يوم «استعادة الحياة» يعجز عن كسر روتين التعايش مع «كورونا»

بعد أشهر من الإقفال... المطاعم تفتح أبوابها ولكنها شبه خالية

يوم «استعادة الحياة» يعجز عن كسر روتين التعايش مع «كورونا»
TT

يوم «استعادة الحياة» يعجز عن كسر روتين التعايش مع «كورونا»

يوم «استعادة الحياة» يعجز عن كسر روتين التعايش مع «كورونا»

بعد أكثر من 3 أشهر من الإقفال التام، والعزلة، والعمل من المنزل... بسبب جائحة «كورونا»، بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في بعض المدن والدول (وليس جميعها). في بريطانيا، فتحت المحال التجارية في أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي، وكان يوم 4 يوليو (تموز) الحالي الافتتاح الكبير المنتظر للمقاهي والمطاعم. هذا اليوم انتظره الجميع بعد الشعور بالتعب من الجلوس في المنزل وعيش حياة لم نعهدها من قبل. ولكن المفاجأة الكبرى هي أن المطاعم فتحت أبوابها بعد إجراء كثير من التعديلات للحفاظ على صحة وسلامة الزبائن ومراعاة مسألة التباعد الاجتماعي الذي سيرافقنا إلى أجل غير قصير، ولكن شبح الفيروس يخيم عليها، فهي لا تزال شبه خالية ولم يجرؤ الناس على الذهاب إليها، تخوفاً من الوضع وتفادياً لالتقاط الفيروس، والأهم، وللأسف، هو أن الثقة انعدمت ودخل العالم في سبات عميق واعتاد نظاماً وروتيناً جديداً من الصعب التخلص منه بين ليلة وضحاها.
منذ 23 مارس (آذار) الماضي والصحافة تنادي بأهمية التعود على أسلوب حياة جديد، والتشديد على خلق روتين يساعدنا على التأقلم مع نمط معيشي غير مسبوق، إلا إن العزلة طالت عن حدها، وبعد أن خلقنا لأنفسنا روتيناً اقتصر على ما سمحت به القوانين المتاحة، مثل المشي لمدة ساعة في اليوم، والعمل من المنزل، وتبني هوايات لم نكن نعلم بأننا نلم بها مثل الطهي والرسم والأشغال اليدوية والعمل في الحديقة والزرع، وجدنا أنفسنا لا نستطيع الخروج من هذا الروتين الذي ساعد كثيرين على تخطي الأزمة.
اليوم فتحت المحال أبوابها، وعادت حركة السير إلى زحمتها الخانقة، في لندن على سبيل المثال، إلا إن حركة الاقتصاد لا تزال مشلولة.
خرجت لأول مرة منذ الإقفال التام في مارس الماضي، ليلة الاثنين، والتجربة كانت غريبة جداً؛ بدءاً من تحضير نفسي للذهاب، ووصولاً إلى المطعم والالتزام بجميع القوانين الجديدة، والأسئلة الغريبة من النادل، والكمامات التي تغطي وجوه العاملين... وأصعب شعور كان القلق.
الوضع الاقتصادي في أسوأ حالاته عالمياً، ومن المنطقي أن نقوم نحن المستهلكين بالمساهمة في إنقاذه من خلال زيارة المرافق السياحية والمقاصف الاجتماعية، إلا إن القلق أو ما يطلق عليه في عالم السيكولوجيا الـAnxiety ونوبات الفزع التي تعرف باسم Panic Attacks طالت الجميع من دون استثناء، ولكنها قد تقضي على الذين كانوا يعانون أصلاً من مشكلات نفسية.
الحالة التي نعيشها اليوم بسبب «كورونا» نفسية أكثر منها بدنية... إنه مرض نفسي يقضي على الثقة بالذات وعلى العلاقات الاجتماعية، وستكون نتائجه وخيمة على المديين المتوسط والبعيد، واليوم نرى عدداً كبيراً من الناس بحاجة للتكلم مع إخصائيين نفسيين لمعالجة الخوف المتربص في داخلهم والهلع الذي خلفه الفيروس.
المشهد الحالي في مطاعم لندن، التي كانت تعج في الماضي في هذا التوقيت من الصيف بالسياح والمقيمين في المدينة، مختلف تماماً، فهي شبه خالية، ومن السهل الحصول على حجز فيها، ولم تستطع جميع المطاعم فتح أبوابها بسبب عدم تمكنها من إجراء التعديلات التي فرضتها الحكومة، مثل تأمين مدخل ومخرج منفصلين، وإبعاد الطاولات بعضها عن بعض، وفرض الكمامات على العاملين والطهاة، ووضع حاويات للمطهر عند المدخل وعلى جميع الطاولات، فعلى سبيل المثال؛ لم يستطع مطعم «سوشي سامبا» بفرعه في وسط لندن المالي فتح أبوابه بسبب موقعه في الطابق الأخير من المبنى والوصول إليه عبر مصعد كهربائي، واكتفت الشركة بإعادة فتح المطعم بفرعه في «كوفنت غاردن».
عند وصولك إلى المطعم، تجلس إلى الطاولة التي تبعد مسافة نحو مترين عن الطاولة المجاورة، يسألك النادل عما إذا كنت تفضل سكب الماء في كأسك، ومن ثم يسألك عما إذا كنت تفضل وضع المحرمة بنفسك... وأسئلة أخرى. وأكدت النادلة التي كانت تقوم بخدمتنا أن غالبية الزبائن تمنع العاملين من لمس زجاجات الماء والصحون. وهذا الأمر بديهي بعد الترهيب الذي نعيشه بسبب فيروس لا نراه بالعين المجردة ولكنه حرم العالم بأسره من أبسط الأمور.
فبعد فتح المحال، تعود كثيرون على نمط حياة جديد يقتصر على الطهي والأكل في المنزل، كما جعلهم يألفون هذا الأسلوب المعيشي الجديد، فهناك عدد من الشركات التي فتحت أبوابها لمزاولة العمل من المكاتب؛ إلا إنها لا تزال فارغة؛ لأن الموظفين يفضلون العمل من المنزل، وبحسب القانون وفي ظل هذا الفيروس الذي لم يتم التوصل إلى لقاح له بعد، لا يحق لرب العمل إجبار الموظف على العمل من المكتب.
الصور التي نشاهدها لمواصلات النقل العام لا تبشر هي الأخرى بالخير، لأن مقصورات مترو الأنفاق فارغة، والسبب هو التخوف من استخدامها.
ولم تساعد وسائل الإعلام في معالجة مسألة الترهيب والتخويف، فإذا شاهدت نشرة أخبار كاملة في اليوم فستكون كفيلة بأسرك في المنزل إلى أجل أطول.
وتقول الدكتورة «م.ن» إن الوضع النفسي للناس في حالة صعبة جداً، وهذا ما يجعلها تعمل بشكل مكثف ولديها مواعيد عدة لمرضى جدد يعانون من الخوف والقلق من الخروج والتعاطي مع الغير.
وقدمت الدكتورة بعض النصائح السريعة، وقالت إنه من الضروري البدء في الخروج، ولكن إلى أماكن قريبة من مكان الإقامة وأماكن مألوفة، وعدم تلبية الدعوات والزيارات في حال لم يكن الشخص مرتاحاً للأمر. أما عن الخوف من التقرب من الآخرين، والتباعد الاجتماعي، فتقول إنه «من المهم أن يقول الشخص للآخرين إنه لا يشعر بالارتياح لاقترابهم منه، وفي حال زارك أحدهم في منزلك، فاطلب منه خلع حذائه عند الباب»، وشددت على «ضرورة وضع قوانين تريح نفسيتك». ونصحت أيضاً «بالتكلم عن القلق والخوف وعدم كبته في الداخل، فالتكلم مع صديق مقرب يجعل الأمر أسهل ويخفف من القلق».
كما أشارت إلى أن «الخروج إلى المطاعم قد لا يكون على رأس جدول أوليات البعض، إلا إنه قد يساعد في تغيير الجو والمشهد». وتقول الدكتورة إن «الأشخاص الأكثر تضرراً من الأمر هم الذين يعانون من الوحدة بالأصل، فهم اليوم عرضة لمخاوف إضافية إلى جانب هاجس العيش بمفردهم»، ولهذا نبهت إلى مسألة «مساعدة الغير والالتفات لهؤلاء الذين يتغير سلوكهم، كأن يمتنعون عن الخروج بالكامل أو الذين يعبرون عن خوفهم من ترك البيت».
وفي النهاية؛ من الضروري العودة إلى الحياة الطبيعية السابقة ولكن ببطء، والالتزام بالقوانين الخاصة بالتباعد الاجتماعي؛ لأن الفيروس لم ينته بعد، وهناك مخاوف من موجة ثانية في الخريف المقبل، ويجب في النهاية التنبه إلى مسألة التعود على الكسل والخمول؛ ولهذا السبب ينصح جميع الاختصاصيين النفسيين بالعودة إلى الحركة والخروج من المنزل ببطء.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.