هل يزيد تعلم الموسيقى قدرات المخ؟

ارتباط وثيق بينها وبين النمو العصبي

هل يزيد تعلم الموسيقى قدرات المخ؟
TT

هل يزيد تعلم الموسيقى قدرات المخ؟

هل يزيد تعلم الموسيقى قدرات المخ؟

على ما يبدو، فإن الدراسات التي تربط بين تعليم الموسيقى للأطفال والفوائد المتعددة لها على المستويين الصحي والوجداني لن تنتهي، حيث أظهرت أحدث الدراسات التي تناولت العلاقة بين الموسيقى وتطور المخ، ارتباطاً وثيقاً بين النمو العصبي للطفل ووجوده في محيط الموسيقى سواء عند تعلم عزف آلة معينة أو مجرد استماعه إليها.
نشرت هذه الدراسة مؤخرا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي في مجلة آفاق علم الأعصاب journal Frontiers in Neuroscience المعنية بدراسة كل ما يتعلق بالجهاز العصبي المركزي، وكذلك الأعصاب الطرفية والمؤثرات بالإيجاب أو بالسلب على نمو وتطور الأعصاب، خاصة مع التقدم الكبير الذى حدث في تقنيات تصوير المخ.
الموسيقى والذاكرة
قام الباحثون بإجراء التجربة على 40 من الأطفال تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثالثة عشرة، وتم عمل اختبار لهم في الذاكرة والانتباه وهم آليتان مهمتان جدا في العملية التعليمية. وفى أثناء الإجابة تم إجراء أشعة رنين مغناطيسي لقياس نشاط المخ functional MRI. وهذا النوع من الأشعة يقوم برصد أدق التغيرات التي تحدث في تدفق الدم داخل المخ. ومن هؤلاء الاطفال كان هناك 20 منهم تعلموا العزف على آلات موسيقية لمدة سنتين وكانوا يمارسون التدريب على هذه الآلات لمدة ساعتين على الأقل كل أسبوع بشكل منتظم وفى الأغلب بشكل جماعي من خلال أوركسترا. أما بقية المجموعة (النصف الآخر) فلم يتلقَ أفرادها أي تعليم موسيقي بشكل نظامي باستثناء الحصص الموسيقية في المدرسة.
وأظهرت النتائج أن أفراد كل المجموعتين كان لهم القدر نفسه من رد الفعل في الاختبارات التي تتعلق بالانتباه والتركيز، بينما ظهر الفرق فيما يتعلق باسترجاع المعلومات واختبارات الذاكرة حيث تفوقت المجموعة المكونة من الأطفال الذين يجيدون العزف على الآلات الموسيقية بشكل واضح على أقرانهم الآخرين من العمر نفسه. وبجانب الأداء الأفضل في اختبارات الذاكرة أظهرت الأشعة نشاطا أكثر في المخ لدى هؤلاء الطلاب وهو الأمر الذى يعني تدفق الدم بشكل أكثر وزيادة القدرات الإدراكية للمخ خاصة في المناطق المسؤولة عن التحكم في التركيز والانتباه attention control والتوافق الصوتي auditory encoding مما يحسن من المثابرة والمرونة في التعامل ويساعد الطفل في القراءة وربط الأحداث في المخيلة ويشجع على الإبداع ويساهم في بناء شخصية الطفل بشكل عام.
نشاط المخ
وأوضحت الدكتورة ليوني كاوسل قائدة الفريق البحثي وهى عازفة كمان وعالمة أعصاب في الجامعة البابوية الكاثوليكية في سانتياغو في شيلي، أن أهم نتائج الدراسة هي أن آليتين مختلفتين تبرزان أساس الأداء الأفضل للأطفال المدربين موسيقيا، وهما تحسن الانتباه وقوة الذاكرة كنتيجة لزيادة النشاط في المخ مما ينعكس بالإيجاب على المسار الأكاديمي للطلاب وكذلك تنمية الحس العاطفي لديهم. وأشارت إلى أن الأمر يحتاج إلى العديد من الدراسات لاكتشاف تأثير الموسيقى على بقية مناطق المخ.
ومن المعروف الارتباط الوثيق بين الموسيقى والإدراك العقلي، حيث تزيد من المادة البيضاء والرمادية في المخ ( يقسم المخ تشريحيا إلى مناطق بيضاء ومناطق رمادية white and grey matter ولكن لا يوجد فعليا بالطبع اختلاف في اللون في أنسجة المخ). والمنطقة الرمادية في القشرة المخية مسؤولة عن التوافق الحسي الحركي وتنظيم العواطف بمعنى زيادة القدرة على التعامل مع الأحداث المحبطة ومواجهة التحديات المختلفة. وحتى أقل التدريبات الموسيقية يزيد من تدفق الدم في المخ خاصة في الجهة اليسرى (في الأشخاص الذين يكتبون باليد اليمنى) مما يحسن من وظائف تعلم اللغة، ومن الأبحاث السابقة وجد الباحثون أن الأطفال الذين يتعلمون الموسيقى يكون حجم المخ أكبر لديهم كما أن التوصيلات العصبية تكون نشطة أكثر.
ونظرا لأهمية الأمر في المؤتمر العالمي عن التعليم في 2012 وبعد عرض العديد من الدراسات تم اعتماد جلسات الاستماع للموسيقى كوسيلة لمساعدة الطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم.
وأوضح الباحثون أن الموسيقى تساعد الطلاب في زيادة المهارات اللغوية والقراءة والتعامل مع الأرقام وتنمي الذكاء وحتى النمو العضوي السليم والتدريبات الرياضية وكل ذلك بجانب الأثر النفسي الكبير لتعلم آلة موسيقية حيث يشعر الطالب بالإنجاز وتزداد ثقته في نفسه وتحسن صورة الذات فضلا عن النجاح الاجتماعي الذى تحققه للطفل عن طريق الأصدقاء في الفرقة الموسيقية ونيل الإعجاب من الآخرين.
وكانت دراسة قامت بها جامعة فلوريدا ربطت بين الموسيقى والمذاكرة أوضحت أن الموسيقى تساعد على تقليل التوتر والضغط النفسي الناتج عن المذاكرة ولها أهمية خاصة في الليالي التي تسبق الامتحانات، حيث تقلل من الخوف وتساعد على التركيز بشكل أفضل من خلال تحفيز مراكز الانتباه في المخ، مما يساعد على تجاهل التفاصيل غير المهمة والتركيز على المعلومات القيمة وأيضا تقوم بما يشبه التدليك (المساج) بالنسبة للأعصاب والمخ. وهناك دراسة أشارت إلى أن تأثير الموسيقى المفضلة يشبه جلسة مساج فعلية في المساعدة على الاسترخاء، خاصة كلما كانت الموسيقى في خلفية الغرفة مثلا.
ونصح الباحثون الآباء بأهمية تعليم أولادهم الموسيقى مبكرا كلما أمكنهم ذلك. وتبعا لعلماء الأعصاب فإن تعليم الأطفال الموسيقى قبل عمر السابعة يحميهم مستقبلا من الإصابة بالأمراض العصبية مثل الزهايمر أو تصلب شرايين المخ. وخلافا لتصور الآباء فإن الموسيقى تساعد على التفوق الدراسي وتقوم بما يشبه التمارين المعرفية مثل حل الرياضيات أو ألعاب الذكاء كما أنها تساعد على الحفظ بسهولة. وعلى سبيل المثال يحفظ الأطفال بسهولة كلمات أغنية معينة ولكن يصعب عليهم تذكر الكلمات نفسها غير ملحنة.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك فوائد الرياضة قد ترجع إلى زيادة تدفق الدم للدماغ وتحفيز المواد الكيميائية المعروفة باسم الناقلات العصبية (رويترز)

دراسة: ممارسة الرياضة لنصف ساعة تساهم في تحسين الذاكرة

يعتقد العلماء الآن أن النشاط البدني ليس مجرد فكرة جيدة لتحسين اليوم القادم؛ بل يمكن أن يرتبط بزيادة طفيفة في درجات عمل الذاكرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
TT

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

أحياناً، لا يستطيع بعضنا النوم، رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد؛ وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا، وفقاً لما توصلت إليه دراسة جديدة.

وكل ليلة، ومع غروب الشمس، تبدأ بعض ميكروبات الأمعاء، المعروفة بميكروبات الليل، التكاثر والازدهار، بينما تموت ميكروبات أخرى، وتتغير المواد الكيميائية التي تفرزها هذه الميكروبات أيضاً، مما يسهم في النعاس، وفق ما نقله موقع «سايكولوجي توداي» عن مؤلفي الدراسة الجديدة.

ويصل بعض هذه المواد الكيميائية إلى منطقة تحت المهاد، وهي جزء من دماغك يساعدك على البقاء هادئاً في أوقات التوتر.

وقال الباحثون في الدراسة الجديدة: «من المدهش أن الميكروبات التي تحكم أمعاءك لها إيقاعات يومية، فهي تنتظر الإفطار بفارغ الصبر في الصباح، وفي الليل تحب أن تأخذ قسطاً من الراحة، لذا فإن تناول وجبة خفيفة، في وقت متأخر من الليل، يؤثر إيجاباً بشكل عميق على ميكروبات الأمعاء لديك، ومن ثم على نومك ومدى شعورك بالتوتر».

وأضافوا أن عدم التفات الشخص لما يأكله في نهاية يومه ربما يؤثر بالسلب على نومه، حتى وإن كان يشعر بالتعب الشديد.

كما أن هذا الأمر يزيد من شعوره بالتوتر، وهذا الشعور يؤثر سلباً أيضاً على النوم.

ولفت الفريق، التابع لجامعة كوليدج كورك، إلى أنه توصّل لهذه النتائج بعد إجراء اختبارات على عدد من الفئران لدراسة تأثير الميكروبيوم على الإجهاد والإيقاعات اليومية لديهم.

وقد حددوا بكتيريا واحدة على وجه الخصوص؛ وهي «L. reuteri»، والتي يبدو أنها تهدئ الأمعاء وتؤثر إيجاباً على الإيقاعات اليومية والنوم.

ويقول الباحثون إن دراستهم تقدم «دليلاً دامغاً على أن ميكروبات الأمعاء لها تأثير عميق على التوتر وجودة النوم».

ونصح الباحثون بعدم تناول الأطعمة والمشروبات السكرية ليلاً، أو الوجبات السريعة، وتلك المليئة بالدهون، واستبدال الأطعمة الخفيفة والمليئة بالألياف، بها.