الارتجاع المريئي لدى الأطفال

أسبابه وراثية وبيئية

الارتجاع المريئي لدى الأطفال
TT

الارتجاع المريئي لدى الأطفال

الارتجاع المريئي لدى الأطفال

ربما يعتقد البعض أن الارتجاع المريئي esophagus reflux من الأعراض غير المألوفة عند الأطفال مثل البالغين، ولكن الحقيقة أن الارتجاع في الأطفال خاصة الصغار منهم عرض مألوف ولكنه شديد الإزعاج بالطبع ويسبب آلاما وشعورا بعدم الارتياح.
وتعني كلمة الارتجاع عودة السائل الحمضي (حمض الهيدروكلوريك) الموجود في المعدة إلى المريء خاصة أن هناك ما يشبه الصمام في الجزء الأسفل من المريء عند اتصاله مع المعدة (فتحة الفؤاد) يمنع وصول هذا السائل إلى المريء الذي يسبب وجوده شعورا بآلام حادة. ويعتبر التعبير العامي عن هذا الألم الحرقان (حرقة المعدة) heartburn تعبيرا بليغا وحقيقيا عن الألم حيث إن الأحماض عامة تعتبر مواد كاوية، وتأثير حمض الهيدروكلوريك قوي جدا بحيث يمكن أن يذيب المعادن. وبالطبع فإن هذه الحمضية ضرورية للمعدة حتى تتمكن من هضم الطعام.

الأسباب والأعراض
يعمل الصمام الموجود في نهاية المريء وبداية المعدة على تنظيم عملية الهضم بحيث يحدث ارتخاء للعضلات المتحكمة في هذه الفتحة أثناء عملية البلع، ما يسمح بمرور الطعام من المريء إلى المعدة. وبعد المرور تقوم تلك العضلات بالانقباض مرة أخرى ما يمنع وصول السائل أو ارتجاعه مرة أخرى.
وهناك عدة أسباب تؤدي إلى حدوث هذا الارتجاع مثل:
> العامل الجيني (رغم عدم وجود تفسير واضح لذلك).
> البدانة، وهي تلعب دورا هاما في زيادة احتمالية الارتجاع نتيجة لزيادة الضغط على البطن.
> لدى الرضع وفي مرحلة الطفولة المبكرة يمكن أن يكون هناك تأخر في نمو العضلات المبطنة للصمامات developmental delay والتي تساعدها في القيام بوظيفتها.
> ولادة الطفل بعيب خلقي مثل الشلل الدماغي والذي يمكن أن يؤدي إلى خلل عصبي يؤثر على العضلات القابضة.
> في حالة تعرض الطفل باستمرار للتدخين السلبي.
> بعض الأدوية يمكن أن تسبب زيادة الحمضية والارتجاع مثل الأدوية المسكنة والتي يمكن أن تلجأ إليها العديد من الأمهات لأسباب الآلام المختلفة.
أما أعراض الارتجاع فتختلف في الأطفال بشكل كبير وتتراوح في شدتها تبعا للعمر. والأطفال الصغار يشعرون بأعراض بسيطة مثل الإحساس بطعم الطعام في الفم أو الشعور بطعم لاذع في الحلق، أما الأكبر عمرا فيمكن أن يشعروا بإحساس الحرقان في منتصف الصدر كما أن رائحة النفس تكون غير مستحبة. ويمكن أن يحدث قيء أو شعور بالغثيان وصعوبة في البلع، وفي بعض الأحيان يكون الألم شديدا ويسبب البكاء كما يمكن أن يحدث تجشؤا، وفي الحالات الحادة التي تكون فيها قرح بالمعدة يمكن أن يظهر دم في البراز أو في حفاظة الطفل، ويعاني الطفل من عدم ارتياح وقلق بعد إطعامه نتيجة للآلام.

التشخيص والعلاج
في الأغلب يعتمد تشخيص الارتجاع على الأعراض والتاريخ المرضي من خلال وصف الأم. وإذا لم يتم التحسن بعد تغيير نوعية الطعام والعلاج المضاد للحموضة يلجأ الطبيب إلى عمل عدة فحوصات مثل:
> أشعة على المريء يقوم فيها الطفل بشرب مادة معينة عبارة صبغة (باريوم barium) توضح المريء من الداخل. وفي الأطفال الصغار يتم خلط هذه الصبغة مع الحليب الصناعي.
> قياس حمضية المعدة ومعرفة إذا كانت في ازدياد من عدمه.
> يمكن إذا لم يتم التحسن أن يقوم الطبيب بعمل منظار للجزء العلوي من الجهاز الهضمي endoscopy وأخذ عينة وهو التشخيص الأدق حيث يمكن بوضوح معرفة السبب إذا كان ضعفا في الطبقة المخاطية المبطنة لجدار المعدة والمريء.
أما العلاج فيشمل:
> تغيير نمط الحياة وتغيير نمط الغذاء. وهما عاملان يحددان طريقة التعامل مع الارتجاع في الأطفال ويشملان مثلا تخفيف المأكولات والمشروبات التي تحتوي على الأحماض مثل عصائر البرتقال أو الليمون وكذلك الأغذية التي تحتوي على التوابل الحارة. كما يجب أن تكون الوجبات غير مشبعة بالدهون وصغيرة. ويجب محاولة خفض الوزن في الأطفال الذين يعانون من السمنة. ويفضل بعد تناول الوجبات أن يكون الطفل في الوضع القائم بمعنى ألا يذهب للنوم مباشرة بعد تناول الطعام، ويفضل أن يكون الطفل نائما بشكل غير مستقيم بحيث تكون الرأس مرتفعة حتى لا يساعد وضع النوم في رجوع الحمض إلى المريء.
> الأدوية. إذا لم يتم التحسن بعد تغيير نوعية الطعام ونمط الحياة في الغالب يتم استخدام الأدوية التي تعادل حموضة المعدة Antacids وتستخدم لفترة قصيرة وتؤدي إلى التحسن الفوري للأعراض. وهذه الأدوية لا تؤثر على تكرار نوبات الارتجاع والحموضة ولكن تخفف من آلامها. كما تستخدم في بعض الأحيان لتأكيد التشخيص حيث إنها تحسن الأعراض بشكل فوري ولكن لا يجب أن تستخدم هذه الأدوية لفترات طويلة في الأطفال.
في حالة استمرار عدم التحسن يمكن اللجوء إلى الأدوية التي تقوم بتقليل إفراز حمض المعدة وأيضا هذه الأدوية يجب أن تستخدم لفترة قصيرة حسب توصيات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، حيث إن هذه الأدوية لها تأثير ضار على صحة العظام.
> يفضل أن يكون العلاج الدوائي هو الحل الأخير في الأطفال ويجب أن تتحلى الأم بالصبر حيث إن الأعراض تتحسن في مدة يمكن أن تصل إلى 6 شهور بعد استخدام الاحتياطات الخاصة وتغيير نمط الحياة كما يجب أن تتحاشى الأمهات استخدام الأدوية إلا للضرورة الطبية والتي يتم وصفها من قبل الطبيب فقط حتى لا تعرض الطفل لخطر الارتجاع.
- استشاري طب الأطفال



الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
TT

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

«لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة على مستوى الحمض النووي، التي قد يكون لها آثار صحية مدى الحياة»، وفقاً لنتائج دراسة دولية رائدة قادها باحثون من جامعة «ساري» الإنجليزية.

الدراسة التي تعد الأولى من نوعها، جرى نشرها، الأربعاء، في مجلة «الجمعية الطبية الأميركية للطب النفسي» (جاما سايكتري).

وقال البروفسور مايكل بلوس، المؤلف الرئيسي للدراسة من كلية علم النفس بجامعة ساري: «في حين أنه من المعروف أن الحرب لها تأثير سلبي على الصحة العقلية للأطفال، فقد وجدت دراستنا أدلة على الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذا التأثير. وجدنا أيضاً أن الحرب مرتبطة بما يعرف بالشيخوخة الوراثية - مما قد يعني أن الحرب قد تؤثر على نمو الأطفال».

وأوضح في بيان صادر الأربعاء: «بشكل عام، ترسم دراستنا صورة أوضح للتكلفة المأساوية للحرب، بما يتجاوز الإجهاد العقلي للملايين من الأطفال المحاصرين في وسطها».

وكان فريق البحث في جامعة ساري - بالتعاون مع جامعة كوليدج لندن البريطانية، ومعهد التنمية والبحث والدعوة والرعاية التطبيقية، وجامعة القديس جورج في لبنان، ومنظمة غير حكومية دولية رائدة - قد جمع عينات لعاب من 1507 أطفال لاجئين سوريين، تتراوح أعمارهم بين 6 و19 عاماً، يعيشون في مستوطنات غير رسمية في لبنان.

تم استخدام الاستبيانات، التي أكملها كل من الأطفال ومقدمي الرعاية لهم، لقياس التعرض للأحداث المرتبطة بالحرب التي مر بها الطفل.

كما قام الباحثون بتحليل مثيلة الحمض النووي (DNAm)، وهي عملية وراثية تتم فيها إضافة مركبات كيميائية صغيرة، تسمى مجموعات الميثيل، إلى شريط الحمض النووي في مواقع مختلفة في الجينوم (المجموعة الكاملة من الجينات). وتعمل هذه المجموعات مثل المفاتيح الكهربائية، حيث تقوم بتشغيل الجينات أو إيقاف تشغيلها أو تعديل مدى قوة التعبير عنها، دون أن تغير في تسلسل الحمض النووي الفعلي نفسه.

وتلعب مثيلة الحمض النووي دوراً رئيسياً في عمليات التطور الطبيعي للجسم ويمكن أن تتأثر بأشياء مثل النظام الغذائي والإجهاد والتعرض للصدمات. فعندما يمر شخص ما بأحداث متطرفة، مثل الحرب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغييرات تؤثر على صحته البدنية والعقلية على المدى الطويل.

آثار بيولوجية دائمة

يدرس العلماء هذه التغييرات لفهم كيف يمكن للتجارب المجهدة أن تترك آثاراً بيولوجية دائمة على الجسم. وقد وجدوا أن الأطفال الذين تعرضوا لأحداث الحرب أظهروا تغيرات في عدة مواقع ومناطق في الجينوم. وقد ارتبطت بعض هذه التغيرات بالجينات المشاركة في وظائف بالغة الأهمية مثل النقل العصبي (كيف تتواصل الخلايا العصبية) والنقل داخل الخلايا (كيف تتحرك المواد داخل الخلايا).

ووفق الدراسة فإنه من غير المعروف أن هذه التغيرات الجينية موجودة في أشكال أخرى من الصدمات الناتجة عن الفقر أو التنمر مثلاً، مما يشير إلى أن الحرب قد تؤدي إلى استجابات بيولوجية فريدة من نوعها في الجسم.

الفتيات الأكثر تأثراً

ووفق الباحثين فإن هذه الورقة البحثية هي جزء من دراسة أكبر بدأت في عام 2017، التي تعد أول دراسة واسعة النطاق من نوعها بين الأطفال اللاجئين، مما يمهد الطريق لفهم أعمق لكيفية تأثير الصدمات على نمو الصحة العقلية لهؤلاء الأطفال.

ونظر باحثو الدراسة أيضاً في كيفية اختلاف التأثيرات البيولوجية للحرب بين الأولاد والبنات. ووجدوا أن الفتيات اللاتي تعرضن لأحداث الحرب أظهرن تغييرات أكثر تأثيراً في الجينوم الخاصة بهم مقارنة بالأولاد، وخاصة في الجينات المرتبطة بـالاستجابة للإجهاد وتطور الدماغ.

وبينما تأثر كل من الأولاد والبنات، أظهرت الفتيات استجابة بيولوجية أقوى للتعرض للحرب، مما يشير إلى أنهن قد يكن أكثر عرضة للتأثيرات طويلة المدى للصدمة على المستوى الجزيئي.