«الملابس المنزلية» تنافس على مبيعات الموضة بفعل «كورونا»

متاجر كبرى تتفادى الخسائر وتكثف الدعاية لـ«البيجامات»

المغنية الكولومبية شاكيرا بالملابس المريحة في الحجر المنزلي (حسابها الرسمي على انستغرام)  -  جانب من إعلان «بيجامات» إحدى العلامات التجارية
المغنية الكولومبية شاكيرا بالملابس المريحة في الحجر المنزلي (حسابها الرسمي على انستغرام) - جانب من إعلان «بيجامات» إحدى العلامات التجارية
TT

«الملابس المنزلية» تنافس على مبيعات الموضة بفعل «كورونا»

المغنية الكولومبية شاكيرا بالملابس المريحة في الحجر المنزلي (حسابها الرسمي على انستغرام)  -  جانب من إعلان «بيجامات» إحدى العلامات التجارية
المغنية الكولومبية شاكيرا بالملابس المريحة في الحجر المنزلي (حسابها الرسمي على انستغرام) - جانب من إعلان «بيجامات» إحدى العلامات التجارية

مع استمرار فرض الحجر المنزلي في عدد كبير من دول العالم بسبب جائحة «كورونا»، تصدرت الملابس المنزلية المريحة إطلالات الموضة، وحققت ارتفاعاً في نسب المبيعات بالآونة الأخيرة في عدد من الدول، بالتزامن مع توجه الكثير من المستهلكين إلى شراء السلع الرئيسية والاستغناء عن الأخرى الترفيهية، خوفاً مما تخبئه الأيام المقبلة التي من المتوقع أن تشهد مزيداً من فقد فرص العمل والوظائف وخصوصاً بالصناعات التكميلية والترفيهية بحسب خبراء اقتصاد.
ووفق بيانات نشرتها شركة «برودكو أناليتيكس» على الموقع الرسمي الخاص بها، الشهر الجاري، فإن حركة متاجر التجزئة في الولايات المتحدة الأميركية قد تراجعت في الأسبوع الرابع من مارس (آذار) الماضي، بنسبة 98 في المائة، وهو أمر وصفته الشركة المتخصصة في تحليل مؤشرات السوق بأنه «لم يسبق له مثيل»، ما يشير إلى توقع حدوث أزمات عدة للشركات ذات العلامات التجارية الشهيرة حول العالم، لا سيما التي تقدم سلعاً ترفيهية.
ولتفادي المزيد من الخسائر، اضطرت متاجر أزياء، متخصصة في «الموضة السريعة» إلى اتخاذ قرارات عاجلة، على غرار سلسلة متاجر «زارا»، التي قرأت مبكراً اتجاهات السوق والأنفاق خلال الفترة المقبلة، والتي أبرزت فجأة مجموعة «البيجامات» التي اعتاد تقديمها لعدة أعوام متتالية، لتتصدر تشكيلة هذا الموسم تحت شعار تسويقي يقول «استمتعي بارتداء ملابس مريحة وأنيقة في المنزل»، كما أعلن المتجر عن خدمة التوصيل المجاني بعد إغلاق جميع فروعه حول العالم. رغم أن «بيجامات زارا» لم تكن مخصصة من قبل للمنزل، وجاء ذلك بالتزامن مع ظهور الكثير من النجمات والمشاهير بملابس المنزل المريحة في محاولة لتشجيع فكرة الالتزام بالعزل المنزلي على غرار شاكيرا، وسيلينا غوميز وبيلا حديد، كما حظيت الأغنية المصورة التي أطلت فيها المطربة اللبنانية إليسا أخيراً مع زميلتها هيفاء وهبي، ببيجامات حرير، بتفاعل لافت، وهي وفق خبراء مؤشرات تشير إلى أن الأولوية في الإنفاق ستكون لصالح الملابس المريحة مقابل تراجع الموضة.
في السياق، وجه متجر «نوردستروم» أحد أضخم متاجر التجزئة في الولايات المتحدة الأميركية، المستهلكين على موقع التسوق الإلكتروني الخاص به، والذي أصبح النافذة الوحيدة للحد من الخسائر الاقتصادية للإغلاق، إلى جميع المنتجات التي توفر الراحة داخل المنزل، ليس ملابس النوم المريحة فحسب، بل الشموع المعطرة، الأغطية، ومنتجات العناية الشخصية، وهو ما فعلته كذلك أيضاً علامة «توري بورش» التجارية، التي تروّج عبر حساباتها الاجتماعية وموقعها الإلكتروني للملابس الرياضية التي لم تكن من قبل سلعة أساسية لهذه العلامة.
وبحسب مجلة «فوغ» الأميركية، فإن مبيعات ملابس النوم لدى متاجر «أدور مي» النسائية ارتفعت بنسبة 20 في المائة مقارنة بالتوقيت نفسه من العام الماضي، مقابل انخفاض مبيعات ملابس السباحة، التي تعد عادة مصدر دخل مهم للمتجر خلال عطلة الربيع.
وتماشيا مع الواقع الجديد الذي تسبب فيه وباء «كورونا»، اتجه بعض محرري الموضة التي كانت مهمتهم الأبرز ترشيح أحدث الصيحات على صفحات المجلات إلى ترشيح الملابس المنزلية المريحة، فصحيفة «الغارديان» البريطانية نشرت في قسم التسوق مجموعة من ملابس المنزل وخاصة «البيجامات» التي توفر الراحة والأناقة معاً. جميعها مؤشرات تدلل على أن هناك حاجة إلى أنواع معينة من الملابس في الوقت الحالي، وأن المستهلك لن ينفق قريباً إلا على السلع التي تُيسر بقاؤه في المنزل بنوع الرفاهية المتمثلة فقط في الراحة، وهو ما قد يدفع العلامات التجارية إلى أن تحول إنتاجها لتلبية الطلب الجديد تفاديا لوقع خسائر مالية.


مقالات ذات صلة

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.


100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)