الرجل الذي عرف اللانهاية

العبقرية ليست خصيصة بيولوجية بل هي جهد منظّم وكفاح متواصل

هاردي  -  رامانوجان
هاردي - رامانوجان
TT

الرجل الذي عرف اللانهاية

هاردي  -  رامانوجان
هاردي - رامانوجان

القراءة رحلة عجائبية لحدود لما يمكن أن تجود به من المدهشات، وغالباً ما تقودنا قراءاتنا إلى تخوم ما توقعناها أو حلمنا بها من قبلُ، ولعلّ الانتقالات الفريدة التي نترحّل بها بين الروابط الإلكترونية المتعشقة هي مصداق لضخامة تعقيد الشبكات المعلوماتية وما تحويه من كنوز الأفكار وفريد الرؤى.
قرأتُ قبل أيام حوارية جميلة على أحد المواقع الإلكترونية مع عالم الرياضيات (كين أونو Ken Ono). المقال مترجم عن مجلة (دير شبيغل) الألمانية التي عقدت تلك الحوارية مع (أونو) عقب نشر سيرته الذاتية التي جاءت بهذا العنوان المثير (بحثي عن رامانوجان: كيف تعلّمتُ العدّ). تناول أونو في الحوار موضوعات إشكالية مؤثرة بشأن العباقرة الشباب والانتحار في المجتمع الياباني بسبب السقوف العالية للإنجازات المطلوبة من الأفراد وهم في يفاعة أعمارهم؛ لكن ثمة عبارة وردت في ذلك الحوار يقول فيها أونو: «أتلقى رسائل تدّعي حلّ مسائل مفتوحة كبرى بضع مرات شهرياً على الأرجح، قد تكون مثيرة للاهتمام أحياناً. أتواصل راهناً مع سجين في ولاية «إلينوي» - وأرجح أنه لن يشاهد ضوء النهار ثانية؛ لكن تبيّن أنه عالم رياضيات لامع)، وعندما يُسألُ أونو في جزء لاحق من الحوار هل يمكن اكتشاف عباقرة حقيقيين بواسطة تلك المراسلات، يجيب: (نحاول فعل ذلك. أطلقنا مبادرة «روح رامانوجان» في إشارة إلى عالم الرياضيات الهندي الشهير سرينيفاسا رامانوجان الذي حقّق عدداً من الاكتشافات المدهشة من دون تلقي أي تعليم رسمي. تهدف مبادرتنا إلى إيجاد عباقرة مثله. سنتلقى طلبات من أي شخص في العالم). حوار أونو في غاية الإمتاع، وينطوي على كثير من الرؤى بشأن الرياضيات ودورها الملهم في العالم، وكونها مركّباً ثقافياً فاعلاً في تشكيل العقل الإنساني.
تمثّل الرياضيات (والفيزياء أيضاً) نمطاً من التطور الارتقائي في منظومة الفكر الرمزية، وهي أبعد بكثير من أن تكون مهنة يعتاش منها المرء فحسب، بل هي أقرب إلى شكل من أشكال الحياة الشغوفة بالكشف عمّا وراء المرئي والمحسوس من الكينونات المادية. هي - على الصعيد الشخصي - نمط من الرؤية الميتافيزيقية التي تخاطب روح الإنسان وعقله وتتعامل معهما بلغة شفرية تخفى على التداول العام. ساهمت الرياضيات مساهمة عظيمة في صناعة وتشكيل العالم الذي نعيشه بكل تطوراته التقنية ومنجزاته المادية؛ إنما يبقى منبع الأفكار الملهمة في الرياضيات مصدر نشاط بحثي لم تخفت جذوته منذ عقود عديدة. كانت - ولم تزل - محاولات السياحة السيكولوجية في عقل الرياضياتي بقصد معرفة منبع الأفكار الرياضياتية قائمة، ويمكن الإشارة هنا إلى مصدر بعنوان (عقل الرياضياتي: سيكولوجيا الاكتشاف في الحقل الرياضياتي***) كتبه العالم الفرنسي (جاك هادامارد) في منتصف أربعينيات القرن العشرين ونُشِرت نسخة حديثة منه عن جامعة برينستون عام 1996.
ربما يكون معظمنا قد سمع بهذا الاسم (سرينيفاسا رامانوجان) بعد أن شاهد فيلم «الرجل الذي عرف اللانهاية» الذي أنتج عام 2016. يستند الفيلم على كتاب بالعنوان ذاته كتبه (روبرت كانيغل)، ويروي قصة العلاقة المثيرة بين رامانوجان وبروفسور الرياضيات اللامع في جامعة كامبردج (جي. إج. هاردي): رامانوجان، الشاب اليافع فقير الحال الذي يمارس أعمالاً عديدة لكسب قوت يومه وإعالة أسرته، يكتب رسالة إلى هاردي يضمّنها بعضاً من كشوفاته الرياضياتية التي بلغها بوسائله الحدسية من غير برهان، وعندما يتسلم هاردي تلك الرسالة مع محتوياتها من الكشوفات الثمينة يدرك منذ البدء أنه يتعامل مع عقل رياضياتي فذ. يبذل هاردي كل ما في وسعه من جهود لكي يضمن لرامانوجان طريقة تمكّنه من الانتقال إلى جامعة كامبردج ومواصلة كشوفاته العظيمة تحت إشراف هاردي ذاته. أحسبُ أن الفلم تحفة إخراجية بالغة الإتقان؛ فهو ذو إيقاع هادئ متناغم مع عالم الأفكار - ذلك العالم الجليل البعيد عن الصخب ومطاردة صغائر الأمور. يعلّمنا الفيلم الكثير من المآثر والخصائص المتعلقة بالكشف والإنجاز: الحدس في مقابل البرهان الصارم، المنبع الميتافيزيقي للأفكار الكبرى في الحياة والعلم، الجشع والحسد السائدان حتى في أرقى المؤسسات الأكاديمية، روح النبالة التي تترفّع عن الصغائر وتقاتل ببسالة لأجل نيل من يستحقون الاعتراف الأكاديمي حقوقهم، وهنا تظهر شخصية (هاردي) بكل نبلها ورفعتها وخواصها الدمثة الرقيقة ؛ فقد وقف (هاردي) إلى جانب رامانوجان حتى نال الأخير عضوية الجمعية الملكية البريطانية - هذه العضوية التي تستعصي على كثير من البريطانيين أنفسهم. يُعرَفُ عن هاردي ذاته مصنفاته الرياضياتية المميزة؛ وله كتاب مهم نشره عقب نهاية الحرب العالمية الثانية بعنوان (اعتذار عالم رياضياتي)، وهو كتاب ممتع يعرض فيه رؤيته الشخصية بشأن جملة من الموضوعات الفكرية، وثمة ترجمة عربية لهذا الكتاب الذي أتمنى أن يقرأه كل شخص شغوف بعالم الأفكار الجميلة التي تسهم في تشكيل عالمنا.
هناك العديد من التساؤلات التي تكشف عنها حياة رامانوجان: ماذا لو أنّ رامانوجان أحجم عن إرسال رسالته إلى هاردي؟ وأي خسارة عظمى كان سيخسرها العلم لو أن هاردي ألقى برسالة رامانوجان في سلة المهملات وعدّها سخفاً غير جدير بالاهتمام وتبديد بعض وقته الثمين في تدقيقها؟ وماذا عن التعليم الذي يقوم على مرجعيات راسخة تتعامل مع كل العقول بمسطرة أدائية موحّدة وتتناسى أنّ بعض العقول الخلاقة تبدي نفوراً شديداً من المقايسات الأكاديمية ضيقة الرؤية؟
يخطئ من يظنّ أنّ العبقرية هي خصيصة بيولوجية بين الخصائص الأخرى التي يتفرّد بها بعض الأشخاص (مثل جمال الشكل أو قوة الألياف العضلية أو الجبهة العريضة،،،، إلخ) ؛ بل هي جهد منظّم وكفاح متواصل منقادان بزخم رؤية تجعل فرداً بذاته يرى ما لا يراه الآخرون ويجاهد لبلوغ مرتقيات تستعصي على سواه.
ماذا عن (رامانوجان) عربي في الرياضيات أو سواها من الحقول المعرفية؟ لا أراه أمراً معقولاً أن تأريخ منطقتنا العربية لم يشهد من انكبّ على فتح أبواب المعرفة بطرائقه الخاصة وبوقت مبكّر من حياته بعيداً عن الأساليب المدرسية أو الجامعية التقليدية التي لا تتناسب مع الرؤى الخلاقة التي تميّز هؤلاء ؛ وتكمن المعضلة غالباً في ضيق الأفق العائلي وعدم دراية معظم الآباء والأمهات بالمواهب العظمى التي قد يتوفّر عليها بعض أبنائهم وبناتهم، يُضافُ لذلك جمود طرائق التحصيل المدرسي وطرق التقييم الأكاديمي وانعدام مرونتها بما يتيحُ لذوي القدرة المتفرّدة تجاوز الكثير من العوائق المؤسساتية.
لعلنا ننتبه إلى أمثال رامانوجان في عالمنا العربي قبل أن يحبطهم التجاهل ويطويهم الردى وتذهب عبقرياتهم الخلاقة معهم إلى مهاوي النسيان.

- كاتبة وروائية ومترجمة عراقية مقيمة في الأردن.



اهتمام «سوشيالي» واسع بنبيل الحلفاوي إثر مرضه

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
TT

اهتمام «سوشيالي» واسع بنبيل الحلفاوي إثر مرضه

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)

حظي الفنان المصري نبيل الحلفاوي باهتمام واسع على «السوشيال ميديا» إثر مرضه، وانتقاله للعلاج بأحد مستشفيات القاهرة، وتصدر اسم الفنان «الترند» على «إكس» في مصر، الجمعة، بعد تعليقات كثيرة من أصدقائه ومتابعيه على منصة «إكس»، داعين له بالسلامة، ومتمنين له سرعة الشفاء والعودة لكتابة «التغريدات».

صورة للفنان نبيل الحلفاوي (متداولة على إكس)

واشتهر الحلفاوي بنشاط تفاعلي على منصة «إكس»، معلقاً على العديد من القضايا؛ سواء العامة أو السياسية أو الفنية، أو الرياضية بالتحديد، بوصفه واحداً من أبرز مشجعي النادي الأهلي المصري.

وكتب عدد من الفنانين داعين للحلفاوي بالسلامة والتعافي من الوعكة الصحية التي أصابته والعودة لـ«التغريد»؛ من بينهم الفنان صلاح عبد الله الذي كتب على صفحته على «إكس»: «تويتر X ما لوش طعم من غيرك يا بلبل»، داعياً الله أن يشفيه.

وكتب العديد من المتابعين دعوات بالشفاء للفنان المصري.

وكان بعض المتابعين قد كتبوا أن أسرة الفنان نبيل الحلفاوي تطلب من محبيه ومتابعيه الدعاء له، بعد إصابته بأزمة صحية ونقله إلى أحد مستشفيات القاهرة.

ويعد نبيل الحلفاوي، المولود في القاهرة عام 1947، من الفنانين المصريين أصحاب الأعمال المميزة؛ إذ قدم أدواراً تركت بصمتها في السينما والتلفزيون والمسرح، ومن أعماله السينمائية الشهيرة: «الطريق إلى إيلات»، و«العميل رقم 13»، ومن أعماله التلفزيونية: «رأفت الهجان»، و«لا إله إلا الله»، و«الزيني بركات»، و«غوايش»، وفق موقع «السينما دوت كوم». كما قدم في المسرح: «الزير سالم»، و«عفريت لكل مواطن»، و«أنطونيو وكليوباترا».

نبيل الحلفاوي وعبد الله غيث في لقطة من مسلسل «لا إله إلا الله» (يوتيوب)

ويرى الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين أن «نبيل الحلفاوي نجم كبير، وله بطولات مميزة، وهو ممثل مهم لكن معظم بطولاته كانت في قطاع الإنتاج»، مستدركاً لـ«الشرق الأوسط»: «لكنه في الفترة الأخيرة لم يكن يعمل كثيراً، شارك فقط مع يحيى الفخراني الذي قدّر موهبته وقيمته، كما شارك مع نيللي كريم في أحد المسلسلات، فهو ممثل من طراز فريد إلا أنه للأسف ليس اجتماعياً، وليس متاحاً كثيراً على (السوشيال ميديا). هو يحب أن يشارك بالتغريد فقط، ولكن لا يتفاعل كثيراً مع المغردين أو مع الصحافيين. وفي الوقت نفسه، حين مر بأزمة صحية، وطلب المخرج عمرو عرفة من الناس أن تدعو له بالشفاء، ظهرت مدى محبة الناس له من أصدقائه ومن الجمهور العام، وهذا يمكن أن يكون فرصة لمعرفة قدر محبة الناس للفنان نبيل الحلفاوي».