مؤتمر دولي يطالب بتجريم العنصرية وإنشاء مركز تواصل حضاري

نظّمته «رابطة العالم الإسلامي» في العاصمة الكرواتية

رئيسة كرواتيا والشيخ العيسى خلال تكريمهما في المؤتمر الذي عقد بزغرب (الشرق الأوسط)
رئيسة كرواتيا والشيخ العيسى خلال تكريمهما في المؤتمر الذي عقد بزغرب (الشرق الأوسط)
TT

مؤتمر دولي يطالب بتجريم العنصرية وإنشاء مركز تواصل حضاري

رئيسة كرواتيا والشيخ العيسى خلال تكريمهما في المؤتمر الذي عقد بزغرب (الشرق الأوسط)
رئيسة كرواتيا والشيخ العيسى خلال تكريمهما في المؤتمر الذي عقد بزغرب (الشرق الأوسط)

أكد المؤتمر الدولي «الأخوة الإنسانية... لتعزيز الأمن والسلام»، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في العاصمة الكرواتية زغرب؛ أهمية تعزيز قيم الأخوة الإنسانية باعتبارها أهم ركائز تحقيق السلام العالمي والوئام المجتمعي، كما طالب بسن التشريعات اللازمة لتجريم كل أساليب وممارسات الكراهية والعنصرية والتهميش والإقصاء، داعياً إلى إنشاء مركز عالمي للتواصل الحضاري بمدينة زغرب ليكون جسراً للتعارف والحوار والتفاهم والتعاون بين كل مكونات المجتمع الإنساني ومكاناً حاضناً للمبادرات ذات الصلة بتعزيز القيم الإنسانية والمجتمعية وردم الفجوات الدينية والثقافية والعرقية.
ودشنت كوليندا غرابار كيتاروفيتش رئيسة جمهورية كرواتيا، فعاليات المؤتمر الدولي، الذي نظمته الرابطة، بالتعاون مع المشيخة الإسلامية في كرواتيا، والأبرشية الكاثوليكية الكرواتية، مع تمثيل رسمي من دولة الفاتيكان ممثلاً في المجلس البابوي للحوار. وحضور رئيس الوزراء ورئيس البرلمان وعدد من الوزراء والبرلمانيين الكرواتيين وأركان الجيش وعمدة العاصمة، وطيف واسع من القيادات السياسية والدينية والفكرية حول العالم، وأئمة وممثلي الجمعيات الإسلامية في «دول البلقان»، وكبار القادة الدينيين من مختلف الأديان. وشهد المؤتمر تكريم الفعاليات الدينية في كرواتيا لرئيسة الجمهورية والشيخ الدكتور محمد العيسى لجهودهما في تعزيز التسامح والسلام.
وقالت الرئيسة الكرواتية، مخاطبةً حضور المؤتمر: «إن الله خلقنا متنوعين في ثقافاتنا وأدياننا وأعراقنا وغيرها، حتى يتسنى لنا التعاون في خدمة الإنسانية، وانطلاقاً من هذه الوحدة الإنسانية التي أرادها الخالق، فإن معاناة كل إنسان هي في الحقيقة معاناة للإنسانية جمعاء»، فيما نوهت الرئيسة الكرواتية بالحضور الإسلامي الإيجابي في بلادها، داعيةً إلى تعزيز «قيم الحوار والاحترام في مجتمعاتنا لكي لا نتحول إلى جزر معزولة تقودها المادية وغياب الضمير والأنانية، مختتمة كلمتها بالقول: «الله لا يطلب منا المستحيل بل أن نعمل للآخرين ما نعمله لأنفسنا».
من جانبه دعا الشيخ الدكتور محمد العيسى، إلى «التفاف حقيقي حول قيم الأُخوة الإنسانية التي تلغِي الحواجز السلبية وتردم فجواتها، وتبني في المقابل الجسور وتُسهل الحوار والتفاهم والتعاون، وتُقوي من عزيمتنا للعمل على مشتركاتنا التي تُمثل قانوننا الطبيعي الموحَّد»، مؤكداً أن «الإنسانية تمتلك قيماً مشتركة تكفيها لإحلال السلام والوئام في عالم اليوم، ونبَّه إلى أن مشتركات المحبة والتعايش والسماحة والتسامح تُصبح أقرب وأقوى وأكثر مسؤولية عندما تكون مشتركاً وطنياً، مع قوة وأهمية مشتركنا الإنساني بوجه عام».
وشدد الشيخ العيسى على أن عالم اليوم سيكون أكثر وعياً إذا استفاد من عظة التاريخ التي تدعوه إلى خيار الحكمة المتمثل في الحوار الإيجابي والفعَّال في الموضوعات كافة، مع العمل دوماً على تعزيز الاحترام المتبادل، والتأكيد في هذا على أهمية تفعيل قيم المحبة والسماحة والتسامح، مع استيعاب الطبيعة الكونية في حتمية الاختلاف والتنوع والتعدد بين البشر.
وأضاف: «لا بد أن يكون تَنوُّعُنا الإنساني في إطاره الإيجابي، وإذا كان كذلك فسيُصبح مصدر إثراء كبير وشامل؛ فوحدة وقوة عالمنا في ذلك التنوع»، مضيفاً أن «الدول المتحضرة تفتخر بتنوعها الذي يُعَزِّز من قوتها ويَزيدها مناعة، لكن بشرط أن تكون حَذِرَة من أي تدخلٍ يستهدف أياً من مكوناتها الوطنية بدافع ديني أو إثني أو غير ذلك».
ولفت إلى حرص رابطة العالم الإسلامي وباسم آلاف العلماء والمفكرين المسلمين وملايين الشعوب الإسلامية المنضوية تحت مظلتها على منع تصدير الاجتهادات الدينية خارج ظرفيتها المكانية؛ وذلك لأن لكل بلد صيغتَهُ الدينية الاجتهادية التي تناسب ظرفيته الخاصة، «كما أكدنا ضرورة احترام دساتير وقوانين وثقافة البلدان التي نعيش أو نقيم على أراضيها، وأن المطالبة بالخصوصية الدينية تتم وفق الإجراءات القانونية».
وتطرق إلى «مبادرة الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب... من أجل عالم أكثرَ تفاهماً وسلاماً، ومجتمعاتٍ أكثرَ وئاماً واندماجاً»، فقال: «لقد أطلقنا هذه المبادرة وقمنا بتفعيلها مباشرة ببرامج عملية مع شركائنا حول العالم من جميع الأديان والثقافات»، مؤكداً أن «أساس هذه المبادرة يرتكز على المبادئ الإنسانية المشتركة ولا سيما قيم عدالتنا التي لا تزدوج معاييرها مطلقاً».
وشدد الأمين العام على أنه «من المهم ألا يقتصر قادة الأديان على مخاطبة الروح والعاطفة فحسب، بل عليهم أن يخاطبوا (المنطق) و(الواقع) ليُسهموا بفاعلية في سلام عالمهم ووئام مجتمعاتهم».
من جانبه، أكد رئيس البرلمان الكرواتي غوردن ياندروكوفيتش، أن «الأخوّة الإنسانية تدعو للحب والسلام والخير للجميع، وتوحّدنا في تحقيق صالح الإنسانية، ومواجهة الكراهية والتطرف والعنف». وتناول الوجود الإسلامي في كرواتيا بقوله: «نحن في كرواتيا من أوائل الدول التي نظمت علاقتها مع المسلمين فهم يعيشون فيها وهم منها ويسهمون في بناء قيمنا الوطنية والإنسانية النبيلة».
كما شاركت نائبة رئيسة لجنة المفوضية الأوروبية دوبرافكا شويتسا، في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي في كرواتيا، داعيةً إلى تعاون أكثر لمواجهة عدم التسامح والخوف من الإسلام، وخطابات الكراهية والتطرف والإرهاب، وأكدت في كلمتها المسؤولية التاريخية الكبيرة للقادة الدينين لإيصال رسالة ترفض استغلال الدين لأغراض سلبية.
من جانبه، قال عمدة مدينة زغرب ميلان بانديتش: «عندما قرأت وثيقة مكة المكرمة وجدتها تركز على أن الأسرة أصل الإنسانية، وأن الهجوم عليها من أكبر تحديات حاضرنا ومستقبلنا، وهذه حقيقة نؤكدها، فالحفاظ على علاقات الأسرة الإيجابية هو أساس الأخوة الإنسانية».
كما أكد رئيس المشيخة الإسلامية في كرواتيا الشيخ الدكتور عزيز حسانوفيتش، أن التزام رابطة العالم الإسلامي بمسؤوليتها العالمية في الإسهام في صناعة السلام، كما هي قيم الإسلام الداعية لذلك، هو واقع ملموس يتعزز باستمرار وهو محل تقدير كبير، مثمناً الجهود المبذولة كافة في مواجهة كل أشكال الصراع والتطرف وازدراء أتباع الأديان من أي طرف كان.
كان المؤتمر قد اختتم فعالياته بـ«إعلان زغرب» الذي دعا المؤسسات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع الدولي والداخل الوطني إلى تعزيز مفاهيم الأخوة الإنسانية والوطنية، وتعميق المشتركات الجامعة، والتعاون في مواجهة التحديات كافة، وتحويل المبادرات الإيجابية إلى برامج عملية مؤثرة.
كما دعا «إعلان زغرب» القادة الدينيين إلى الإسهام الفاعل في التصدي للمظاهر السلبية العابثة بالسلم والأمن الدولي والمجتمعي، مع العمل على استثمار الرصيد الروحي والقيمي للدين بتعزيز ثقافة السماحة والتسامح والثقة بالآخر. وطالب الفعاليات الأممية والوطنية بتغليب مصلحة السلم والأمن العالمي والمجتمعي، والتسامي على المصالح الضيقة، والبعد عن خطاب العنصرية والكراهية ضد أي دين أو عرق أو إثارة النعرات التاريخية التي هي في ذمة أصحابها.
ودعا المؤتمر إلى تعزيز قيم العدالة المجتمعية واحترام التنوع الديني والثقافي والإثني، ونبذ الإقصاء والتهميش باعتبار ذلك مدخلاً مهماً لحل النزاعات الدينية والطائفية والاجتماعية، والتخلص من التحريض والكراهية والتخويف غير المبرر من الآخر، مع دعوة شركاء الوطن الواحد إلى تعزيز الثقة بين مكوناته المختلفة، ودعم مبدأ «الوحدة في التنوع»، ودعوة المؤسسات التعليمية إلى تعزيز القيم الإنسانية والوطنية في وجدان الأطفال وصغار الشباب من خلال مناهج دراسية تفاعلية تخاطب «الوجدان» و«المنطق» معاً، وتحفّز الشعور الإنساني والوطني بجميع قيمه، وتعمل جنباً إلى جنب مع «الأسرة» لصياغة عقول الأجيال القادمة صياغة سليمة.
كما طالب المؤتمر بتمكين المرأة من خلال تعزيز دورها الكامل والمساواة العادلة بينها وبين الرجل، باعتبار ذلك حقاً مشروعاً ينطلق من المفهوم الحقيقي لمعنى الأخوة الإنسانية بشراكاتها الفاعلة.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سحب الجنسية الكويتية من رجل الأعمال معن الصانع

معن الصانع
معن الصانع
TT

سحب الجنسية الكويتية من رجل الأعمال معن الصانع

معن الصانع
معن الصانع

أصدرت الحكومة الكويتية، اليوم، مرسوماً بفقدان الجنسية الكويتية من خمسة أشخاص بينهم الملياردير معن عبد الواحد الصانع، وذلك وفقاً لنص (المادة 11) من قانون الجنسية الكويتية.

كما ترأس رئيس مجلس الوزراء بالإنابة ووزير الدفاع ووزير الداخلية الشيخ فهد يوسف الصباح، اليوم (الخميس)، اجتماع اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، إذ قررت اللجنة سحب وفقدان الجنسية الكويتية من عدد (1647) حالة تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء.

وشرعت السلطات الكويتية منذ مطلع شهر مارس (آذار) الماضي، من خلال اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، في حملة إسقاط جنسيات وذلك لأسباب مختلفة، يأتي في مقدمتها التزوير، كما تشمل عمليات سحب الجنسية، الأشخاص والتابعين الذين حصلوا عليها من دون استيفاء الشروط القانونية، ومن بينها «صدور مرسوم» بمنح الجنسية، حيث دأب أعضاء في الحكومات السابقة على تخطي هذا القانون ومنح الموافقات على طلبات الحصول على الجنسية دون انتظار صدور مرسوم بذلك.

ومعن الصانع هو رجل كان يحمل الجنسيتين السعودية والكويتية، اشتهر بكونه مؤسس «مجموعة سعد»، التي تضم مجموعة شركات كبيرة تعمل في قطاعات مثل البنوك، والعقارات، والإنشاءات، والرعاية الصحية.

ومع مطلع الألفية الثانية أصبح أحد أغنى رجال الأعمال في السعودية والخليج، وكان على قائمة «فوربس» لأغنى مائة رجل في العالم عام 2007، لكنَّ أعماله تعرضت للانهيار بعد خلافات اتُّهم خلالها بالاحتيال، لينتهي الخلاف مع عائلة القصيبي وآخرين في أروقة المحاكم، وتعثرت «مجموعة سعد»، إلى جانب شركة أخرى هي «أحمد حمد القصيبي وإخوانه»، في عام 2009، مما وصل بحجم الديون غير المسددة للبنوك إلى نحو 22 مليار دولار.

وفي مارس (آذار) 2019 وافقت محكمة سعودية على طلب رجل الأعمال المحتجز والمثقل بالديون وشركته لحل قضيتهما من خلال قانون الإفلاس الجديد في المملكة.

وقبيل نهاية عام 2018 طُرحت عقارات مملوكة لمعن الصانع للبيع في مزاد علني، من أجل سداد أموال الدائنين التي تقدَّر بمليارات الريالات، حيث كلَّفت المحكمة شركة متخصصة بالمزادات ببيع الأصول على مدار خمسة أشهر في مزادات في المنطقة الشرقية وجدة والرياض.