تنافس حوثي على العقارات العامة والخاصة شرقي تعز

الميليشيات بدأت تفكيك أحد أجنحتها ضمن الصراع البيني

صلاح بجاش عضو مجلس شورى الانقلابيين الحوثيين محاطاً بأعوانه (إكس)
صلاح بجاش عضو مجلس شورى الانقلابيين الحوثيين محاطاً بأعوانه (إكس)
TT

تنافس حوثي على العقارات العامة والخاصة شرقي تعز

صلاح بجاش عضو مجلس شورى الانقلابيين الحوثيين محاطاً بأعوانه (إكس)
صلاح بجاش عضو مجلس شورى الانقلابيين الحوثيين محاطاً بأعوانه (إكس)

شرع قادة الانقلاب الحوثي في تفكيك جناح لهم نشأ في محافظة تعز اليمنية؛ حيث كشفت حادثة هدم مدرسة في محيط مطار تعز الواقع في ضاحية الحوبان شرقي مركز المحافظة؛ عن صراع أجنحة بطابع مناطقي؛ حيث يتم التنافس على النفوذ ونهب الأراضي والعقارات العامة والخاصة.

ففي الأسبوع الماضي فوجئ أهالي مديرية التعزية التي يقع فيها مطار تعز، بقدوم جرافات إلى قرية اليهاقر الواقعة قرب المطار، لإزالة مدرسة بُنيت منذ 4 سنوات وتسويتها بالأرض، بزعم أنها تقع داخل حرم مطار تعز. ورافقت الجرافات عربات عسكرية محملة بمسلحين حوثيين تحسباً لأي تحركات رافضة لهذا الإجراء.

مصادر مطلعة كشفت لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الإجراء يأتي ضمن سعي قيادات حوثية في تعز للسيطرة على أراضٍ وأملاك عقارية عامة وخاصة، كان القيادي صلاح بجاش، عضو مجلس شورى الانقلاب، قد استولى عليها عندما كان ينتحل صفة محافظ تعز حتى أبريل (نيسان) الماضي.

قيادات حوثية في ضاحية الحوبان شرقي مدينة تعز (إعلام حوثي)

وأوضحت المصادر أن المدرسة استُحدثت منذ 4 أعوام باسم عبد الرحمن بجاش المتوفى قبل 10 أعوام، وهو من أعيان المنطقة ووالد القيادي الحوثي صلاح بجاش، وجاء استحداث المدرسة حيلةً من طرف ابنه صلاح عندما كان لا يزال ينتحل صفة وكيل المحافظة، للسيطرة على أراضٍ ينافسه عليها قادة حوثيون آخرون، وساعده في ذلك القيادي أمين البحر الذي كان ينتحل صفة المحافظ حينها.

واستخدم بجاش المدرسة واسم والده الذي يحظى بمكانة في المجتمع المحلي ليحظى بتأييد أهالي المنطقة، ولتبرير الاستيلاء على الأرض، طبقاً للمصادر.

تجريد من النفوذ

في أبريل الماضي تمت إقالة بجاش من منصب محافظ تعز، وتعيينه عضواً في مجلس شورى الميليشيات، وهي الخطوة التي جاءت لتجريده من نفوذه الذي سعى خلال السنوات الماضية ومن خلال انتحاله صفتي الوكيل والمحافظ؛ إلى توسعته ومنافسة قيادات حوثية من خارج محافظة تعز في الاستيلاء على أراضٍ وموارد كبيرة.

تذهب المصادر إلى أن بجاش فشل في إثارة النزعة المناطقية للأهالي بعد هدم المدرسة، بسبب مشاركته في ممارسات الفساد ونهب الأراضي، وتجنيد أبناء المنطقة للقتال في صفوف الانقلابيين، وملاحقة مناهضي الانقلاب.

وأوردت المصادر أسماء عدد من القيادات الحوثية التي توسع نفوذ الانقلابيين في محافظة تعز ومنطقة الحوبان خصوصاً، بمنافسة بجاش وتحالفه، مستخدمين في ذلك القوة العسكرية ومؤسسات الدولة التي يسيطرون عليها، إلى جانب الكيانات الموازية التي أنشأوها.

ومن هذه القيادات: عبد الله النواري، وهو المشرف الحوثي العام على محافظة تعز، وفضل أبو طالب، وهو مشرف أمني ومسؤول عن قطاع الأراضي والعقارات في المحافظة، وقاسم الحمران، المشرف على التجنيد والتحشيد، ونور الدين المراني، منتحل صفة وكيل محافظة تعز، وهو أحد القيادات الميدانية المهمة.

وتنتمي هذه القيادات إلى معقل الانقلابيين الحوثيين في صعدة (شمال) أو حجة (شمال غرب)، وتعتمد عليها قيادات الانقلاب في توسعة نفوذها في محافظة تعز، لعدم ثقتها بالموالين لها من أبناء المحافظة.

«الصليب الأحمر» يوزع معونات غذائية وإيوائية في منطقة الحوبان شرقي تعز (إكس)

يعين الانقلابيون الحوثيون محافظين لتعز ومسؤولين في مناصب قيادية من أعيانها وشخصياتها الاجتماعية لتجنب الحساسية المناطقية، وينزعون عنهم الصلاحيات التي يمنحونها لقيادات عسكرية وعقائدية من معقلهم في صعدة، تعمل بعيداً عن الأضواء لتبسط نفوذها وتسيطر على الموارد والأراضي.

وعلى الرغم من ذلك استطاع بجاش خلال السنوات الماضية تعزيز نفوذه بالاعتماد على مكانة والده الذي كان يدين بالولاء للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبالتحالف مع عدد من أعيان المنطقة والمحافظة وعدد من الشخصيات التي أيدت الانقلاب وعصابات نهب الأراضي، وعزز ذلك بتحالفه مع سلطان السامعي عضو ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى (مجلس حكم الانقلاب).

نفوذ خارج السيطرة

تنبهت قيادات الانقلاب الحوثي إلى ما يمكن أن يمثله الجناح الذي نشأ من تحالف شخصيات اجتماعية وأعيان ونافذين في تعز، والحوبان تحديداً؛ من خطر على نفوذهم؛ خصوصاً أن لدى الجماعة شكوكاً في إمكانية انقلاب هذه الشخصيات عليها والتعاون مع خصومها.

وزاد من مخاوف القيادات الانقلابية العليا توجه سلطان السامعي إلى الحوبان، بعد نقده ممارسات الفساد ومظاهر الثراء التي ظهرت عليها، وعمله، بالتعاون مع بجاش وآخرين؛ على إفساد زيارة محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى وابن عم زعيم الانقلابيين إلى المحافظة، أواخر العام الماضي.

كان محمد الحوثي قد توجه إلى محافظة تعز بعد زيارة طويلة لمحافظة إب، عمل فيها على تعزيز نفوذ الكيانات الانقلابية التي يترأسها، مثل المنظومة العدلية وهيئة الأوقاف، إلى جانب ترهيب وترغيب أعيان المحافظة لحشد المقاتلين وتجنيد شباب وأطفال المحافظة للقتال، غير أن زيارته إلى تعز لم تحقق المطلوب منها، فغادرها قبل أن يكمل المدة المحددة لها.

ويعدّ سلطان السامعي من كبار الشخصيات الانقلابية التي تنتمي لمحافظة تعز، وبعد خلافاته مع قيادات انقلابية عليا وانتقاده لفساد الجماعة؛ نزح إلى الحوبان ليحتمي بها، مواصلاً انتقاداته.

ولدى سلطان السامعي علاقات متعددة خارج جسم الحركة الحوثية، وارتبط اسمه خلال العقد ونصف العقد الماضيين بإدارة ملف اليمن لدى «حزب الله» اللبناني، وإنشاء مؤسسات إعلامية وتنظيمية تعمل لصالح الميليشيات الحوثية، واشتهر بزيارات متكررة إلى بيروت وطهران ودمشق، إما بشكل شخصي وإما ضمن وفود.

القيادي الحوثي سلطان السامعي يعطي إشارة بدء عرض عسكري بميدان السبعين في صنعاء (إكس)

وترجح مصادر «الشرق الأوسط» أن قرار إقالة بجاش اتُّخذ بعد هذه الزيارة الفاشلة، متوقعة إجراءات أخرى لاحقة، لتفكيك التحالف الذي تخشى قيادات الانقلاب العليا منافسته على نفوذها، وتوجهه إلى تأليب الرأي العام في المحافظة ضدها.

وترى المصادر أن بجاش كان الحلقة الأضعف في هذا التحالف، كونه يملك منصباً يمكن إزاحته منه بقرار، بينما تستعصي إزاحة الآخرين دون عواقب مباشرة.

ومن الشخصيات التي شكلت التحالف الذي ينتمي إليه بجاش، فيصل البحر، الذي كان أحد القيادات الاستخباراتية في عهد الرئيس السابق صالح وشقيقيه أمين ودماج، وأولاد محمد عثمان مغلس، وأبو الذهب السامعي، وأحمد أمين المساوى، وإياد الشوافي، وعلي القرشي، وجميعهم شخصيات استمدت نفوذها من الولاء للرئيس السابق علي عبد الله صالح سابقاً، قبل أن تتعاون مع الحوثيين لتمكينهم من السيطرة على المنطقة.

وتقود هذه الشخصيات عصابات مسلحة لنهب الأراضي في الحوبان والمناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية من محافظة تعز، وبحكم انتمائهم إلى المنطقة وخبرتهم فيها، فقد تمكنوا من تنفيذ علميات تزوير ونهب أراضٍ في مناطق الخزجة ومحيط مطار تعز والفتاحي، وفق ما أوضحته المصادر لـ«الشرق الأوسط».


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان الصادر، الخميس، عن وزارة الخارجية السعودية، وما تضمّنه من موقف إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

شددت الخارجية على أن «الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في تغليب المصلحة العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.