فؤاد حسين... وجه التصالح بين القومية والمذهب

شخصية كردية فيلية في منصب وزير خارجية العراق

فؤاد حسين... وجه التصالح بين القومية والمذهب
TT

فؤاد حسين... وجه التصالح بين القومية والمذهب

فؤاد حسين... وجه التصالح بين القومية والمذهب

على منصب رئاسة الجمهورية العراقية اختلف الكرد لأول مرة على الشخصية التي تمثلهم. برهم صالح الرئيس الحالي... أم فؤاد حسين الوزير الحالي؟ والواقع أنهم كانوا دائماً منذ ما بعد عام 2003. وحين يختلفون على كل شيء في إقليم كردستان العراق، يأتون موحَّدين إلى بغداد إلا مرة واحدة... أما السبب فهو فؤاد حسين الكردي الفيلي من حيث القومية الشيعي المذهب من حيث الديانة.

للخلافات بين الحزبين الرئيسيين التاريخيين في كردستان العراق تاريخ حافل قبل سقوط النظام السابق.
الحزبان المقصودان هما «البارتي»، وهو مختصر اسم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، بزعامة مسعود بارزاني، و«اليكتي»، وهو مختصر «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي أسسه وتزعمه جلال طالباني حتى وفاته عام 2017 في أحد مستشفيات ألمانيا حيث كان يتلقى العلاج.
في عام 2018 تنافس على منصب رئاسة الجمهورية الدكتور برهم صالح مرشحاً من الاتحاد الوطني، على الرغم من وجود خلافات داخل الاتحاد كادت تطيح بفرص صالح للفوز بالرئاسة، لولا تحوّل لم يكن محسوباً لأطراف كثيرة - في المقدمة منها الحزب الديمقراطي الموحّد والشديد التماسك - والدكتور فؤاد حسين المدعوم بقوة من بارزاني.

آليات «المحاصصة»
ومعلومٌ أنه في العراق ما بعد عام 2003 يجري تقاسم كل شيء على أساس المحاصصة العرقية والطائفية، وبالذات بين المكوّنات الرئيسية الثلاثة، أي الشيعة والسنة والكرد. وإذا كان عرب العراق ينقسمون مذهبياً إلى سنّة وشيعة، فإن الكرد بدورهم ينقسمون أيضاً إلى شيعة وسنة... لكن بطريقة تبدو مسكوتاً عنها لأسباب كثيرة، تقف في المقدّمة منها غلَبة البعد القومي على الكرد من منطلق البحث عن هوية موحّدة يمكن أن تفضي مستقبلاً إلى دولة كردية.
ولقد كان الاستفتاء الذي أُجري في الإقليم على إنشاء هذه الدولة عام 2017 أول محاولة عملية من هذا النوع بعد تأسيس «الإقليم الكردي»، بموجب الدستور العراقي النافذ بعدما جرى التصويت عليه بأغلبية كردية - شيعية كاسحة عام 2005.
يضاف إلى ما تقدَّم عامل مهم، هو أن الكرد الشيعة الذين يُطلق عليهم اسم «الكرد الفيليّون» يُعدّون أقلية بالمقارنة مع غالبية الكرد الذين ينتمون إلى الطائفة السنية، ثم إن غالبية الكرد الفيلية يسكنون مناطق في شرق العراق خارج نطاق حدود إقليم كردستان. ومن هؤلاء فؤاد حسين نفسه، الذي فشل في منازعة صالح على منصب الرئاسة فتولى منصب وزير المالية في حكومة عادل عبد المهدي، وها هو اليوم يتبوأ منصب وزير الخارجية في حكومة مصطفى الكاظمي.

وزير «متنازَع عليه»
وُلِد فؤاد حسين في قضاء خانقين التابع إدارياً لمحافظة ديالى، وهو قضاء متنازَع عليه بين العرب والكرد، أو بين بغداد وأربيل، أو الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق بموجب المادة 140 من الدستور العراقي.
ومن ثم، هذا القضاء، مع مناطق وأقضية - بل محافظات كاملة مثل محافظة كركوك - منطقة متنازع عليها بين الطرفين... تماماً كما أن فؤاد حسين نفسه الذي خسر سباق الرئاسة؛ فكوفئ بمنصب وزير المالية - وهو منصب سيادي - يبدو شخصية متنازعاً عليها.
لكن الحقيقة أن فؤاد حسين، الذي شغل على مدى سنوات طويلة منصب رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان العراق لم يكن له وجود في بغداد على مستوى المناصب في العاصمة الاتحادية. ذلك أن الحزبين الكرديين الكبيرين كانا يرشحان على مدى سنوات ما بعد 2003 سياسيين كرداً؛ بعضهم يُعدّون من الشخصيات التاريخية في التراتبية الحزبية، مثل جلال طالباني الذي شغل منصب رئيس الجمهورية، وفؤاد معصوم أستاذ الفلسفة وأحد مؤسسي حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي خلف طالباني في منصب رئاسة الجمهورية، ثم الدكتور برهم صالح الذي ينتمي إلى الجيل الثاني في «الاتحاد الوطني الكردستاني»... ولقد تولّى رئاسة الجمهورية خلفاً لمعصوم.
والملاحَظ هنا أن ترشيحات الاتحاد الوطني تذهب، في الغالب، في اتجاه منصب رئاسة الجمهورية، وذلك نتيجة لتقاسم المناصب بين الحزبين في بغداد والإقليم؛ حيث يأخذ «الحزب الديمقراطي» حصة الأسد من مناصب الإقليم في عاصمته أربيل، وبجانب ذلك يحصل أيضاً على حصص وزارية مهمة في العاصمة بغداد.
وحقاً، صدّرت أربيل إلى بغداد شخصيات بارزة شغلت مناصب مهمة، مثل روز نوري شاويس الذي شغل لفترة وطويلة منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وهوشيار زيباري الذي شغل على مدى سنوات طويلة (2003 - 2014) منصب وزير الخارجية، قبل أن يتحول بعدها في حكومة حيدر العبادي إلى تولّي منصب وزير المالية. والمعروف أنه عندما أقيل زيباري من هذا المنصب تعكّرت العلاقات بين مسعود بارزاني، زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، والسلطات في بغداد، تحديداً، الطبقة السياسية الشيعية التي أخذ عليها الكرد - وبالذات بارزاني - تخليها عن اتفاقات استراتيجية سابقة عُقدت مع التحالف الشيعي أطلق عليه «التحالف التاريخي بين الكرد والشيعة».

«انفصالي» اتحادي
الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان في سبتمبر (أيلول) عام 2017 من أجل تهيئة الأرضية لإنشاء «الدولة الكردية»، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير العلاقة بين التحالفين الكردي والشيعي، وتالياً بين حكومتي المركز والإقليم.
غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد؛ إذ إنه في حين كان إقليم كردستان موحّداً من عام 2003 إلى يوم الاستفتاء في عام 2017 بينما بغداد متفرقة، انقلبت المعادلة تماماً مع الاستفتاء؛ إذ وقفت الفعاليات السياسة في بغداد موحَّدة في رفضها القاطع إنشاء الدولة الكردية المستقلة، حتى من منظور العرب السنَّة، وذلك لكون الغالبية العظمى من المناطق المُتنازع عليها بين الطرفين - تحديداً في شمال العراق - تقع على خطوط تماس غالبية سكانها من العرب السنّة.
أما إقليم كردستان فقد بدا متفرقاً ومنقسماً على نفسه حيال الاستفتاء، الذي انتهى إلى الفشل، وكانت نتيجته هي بسط يد الدولة العراقية المركزية (لأول مرة) على مناطق بقيت لفترة طويلة حكراً على سيطرة سلطات الإقليم على الرغم من أنها تعود إدارياً إلى بغداد، ومنها قضاء خانقين الذي ينتمي إليه فؤاد حسين نفسه.
بل إن الأهم من هذا كلّه أن الخلافات الكردية - الكردية تصاعدت إلى حد كبير بين الحزب الديمقراطي وفرع من «الاتحاد الوطني الكردستاني». وكان الفرع الذي قاد الخلاف مع «الديمقراطي» ينتمي إليه رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح. وهذا الفرع، وإن كان قد صوّت بـ«نعم» في الاستفتاء الكردي من منطلق حلم أي كردي في إنشاء دولة، فإنه لم يصرّ على إجراء الاستفتاء... وما كان أصلاً متحمساً لإجرائه، مثل خصمه، فيما بعد في بغداد فؤاد حسين، الذي كاد «يضيع المشيتين» بين قوميته «الكردية» ومذهبه «الشيعي»، وهي مفارقة لم يلتفت إليها إلا ليلة التصويت على منصب رئيس الجمهورية.

مكافأة الخاسر

وهكذا، بين إجماع كردي - كردي شبه متوافق عليه مع ضمانات من قيادات شيعية بارزة... وبين انقسام كردي - كردي واضح في غياب أي ضمانات بالمطلق خاض الدكتور برهم صالح (الأمين العام المساعد لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني») معركة رئاسة الجمهورية ضد فؤاد حسين (رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان).
حسين، الكردي القومية الشيعي المذهب، جاء إلى بغداد بأمل احتلال منصب رئاسة الجمهورية بعد 16 سنة من تسلمه مناصب مختلفة داخل إقليم كردستان، كان في معظمها قريباً جداً من الزعيم الكردي التاريخي مسعود بارزاني.
أما صالح، فكان من أوائل من صدّرهم إقليم كردستان إلى بغداد بعد سقوط بغداد. وفي بغداد، احتل عدة مناصب مهمة، منها منصب نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط، قبل أن يعود إلى الإقليم ليحتل هناك موقع رئيس حكومة الإقليم مناصفة مع نيجيرفان بارزاني رئيس الإقليم الحالي.
لقد بدت المنازلة بين الرجلين داخل قبة البرلمان غير متكافئة لصالح حسين، المدعوم بقوة من بارزاني الذي كان قد حصل على تعهُّدات من كبار قادة الشيعة في بغداد بدعم مرشحه، مقابل مرشح «الاتحاد الوطني» الذي لم يكن مدعوماً من قيادات بارزة في حزبه... ولم يكن يُعرف الجو حياله في العاصمة بغداد.
ولكن ما إن بدأ التصويت داخل البرلمان حتى كانت كفة صالح قد رجحت بشكل كبير في وجه منافسه حسين. وعندما تطلب الأمر جولة ثانية من التصويت، انسحب فؤاد حسين. وهكذا، فاز برهم صالح بالرئاسة بغالبية برلمانية كبيرة جاءت أصواتها من كل الكتل بمن فيها الكتل الشيعية التي تعهد زعماؤها بدعمه في البرلمان.
مع هذا، لم يخرج حسين، بعد خسارته منصب الرئاسة، خارج الوفاض، ولم يعُد إلى إلى الإقليم... بل بقي في بغداد ليتسلم واحدة من أهم الوزارات السيادية الست، ألا وهي وزارة المالية. ومع أن إسناد المنصب إليه بدا لبعض الوقت ترضية (أو قُل مكافأة) له في أول الأمر، فإنه باعتراف كثيرين سرعان ما نجح في إدارة الوزارة، على الرغم من الاتهامات التي وُجّهت إليه بمحاباة الإقليم.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات بقيت موضع خلاف، فإن كثيراً من الأطراف والنواب في الكتل الشيعية أعلنت رفضها التام إعادة توزير أي وزير (حتى لو كان ناجحاً) من أعضاء حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة في حكومة مصطفى الكاظمي الجديدة... وفي مقدمة من شملهم «الفيتو» على العودة، فؤاد حسين. بل وصل الأمر إلى أنه إذا تطلب الأمر إعادة بعض الوزراء الناجحين فإن فؤاد حسين ما كان من بينهم.
غير أن المفارقة اللافتة تجسّدت في أنه بينما لم يعُد أي من الوزراء الذي وُصفوا بـ«الناجحين» في حكومة عبد المهدي، كان فؤاد حسين الوزير الوحيد العائد وبوزارة سيادية من الدرجة الأولى... أما الوزارة فهي الخارجية.
بهذه الحصيلة عاد الكرد ثانية إلى تسلُّم حقيبة وزارة الخارجية بعدما كان هوشيار زيباري قد تسلمها فترة طويلة قاربت 11 سنة متصلة، هي الأطول بين كل وزراء الخارجية العراقيين في كل العهود، بمن في ذلك أشهر وزير خارجية في عهد صدام حسين... وهو طارق عزيز، الذي شغل المنصب لنحو 8 سنوات.

بطاقة هوية
* وُلد فؤاد حسين في مدينة خانقين عام 1946 (عمره 74 سنة)
* درس في جامعة بغداد وتخرج فيها عام 1971. ومن ثم تابع دراسات عليا في العلاقات الدولية في هولندا
* متزوج من سيدة هولندية، ويجيد اللغة الهولندية بجانب الكردية والعربية والإنجليزية
* كان ناشطاً في تنظيمات الطلبة الأكراد في أوروبا
* شغل منصب وزير المالية في حكومة عادل عبد المهدي (2018 – 2020)



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».