هل «كلوروكين» علاج محتمل لـ«كوفيد ـ 19»؟

«المرأة الوطواط» درست تأثير العقار الزهيد الثمن

حبوب «هيدروكسي كلوروكين»
حبوب «هيدروكسي كلوروكين»
TT

هل «كلوروكين» علاج محتمل لـ«كوفيد ـ 19»؟

حبوب «هيدروكسي كلوروكين»
حبوب «هيدروكسي كلوروكين»

في أثناء عنفوان اجتياح سلالة جديدة من فيروس كورونا (تُعرف رسمياً بـ«سارس - كوف - 2») لمدينة ووهان الصينية، نشرت دورية «سيل ريسرتش» (أبحاث الخلايا) رسالة في الرابع من فبراير (شباط) الفائت، كتبها علماء من معهد ووهان لأبحاث الفيروسات، كشفوا فيها عن نتائج واعدة لتجربة حديثة شملت اختباراً داخل الأوعية المختبرية أظهر أنّ فيروس كورونا المستجد «تعرّض للشلل التام» تحت تأثير عقاري «ريمديسيفير» remdesivir و«كلوروكين» chloroquine.
- عقار زهيد
شكّلت هذه الرسالة الإشارة الأولى على أنّ الكلوروكين، العقار الزهيد والواسع الانتشار المستخدم في علاج الملاريا، قد يكون فعّالاً في محاربة ما يُعرف بـ«كوفيد - 19»، أي المرض الذي تسببه السلالة الجديدة من فيروس كورونا.
وشارك في كتابة هذه الرسالة عدّة باحثين أبرزهم عالمة الفيروسات الصينية شي وينغلي الملقّبة بـ«المرأة الوطواط»، وهي أيضاً خبيرة بفيروس كورونا جمعت خلال عشرات السنوات قاعدة بيانات موسوعية حول الفيروسات التي تولد في الخفافيش. كما أنّها قادت الفريق البحثي الذي وضع أوّل تسلسل لجينوم الـ«سارس - كوف - 2» وأكّد أنّ هذا الفيروس المستجدّ ينتمي لعائلة فيروس كورونا الذي اكتُشف سابقاً في «خفافيش حدوة الفرس» في محافظة يُونَان.
خلال الاختبار المجهري، لاحظ العلماء الخصائص الفعّالة التي يتمتّع بها الكلوروكين لإحباط الفيروس، والتي خرجت إلى العلن بعد وقت قليل من إعلان «سارس» وباءً عالمياً عام 2003. ولا تزال طريقة عمل الكلوروكين لغزاً يحيّر العلماء، ولكنّ الجلي بالنسبة لهم هو أنّ العقار ينشط على مستويات متعدّدة لمنع الفيروس من السيطرة على الخلايا.
تحتاج فيروسات كورونا إلى بيئات حمضية للدخول إلى الخلايا البشرية. ولكنّ الكلوروكين ذا الطبيعة القلوية، يعطّل عمل الفيروس من خلال رفع مستوى الأس الهيدروجيني (pH) في الجسم، ويمنع البروتينات الشائكة التي تغلّف الفيروس من الالتحام مع مستقبِلات الخلية عبر إحباط عملية «الارتباط بالغليكوزيل» glycosylation. وبشكل عام، يعمل الكلوروكين على تنشيط الجهاز المناعي، فيعزّز بطريقة غير مباشرة قدرة الجسم على محاربة الفيروس. وتظهر الحماية التي يمنحها هذا العقار بشكل واضح على مستويين، قبل وبعد إصابة الخلية بالفيروس، مما يشير إلى إمكانية استخدامه كعقار واقٍ أيضاً.
شدّد العلماء في ووهان على أنّ تأثير «قبل الإصابة وبعدها» الذي يتمتّع به الكلوروكين يظهر بوضوح في الخلايا المريضة التي تحمل الفيروس المستجدّ. كما أوصوا بإجراء تجارب عيادية على البشر، لافتين إلى أنّ الخصائص المعززة للمناعة التي يتميّز بها العقار قد تسهم في تنشيط التأثير المضاد للفيروس لدى المرضى المصابين. ولكنّ هذا التأثير لا يزال ينتظر اسماً وتعريفاً خاصاً به. ولاحقاً، تحدّث العلماء نفسهم في دورية «سيل ديسكوفري»، المعنية بدراسات الخلية، عن الكلوروكين ووصفوه بأنّه «عقار اختياري قابل للاستعمال على نطاق واسع بفضل وفرته، وسلامة استخدامه المثبتة علمياً، وكلفته المنخفضة نسبياً». ولكن تغييرات كثيرة حصلت منذ نشر هذه الرسالة. فقد تحوّل «كورونا» من فيروس منتشر في ووهان إلى وباء عالمي يُعرف باسم «كوفيد - 19»، وأصبحت الولايات المتحدة التي سجّلت 4 آلاف حالة وفاة مع نهاية مارس (آذار) بؤرة للوباء.

- جدال علمي
في الآونة الأخيرة، كثُر الحديث عن الكلوروكين وتوسّعت شهرته في جميع دول العالم لا سيّما بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنّه من «أشدّ المعجبين» بعقار الهيدروكسي كلوروكين hydroxychloroquine المشتقّ، الذي أظهر نتائج واعدة في علاج فيروس كورونا، بحسب دراسة أجراها أطباءٌ فرنسيون. وفي المقابل، يتخوّف الباحثون والأطباء ومسؤولو قطاع الصحة العامّة من الترويج لعقار يوصف عادة لعلاج أمراض المناعة الذاتية مثل مرض الذئبة lupus، على أنّه علاج لـ«كوفيد - 19» استناداً على أدلّة علميّة متواضعة.
ولكنّ المشكلة الحقيقية تكمن في تحوّل الجدل القائم حول العقار إلى أداة سياسية. فقد حذّر أشيش جها، مدير معهد هارفارد للصحة العالمية من تحوّل الكلوروكين إلى «معركة تغذية حزبية»، وأردف قائلاً: «جميعنا سنكون مسرورين إذا ما ثبت أنّ العقار فعّال. ولكنّ المشكلة هي أننا لا زلنا غير متأكدين من ذلك».
تواجه الولايات المتحدة والدول الأوروبية اليوم تحدياً كبيراً لاحتواء هذا الفيروس، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ علماء الفيروسات في الصين كانوا قد دعوا قبل شهرين المجتمع الطبي إلى البدء بإجراء تجارب عيادية لاستخدام الكلوروكين كعلاج لـ«كوفيد - 19». ولكنّ النتيجة الوحيدة التي ظهرت حتّى اليوم صدرت عن دراستين صغيرتين في الصين وفرنسا شملتا 150 مريضاً بفيروس كورونا. كما لم تُسجّل حتّى الساعة أي تجارب عيادية عشوائية مزدوجة التعمية، والتي تُعتمد عادة كمعيار لاختبار العقاقير.
تتردّد الإدارة الطبية في الولايات المتحدة حتّى الساعة في اعتماد الكلوروكين أو الهيدروكسي كلوروكين كعلاج لـ«كوفيد - 19» بسبب نقص البيانات العلمية. وكان الطبيب أوتّو وانغ المتخصص في الأمراض المعدية من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، قد شرح في مقابلة مع مجلّة «تايم» أنّ التجارب المخبرية الواعدة لا ترقى دوماً إلى مستوى التوقعات. وأضاف قائلاً: «المشكلة هي أنّ تجارب المختبر لا تتنبّأ غالباً بما سيحصل مع المرضى».
بدورها، أطلقت منظمة الصحة العالمية قبل أسبوعين تجربة متأخرة واسعة النطاق لاختبار العقار، كما ستتمّ تجربة عقاري الكلوروكين والريمديسيفير على مرضى في أوروبا. وفي الوقت الحالي، يستخدم الأطبّاء في مدينة نيويورك وحول العالم الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين لعلاج الحالات المتقدّمة من المرض.
ويبقى الوقت هو الحكم لمعرفة ما إذا كانت نتائجهم ستؤكّد ما لاحظه علماء الفيروسات في ووهان قبل شهرين أم لا.
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.


فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)
تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)
TT

فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)
تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)

اكتشف الباحثون وجود صلة بين عدوى الأمعاء المزمنة الناجمة عن فيروس شائع وتطور مرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص.

يواجه معظم الأشخاص فيروس تضخم الخلايا (إتش سي إم في) أثناء الطفولة، وبعد العدوى الأولية يظل الفيروس في الجسم مدى الحياة، وعادة ما يكون كامناً.

بحلول سن الثمانين، سيكون لدى 9 من كل 10 أشخاص أجسام مضادة لفيروس تضخم الخلايا في دمائهم. ينتشر هذا الفيروس، وهو نوع من فيروس الهربس، عبر سوائل الجسم ولكن فقط عندما يكون الفيروس نشطاً.

وأظهرت الدراسة أنه في إحدى المجموعات، ربما وجد الفيروس ثغرة بيولوجية، حيث يمكنه البقاء نشطاً لفترة كافية ليمضي على «الطريق السريع» لمحور الأمعاء والدماغ، والمعروف رسمياً باسم «العصب المبهم» وعند وصوله إلى الدماغ، يكون للفيروس النشط القدرة على تفاقم الجهاز المناعي والمساهمة في تطور مرض ألزهايمر.

وأكد موقع «ساينس ألرت» أن هذا احتمال مثير للقلق، لكنه يعني أيضاً أن الأدوية المضادة للفيروسات قد تكون قادرة على منع بعض الأشخاص من الإصابة بمرض ألزهايمر، خصوصاً إذا تمكن الباحثون من تطوير اختبارات الدم للكشف السريع عن عدوى الفيروس المضخم للخلايا النشطة في الأمعاء.

في وقت سابق من هذا العام، أعلن بعض أعضاء الفريق من جامعة ولاية أريزونا عن وجود صلة بين نوع فرعي من الخلايا الدبقية الصغيرة المرتبطة بمرض ألزهايمر، والتي تسمى «سي دي 83+» بسبب غرائب ​​الخلية الجينية، وارتفاع مستويات الغلوبولين المناعي «جي 4» في القولون المستعرض؛ مما يشير إلى نوع من العدوى. وتعدّ الخلايا الدبقية الصغيرة هي الخلايا التي تقوم بمهمة التنظيف في جميع أنحاء الجهاز العصبي المركزي. فهي تبحث عن اللويحات والحطام والخلايا العصبية والمشابك الزائدة أو المكسورة، وتمضغها حيثما أمكن وتطلق الإنذارات عندما تصبح العدوى أو الضرر خارج نطاق السيطرة.

يقول بن ريدهيد، عالم الطب الحيوي والمؤلف الرئيسي من جامعة ولاية أريزونا: «نعتقد أننا وجدنا نوعاً فرعياً فريداً بيولوجياً من مرض ألزهايمر قد يؤثر على 25 إلى 45 في المائة من الأشخاص المصابين بهذا المرض». وتابع: «يتضمن هذا النوع الفرعي من مرض ألزهايمر لويحات الأميلويد المميزة وتشابكات (تاو) - وهي تشوهات دماغية مجهرية تستخدم للتشخيص - ويتميز بملف بيولوجي مميز للفيروس والأجسام المضادة والخلايا المناعية في الدماغ».

تمكن الباحثون من الوصول إلى مجموعة من أنسجة الأعضاء المتبرع بها، بما في ذلك القولون والعصب المبهم والدماغ والسائل النخاعي، من 101 متبرع بالجسم، 66 منهم مصابون بمرض ألزهايمر. ساعدهم هذا في دراسة كيفية تفاعل أنظمة الجسم مع مرض ألزهايمر، الذي غالباً ما يُنظر إليه من خلال عدسة عصبية بحتة.

وقد تتبع الباحثون وجود الأجسام المضادة لفيروس تضخم الخلايا من أمعاء المتبرعين إلى السائل الشوكي لديهم، وحتى أدمغتهم، بل واكتشفوا حتى الفيروس نفسه كامناً داخل الأعصاب المبهمة للمتبرعين. وظهرت الأنماط نفسها عندما كرروا الدراسة في مجموعة منفصلة ومستقلة. إذ وفَّرت نماذج خلايا الدماغ البشرية المزيد من الأدلة على تورط الفيروس، من خلال زيادة إنتاج بروتين الأميلويد والبروتين تاو الفوسفوري والمساهمة في تنكس الخلايا العصبية وموتها.

ومن المهم أن هذه الروابط لم يتم العثور عليها إلا في مجموعة فرعية صغيرة جداً من الأفراد المصابين بعدوى فيروس تضخم الخلايا المعوية المزمنة. ونظراً لأن الجميع تقريباً يتلامس مع فيروس تضخم الخلايا، فإن التعرض للفيروس ببساطة ليس دائماً سبباً للقلق.

يعمل ريدهيد وفريقه على تطوير اختبار دم من شأنه الكشف عن عدوى فيروس تضخم الخلايا المعوية حتى يمكن علاجها بمضادات الفيروسات، وربما منع المرضى من الإصابة بهذا النوع من مرض ألزهايمر.