتاج المهاجرين مع مستويات تراجع الخصوبة في الكثير من الدول الأوروبية. الهجرة جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة. والدتي عمرها 91 عاما، والعديد من الأشخاص يساعدونها، بالإضافة إلى العائلة، وعندما أزورها في لشبونة لا أرى برتغاليا واحدا يساعدها. والبرتغال ليست دولة غنية ولديها بطالة، لكن المهاجرين مهمون جدا لمراعاة الكبار في السن، والأمر نفسه ينطبق في كل الأرجاء. لذلك، من الضروري أن نقنع الأحزاب الرئيسية والقيادات السياسية في أوروبا بأن عليهم ألا يقلقوا من المجموعات المتطرفة الشعبوية والرافضة للأجانب، وأن عليهم أن يصروا على قيم التنوير الأوروبية ويجب التشديد عليها بأنها محورية لحماية الحضارة الأوروبية والعالمية. وما يحدث في أوروبا يحدث في مناطق أخرى في العالم، حيث نرى اللاجئين يُستهدفون.. على سبيل المثال نرى اللاجئين الصوماليين أصبحوا ضحايا العنصرية في الكثير من مناطق العالم، وهذا بالنسبة لنا مصدر قلق دائم وعلينا عمل الكثير. والمجتمع المدني له ديناميكية كبيرة لمنع معاداة الأجانب ونحن ندعمهم بذلك.
* ما أهمية مؤتمر الكويت المقبل للمانحين لدعم اللاجئين السوريين، خاصة أن التعهدات الدولية لم تلب كلها في السابق؟
- أولا، المؤتمران الأولان في الكويت كانا أساسيين بالنسبة لنا، صحيح أنه لم يتم تخصيص منح لكل ما طلبنا، لكن الكثير من الدعم وجه لنا من خلال مؤتمري الكويت، ونحن ممنونون لأمير الكويت ودولة الكويت في قيادة مبادرات لدعوة المجتمع الدولي لحماية اللاجئين السوريين ودعم الدول المجاورة لسوريا. ومؤتمر الكويت الثالث في غاية الأهمية هذه المرة، لأنه لا يركز فقط على اللاجئين السوريين بل أيضا المجتمعات المضيفة لهم، على الأردنيين واللبنانيين وغيرهم من الذين يعانون في حياتهم اليومية مع التفاقم الهائل لتعداد سكان هذه الدول، حيث زادت الصعوبة في الحصول على فرص العمل، والأسعار ترتفع، والرواتب تنقص. وهناك حاجة لدعم صلابة هذه المجتمعات، بينما تزداد احتياجات اللاجئين أنفسهم. ونحن نأمل أن مؤتمر الكويت الثالث سيخلق فرصة للكثير من الدول بالتعبير عن تضامنها، والحقيقة هي أن غالبية التعهدات التي قطعت في مؤتمري الكويت الأول والثاني تم الالتزام بها. المشكلة أن كل شيء غير كاف عندما نرى الاحتياجات المطروحة. نحن نتكلم عن الاحتياجات الأساسية، ونحو نصف الاحتياجات الأساسية للاجئين لم يتم تمويلها.
* هناك شعور باليأس مع تفاقم أعداد اللاجئين.. كيف تصد هذا الشعور؟
- الأمر بسيط، لا يوجد لدينا حل إنساني لهذه المشاكل، الحل سياسي. ما يجب أن يفعله الناس هو فرض كل الضغوط الممكنة على القيادات السياسية في دولهم للتأكد من اجتماعهم وعملهم معا لخلق ظروف تسمح بحل هذه الأزمات. إذا نظرنا إلى الوضع في سوريا، فالسوريون يقاتلون صحيح، لكنهم لم يكونوا ليواصلوا القتال لولا الدعم الخارجي، من حيث التسليح والأموال للحكومة والمعارضة. وحان الوقت لمن لديه تأثير على أطراف النزاع، الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية وإيران وغيرها، أن يقر بأنه لا أحد ينتصر في هذه الحرب، وأنها باتت تشكل تهديدا لكل المجتمعات حول العالم. من الضروري الالتئام لخلق الظروف لإنهاء هذه الأزمة.
* ربما التهديد الأمني أكثر من التهديد الإنساني يجمع الدول ويدفعها للتحرك؟
- أحيانا أسهل أن تجعل الآخرين يفهمون مصلحتهم الأساسية بدلا من أن تدفع الناس لإظهار تضامنهم. في هذا الحال، الاثنان يصوبان بنفس الاتجاه. نحن بحاجة لإنهاء الأزمة السورية لوقف معاناة الشعب السوري والتهديد الأمني للسلم والأمن العالميين.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.