المطبخ الليبي... متعة التذوق مع «نار الهريسة»

المبكبكة ورشدة برمة والحرايمي أشهر أطباقه

TT

المطبخ الليبي... متعة التذوق مع «نار الهريسة»

يمكنك أن تحضّر طاجن كسكسي بالحوت (السمك) على الطريقة الليبية بكل سهولة ويسر؛ ليس عليك إلاّ اتباع واحدة من الوصفات التي يُمليها عليك الشيف عادل عبد السلام، الذي يعمل في إحدى الشركات المختصة بالطعام في العاصمة طرابلس.
والكسكسي هو واحد من أهم الأطباق التي تشتهر بها ليبيا، وله وصفات عديدة تتشابه مع مثيلتها في دول شمال أفريقيا، لكن لكل منها مذاق يتوقف على كميات البهارات، لكن يظل المطبخ الليبي مميز بخصوصية شديدة، فبقدر ما يحتفي بالحلو يبدي شغفه أكثر بالطعام الحريف، المضاف إليه كثير من صلصة الهريسة الحارة.
وقال الشيف عادل في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إن «المطبخ الليبي ثري بتنوع وصفاته وأكلاته، مما جعل أطباقه على الموائد العربية»، وأرجع ذلك لأسباب عديدة من بينها البهارات والمذاق الحار لبعض الأطباق والوصفات، لكنه لفت إلى وجود أطباق لها أسماء تختلف عنها في غرب ليبيا، وربما في طريقة التحضير أيضاً.
وتحضر صلصلة «الهريسة» التي لا بديل عنها للمطبخ الليبي بحسب الشيف عادل، من فلفل حار أحمر مفروم، ويوضع على نار هادية مع الثوم والملح مدة ربع ساعة، ويخلط عليه زيت زيتون، وتترك حتى تبرد وتصب في علب محكمة قبل تخزينها بالثلاجة.
ولإعداد طاجن كسكسي بالحوت (السمك) على الطريقة الليبية، فليس عليك إلاّ أن تأتي بسمكتين، وكوبين من الكسكي، وقليل من البهارات، وملعقتين من معجون الطماطم، وملعقة فلفل أحمر ونصف ملعقة بزار (كركم) وملعقة صغيرة كمون حوت، بجانب بعض الليمون والملح والفلفل الأخضر، وقليل من الزيت.
يقول الشيف عادل: «هذه من الأكلات المفضلة لدي، وطريقة تحضيرها تعتمد على وضع هذا الخليط على النار في إناء، مع قليل من الزيت، ومقدار لتر من المياه»، ويضيف: «بعد تقطع أربع حبات بطاطس مع بصلة وفلفل أخضر، وتفرد في طاجن ونضع عليها قطع السمك وفلفل أخضر، وقبل ذلك نخفق ملعقة معجون طماطم مع ملعقة من الفلفل الأحمر ونصف ملعقة بزار (كركم) وملح وثوم وكمون حوت مع إضافة لتر ماء، ونضيفه إلى السمك والخضار ويتم تغطيته بورق الألمنيوم ووضعه عشرين دقيقة في الفرن». في هذه الأثناء، بحسب الشيف عادل، وبعد طهي كمية من الكسكسي نفرغه في إناء واسع مع ملعقة من السمك، ونسقيه من ماء السمك والخضار.
ولفت الشيف عادل إلى تعدد الأطعمة الليبية التي أصبحت تلقى انتشاراً واسعاً مثل رشدة برمة والمبكبكة، التي تعتبر من أفضل الوجبات عند الليبيين وأسرعها تحضيراً ويفضلها أغلب المواطنين بلحم الأغنام، كما أنها تحضر بالدجاج والسمك بجميع أنواعه، كما تطرق إلى طبق (رشدة برمة) الذي يعتبر من التراث الليبي الأصيل، وقال: «هذا طبق شعبي محبوب لدى كل الليبيين، وهو من المأكولات القديمة اللذيذة خاصة في فصل الشتاء لكونها دسمة وغنية بالفوائد وتعطي إحساساً بالدفء».
ولهذا الطبق، في البلد الذي قسمته السياسة اسمين، ففي الشرق الليبي يسمى (مقطع)، أما في غربها فيسمى (رشدة)، ويتكون بحسب الشيف عادل، من اللحم المجفف، والدقيق، وحبوب الحلبة، والكركم، والفلفل الأحمر، بجانب الشبت والحبق المفروم.
وتعتمد طريقة تحضير (رشدة برمة) على عجن الدقيق، قبل أن نضع إناء على النار وبه لحم مجفف ونضيف إليه بصل تم تقطيعه مكعبات لدقائق، ثم نضيف معجون الطماطم مع لتر ماء وقليل من الملح والكركم؛ وفي المرحلة الثانية نضيف الفول المجروش والعدس والحمص المنقوع والحلبة، بعد ذلك تضاف العجينة في آخر خطوة لأنها سريعة الطهي. وعندما يبدأ العجين واللحم في التسوية نضيف الثوم ويمكن إضافة الفلفل الأحمر المهروس حسب الرغبة ونترك الإناء على نار هادئة إلى أن تنضج الطبخة تماماً. وفي النهاية نضيف الشبت والحبق ونحركهما ونغطي الإناء، وتقدم ساخنة مع الليمون.
ويرى الشيف عادل، أن المطبخ الليبي بقدر ما هو متعدد الأذواق، فإنه يتميز أيضاً بأنواع البهارات الهندية مع بعض البهارات الليبية والطعم الحار، التي تكسب أطباقه مذاقاً خاصاً، متحدثاً عن طبق البازين، وهو طعام ليبي شائع مصنوع من دقيق الشعير وقليل من الدقيق العادي، يشكل على هيئة قطع كروية، وتوضع في منتصف الطبق، ويصب من حولها صلصة بالبصل المفروم ولحم الضأن والكركم والملح والفلفل الحريف والفلفل الأسود والحبة والفلفل الأحمر الحلو ومعجون الطماطم.
بجانب ذلك تأتي أكلة «الحرايمي»، في قائمة الأطباق الليبية المهمة، ويبدأ تحضيرها بوضع الثوم في زيت مقدوح، وتضاف إليه الصلصة ويضاف الكمون والفلفل الأحمر وحبتان فلفل أخضر وملح، وبعد أن تنضج عشر دقائق يوضع السمك المنظف والمملح سابقاً ويترك لينضج، ويمكن أن يزيّن الطبق قبل تقديمه بالبقدونس.
وينظر كثير من الطهاة للمطبخ الليبي على أنه جزء من المطبخ المتوسطي والمغاربي وتتشابه أطباقه بشكل خاص بالمطبخ الإيطالي، خاصة في طبخات الباستا وعبمبر اللوز وجوز الهند، بالإضافة إلى العديد من المأكولات البحرية. غير أنه يعتمد في جنوب البلاد أكثر على الفواكه والخضراوات التي تشمل التين والتمر والبرتقال والمشمش والزيتون.


مقالات ذات صلة

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».