صراع الأجنحة الحوثية يعطل «التغييرات الجذرية» المزعومة

تنافس شديد على المناصب... ونذر تصفيات بينية

أحالت هيئة مكافحة الفساد الحوثية أخيراً 26 شخصاً متهمين بالفساد إلى القضاء (إعلام حوثي)
أحالت هيئة مكافحة الفساد الحوثية أخيراً 26 شخصاً متهمين بالفساد إلى القضاء (إعلام حوثي)
TT

صراع الأجنحة الحوثية يعطل «التغييرات الجذرية» المزعومة

أحالت هيئة مكافحة الفساد الحوثية أخيراً 26 شخصاً متهمين بالفساد إلى القضاء (إعلام حوثي)
أحالت هيئة مكافحة الفساد الحوثية أخيراً 26 شخصاً متهمين بالفساد إلى القضاء (إعلام حوثي)

بينما يتنافس قادة حوثيون من أجل الحصول على مناصب في الحكومة التي تزمع الجماعة تشكيلها في إطار «التغييرات الجذرية» المزعومة، بدأ قادة آخرون اتخاذ احتياطاتهم لتأمين أنفسهم وعائلاتهم؛ تحسباً لأي إجراءات قد تطالهم سواء بالاغتيالات أو الاختطاف أو الإحالة إلى المحاكم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء أن عدداً كبيراً من القيادات الوسطية والميدانية تراجعت عن المطالبة باستحقاقاتها من المناصب والنفوذ، بعد أن ظهرت بوادر جديدة لتصاعد الصراع بين مختلف الأجنحة والقيادات، خصوصاً بعد إعلان زعيم الجماعة الحوثية في سبتمبر (أيلول) الماضي «التغييرات الجذرية»، وبدأت بإقالة الحكومة غير المعترف بها، وتكليفها بـ«تصريف الأعمال».

يطالب القادة الميدانيون في الجماعة الحوثية باستحقاقاتهم من النفوذ بعد توقف الجبهات (إعلام حوثي)

وذكرت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الصراع على المناصب والنفوذ، في إطار المساعي إلى تشكيل حكومة جديدة، انحصر بين قيادات الأجنحة التي تسعى إلى تعيين موالين لها ومحسوبين عليها في المواقع الحساسة في الحكومة، وأن الخلافات لا تقتصر على مناصب الوزراء ونوابهم، بل امتدت لتشمل الوكلاء ومديري العموم وحتى مديري الأقسام والإدارات.

وتدرس قيادات الجماعة الحوثية خيارات عدة لتجاوز الخلاف وعدم تصعيده، ومن ذلك إنشاء مزيد من الكيانات الموازية لمؤسسات الدولة بهدف توزيع حصص الأجنحة عليها.

وطبقاً للمصادر، فإن القيادات الجبهوية والميدانية التي تبحث عن استحقاقاتها من أموال الفساد والجبايات والمناصب، انقسمت إلى فريقين؛ ينتمي الأول إلى عائلات وأسر ذات علاقات قوية بقيادات الجماعة والأجنحة، ويحظى بدعمها، ولديه الجرأة للتصعيد والمطالبة باستحقاقاته، في حين لا يحظى الفريق الثاني بتلك الامتيازات، ويخشى أفراده التنكيل بهم حال أصروا على مطالبهم.

وتضيف المصادر أن زعيم الجماعة الحوثية اتخذ من أحداث غزة مبرراً لعدم حسم تشكيل الحكومة، وطالب مختلف الأطراف بالتأني، وتكريس جهودهم لخدمة التوجه الحوثي للمشاركة في الحرب، والاستفادة منها في توجيه الرأي العام وإشغاله عن الاحتجاجات الشعبية، ومطالب الموظفين العموميين برواتبهم.

تصفيات وحرب سيبرانية

يخشى عدد من القادة الميدانيين الحوثيين تصفيتهم أو التنكيل بهم، وذلك بعد وقائع عدة لتصفيات واختطافات جرى التستر عليها أو تلفيق تهم لضحاياها.

ولقي القيادي هادي غانم قصمة، المكنى «أبو طارق»، قائد الأمن الوقائي في محافظة البيضاء (277 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء)، مصرعه في مواجهات بين مسلحيه ومسلحين يتبعون قيادياً حوثياً من المحافظة، وذلك بعد قرابة شهر من مقتل القياديَين عبد السلام جحلان، شقيق القيادي ياسر جحلان المعين في منصب مدير مديرية مكيراس، وجمال أحمد عبد الله المصيادي، وإصابة آخرين من أقارب الأول.

يخشى مراقبون من أن يتسبب صراع الأجنحة وحرب غزة في إفشال جهود السلام في اليمن (غيتي)

وزعمت الجماعة أن الحادثتين تقف خلفهما عناصر إرهابية، الأمر الذي أثار الشك والقلق لدى عديد من القيادات من أن ذلك يعد تستراً على الواقعتين اللتين يرجح أنهما ضمن مخططات تصفية في سياق صراع الأجنحة، خصوصاً أن الثلاثة القتلى من أبرز القادة والمشرفين الحوثيين.

ولجأ عدد كبير من القادة إلى اتخاذ احتياطات أمنية ولوجيستية لحماية أنفسهم وعائلاتهم، من بينها نقل عائلاتهم خارج مناطق سيطرة الجماعة، وبعضهم بهويات مزورة.

وتفيد المصادر بأن الصراع بين الأجنحة اتخذ طابعاً جديداً فيما يشبه الحرب السيبرانية بينها، لينتقل معها إلى هيئة مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والمحاكم والنيابات، وجميعها أجهزة تسيطر عليها الجماعة الحوثية، وتتقاسم أجنحتها إدارتها وتديرها لصالحها.

وكشفت وسائل إعلام حوثية حديثاً، إقرار الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد (النسخة الحوثية) إحالة 26 متهماً في قضيتَي فساد، وصفتهما بـ«جسيمتين»، إلى القضاء، بعد إقرار نتائج إجراءات التحري والتحقيق التي نفذتها دائرة التحري والتحقيق في الهيئة وجهاز الأمن والمخابرات ومباحث الأموال العامة.

وتتهم الهيئة المتورطين في القضية الأولى بالإضرار بالاقتصاد الوطني والمؤسسات المالية، واختراق أنظمة عدد من المؤسسات المالية، والاحتيال الإلكتروني، والتزوير لوثائق إثبات الهوية، وغسل العائدات المتأتية بمبالغ تصل إلى 10 ملايين و330 ألف ريال يمني، و6 آلاف و700 دولار، و298 ألف ريال سعودي.

يتخذ عديد من القادة الحوثيين احتياطات أمنية صارمة خوفاً على حياتهم وعائلاتهم من التصفيات البينية (إعلام حوثي)

أما القضية الثانية، فتتضمن الإضرار بمصلحة الدولة، والاستيلاء على المال العام، وتخريب الاقتصاد الوطني في إحدى الوحدات الإنتاجية، وبحجم ضرر بلغ 3 ملايين و429 ألف دولار، بحسب مزاعم الهيئة التي أقرّت حجز وتتبع الأموال والأصول الخاصة بالمتهمين في القضيتين، وملاحقة المتهمين الفارين خارج سيطرة الجماعة الحوثية.

وأشارت الهيئة الحوثية إلى فرار عدد من المتهمين الضالعين في القضيتين إلى خارج مناطق سيطرة الجماعة، دون أن تورد أسماء أو صفات أي منهم.

المصادر تحدثت عن توسع المكايدات، وتسريب وثائق ملفات فساد من مختلف القطاعات، إلى جانب الاعتراض على وجود قيادات حوثية معينة في أكثر من منصب؛ مثل هاشم الشامي الذي يشغل منصبَين قياديَين في مؤسسة الكهرباء وهيئة الأراضي، وطه جران الذي يدير ما تُسمى بـ«الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء»، ومؤسسة «يتيم».

«حرب غزة» فرصة للإنقاذ

منذ أسابيع، نفّذ عناصر حوثيون أعمال دهم واختطافات واسعة طالت قيادات وناشطين، جرى التعتيم على غالبيتها؛ بسبب مخاوف عائلات المختطفين من التنكيل بهم، وعدم جدوى الوساطات للإفراج عنهم في حال إثارة قضايا اختطافهم عبر وسائل الإعلام.

إلا أن اختطاف القيادي والناشط الحوثي محمد الجرموزي من منزله أخذ مساحة من الاهتمام في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، لأنه يحظى بشعبية وسط أنصار وأتباع الجماعة؛ بسبب كتاباته وأشعاره المؤيدة لها، والمبررة لممارساتها وحربها.

وكانت النيابة الجزائية التابعة للجماعة أصدرت أمر قبض قهري على الجرموزي بتهمة ازدراء القضاء، إلا أن تنفيذ الأمر تأخر أسابيع عدة.

واتهم الجرموزي قيادات في الجماعة الحوثية باختطافه؛ نتيجة موقفه الرافض لإرسال وفد إلى العاصمة السعودية، الرياض؛ للتفاوض من أجل إحلال السلام في اليمن، ووصف الأمر بـ«الخيانة، والتنكر لدماء المقاتلين»، مطالباً باستمرار الحرب.

تنافس الأجنحة الحوثية يعيق تشكيل حكومة انقلابية جديدة (إعلام حوثي)

ويرى مراقبون أن صراع الأجنحة المتصاعد يهدد إمكانية حدوث مفاوضات سلام حقيقية، وانخراط الجماعة الحوثية فيها بجدية، حيث يبدو جلياً، وفقاً لباحث سياسي مقيم في العاصمة صنعاء، أنه وبينما ترسل الجماعة وفوداً للتفاوض في أكثر من عاصمة عربية، فإن قيادات أخرى تعمل على التصعيد والتلويح بعودة المعارك.

وحذر الباحث، الذي طلب حجب بياناته، من أن التصعيد الحوثي في بعض الجبهات الداخلية يتزامن مع إعلانها المشاركة في حرب غزة، واتهامها دول الجوار بعدم تمكينها من إطلاق صواريخها ومسيّراتها، أو السماح لها بإرسال جنودها ومقاتليها إلى أرض مجاورة لغزة. وقال إن اتهام الجماعة المحيطَين الداخلي والعربي بالعمالة لإسرائيل يكشف عن نوايا سيئة للغاية.

وأكد الباحث أن حرب غزة منحت الجماعة فرصة لتجاوز كثير من التحديات التي تواجهها، والسعي لحل الخلافات الداخلية وإعادة توزيع حصص النفوذ والفساد، وتقوية جبهتها التفاوضية لإملاء شروط مجحفة، منبهاً إلى أنها تدرك أن القوى الدولية التي تضغط لتحقيق تسوية سياسية في اليمن تتفهم أسلوبها في الاستفادة من حرب غزة، ويمكن أن تساعدها على ذلك.


مقالات ذات صلة

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي خسائر بشرية بصفوف الحوثيين جراء استمرار خروقهم الميدانية (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يشيّدون مقابر جديدة لقتلاهم ويوسّعون أخرى

خصصت الجماعة الحوثية مزيداً من الأموال لاستحداث مقابر جديدة لقتلاها، بالتزامن مع توسيعها لأخرى بعد امتلائها في عدد من مناطق العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.