تأزم جديد في علاقات الرباط والجزائر بسبب فيديو

القنصل المغربي الذي نُسب إليه المقطع عدّه «مفبركاً»

TT

تأزم جديد في علاقات الرباط والجزائر بسبب فيديو

تتجه العلاقات المغربية - الجزائرية نحو مزيد من التوتر، وذلك على خلفية الجدل، الذي أثاره ظهور قنصل المغرب في وهران، في مقطع فيديو، وصف فيه الجزائر بأنها «بلد عدو». وظهر القنصل المغربي أحرضان بوطاهر في الفيديو، الذي انتشر أول من أمس على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يتحدث إلى عدد من أفراد الجالية المغربية العالقين بوهران، حيث نظّموا وقفة أمام مقر القنصلية للمطالبة بإعادتهم إلى بلدهم.
وكان القنصل بوطاهر يطمئنهم بأن عودتهم «ستتم في أسرع وقت ممكن». ولإقناعهم بالانصراف وعدم التجمهر أمام القنصلية، خاطبهم قائلاً: «أنتم تعرفون الوضع... نحن في بلد عدوة».
وبينما أكد القنصل المغربي في وهران لقاءه بأفراد الجالية المغربية، واعتبرها «وقائع صحيحة»، وفقاً لما أظهره الفيديو، قال إن «الصوت مفبرك»، نافياً أن يكون قد وصف الجزائر بأنها «دولة عدوة»، وذلك وفق ما صرح به للموقع الإلكتروني المغربي «اليوم 24».
في غضون ذلك، قال رئيس مجلس النواب الجزائري سليمان شنين، أمس، إن «الجزائريين من دعاة سلام وأخوة، ولا يقبلون المساس بسيادتهم ومقوماتهم»، متمنياً سحب القنصل المغربي في وهران، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أمس.
وأضاف شنين، خلال جلسة شفوية بالبرلمان، يوم أمس: «الجزائريون أصحاب نخوة، يرحبون بالضيف، ولا نقبل المساس بسيادتنا ومقوماتنا، ويشهد القريب والبعيد، والقاصي والداني، على أن الجزائر كانت وستبقى دولة دوماً محبة للسلام... وتسعى للسلام». وتابع مستدركاً: «لكن بالمقابل، نشهد للأسف الشديد ما يمكنه أن يعكر أجواء الجزائريين، وهم يصومون العشر الأواخر من رمضان».
وردّ شنين على طلب رئيس كتلة حزب الحركة الشعبية الجزائرية، الحاج الشيخ بربارة، بطرد القنصل المغربي في وهران بالقول: «نحن دعاة سلام، وليس لنا عدو، والمغرب بلد شقيق، وقضية الصحراء الغربية قضية شرعية دولية، سندعمها مع احترام قرارات الأمم المتحدة، وأتمنى سحب هذا القنصل من الجزائر».
ويعتبر تصريح شنين أول تعليق رسمي يصدر عن مسؤول جزائري، رداً على التصريح الذي نسب لقنصل المغرب في وهران، والذي تسبب في ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر؛ حيث ارتفعت المطالب بطرده لتجاوزه حدود اللباقة وكل الأعراف الدبلوماسية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتسبب فيها تصريحات مسؤولين جزائريين ومغاربة في إذكاء التوتر، وتعميق الأزمة بين البلدين الجارين، والتي تعود إلى الموقف من نزاع الصحراء، ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية، فضلاً عن الصراع حول النفوذ في المنطقة.
فقبل أيام، هاجم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال القمة الافتراضية لمجموعة الاتصال لحركة دول عدم الانحياز، المغرب وعدّ الصحراء ضمن الأراضي التي تعيش تحت «الاحتلال»، كما هو حال القضية الفلسطينية.
وكانت الرباط تأمل بـ«فتح صفحة جديدة بين البلدين الجارين، على أساس الثقة المتبادلة والحوار البناء»، بعد انتخاب الرئيس الجديد، وهو ما عبّر عنه العاهل المغربي محمد السادس في برقية التهنئة، التي وجّهها إلى عبد المجيد تبون. كما سبق للعاهل المغربي أن عرض على الجزائر «آلية سياسية من الحوار والتشاور لإحياء العلاقات» بينهما، لكنها لم تلقَ أي تجاوب من الجزائر.
وواصل الرئيس الجديد اتهاماته للمغرب بعد انتخابه رئيساً للبلاد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد أن قال إن «العلاقة مع المغرب مبنية على الاحترام المتبادل والندية، ولا أحد يزعم أن له الوصاية على الجزائر»، وذلك خلال أول لقاء صحافي عقده تبون، بعد الإعلان رسمياً عن فوزه بالرئاسيات الجزائرية، رداً على سؤال صحافي حول تصوره للسياسة الخارجية مع المملكة المغربية.
كما اعتبر تبون في تصريحات سابقة قبل انتخابه أن قرار إغلاق الحدود مع المملكة المغربية لم يكن بسبب نزاع الصحراء، مبرزاً أن «الجزائر ترفض رواية توريطها في قضية الهجوم على فندق أطلس أسني بمراكش عام 1994»، ومشيراً إلى القرار الأحادي للمملكة المغربية، حينذاك، والمتعلق بفرض التأشيرة على الجزائريين لدخول المغرب.
ودعا تبون المملكة المغربية إلى أن تقدم على الأقل «اعتذاراً رسمياً للجزائر بعد قضية بقاء جزائريين محصورين في الأراضي المغربية، وفرض التأشيرة على الفرنسيين ذوي الأصول الجزائرية آنذاك».
وفي حوار أجراه في فبراير (شباط) الماضي مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، اتهم تبون ما سماه «اللوبي المغربي» في فرنسا «بمحاولة إفساد» العلاقات الفرنسية - الجزائرية. وسبق أن تسببت تصريحات وزير الخارجية الجزائري السابق عبد القادر مساهل، قبل سنتين، في تأزيم العلاقة بين البلدين، بعد أن اتهم شركات مغربية بـ«تبييض أموال الحشيش» في أفريقيا، وذلك خلال منتدى جامعي بالعاصمة الجزائرية حول تزايد الاستثمارات المغربية في أفريقيا في السنوات الأخيرة.
وقال مساهل إن «الملكية المغربية (للطيران) تقوم بنقل أشياء غير الركاب، وهذا يعلمه الجميع. نحن لسنا المغرب... نحن الجزائر. لدينا إمكانات ولدينا مستقبل. نحن بلد مستقر».
وعلى إثر ذلك، استدعت الرباط سفيرها في الجزائر للتشاور، معتبرة في بيان لوزارة خارجيتها تصريحات مساهل بأنها «خطيرة»، و«غير مسؤولة وصبيانية».
وتقول الرباط إن لدى الجزائر «استراتيجية معادية للمغرب، ليست سياسية وحسب، بل تجارية أيضاً، وذلك من خلال ثني الشركات الأجنبية عن العمل في المحافظات الصحراوية المغربية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».