مخيم برج البراجنة «مشبوه» أمنيا بعد استهداف الضاحية بالصواريخ والتفجيرات

حماس تنفي ضلوع أحد عناصرها في العمليات الإرهابية الأخيرة بلبنان

مخيم برج البراجنة «مشبوه» أمنيا بعد استهداف الضاحية بالصواريخ والتفجيرات
TT

مخيم برج البراجنة «مشبوه» أمنيا بعد استهداف الضاحية بالصواريخ والتفجيرات

مخيم برج البراجنة «مشبوه» أمنيا بعد استهداف الضاحية بالصواريخ والتفجيرات

تواجه المخيمات الفلسطينية في لبنان معضلات أمنية جديدة، بعد اتهام عناصر فلسطينية، يرتبط بعضها بحركة حماس، بالضلوع في مجموعة من العمليات الأمنية، أبرزها تلك التي شهدتها الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، بدءا من إطلاق صاروخين عليها شهر مايو (أيار) الماضي، مرورا بمتفجرة بئر العبد، وصولا إلى انفجار الرويس، قبل أسبوع.
ورفعت إشارة أمين عام حزب الله حسن نصر الله، في إطلالته الأخيرة قبل أسبوع، إلى تورط فلسطينيين بالعمليات الإرهابية، من منسوب التوتر في المخيمات، لا سيما مخيم برج البراجنة، الواقع جغرافيا في منطقة نفوذ حزب الله في الضاحية ويبعد نحو 500 متر عن مكان الانفجار، علما أن تسريبات أفادت بأن سيارة بئر العبد، التي انفجرت الشهر الفائت، داخل مرأب للسيارات، من دون أي خسائر بشرية، تم إعدادها في المخيم.
وفي حين يعد مخيم برج البراجنة الأقل توترا من بين المخيمات الفلسطينية الكبرى في لبنان ولا يخضع الدخول إليه لإجراءات أمنية مشددة، على غرار معظم المخيمات الأخرى، تغيرت الصورة الأمنية اليوم، وهي تبدو غير مألوفة بالنسبة لأهاليه الذين لم يعتادوا أن تدخله القوى الأمنية أو تطوقه حواجز الجيش اللبناني، باعتباره يقع ضمن نطاق أمن الضاحية. وهي إجراءات تدفع أبو محمد، لاجئ فلسطيني مسن، إلى وصف المشهد بالمخجل. ويقول لـ«الشرق الأوسط» «كلما دق الكوز بالجرة يقولون إن الفلسطيني هو السبب، بتنا نجد أنفسنا محط اتهام من دون وقائع منطقية يستند إليها»، قبل أن يتابع سيره وهو متكئ على عكازه القديم، داعيا الله أن يخلصه من «الواقع المرير» الذي يعيشه.
على ريق المطار لناحية المخيم كلاب بوليسية وعناصر مدنية تضع شارات حزب الله الصفراء تتولى عملية التدقيق في وجوه المارين وهوياتهم. وعلى بعد أمتار قليلة من مداخل المخيم تواكب عناصر القوى الأمنية عملية التفتيش والتدقيق في هويات الخارجين والداخلين إلى المخيم.
واستدعى الوضع الأمني المتوتر على تخوم المخيم استنفار اللجنة الأمنية المسؤولة عن حماية أمن المخيم. وتشكلت اللجنة منذ 6 سنوات وتتألف من فلسطينيين وثالث من حزب الله ورابع من حركة أمل، يتم التنسيق في ما بينهم ووضع خطط أمنية لضبط الوضع الداخلي للمخيم. ويؤكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في بيروت رأفت مرة لـ«الشرق الأوسط» أن «اجتماعات دورية، أسبوعية وشهرية، تجرى مع قيادات بارزة من حزب الله من أجل بحث التطورات خصوصا أننا ضمن نطاق سيطرتهم»، لافتا إلى أن «الاجتماع الأخير حصل قبل أسبوع من تفجير الرويس»، يوم الخميس الفائت.
ويكرر مرة التأكيد على استنكار حركة حماس للتفجيرين اللذين استهدفا الضاحية الجنوبية، ويقول «حذرنا من فتنة طائفية خطيرة تحاك للبنان، واجتمعنا مع كل القوى السياسية والحزبية للتأكيد على تحييد الوجود الفلسطيني عن الصراع اللبناني الداخلي، كما أكدنا في وقت سابق تحييد المخيمات الفلسطينية كافة عن الصراعات العربية الداخلية». ويوضح أن «هدفنا فلسطين وعدونا إسرائيل وحلفاؤها فقط»، مشيرا إلى أنهم «حاولوا التلاعب بنا وممارسة الضغط علينا من أجل الاصطفاف مع فريق سياسي ضد آخر إلا أننا رفضنا ذلك من أجل الحفاظ على قضيتنا المقدسة».
ولا ينكر القيادي الفلسطيني صحة الاتهامات لناحية تورط عنصر من حماس في حادثة إطلاق الصواريخ على الضاحية، نهاية شهر مايو الفائت، ويقول «وردت اتهامات للمخيم بحماية أحد الأفراد المتهمين بإطلاق الصواريخ ويدعى علاء الدين محمود ياسين، لكن المفارقة أن هذا الشخص موجود بمخيم الراشدية في مدينة صور (جنوب لبنان) ولا علاقة لنا به مطلقا». ويشدد على أن «أي مذكرة توقيف رسمية من الجيش اللبناني بحقه لم تصلنا بعد»، موضحا أنه في «حال اكتشفت مشاركته في الإساءة إلى أي طرف لبناني سنقوم بتسليمه إلى القوات الأمنية اللبنانية لأن حركة حماس حركة جهادية في وجه إسرائيل وليس لبنان».
ويؤيد مسؤول رفيع في حركة «حماس» ما جاء على لسان مرة، مؤكدا أن «المتهم علاء الدين متوار عن الأنظار منذ اكتشاف تورطه، وطلبت منا قيادة الجيش إعطاءها معلومات عن الأماكن التي يقصدها لتسهيل عملية القبض عليه للتحقيق معه على خلفية إطلاق الصواريخ». ولم يستبعد القيادي ذاته أن «يكون الأشخاص المتهمون بارتكاب جنايات وأعمال تخريبية مماثلة من مدمني المخدرات الذين يتم استغلالهم وتوريطهم للإساءة إلى صورتنا كلاجئين فلسطينيين».
ويزيد التوتر الأمني من تردي الوضع في مخيم برج البراجنة، الذي يعيش أهله ظروفا إنسانية صعبة، ويستضيف اليوم بعد تدفق اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إليه نحو 30 ألف نسمة، فيا تتجاوز نسبة البطالة فيه عتبة 60 في المائة. هذه النسبة المرتفعة من البطالة تزيد من احباط المقيمين فيه لا سيما الشباب منهم، في ظل غياب الدولة اللبنانية والجهات المعنية بشكل كامل.
محمد، أحد شبان المخيم. يبلغ من العمر 17 سنة ويتولى إعالة عائلته بعد وفاة والده بسبب إصابته بمرض السرطان وعدم تمكن العائلة من تكبد مصاريف علاجه، تعرض في وقت سابق لإصابة في رجله بعد أن حاول نشل هاتف نقال يعود لأحد المارة في شارع طريق المطار. يروي لـ«الشرق الأوسط» بؤس الواقع الذي يعيشه في المخيم «نحن فقراء لا نملك المال للطعام، كنت أقصد الجوامع لأشحذ سعر رغيف الخبر لأمي واختي الصغيرة، بعد أن تركت العلم مبكرا بسبب عدم تمكن أهلي من دفع أقساط تعليمي ولم أفلح باي عمل». ويتابع ضاحكا: «حتى السرقة لم أفلح بها وتعرضت لحادث سير مع أول محاولة».
اليوم، يخرج محمد من منزله صباح كل يوم ليبيع الخضار على عربة متنقلة، بعد أن تودعه أخته الصغيرة فرح من شرفة المنزل حزينة لعدم موافقته على اصطحابها معه إلى العمل وتفويت الفرصة عليها للتنقل على العربة والمرح واللهو. وهي تبقى في المنزل وتمضي وقتها في أزقة المخيم وهي تلهو بالنفايات المكدسة على جوانب البيوت.
يشترك مخيم برج البراجنة، الذي يبعد نحو كيلومترين عن مطار بيروت الدولي، مع باقي المخيمات في حالة البؤس والحرمان التي يعيشها أهله. يقول مرة إن المخيم «محروم بامتياز» لعدم توافر الاحتياجات الضرورية للعيش عيشة كريمة. يقول إن «الكهرباء لا تزور بيوت المخيم إلا نادرا والمياه كذلك، فيما مشفى حيفا هو الوحيد المتأهب لمعالجة المرضى في المخيم ضمن إمكانياته المحدودة».
ولا يتجاوز معدل دخل اللاجئ الفلسطيني في المخيم 300 دولار أميركي. ويعاني الشاب الفلسطيني من مشكلة جوهرية، وفق مرة، هي «التأخر في الزواج لعدم وجود مسكن يقطنه ويبني فيه عائلته»، حتى إنه يقول «لا مكان لدينا لدفن الموتى، إذ إن هناك متسعا لثلاثين قبرا فقط»، مذكرا بأنه «طالبنا الحكومة اللبنانية بفتح مخيم جديد لكن أحدا لم يستجب لمطالبنا». وينهي حديثه بسخرية وابتسامة قائلا «حتى الموت ليس سهلا على الفلسطيني في لبنان».



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن


سباق بين سلالات حاكمة تاريخية على عرش إيران

أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
TT

سباق بين سلالات حاكمة تاريخية على عرش إيران

أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)

وسط غابة خضراء في مكان مجهول، وقف رجل سبعيني ليخاطب الإيرانيين بالفيديو باقتباسات من كبار الشعراء الفارسيين، معلناً أنه «شاه عباس سلجوقي، ملك الملوك وإمبراطور إيران، آخر المتبقين من سلالة السلاجقة، ومن الأتراك الإيرانيين».
قد تبدو مزاعم الرجل في حكم إيران مثار تندر، نظراً إلى أن إمبراطورية السلالة السلجوقية التي يدعي التحدر منها أفلت قبل أكثر من ثمانية قرون. لكنه مجرد متسابق بين كثيرين يحاولون طرح أنفسهم بديلاً للنظام الحالي، في ظل تزايد السخط الشعبي على أدائه.

وتداولت فيديوهات لأشخاص يزعمون انتسابهم إلى السلاسات التي حكمت إيران بعد سقوط الصفوية في القرن الثامن عشر، وبعضهم يرشح نفسه لاستعادة عرش أجداده.
وأصبح الشغل الشاغل للإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي تتبع أخبار من يتحدرون من السلالات التاريخية التي حكمت بلادهم قبل قرون، عبر فيديوهات مزاعم حق العرش التي تثير دهشتهم أو منشورات ساخرة.

صراع على تركة القاجار

ونشر شخص يدعي بابك ميرزا قاجار يقول إنه يتحدر من السلالة القاجارية التي حكمت البلاد من 1794 حتى 1925، قبل إطاحة آخر ملوكها أحمد شاه قاجار، على يد رئيس وزرائه رضا خان بهلوي الذي جلس على العرش وأسس الحكم البهلوي.
وقبل أيام، أعادت قناة «تي آرتي» التركية في خدمتها الفارسية التذكير بتقرير نشر في عام 2016 يزعم وجود أحد أحفاد السلسلة القاجارية في إسطنبول. ونقلت عمن وصفته بأنه «بابك ميرزا أحد الباقين من سلالة القاجار الإيرانية»: «في هذا التوقيت المضطرب، أرى تقارباً في العلاقة بين تركيا وإيران... أنا قادم من إيران وأتحدث التركية، وأكثر من نصف الإيرانيين قادرون على فهم اللغة التركية».

وتداول مغردون بياناً لـ«رابطة قاجار»، ومقرها جنيف وتقول إنها تمثل أبناء السلالة القاجارية، نفى أي صلة بين بابك ميرزا والقاجار. وقالت الرابطة: «اطلعنا على مزاعم شخص يدعى بابك بيتر بادار ويدعي وراثة العرش والتاج الملكي للقاجاريين، وينوي بهذه الأوهام القيام بأنشطة سياسية. هذا الشخص غير معروف للرابطة وأطلعت على وجوده عبر وسائل الإعلام».
وأضاف بيان الرابطة: «نحن كأسرة القاجار نقف إلى جانب الشعب الإيراني، ونطرد أي شخص يحاول انتحال هوية مزيفة للوصول إلى مصالح شخصية واستغلال الأوضاع الصعبة».

«دار المجانين»

وبينما انشغل الإيرانيون بمتابعة صور وفيديوهات بابك ميرزا، ظهر فيديو الرجل السبعيني الذي وقف في الغابة معلناً أنه «شاه عباس سلجوقي ملك الملوك وإمبراطور إيران».
وكتب مغرد يدعى فريد خان: «بعد بابك ميرزا قاجار، ظهر أمير سلجوقي هو الأمير عباس سلجوقي كبير أسرة السلاجقة ومن دعاة إعادة تأسيس النظام الشاهي في إيران... البلاد تحولت إلى دار المجانين».
وقال مغرد آخر: «الأمير عباس سلجوقي مستعد للتنافس مع أربعة مرشحين من السلالة الصفوية والأفشارية والقاجارية والبلهوية الذين أعلنوا استعدادهم مسبقاً لإعادة تأسيس النظام الشاهي».
وكتبت مغردة تدعى شرارة: «في سباق العودة التاريخي، ظهر أمير سلجوقي... على أمراء السلاسات الأخرى الإسراع لأن الغفلة تؤدي إلى الندم، على رضا بهلوي الانتحار لأن منافسيه يزدادون».
ورضا بهلوي هو نجل شاه إيران السابق الذي يلتف حوله أنصار والده وبعض المشاهير، لطرح بديل لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران. لكن نجل الشاه يواجه معارضة من شريحة واسعة بين أبناء الشعوب غير الفارسية، مثل الأكراد والعرب والأتراك والبلوش.
وتأتي الظاهرة الجديدة بينما تحاول السلطات الإيرانية إخماد الاحتجاجات بأساليب من بينها التوسع في عقوبة الإعدام وتنفيذها حتى الآن في أربعة متظاهرين.
وكان لافتاً خلال الأيام الأخيرة نشر فيديوهات من قنوات «الحرس الثوري» تشبه النظام الحالي بالحكم الصفوي الذي حاول منافسة العثمانيين على حكم العالم الإسلامي.


السودانيون يتداولون أسماء لتولي رئاسة الحكومة المدنية

وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
TT

السودانيون يتداولون أسماء لتولي رئاسة الحكومة المدنية

وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)

بدأ سباق إعلامي على خلفية التسريبات من الغرف المغلقة حول أسماء المرشحين لتولي منصب رئيس وزراء الحكومة المدنية المرتقبة في السودان، فيما أكدت مصادر موثوقة لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الأمر سابق لأوانه، وأن البعض ربما يحاول تسويق بعض الأسماء، لكن الجهات المعنية بأمر العملية السياسية تتمسك بأن اختيار رئيس الوزراء يحتاج إلى توافق كبير بين الأطراف المختلفة التي تشكل الحاضنة الجديدة للسلطة الانتقالية التي لم تتشكل بعد.
وأفادت المصادر ذاتها بأن موضوع الأسماء غير مطروح في الوقت الحالي لأن العملية السياسية لا تزال في بداياتها ويمكن الحديث عن الترشيحات عقب التوقيع على «الاتفاق الإطاري» بين المدنيين والعسكريين. وأكدت أن «تحالف الحرية والتغيير، والمجموعات الأخرى، لم تبدأ في أي نقاش حول هذا الأمر، لكن هذا لا يمنع أي جهة كانت أن تتقدم بالمرشح الذي تراه مناسباً». وأوضحت أن المرشح لمنصب رئيس الوزراء سيخضع للتشاور بين أطراف كثيرة، وأن الوصول إلى التوافق على شخص لقيادة الحكومة المدنية في هذا الوقت لن يكون سهلاً، لكن ليس أمام قوى الانتقال مفر من التوافق على مرشح يجد قبولاً واسعاً وسط القوى السياسية وحراك الشارع.
ومن بين الأسماء التي ترددت لتولي منصب رئيس الوزراء، طه عثمان، وهو من قيادات تحالف «الحرية والتغيير» التي قادت المفاوضات مع قادة الجيش خلال الفترة الماضية حتى تم التوصل إلى «تفاهمات حول مسودة الوثيقة الدستورية، التي أعدتها نقابة المحامين»، والتي تحدد هياكل وصلاحيات مؤسسات وأجهزة السلطة الانتقالية المتفق عليها.
كما برز اسم وزير المالية الأسبق، إبراهيم البدوي، الذي عمل في حكومة رئيس الوزراء المستقيل، عبد الله حمدوك. وتردد أيضاً اسم وزير العدل الأسبق، نصر الدين عبد الباري، الذي عمل أيضاً في حكومة حمدوك، وتتردد إشاعات بأنه يحظى بدعم مقدر من قوى دولية. وتقول المصادر إنه بصرف النظر عن الأسماء، فلا شك أن هناك مجموعات ضغط (لوبيات) تدفع باتجاه تقديم المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة الانتقالية المدنية، التي لا بد أن تتخذ قرارات صعبة، وربما مواجهات سياسية مع أنصار النظام المعزول من الإسلاميين المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني الذي كان يرأسه الرئيس السابق عمر البشير.
لكن غالبية المصادر أشارت إلى أن هذه الترشيحات لا تخرج عن كونها ترويجاً وسباقاً لبعض القوى السياسية والمدنية لرسم المشهد السياسي في البلاد قبل اكتمال العملية السياسية، التي تحتاج إلى خطوات كبيرة للوصول إلى الاتفاق النهائي. وقالت المصادر: «في الوقت الراهن لا يمكن الحديث عن أي حظوظ للأسماء المطروحة للتنافس على المنصب»، لكنها توقعت أن ترتفع وتيرة الحملات الإعلامية في الفترة المقبلة في محاولة للتسويق السياسي لهذه الأسماء.
ونصّت التفاهمات التي توصل إليها تحالف «الحرية والتغيير» مع القيادة العسكرية في البلاد، وفق مسودة الدستور المقترح، على أن يكون رئيس الوزراء ومجلسه من الكفاءات الوطنية المستقلة، بعيداً عن المحاصصات الحزبية، وأن تختارهم القوى السياسية التي ستوقع على «الإعلان السياسي الجديد، مع مراعاة التمثيل العادل للنساء والتنوع العرقي والجهوي دون الإخلال بمبدأ الكفاءة».
وأكد القيادي في تحالف «الحرية والتغيير» ياسر عرمان، في حديث أول من أمس، أن اختيار رئيس الوزراء «يجب أن يتم بالتشاور بين قوى الثورة، بما في ذلك أطراف عملية السلام (الفصائل المسلحة)، بالإضافة إلى قوى الانتقال الديموقراطي». وتنقسم العملية السياسية إلى مرحلتين، الأولى التوقيع على «الاتفاق الإطاري» بما تم التوصل إليه من توافق حول مسودة الدستور، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية بالتوقيع على «الاتفاق النهائي»، الذي يعقبه تشكيل الحكومة التنفيذية.