كيف نحصّن صحتنا النفسية في زمن «كورونا»؟

صغار وكبار السن والمرضى النفسيون... أكثر الفئات تأثراً

كيف نحصّن صحتنا النفسية في زمن «كورونا»؟
TT

كيف نحصّن صحتنا النفسية في زمن «كورونا»؟

كيف نحصّن صحتنا النفسية في زمن «كورونا»؟

مع تنامي انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، بات الناس في حيرة من أمرهم، وانتشر الفزع والقلق والهلع والخوف في أوساط كثير منهم، وخاصة الأطفال وكبار السن. ويعود ذلك لانتشار كثير من الإشاعات المخيفة المضللة التي ساهمت في بثها وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الأخبار المتضاربة حول الوصول إلى لقاح أو دواء ناجع بجهود العلماء والباحثين، ونتائج الأبحاث العلمية المتواصلة في دول العالم المتقدم، التي بدأت منذ الوهلة الأولى من تفشي كورونا. ورغم أن كل حكومات العالم، كلاً بحسب إمكانياته وقدراته، قد اتخذت الاحتياطات اللازمة كافة لمحاصرة ذلك الخطر والقضاء عليه، فإن الحالة النفسية وما ينتابها من اضطرابات جراء معايشتنا لهذه الأزمة، وما نسمع ونشاهد طوال يومنا، تظل موضع اهتمام القائمين على الصحة بشكل عام، والمتخصصين في الصحة النفسية بشكل خاص.
- ارتباك وشكوك
يقول الدكتور أيمن بدر كريّم، استشاري أمراض الصدر واضطرابات النّوم بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بالشؤون الصحية بالحرس الوطني بجدة، إن من أهمّ ردودِ الأفعال النفسية على الكوارثِ (كالأوبئة، ومنها «كوفيد-19»): الهلعُ نتيجة التعاملِ مع المجهول، ثم ترقّب الإصابة بالمرض. ومع انتشارِ الوباء والفزَع على نطاقٍ واسع، تشتدُّ وطأة الخوف الجماعي، مما يزيدُ من ارتباكِ كثيرٍ من الناس وشكوكِهم في صحة ما يصلهم. ويزدادُ الفزعُ بانتشار المعلوماتِ المغلوطة، والتحليلاتِ الخاطئة، والإشاعاتِ المُقلقة، ونظريّات المؤامرة، نتيجة انفتاحِ العالم عن طريق وسائلِ الإعلام الحديثة والتواصلِ الاجتماعي، دون رقابة، على الغثّ والسّمين، فضلاً عن «فوبيا» الجراثيمِ والعدوى.
ويضيف الدكتور كريّم أن من ضمن السّلوكيات المُختلفة وقت الأزمات التشاؤمُ المُفرط، واعتبارُ الأزمة عقاباً لآخرين، ورحمة لغيرهم، وتفسيرُها على أساس الدِّين وحدَه، أو العلم فحسْب، والتوبة والاعتصام بالله، وتأنيبُ الضمير، أو اللامبالاة والاستهتار والسُّخرية، والتشتّت والجزَع والسّخط، والتشكّك والإحباط. ومن الـمُلاحظ أنّ أحدَهم -خلال الأزمات والأوبئة- يقومُ بإسقاط مُعتقداته الشّخصية عليها، وإخراج بعض النّصوص الدينية من سياقها، وتطويعِها لتتناسب مع رأيهِ وفكرهِ وثقافته الشّخصية، خارج الواقعِ ودون تجرّد، والأخطر إيقاعِ الأحكام الدّينية على الناس، وتفصيلِ أقدار الله على مِزاجه، وبخاصّة في مُجتمعات تنتشرُ فيها الأدلَجة الفكرية والهوسُ الدّيني، كما تزدادُ حـُمّى المزايدة على دين الناس، والشّماتة فيهم دون وازعٍ من ضميرٍ ولا رادعٍ من أخلاق، فبعضهم قد يعتقدُ بمحاباة الله له ضدّ غيره خلال الأزمات العامّة.
- التعامل مع الأزمة
تحدث إلى «صحتك» الدكتور رجب بن عبد الحكيم بريسالي، استشاري الطب النفسي في مستشفى حراء بمكة المكرمة والحرس الوطني بجدة، مؤكداً أن الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الأحداث تكون بالموازنة والموضوعية في التصرف مع الحدث، وضرورة تحري المصدر الرسمي عند الحصول على المعلومات، وعدم الانسياق الأعمى وراء الإشاعات، والتحذير من نشرها.
ويدعو الدكتور رجب بريسالي لعدم الإفراط أو التفريط، وبمعنى أدق: ألا نقلل من حجم الخطر، وفي الوقت ذات ألا نبالغ أو نهول من حجمه، فينتج من ذلك الإهمال الصحي، أو حدوث إجهاد نفسي يتمثل في صورة نوبات شديدة من الخوف والذعر، مع نوبات من الهلع الشديدة، نتيجة لإفراز كميات كبيرة من هرمونات القلق، أهمها الكورتيزون الذي يؤدي بدوره إلى إنهاك جهاز المناعة داخل الجسم البشري، فيصبح ضعيفاً ولقمة سائغة لمهاجمة الفيروس له. فالهدوء والثبات الانفعالي هما الطريق الفاعل للتحكم في الضغط النفسي الذي يؤثر بشكل مباشر عنيف على الصحة العامة للأشخاص.
هذا بشكل عام، أما بالنسبة للأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية سابقاً، فننصحهم بضرورة مراجعة المختصين في الصحة النفسية، وأخذ علاجاتهم بانتظام، مع ضرورة البعد قدر الإمكان عن مواطن الضغط النفسي والهوس وراء متابعة الأخبار، ولا داعي إطلاقاً للخوف والقلق، فالإحصاءات العالمية تؤكد ضعف هذا الفيروس، وأن نسبة الشفاء منه تقارب 85 في المائة.
ويضيف الدكتور رجب بريسالي أن هناك فئات في المجتمع يطلق عليهم «الفئات الهشة»، إما لعدم اكتمال جهاز المناعة لديهم مثل الأطفال، وإما نتيجة لضعف جهاز المناعة لديهم مثل كبار السن (لمن هم فوق الثمانين من العمر)، وهم في الغالب يعانون من أمراض جسدية مزمنة، كالضغط والسكري وأمراض القلب... إلخ. والاهتمام برعاية الأطفال الجسدية والنفسية واجب، وسلوك ومشاعر وردود أفعال الوالدين قد يكون لها مردود سلبي عليهم، لذا ينبغي الحذر من ذلك، خاصة عند حدوث تغير مفاجئ في السلوك والتصرفات لدى أطفالنا، مثل ظهور عدوانية مفاجئة، مع عزلة اجتماعية، وتقلب في المزاج والخاطر. وقد يلاحظ الوالدان تغيراً في نمط وتوقيت نوم طفلهما، مع تبول ليلي لا إرادي، وهي أعراض نفسية قد تكون مؤشراً خطيراً على تمكن الخوف والذعر من الأطفال جراء الإشاعات والأخبار المزيفة عن الخطر المحدق من كورونا، خاصة التهويل من خطر الموت، أو فقدان عزيزٍ وغالٍ من العائلة، إذ قد يتخيل الطفل أو يعتقد جازماً أن أحد والديه، وخاصة الأم، ثم الأب، قد يموت بسبب كورونا.
إذن، كيف يتصرف الوالدان في هذه الحالة؟ يجيب الدكتور بريسالي بأن الجواب يكمن ببساطة في التحلي بالهدوء، والتقرب من الأطفال، ومنحهم مزيداً من الدعم والدفء اللازمين، مع تمرير المعلومات الصحية بأسلوب هادئ، بعيداً عن التهويل أو المبالغة، أو حتى الكذب عليهم. امنحوهم كثيراً من الحنان والمشاعر الإيجابية الكفيلة بشعورهم بالأمان والاطمئنان. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأطفال هم الأقل إصابة بالفيروس، مقارنة بباقي الفئات العمرية.
أما الفئة الأخرى من المجتمع، فهم بركتنا «كبار السن» الذين يعانون غالباً من كثير من الأمراض العضوية المزمنة، وهذه فرصة سانحة لرعايتهم، وتلبية احتياجاتهم المعنوية قبل المادية.
- المريض النفسي وكورونا
يؤكد الدكتور رجب بريسالي أن المرضى النفسيين يتأثرون أكثر من غيرهم بالأزمات، ومنها «كورونا» وفرض الحجر المنزلي، وهم على مجموعتين:
- المجموعة الأولى: تشمل مرضى الأمراض العصابية، مثل الاكتئاب البسيط والقلق العام والوسواس القهري ونوبات الهلع، وهم في الغالب مدركون لحالتهم المرضية، ويأخذون علاجهم، ويراجعون الطبيب النفسي بانتظام. وعليه، فهم يتبعون التوجيهات، ويطبقون الإجراءات الوقائية. وهؤلاء يحتاجون فقط إلى النوم الجيد، والغذاء الصحي، وممارسة النشاط الرياضي البسيط. أما أصحاب الشخصية القلقة المتوترة، ومن لديهم هوس أو وسواس قهري للنظافة، فعليهم تقنين متابعة الأخبار، وعدم الانصياع للمبالغة فيها، وأن يأخذوا المعلومة الصحيحة من المصادر الموثوقة، ونقصد بها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة السعودية.
- المجموعة الثانية: تشمل مرضى الأمراض الذهانية، مثل الفصام الذهاني والاكتئاب الذهاني واكتئاب ما بعد الولادة والإدمان على المخدرات، خاصة الحشيش والكبتاجون، وهم غير مستبصرين الوضع، وليسوا مدركين ضرورة أخذ العلاج بانتظام. وهؤلاء يجب، أولاً، إعطاؤهم كامل الثقة داخل البيت. ثانياً، منحهم الفرصة لأخذ العلاج من تلقاء أنفسهم، مع مراقبتهم عن بعد، حتى لا يصبحوا في هياج وعدوانية وعنف وتكسير للأشياء، وعدم الإلحاح عليهم بأخذ العلاج أو إشعارهم بأنه لا دور لهم في المجتمع، فنتسبب في انتكاستهم. ثالثاً، تنظيم نومهم ليلاً، وشغل وقت فراغهم نهاراً، بأي عمل يحبونه، كالرسم والألعاب الإلكترونية والنجارة. رابعاً، منحهم غرفة بالبيت مستقلة جيدة التهوية خالية من أي أدوات تشكل خطورة على حياتهم، وعلى الآخرين، تُخصص للتدخين وشرب الشاي، فمعظم مرضى الفصام يحبون ذلك بشراهة. خامساً، التنويم فوراً بأقرب مصحة نفسية لعلاج من فقدت العائلة السيطرة عليه، بعد عمل كل تلك الاحتياطات والإجراءات، وأصبح عدوانياً ولديه ميول انتحارية، يرفض العلاج وتنتابه نوبات من الهياج النفسي.
- فائدة الحجر الصحي
كيف تستفيد من أيام الحجر الصحي المنزلي؟ تجيب الأستاذة هيفاء بكر محمد بابطين، الاختصاصية النفسية في مركز الخدمات الطبية الجامعي بجامعة الملك عبد العزيز، بعدم المبالغة في الخوف والقلق من انتشار هذا الفيروس، فذلك يُضعف جهاز المناعة، ويجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة به. ومع استمرار تطبيق الحجر الصحي المنزلي في مناطق المملكة كافة، نجد بعضاً منا يشعرون بالخوف والقلق تجاه أي خطر قد ينجم جراء عدم تطبيقه جيداً.
وعليه، فإننا نحتاج إلى التعرف على بعض الوسائل التي تساعد في تقليل مستوى الخوف والقلق كي تمضي أيام الحجر المنزلي بسلام، واستغلال الوقت بالقيام بأعمال ونشاطات مختلفة، مثل:
- ممارسة الرياضة المنزلية، وحث أفراد الأسرة على ذلك، والتشجيع فيما بينهم، وتطبيق الاسترخاء التنفسي بين الحين والآخر، فهو يساعد على التقليل من مستوى القلق والخوف.
- ممارسة الهوايات المحببة، كالرسم والتأليف وقراءة الكتب وإنجاز الأعمال المؤجلة.
- البدء باتباع نمط حياة صحي في الغذاء، فهو يساعد على رفع قدرة جهاز المناعة على مقاومة العدوى.
- توطيد العلاقات داخل الأسرة من خلال تقديم الدعم فيما بينهم.
- تدوين الأحداث والإنجازات، وأي شيء جديد، قد تم تعلمه، في المذكرات اليومية، للاستفادة منها بعد انتهاء الأزمة.
- تخصيص وقت لقراءة الكتب.
- تجنب الاجتماعات العائلية خارج المنزل لمواجهة الفيروس، وحرصاً على سلامة كبار السن.
- طلب الاستشارة من المختصين في المجال النفسي، إذا استمر الشعور بالخوف والقلق.
-- الوقاية من الفيروس وتعزيز السلامة
مع استمرار جائحة «كوفيد-19»، عالمياً ومحلياً، وتضامناً مع الجهود والإجراءات المتخذة على مستوى الحكومة، يظل دور أفراد المجتمع رئيسياً في نجاح خطة اجتياز الأزمة بسلام وأمان. وينصح استشاري الطب النفسي الدكتور رجب بريسالي بالآتي:
• البقاء في المنزل، واتباع التوجيهات والإرشادات من مصادرها الرسمية ذات العلاقة فقط.
• الابتعاد قدر الإمكان عن مخالطة الصغار وكبار السن، حال الشعور بارتفاع درجة الحرارة.
• تجنب لمس الوجه والأنف والعين إلا بعد غسل اليدين بالماء والصابون جيداً، ولمدة لا تقل عن 40 ثانية، أو بعد استخدام المعقمات الكحولية لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
• تناول الطعام الصحي مع النوم الهادئ الكافي.
• المساهمة في تخفيف أعراض القلق والتوتر عن باقي أفراد العائلة.
• إذا كنت مصاباً بأحد الأمراض العضوية المزمنة، استشر طبيبك الخاص، ولا تحاول إيقاف العلاجات من تلقاء نفسك.
• إذا كان لديك مرض نفسي سابقاً، استمر في أخذ العلاجات بانتظام.
• لا تتناول المسكنات إطلاقاً إلا بعد استشارة طبية، فبعضها قد يكون ضاراً، ويساعد الفيروس على التكاثر.
• ابتعد عن التهويل والمبالغة وتتبع الإشاعات المغرضة المضللة.
• مارس قسطاً من الرياضة داخل حوش المنزل، مع التعرض الكافي لأشعة الشمس.
• الامتناع عن التدخين.
• عزز الجانب الروحي وكثرة الاستغفار.
• امنح المحيطين بك مزيداً من الدعم المعنوي والطاقة الإيجابية، خاصة الأطفال وكبار السن.
• كن دائماً متفائلاً إيجابياً لرفع كفاءة الجهاز المناعي لديك.
• تواصل مع وزارة الصحة على الرقم (937) حال شعورك بارتفاع درجة الحرارة أو صعوبة في التنفس.
- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين
TT

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19» نُشرت أحدث وأطول دراسة طولية عن الأعراض الطويلة الأمد للمرض أجراها باحثون إنجليز في مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال Great Ormond Street Hospital for Children بالمملكة المتحدة بالتعاون مع عدة جامعات أخرى؛ مثل جامعة لندن ومانشستر وبريستول. وأكدت أن معظم الأطفال والمراهقين الذين تأكدت إصابتهم بأعراض كوفيد الطويل الأمد، تعافوا بشكل كامل في غضون 24 شهراً.

أعراض «كوفيد» المزمنة

بداية، فإن استخدام مصطلح (أعراض كوفيد الطويل الأمد) ظهر في فبراير (شباط) عام 2022. وتضمنت تلك الأعراض وجود أكثر من عرض واحد بشكل مزمن (مثل الإحساس بالتعب وصعوبة النوم وضيق التنفس أو الصداع)، إلى جانب مشاكل في الحركة مثل صعوبة تحريك طرف معين أو الإحساس بالألم في عضلات الساق ما يعيق ممارسة الأنشطة المعتادة، بجانب بعض الأعراض النفسية مثل الشعور المستمر بالقلق أو الحزن.

الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة Nature Communications Medicine أُجريت على ما يزيد قليلاً على 12 ألف طفل من الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً في الفترة من سبتمبر(أيلول) 2020 وحتى مارس (آذار) 2021، حيث طلب الباحثون من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم، تذكر أعراضهم وقت إجراء اختبار «تفاعل البوليمراز المتسلسل» PCR المُشخص للكوفيد، ثم تكرر الطلب (تذكر الأعراض) مرة أخرى بعد مرور ستة و12 و24 شهراً.

تم تقسيم الأطفال إلى أربع مجموعات على مدار فترة 24 شهراً. وتضمنت المجموعة الأولى الأطفال الذين لم تثبت إصابتهم بفيروس الكوفيد، والمجموعة الثانية هم الذين كانت نتيجة اختبارهم سلبية في البداية، ولكن بعد ذلك كان نتيجة اختبارهم إيجابية (مؤكدة)، فيما تضمنت المجموعة الثالثة الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية، ولكن لم يصابوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً، وأخيراً المجموعة الرابعة التي شملت الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قام الباحثون باستخدام مصطلح كوفيد الطويل الأمد عند فحص بيانات ما يقرب من ألف طفل من الذين تأكدت إصابتهم بالمرض ووجدوا بعد مرور عامين أن نحو 25 - 30 في المائة فقط من إجمالي المراهقين هم الذين لا يزالون يحتفظون بالأعراض المزمنة، بينما تم شفاء ما يزيد على 70 في المائة بشكل كامل. وكان المراهقون الأكبر سناً والأكثر حرماناً من الخدمات الطبية هم الأقل احتمالية للتعافي.

25 - 30 % فقط من المراهقين يظلون محتفظين بالأعراض المزمنة للمرض

استمرار إصابة الإناث

كان اللافت للنظر أن الإناث كن أكثر احتمالية بنحو الضعف لاستمرار أعراض كوفيد الطويل الأمد بعد 24 شهراً مقارنة بالذكور. وقال الباحثون إن زيادة نسبة الإناث ربما تكون بسبب الدورة الشهرية، خاصة أن بعض الأعراض التي استمرت مع المراهقات المصابات (مثل الصداع والتعب وآلام العضلات والأعراض النفسية والتوتر) تتشابه مع الأعراض التي تسبق حدوث الدورة الشهرية أو ما يسمى متلازمة «ما قبل الحيض» pre-menstrual syndrome.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن أعلى معدل انتشار للأعراض الطويلة الأمد كان من نصيب المرضى الذين كانت نتائج اختباراتهم إيجابية في البداية، ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قال الباحثون إن نتائج الدراسة تُعد في غاية الأهمية في الوقت الحالي؛ لأن الغموض ما زال مستمراً حول الآثار التي تتركها الإصابة بالفيروس، وهل سوف تكون لها مضاعفات على المدى الطويل تؤدي إلى خلل في وظائف الأعضاء من عدمه؟

وتكمن أهمية الدراسة أيضاً في ضرورة معرفة الأسباب التي أدت إلى استمرار الأعراض في الأطفال الذين لم يتماثلوا للشفاء بشكل كامل ونسبتهم تصل إلى 30 في المائة من المصابين.

لاحظ الباحثون أيضاً اختلافاً كبيراً في الأعراض الملازمة لـ«كوفيد»، وعلى سبيل المثال هناك نسبة بلغت 35 في المائة من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم في البداية، ثم أصيبوا مرة أخرى بعد ذلك، لم تظهر عليهم أي أعراض على الرغم من إصابتهم المؤكدة تبعاً للتحليل. وفي المقابل هناك نسبة بلغت 14 في المائة من المجموعة التي لم تظهر عليها أي أعراض إيجابية عانت من خمسة أعراض أو أكثر للمرض، ما يشير إلى عدم وضوح أعراض كوفيد الطويل الأمد.

هناك نسبة بلغت 7.2 في المائة فقط من المشاركين عانوا بشدة من الأعراض الطويلة الأمد (5 أعراض على الأقل) في كل النقط الزمنية للدراسة (كل ثلاثة أشهر وستة وعام وعامين)، حيث أبلغ هؤلاء المشاركون عن متوسط خمسة أعراض في أول 3 أشهر ثم خمسة في 6 أشهر ثم ستة أعراض في 12 شهراً ثم خمسة في 24 شهراً بعد الإصابة، ما يؤكد ضرورة تقديم الدعم الطبي المستمر لهؤلاء المرضى.

بالنسبة للتطعيم، لم تجد الدراسة فرقاً واضحاً في عدد الأعراض المبلغ عنها أو حدتها أو الحالة الصحية بشكل عام ونوعية الحياة بين المشاركين الذين تلقوا التطعيمات المختلفة وغير المطعمين في 24 شهراً. وقال الباحثون إن العديد من الأعراض المُبلغ عنها شائعة بالفعل بين المراهقين بغض النظر عن إصابتهم بفيروس «كورونا» ما يشير إلى احتمالية أن تكون هذه الأعراض ليست نتيجة للفيروس.

في النهاية أكد العلماء ضرورة إجراء المزيد من الدراسات الطولية لمعرفة آثار المرض على المدى البعيد، وكذلك معرفة العواقب الطبية للتطعيمات المختلفة وجدوى الاستمرار في تناولها خاصة في الفئات الأكثر عرضة للإصابة؛ أصحاب المناعة الضعيفة.

* استشاري طب الأطفال