في عالم اليوم، ثمة أكثر من مليارين وسبعمائة وخمسين مليون شخص يُسافرون بالطائرة كل عام، في مختلف أرجاء المعمورة. ومع ارتفاع الإصابات بأمراض القلب عالمياً، وارتفاع نسبة نجاح تلقي مرضى القلب للمعالجات الدوائية أو المعالجات التدخلية بالقسطرة، أو العمليات الجراحية، فإن مرضى القلب يُشكلون في كل يوم نسبة تتطلب الاهتمام من بين أولئك المسافرين جواً.
- مرضى القلب
ومرضى القلب هؤلاء، منهم منْ لديهم أمراض في شرايين القلب، أو عضلة القلب، أو صمامات القلب، أو اضطرابات كهرباء القلب، أو عيوب خلقية في القلب. ومن بين هؤلاء، هناك منْ تمت له زراعة أجهزة لضبط نبضات القلب (Pacemakers) أو أجهزة مزيلات الرجفان الآلي المزروعة (ICD)، أو تم إجراء تدخلات علاجية بالقسطرة لفتح أو توسيع تضيقات الشرايين القلبية (PCI)، أو خضعوا لعمليات جراحية لتخطي تضيقات الشرايين (CABG) أو الجراحة لإصلاح أو زراعة الصمامات القلبية، أو المعالجة التدخلية أو الجراحية لإصلاح العيوب الخلقية في القلب.
والجيد في الأمر هو ما دلت عليه نتائج إحدى الدراسات الطبية العالمية الواسعة، التي شملت 744 مليون مسافر في مناطق مختلفة من العالم، خلال الفترة ما بين 2008 و2010، والتي أفادت بأن أمراض القلب مثلت نسبة 8 في المائة فقط من بين حالات الطوارئ الطبية (Medical Emergencies) فيما بين أولئك المسافرين جواً. ولذا يُعتبر السفر الجوي آمناً بالنسبة لمعظم مرضى القلب، عند مراعاة الحالات التي تتطلب عدم ركوب الطائرة، والحالات التي تتطلب العناية والاهتمام، مع الفهم الدقيق للتغيرات الفسيولوجية التي تعتري الجسم وجهاز القلب والأوعية الدموية، أثناء السفر الجوي.
وخلال السفر الجوي، هناك عدد من التغيرات الفسيولوجية التي تعتري الجسم، ويمكن بالتالي أن تؤثر كعوامل متعددة على صحة القلب والأوعية الدموية أثناء ذلك، والتي بالإمكان التعامل معها لجعل الرحلة الجوية آمنة ومريحة لمرضى القلب. ومن أهمها حصول انخفاض في الضغط الجوي (Atmospheric Pressure) داخل مقصورة الركاب، وانخفاض الرطوبة، وتوسع حجم الغازات في الجسم، وعدم الحركة لفترة طويلة، وزيادة الضغط البدني والعاطفي.
بالنسبة للضغط الجوي، فإن الطيران في معظم الطائرات التجارية يتم على ارتفاع يتراوح ما بين 22 إلى 44 ألف قدم فوق مستوى سطح البحر، مع انخفاض مماثل في الضغط الجزئي للأكسجين (Partial Pressure) الذي يتم استنشاقه في التنفس. وهو ما يتطلب ضبط ضغط الطائرة كشيء ضروري لراحة الركاب. ولذا في معظم الطائرات التجارية، يُحفظ الضغط الجوي في كابينة الركاب بما يُعادل الوجود على ارتفاع نحو 7500 قدم (أي أقل بنسبة 25 في المائة عن مقدار الضغط الجوي عند مستوى سطح البحر). وعادة يتم التكيُّف مع هذا الضغط الجوي بشكل جيد لدى الأشخاص الأصحاء، كما يتم لديهم التكيف مع النقص في أكسجين هواء المقصورة، عن طريق زيادة حجم الهواء الداخل إلى الرئة (مقدار الشهيق والزفير) Tidal Volume، وزيادة معدل ضربات القلب.
ومع ذلك، وأثناء اضطرابات الأحوال الجوية السيئة، فقد تكون هناك حاجة إلى ارتفاع الطائرة إلى أعلى أو انخفاضها، مما قد يغير الضغط الجوي داخل المقصورة. ولكن ضرورة استخدام كمامات الأكسجين من قبل الركاب لا تكون إلا عندما يكون الضغط الجوي في كابينة الركاب بمقدار يُعادل الوجود على ارتفاع نحو 10000 قدم.
وعليه، فإن الركاب الذين يعانون من «حالات غير مستقرة» في أمراض نقص تروية القلب (Ischemic Heart Diseases) وفشل القلب (Heart Failure) قد يعانون من نقص «أكسجة الدم» (Hypoxia) ولذا فعليهم قبل السفر التأكد من طبيبهم المعالج حول مدى ملاءمة السفر بالطائرة لحالتهم الصحية.
- رطوبة الهواء
أما بالنسبة لرطوبة هواء المقصورة، فإن الطائرات تستخدم الهواء الجوي للحفاظ على الضغط داخلها، وفي الارتفاعات العالية تتدنى رطوبة الهواء، وهو ما يعني لجسم الراكب زيادة «فقدان الماء غير المحسوس» (Insensible Water Loss)، في هواء الزفير والعرق، الأمر الذي قد يُؤدي إلى تدني كمية سائل الدم داخل الأوعية الدموية لديهم، وسهولة احتمالات تكون الخثرات الدموية في الأوردة. والأشخاص الأصحاء يُمكنهم التغلب على هذا النقص بسهولة عبر الحرص على شرب الماء من آن لآخر أثناء الرحلة الجوية، والحرص على المشي من آن لآخر، والأهم الحرص على إجراء تمارين تحريك القدمين أثناء الرحلة. ذلك أن عدم الحركة لفترة طويلة بالجلوس على المقعد أثناء السفر الجوي، مع ضغط المقعد على الجزء الخلفي من الساقين، وتدني التدفق الوريدي نتيجة لهذين العاملين، يؤدي إلى ارتفاع احتمالات نشوء التخثر الدموي في الأوردة بالأطراف السفلية.
* أما بالنسبة لحجم الغازات، فإن أي غازات في الجسم يتوسع حجمها إذا كانت محصورة في حيز مغلق، بمقدار نحو 35 في المائة، وذلك عند الانتقال من مستوى سطح البحر إلى الارتفاع المعتاد للطائرة أثناء الرحلات الجوية. ولذا يزداد إخراج غازات الجهاز الهضمي أثناء الرحلة الجوية لدى البعض. وهذه الظاهرة قد تكون مصدر قلق طبي بشكل خاص في حالة المريض الذي يتعافى من جراحة شق الصدر؛ حيث يمكن أن يتمدد حجم الهواء المحشور في ثنايا الجرح، أو ما تبقى من هواء قليل فيما بين الرئة والقفص الصدري. وأيضاً فإن تمدد الهواء مهم في حالات المرضى الذين يتم نقلهم ولديهم أنابيب في الصدر، أو لديهم القسطرة البولية، أو أنابيب القصبة الهوائية.
- التوتر والخوف
وهناك جانب قد لا يهتم به البعض، وهو تأثيرات التوتر النفسي والخوف من الطيران على استقرار الحالة القلبية، خصوصاً لدى مرضى القلب الذين حالتهم القلبية «غير مستقرة» بالأصل. وفي هذا الشأن، تفيد الإحصائيات الطبية بأن نسبة الإصابة به قد تبلغ 25 في المائة. وكذلك القلق بالنسبة لسلاسة إتمام الراكب لإجراءات المغادرة والوصول وتسلم الحقائب وحملها، وغيرها من مراحل السفر. ولذا تفيد نتائج إحدى الدراسات الطبية بأن معاناة مرضى شرايين القلب من نقص تروية عضلة القلب بالدم، والشعور بآلام الصدر، هو أمر يحدث في الغالب والراكب على الأرض، وليس وهو في الهواء داخل الطائرة.
- قبل السفر... قائمة بالنقاط التي تجدر مراجعتها
> تحدث إلى طبيبك لمعرفة ما إذا كان هناك ما يبرر إجراء أي اختبار قبل رحلة السفر بالطائرة، للتأكد من استقرار حالة مرض القلب لديك.
> احصل من طبيب القلب على تقرير طبي مختصر، يشرح حالة القلب لديك، وقائمة الأدوية التي تتناولها، ونسخة من آخر تخطيط رسم كهرباء القلب (ECG).
> احرص على الحضور مبكراً إلى المطار، لإنجاز إجراءات السفر براحة وسهولة.
> احرص على حمل كمية من الأدوية تكفي لبضعة أيام.
> أثناء الرحلة، احرص على ارتداء جوارب ضاغطة، وشرب كميات كافية من السوائل، وإجراء تمارين تحريك القدمين.
* تأكد من حجز مقعد على الممر، ليتيح لك فرصة للمشي من آن لآخر، وتحريك الدورة الدموية في الساقين.
- نصائح طبية للسفر بالطائرة
> مراجعة طبيب القلب المعالج قبل السفر بالطائرة، هي الخطوة الأهم بالنسبة للتأكد من سلامة السفر بالطائرة لمريض القلب. وهناك نصائح عامة تشمل التالي:
* مرضى شرايين القلب (CAD)، إن كانت حالتهم «مستقرة» بالتعريف الطبي، فبإمكانهم السفر بأمان في الطائرة. وإن كانت حالتهم «غير مستقرة» (UA)، فعليهم عدم السفر بالطائرة، والتأكد من الطبيب متى يكون ذلك ملائماً لهم.
* مرضى جلطة النوبة القلبية (MI)، إذا كانت الإصابة قديمة، فبإمكانهم السفر بأمان في الطائرة، ما دامت حالتهم مستقرة. وإذا كانت الإصابة حديثة وخالية من المضاعفات، فعليهم التريث لمدة أسبوعين، والتأكد من الطبيب المعالج حول مدى استقرار حالتهم الصحية قبل السفر بالطائرة. وقد يكون من المفيد إجراء اختبار جهد القلب (Exercise Stress Test) لهؤلاء الذين أصابتهم نوبة الجلطة القلبية (STEMI) الحديثة، ولم تُجرَ لهم قسطرة شرايين القلب. وإذا كانت الإصابة حديثة بنوبة الجلطة القلبية، وثمة مضاعفات (Complicated MI)، فعليهم عدم السفر بالطائرة إلى حين استقرار حالتهم الصحية.
* مرضى ضعف القلب (HF)، إذا كانت حالتهم مستقرة، فبإمكانهم السفر بأمان في الطائرة. وإذا كان لديهم ضيق في التنفس من الدرجة الثالثة أو الرابعة (NYHA class III-IV) وفق التقييم الطبي، فبإمكانهم السفر بأمان في الطائرة، مع توفير الأكسجين لهم. ولكن إذا كانت حالتهم غير مستقرة، فعليهم عدم السفر بالطائرة إلى حين استقرار حالتهم الصحية، والتأكد من الطبيب متى يكون ذلك ملائماً لهم.
* المرضى الذين خضعوا حديثاً لعلاج تدخلي بالقسطرة، لتوسعة أو فتح مجرى أحد شرايين القلب (PCI)، يمكنهم السفر بأمان في الطائرة بعد يومين من هذه القسطرة العلاجية، إذا لم تكن ثمة مضاعفات لها. وعليهم التريث لفترة أطول إذا كانت ثمة مضاعفات، وذلك وفقاً لتوجيهات طبيب القلب المعالج.
* المرضى الذين خضعوا حديثاً لعلاج تدخلي بالقسطرة، لزراعة جهاز تنظيم نبض القلب (PPM) أو لزراعة جهاز الصدمات الكهربائية (ICD)، يمكنهم السفر بأمان في الطائرة بعد يومين من هذه القسطرة العلاجية، إذا لم تكن ثمة مضاعفات لها، وفقاً لتوجيهات طبيب القلب المعالج.
* المرضى الذين خضعوا حديثاً لجراحة تخطي شرايين القلب (CABG)، يمكنهم السفر بالطائرة بعد عشرة أيام من إجراء هذه العملية، إذا كانت ثمة ضرورة لذلك السفر، ما دامت حالتهم مستقرة، وليس لديهم أي مضاعفات لها. وإن لم يكن الأمر كذلك، فعليهم التريث لفترة أطول، وذلك وفقاً لتوجيهات جراح القلب المعالج.