الكتاب الأول... مرآة المبدع أم ماضيه؟

شعراء وكتاب مصريون يرونه حجر الأساس في تجاربهم

الشاعرة شيرين العدوي
الشاعرة شيرين العدوي
TT

الكتاب الأول... مرآة المبدع أم ماضيه؟

الشاعرة شيرين العدوي
الشاعرة شيرين العدوي

يمثل الكتاب الأول والفرح به نقطة ضوء مهمة وكاشفة في حياة الكتاب والشعراء، يصفه بعضهم بأنه كالطفل الأول الذي يشع في المكان بهجة البراءة والملامسة الأولى للحياة، وآخرون يعتبرونه «الجين الإبداعي» الذي يحمل سماتهم وصفاتهم.
سألنا عدداً من الشعراء والروائيين المصريين عن صورة عملهم الإبداعي الأول في ذاكرتهم الإبداعية، وإلى أي مدى تشكل هذه الصورة مرآة لماضيهم ومستقبلهم في فضاء الإبداع، وكانت هذه الردود:

الشاعرة شيرين العدوي:
البدء بخطة غضة

ترددت طويلاً قبل نشر ديواني الأول «دهاليز الجراح». كان لدى كم هائل من القصائد، فاستبقيت القصائد التي تمثل مرحلة أخرى في الكتابة. كل من كان حولي من الشعراء والنقاد كانوا يرون أن طريقي للقصيدة سيتطور بعمق. ونبهني الشاعر الكبير سيد حجاب إلى القصائد التي يمكن أن تكون قريبة من الناس لأن أغلب البشر لم يتجرعوا كم الثقافة التي تجرعها المبدعون. ولذلك على المبدع أن يعبر عن آلامهم وأحلامهم دون تدنٍ، بل يسحبهم على سجادة من نور. في الحقيقية، كانت القصائد منذ التجربة الأولى تأخذني إلى تعدد الأصوات داخل العمل، وتتراوح بين القصائد الطويلة جداً والومضة، وتعبر عن الهم المشترك القومي بنعومة اليومي والمعتاد، ربما انفتاح القاموس الشعري أكثر ومحاولة إحياء اللغة والتجربة المحلقة، كانت تعطى تلك الإشارة، ولم أستطع إلا أن أكمل طريقي لقصيدتي التي أحلم بها، رغم الإشارة التي حاول أن ينبهني إليها الشاعر الراحل سيد حجاب.
الآن، ربما بتعميق الرؤية، وربما قصيدتي نفسها ما زالت تحمل سماتها الأولى، لكنها في الوقت نفسه تجرب نفسها بالانعطاف إلى أشكال مغايرة للحداثة وما بعد الحداثة، وربما ما حدث معي في حال التجريب تلك كان بسبب أن من ناقشوا الديوان كانت أيديهم حانية، فأشاروا إلى الطريق التي كنت أعبدها لنفسي بالقراءة وممارسة الحياة. هؤلاء الذين ناقشوني في تجربتي الأولى كانوا شعراء، ولذلك كان نقدهم الفني إلهاماً واستشرافاً للآتي. أذكرهم الآن: أحمد سويلم ومحمد الشهاوي، والنقاد الذين يحملون الفن كأمانة، مثل الدكتورين مصطفى الضبع ومجدي توفيق. إنه دور الشاعر ودور الناقد في صنع عملية إبداعية حقيقية. ولو عاد بى الزمن، لترددت في النشر، ولكن مهما كانت النتائج، كان لا بد من البدء بهذه الخطوة الغضة لأمضي لخطوات أعمق.

فتحي إمبابي:
الحجر الأساس

عادة ما يكون العمل الأول هو الاختبار الحقيقي لموهبة الكاتب، وتعبيراً عن امتلاكه لأدواته الفنية، وأذكر أنني أمضيت عامي 1978 و1979، وهي الفترة التي سبقت نشر الطبعة الأولى من رواية «العُرْس» في 1980، أقوم بمهمة وحيدة، وهي التيقن من أن ما كتبته يندرج تحت أحد صنوف الفنون الكبرى، وهو فن الرواية. وكان سؤالي للأصدقاء والنقاد: هل هذا النص يرقي لمرتبة أن يكون رواية؟ وبمعني أكثر وضوحاً: هل أنا روائي؟
كانت المحطة الأولي في لندن، حيث عرضت المسودة الأولى على عدد من الأصدقاء المثقفين، وكان رد فعلهم أكثر من رائع، مما شجعني على عرضها على الدكتور صبري حافظ، الذي التقيته في رحاب جامعة أكسفورد، كان يوماً طويلاً وحواراً شديد الرقي، لم يقل لي إنك روائي بالقطع، لكنه أنهي حواره بالقول إن أي إجابة على سؤالك لن تثنيك عن الكتابة.
وعقب عودتي من المملكة المتحدة، التقيت عدداً من الأصدقاء، وكنت قد قمت بإعادة كتابة الرواية في الإسكندرية، حيث فصلت ما بين النصين: العُرْس والعلم. وقد لاقت رواية «العُرْس» إعجاب الجميع بلا استثناء، كان أغلبهم يلتهمها التهاماً، إلا أني أعتبر أن من دشنها، ومن جعلني اتخذ قرار النشر، الرأي الذي تبناه الناقد الكاتب الكبير إبراهيم فتحي، صاحب المعايير التي تخلو من السماحية، فقد فتن بالرواية، وكان لرأيه الموقف الفصل، ومن ثم قررت على أثر ذلك الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي «النشر».
ويشير إمبابي إلى أن كل هذا انعكس بالثقة في النفس، والقدرة على تبني أنماط الرواية بالمفهوم العالمي. هكذا، جاءت الرواية الثانية «نهر السماء» خارج عباءة أنماط الرواية العربية السائدة في ذاك الوقت، هذه المؤشرات والسمات منذ العمل الأول شكلّت حجر الأساس في تطوري وتجربتي السردية، والتي أقسمها في تلك رواية (العُرْس) إلى 3 محاور:
أولاً: اللغة، فمن أهم العناصر الروائية القدرة على امتلاك لغة تتميز بالسيولة والأنسابية، والتعبير عن مكونات الرواية الرئيسية، مثل السرد والشخصيات والأحداث والبناء الدرامي، بلغة مميزة تتسم بالبلاغة والجمال، بل من دونها ربما نصبح أمام نص قد يكون مجرد مقال أو العدم ذاته. وفي هذا الصدد، تبين لي أن قدرتي على استخدام اللهجات المتنوعة للشخصيات التي تنتمي إلى جنسيات متعددة ينعكس على النص ويثريه بالتنوع، وهو محبب لدى القارئ، رغم صعوبة الفهم أحياناً.
الأمر الثاني أن البناء الدرامي للرواية استطاع تخطي واقع عالم الهجرة الاجتماعي المفكك، حيث الاتصال الاجتماعي بين الأعراق المتعددة خارج العمل يكاد يكون معدوماً، لذلك جاء الزمن الروائي المباشر، هو ليلة عرس إحدى الشخصيات الرئيسية، يبدأ مع موكب العرس في شوارع المدينة، وينتهي في صباح ليلة عرس نهاية دامية، تبدت في انتحار العروس. وخلال تلك المدة التي لا تتجاوز اثنتي عشرة ساعة، استخدمت تكنيك الفلاش باك لنقل حياة ومشكلات وصراعات عشرات من الليبيين والسورين والفلسطينيين والمصريين واللبنانيين. وكأنك تقف على حلقة في منتصفها إنجاز العرس بين شاب وفتاة متعلمة، وبينما الجميع يتحرك جيئة وذهاباً بين ذكرياته الشخصية التي تعبر عن عالمه الخاص والتقدم باتجاه فض بكارة العروس بالطريقة البدائية، هكذا تجد نفسك تقف على الشفرة الحادة بين الحداثة والثراء النفطي، وبين التقاليد والأعراف القديمة المدمرة.
أما الأمر الثالث، فهو أنني تناولت الواقع بنقد حاد على شتى القيم السائدة، الناجمة عن هزيمة يونيو (حزيران) 67، وطال النقد الواقع المأزوم الذي تعيشه الحركة اليسارية والقومية في المنطقة العربية، وكان منطلقي في هذا هو المحبة للوطن، والمحبة للشعب المصري والعربي، والمحبة لليسار، والمحبة لقضيتي العدالة والحرية.

الشاعر القاص سمير الفيل:
أخطاء البدايات

نشبت حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وقبل أن يمر عام، كتبت روايتي الأولى «رجال وشظايا»، التي أهديتها إلى أفراد طاقم الهاون 82 مم بالكتيبة 16 مشاة، وفيما يبدو فإن هذا العمل الذي صدر 1989 قد حمل بعض أخطاء البدايات، على الرغم من السرد الهادئ، ومعالجة فكرة الحرب بقدر من الحكمة والتعقل، فلم أنجر إلى النبرة الحماسية التي تصاحب هذا اللون من الأدب. وحين كتبت روايتي الثانية «ظل الحجرة»، كنت قد تخففت تماماً من أثقال الحرب، فبدا أبطالي أقل صخباً، وأكثر ميلاً إلى تأمل حيواتهم بقدر كبير من التفهم والاستبصار. صحيح أن هناك عثرات تعترضهم، وأحلاماً تتداعى، غير أن السرد نفسه كان متمهلاً، ولجأت إلى تقنية «الكولاج»، واعتمدت على تيار الوعي، بينما كانت روايتي الأولى تتكئ على تقنية «الفلاش باك». وأتصور أن المشترك بين التجربتين هو أن الأحداث في الرواية الأولى كانت تتدافع بقدر كبير من السرعة، إذ كان الموت يتربص بالأبطال، فالحرب قائمة.
وفي عملي الثالث «وميض تلك الجبهة»، انحزت انحيازاً واضحاً للإنسان البسيط في الثكنات والملاجئ وحفر الذخيرة، حيث إنني بسطت حالة الحب المجهض في زمن لا يعرف سوى المادة، فيدرك البطل المغترب سر الانحناء، ويحاول أن يصعد فوق التفصيلات البسيطة في عالم يخلو من الوسامة. هنا، حاولت كسر نمطية الحدث، وهو ما يشير إليه الكاتب والناقد سيد الوكيل في دراسة حول الرواية الأخيرة. ولعل التنقيب عن حالات أفراد السرية كان يتجه للقبض على عناصر الحياة، فثمة شغف بالتقاط حالات فردية، ولحظات صغيرة تخبو كوميض خاطف يأتي من تلك الجبهة.
إن روايتي الأولى قد نقبت عن معنى الاستشهاد وضراوة الواقع وتحولات الزمن، وهو ما ظهر بشكل أكثر تركيباً وتعقيداً في مجموعات قصصية أخرى، منها: «شمال.. يمين»، و«كيف يحارب الجندي بلا خوذة؟»، و«صندل أحمر».. كلها نصوص تدعو للانخراط في الحياة بحميمية وبهجة، ومحاولة تخطي مكائد المكان، وعثرات الزمن بكل تقلباته. ومنذ عملي الأول، تسلحت عبر مشواري الطويل مع السرد بثلاثة عناصر أساسية: الصدق الفني، والبساطة، وحيوية التقاط اللحظة. وبقيت أحاول اختراق القشرة الصلدة للأحداث لأصل إلى الجوهر، قد يبوح لي بالأشياء الخبيئة التي التفت في عباءة الحكي.

الروائي السيد حافظ:
تمرد العمل الأول

إن العمل الأدبي الأول الذي كتبته منذ نصف قرن عزيز عليّ مثل الطفل الأول الذي يأتي في حياة أسرة، أو الأب، لكن بعد ذلك ترى أن هذا العمل ينفلت منك مثل الابن الذي يكبر، فتتركه في الحياة يتمرد عليك وتتمرد عليه، إنه تمرد مزدوج خفي وشيق، ثم يأتي بعد ذلك عمل آخر (العمل الثاني) فيكون قد استفاد من أخطاء العمل الأول، وتتمرد عليه فيتقرب العمل الثالث بفكرة تراودك عن نفسها، فتنجذب إليها ولا تقاوم، وتكتشف أن طموحك لم يشبع بعد. ففي كل عمل جديد أنت تهواه ويدللك ويعذبك ويؤرقك وينهمر عليك بمطر اللغة الساحرة، وتحس أنك تدور في جاذبية الإبداع، في دائرة لا تنتهي مركزها العمل الأول، وآخرها قد يأتي قبل موتك بساعات أو بلحظة، لكن العمل الأخير دائماً هو الحب الأول لك مثل حب المرأة، فالحب الأخير هو الحب الأول. أعتقد أنى قد حققت في العمل الأول كل الشطحات الإنسانية، لكنها كانت أسئلة ناقصة تبحث عن جواب، وفى كل مرة أفتش عنه في العمل الذي يليه، فالعمل الأول دائماً يحمل بكارة السؤال، والعمل الأخير الذي أكتبه يحمل بكارة الدهشة الأولى لعالم آخر، واكتشافاً لأرض جديدة لم يطأها من قبل كاتب، حتى تأخذ أعمالك مستقرها في تاريخ الأدب ووجدان الناس في المستقبل. إن العمل الأول يظل ابن شرعياً قد تنساه وينساك، ويرحل بعيداً عن تجربتك، ويغيب عن ذاكرتك، ولكنه يحمل اسمك دائماً وأحلامك كمبدع، ويسرى في همسات الروح، روح الذاكرة الأدبية التي تخصك وحدك، وتخص الباحث الأكاديمي في أعمالك، وتخص مؤرخي الأدب والتاريخ الإنساني.



معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا. فتبرز خصوصيته في قطعٍ مشغولة بتأنٍ، تشبه بتركيبتها لوحاتٍ تشكيلية مطرّزة بزجاج المورانو وأحجار الـ«سواروفسكي» البلّورية، فتصنع لغةَ أناقةٍ راقية بابتكاراتها، تبدأ منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً حتى يومنا هذا.

بعض المجوهرات الطريفة التي تلوّن معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

يحطّ هذا المعرض رحاله في بيروت بعد جولات ناجحة في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يقدم رحلة ثقافية فريدة من نوعها، تجمع بين روعة التصميم الإيطالي وإبداعه في عالم المجوهرات عبر التاريخ الحديث. ويقام المعرض برعاية السفارة الإيطالية، بتنظيم من المعهد الثقافي الإيطالي ونادي اليخوت في بيروت.

ومع عرض نحو 200 قطعة مصنوعة يدوياً، يستعرض الزائر سبعين عاماً من المهارة الحرفية الإيطالية. وتشرف على تنسيق المعرض ألبا كابيلييري، أستاذة تصميم المجوهرات في معهد البوليتكنيكو في ميلانو، ومديرة متحف «فيتشنزا» للمجوهرات في إيطاليا.

صُمّم المشروع على شكل معرض متنقّل يزور السفارات والمعاهد الثقافية الإيطالية حول العالم. ويسلّط الضوء على أبرز نماذج هذه الحرفة اليدوية. وتأتي القطع من توقيع أبرز مصممي دور الأزياء الكبرى، الذين يختبرون مواد وتقنيات جديدة، ما يجعل المعرض تجربة تجمع بين الإبداع والتقنية والابتكار.

ويرى رئيس المعهد الثقافي الإيطالي في بيروت، الدكتور أنجلو جووي، أن العاصمة اللبنانية تشكّل محطة بالغة الأهمية لهذا الحدث، إذ يلتقي بإرثها الحرفي المتأثر بتبادل الثقافات. وبذلك، يصبح حضور المعرض في بيروت خاتمة رمزية لمسيرته، ما يمنحه سياقاً غنياً للاحتفاء بالإبداع والمهارة والتصميم.

أطواق مصنوعة من البلاستيك والجلد في أحد أركان معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

ويشير جووي إلى أن المعرض يقدّم تصاميم المجوهرات بعيداً عن قيمة المعادن والأحجار الكريمة. مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» «أنه ينقل تطور صناعة المجوهرات منذ الخمسينات حتى اليوم. ويعرّفنا على أناقة مختلفة برموزها وأبعادها. فمعظم التصاميم تواكب المرأة العملية. وهناك قسم خاص في أحد أركان المعرض يحمل عنوان (الألفية الجديدة). وتتضمن المجوهرات البديلة المعاصرة. وهي منفذة بأدوات تفاجئ مشاهدها، فترتكز على مواد بلاستيكية ومعدنية وأخرى تدخلها مادة الجلد».

المعرض يقوم برحلته الأخيرة في لبنان قبل أن يعود إلى موطنه الأم إيطاليا. «هناك سيتم إعادة هذه المجوهرات لأصحابها من دور أزياء». ويتابع أنجلو جووي: «إن منسقة المعرض ألبا كابيلييري رغبت في أن تلفت نظر هواة المجوهرات إلى أسلوب فني متقدّم، لا يرتكز على الماس والذهب والأحجار الكريمة والمعادن المشهورة، ولكن على حرفية متوارثة تقوم على أسماء عائلات اشتهرت في هذا المجال، فتم ارتداؤها من قبل الناس على اختلافهم، وفي عروض أزياء كبيرة. ففي هذه الأخيرة عادة ما يبتعد منظموها عن استخدام المعادن الثمينة».

تكمل جولتك في المعرض لتطالعك قطع مجوهرات برّاقة، أساور، وأقراط، وعقود وغيرها. ومن بينها موقّع من قبل دور الأزياء الإيطالية المعروفة عالمياً. فتحضر دار «فيرساتشي» كما «غوتشي» و«فالنتينو» وغيرها.

بدأت جولات هذا المعرض في العالم منذ نحو 5 سنوات. وتكمن أهميته في إبرازه تطور هذه الحرفة من خلال مجوهرات معاصرة. وتعدّ ثمينة بفضل إرثها التاريخي الغني.

مائتا قطعةِ مجوهرات تتوزّع على المعرض في نادي اليخوت وسط بيروت. وتمثّل المرآة الجمالية للمجتمع، من «دولتشي فيتا» في خمسينات القرن الماضي إلى أزياء الـ«بريت-آ-بورتيه» في ثمانيناته، وصولاً إلى البساطة في تسعيناته ضمن تكنولوجيا الموضة في الألفية الجديدة. وتُظهر تحوّل الأنماط والعادات، وطموحات النساء وإنجازاتهن، وتطوّر الأشكال والمواد، وتقنيات الإنتاج الجديدة. ويحتضن المعرض الأطواق المؤلّفة من طبقات عدّة، والأساور المنحوتة، وقطعاً مرحةً تترك البسمة عند ناظرها.

يتناول «ديفا» تاريخ حرفة صناعة المجوهرات الايطالية الحديثة (الشرق الأوسط)

وتحمل بعضها اللمحة الشرقية من خلال تقنية الـ«فيلي غرانا»، القائمة تصاميمُها على تجديلاتٍ دقيقة أو على تطعيم القطعة بالزجاج المنفوخ. وهو ما يجسّده تاجٌ ذهبي من توقيع «دولتشي أند غابانا» نلحظه في المعرض. ويذكر رئيس المعهد الثقافي الإيطالي جووي أن نقاط التشابه هذه ولّدت مساحة التقاء بين المعرض ومنطقة الشرق الأوسط.

وعن سبب تسمية الحدث بـ«الديفا» يشرح لـ«الشرق الأوسط»: «إنها إشارة إلى إمكانية أن تتحوّل كلّ امرأة إلى نجمة من خلال أسلوبها في انتقاء المجوهرات والأزياء. فليس من الضروري أن تشعر بذلك من خلال ارتداء الجواهر الثمينة فقط. فيحضر عندها الإحساس بهذا البريق ما دامت منسجمةً مع ما ترتديه، سواء أكان ثميناً أم بسيطاً».


المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
TT

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)
المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

أعلنت مجلة «فارايتي» الأميركية اختيار المخرجة المصرية سارة جوهر ضمن قائمة «أفضل 10 مخرجين واعدين»، وهي أبرز قائمة سنوية تُسلَّط فيها الأضواء على المواهب الإخراجية الجديدة. ويأتي هذا الاختيار في ظل النجاح الذي يحقّقه فيلمها الروائي الطويل الأول «عيد ميلاد سعيد»، الممثّل لمصر في منافسات الأوسكار.

وذكرت «فارايتي» أن المخرجين العشرة الواعدين سينضمون بذلك إلى أسماء لامعة سبق أن اختارتهم المجلة بوصفهم مواهب جديرة بالمتابعة، مثل كريستوفر نولان، وروبن أوستلوند، وويس أندرسون، وألفونسو كوارون، وستيف ماكوين، وبين زيتلين، وذلك قبل سنوات من حصولهم على ترشيحات لجائزة أفضل مخرج في جوائز «الأوسكار».

وضمّت القائمة كلاً من: أكينولا ديفز عن فيلم «ظلّ أبي»، وبث دي أراجو عن فيلم «جوزفين»، وجان-أولي جيرستر عن فيلم «آيسلندا»، وسارة جوهر عن فيلم «Happy Birthday»، وديف غرين عن فيلم «Coyote vs. Acme»، وشاندلر ليفاك عن فيلم «Mile End Kicks»، وهاري لايتون عن فيلم «Pillion»، وإن. بي. ماجر عن فيلم «Run Amok»، وكريستين ستيوارت عن فيلم «The Chronology of Water»، وولتر سيمبسون هيرنانديز عن فيلم «If I Go Will They Miss Me».

وأعربت سارة جوهر عن سعادتها الكبيرة بهذا الاختيار غير المتوقع، لتكون المخرجة العربية الوحيدة ضمن قائمة أفضل 10 مخرجين واعدين خلال العام الحالي. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «تفاجأت بهذا الاختيار المذهل، فقد كنت أدرك منذ دراستي للسينما في الولايات المتحدة أهمية هذه القائمة. بعض المخرجين الذين حصدوا جوائز (الأوسكار)، مثل روبن أوستلوند، كانوا ضمنها قبل سنوات. لذلك لا أزال غير مستوعبة تماماً هذا التكريم، وأنا ممتنّة وفخورة بما يحقّقه فيلمي الأول».

سارة جوهر هي رابع مخرجة عربية تُدرج في هذه القائمة، بعد 3 مخرجات سبقتها إليها، وهنّ السعودية هيفاء المنصور، واللبنانية نادين لبكي، والفلسطينية شيرين دعيبس.

وأضافت سارة، الموجودة حالياً في لوس أنجليس لمتابعة عروض «الأوسكار» الخاصة بفيلمها، أنها دعت أعضاء الأكاديمية لمشاهدته في سانتا باربارا ونيويورك وكاليفورنيا، معربةً عن سعادتها بردود فعلهم الإيجابية وتأثرهم أثناء مشاهدة الفيلم.

تدور أحداث الفيلم حول الطفلة «توحة»، التي تعمل خادمة في منزل أسرة ثرية وترتبط بصداقة مع ابنة صاحبة المنزل، حيث تسعى إلى إعداد حفل عيد ميلاد استثنائي لصديقتها، وهي تُخفي في داخلها أمنية بأن تختبر هي أيضاً الاحتفال بعيد ميلادها.

الفيلم من بطولة نيللي كريم، وشريف سلامة، والطفلة ضحى رمضان. وقد عُرض للمرة الأولى في مهرجان «تريبيكا السينمائي» في الولايات المتحدة، وحصد 3 جوائز: أفضل فيلم دولي، وأفضل سيناريو، وجائزة «نورا إيفرون» لأفضل مخرجة.

كتبت سارة جوهر قصة الفيلم بالاشتراك مع زوجها المخرج محمد دياب، في حين شارك في إنتاجه الممثل والمنتج الأميركي جيمي فوكس.

فريق عمل الفيلم في مهرجان تريبيكا (الشرق الأوسط)

وتقول سارة: «حين كنت أعمل على الفيلم لم أفكّر إلى أين سيصل، بل ركّزت على إيجاد أفضل طريقة للتعبير عن مشاعر أبطاله. كان كلّ تركيزي على الأداء وعناصر الفيلم ليترك أثراً قوياً في كل من يشاهده. فالفيلم الجيد، في رأيي، يكمن في قدرته على التأثير وإحداث التغيير لدى المتلقي. وقد أسعدني أن من شاهدوا الفيلم في (صندانس) أو (الجونة) أو في أميركا خرجوا بانطباعات تؤكد هذا التأثير».

ولفتت سارة إلى أن الأيام العشرة المتبقية قبل إعلان نتائج التصفية الأولية لمسابقة «أفضل فيلم دولي غير ناطق بالإنجليزية»، في 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تُعدّ الأكثر أهمية، إذ تشهد حضور معظم أعضاء الأكاديمية لعروض الأفلام المرشّحة. ولذلك تُكثّف جهودها في دعوتهم لمشاهدة الفيلم، الذي تُقام له في الوقت نفسه عروض في مدن أوروبية عدّة، من بينها باريس وبرشلونة وبرلين، لوجود أعضاء للأوسكار فيها. بيد أنها تشير إلى أن الجزء الأكبر من الحملة يجري في الولايات المتحدة، حيث تعقب العروض جلسات نقاش يطرح خلالها أعضاء الأكاديمية أسئلتهم على المخرجة حول الفيلم.

وتشير سارة إلى أن فيلم «عيد ميلاد سعيد» تم اختياره في مهرجان «بالم سبرينغز» ضمن قسم الأوسكار، لافتةً إلى أن أكثر من 90 في المائة من الأفلام التي تُرشَّح للجائزة تكون ضمن برمجة هذا المهرجان، وهو ما تعدّه إنجازاً كبيراً، رغم أن رحلة الفيلم لم تبدأ من المهرجانات الكبرى مثل «كان» و«برلين» و«فينيسيا»، بحسب تعبيرها.

وتشهد مسابقة أفضل فيلم دولي في النسخة الـ98 من جوائز «الأوسكار» منافسة قوية مع مشاركة 86 فيلماً، إضافة إلى حضور عربي لافت تسيطر عليه المخرجات بشكل ملحوظ. إذ تشارك 8 دول عربية هي: السعودية بفيلم «هجرة» لشهد أمين، وتونس بفيلم «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية، والمغرب بفيلم «شارع مالقة» لمريم توزاني، ولبنان بفيلم «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، وفلسطين بفيلم «فلسطين 36» لآن ماري جاسر، والعراق بفيلم «مملكة القصب» لحسن هادي، والأردن بفيلم «اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، إضافة إلى الفيلم المصري «عيد ميلاد سعيد» لسارة جوهر.


«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
TT

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

في «عيد الكاريكاتير المصري» الخامس، يحتفي فنانون من مصر والبلاد العربية وأوروبا بـ«المتحف المصري الكبير»، وبمرور مائة عام على ميلاد فنان الكاريكاتير أحمد طوغان، أحد رموز مدرسة الكاريكاتير المصرية.

المعرض الاستثنائي، الذي افتتحه الفنان محمد عبلة، الخميس، ويستمر حتى 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يضمُّ 150 لوحة، وتستضيفه قاعتا «نهضة مصر» و«إيزيس» في «مركز محمود مختار الثقافي» بالقاهرة، ضمن مبادرة «فرحانين بالمتحف الكبير ولسه متاحف مصر كتير» التي أطلقتها مصر بهدف تعزيز ارتباط المواطنين بتراثهم الثقافي والفني.

لوحة الفنان الأردني محمود الرفاعي (الشرق الأوسط)

وقال الفنان فوزي مرسي، قوميسير المعرض، إن الأعمال التي شاركت في الاحتفاء بمئوية طوغان اقتصرت على الفنانين المصريين، وجاءت بأساليب متعددة؛ فمنهم من رسمه وهو يحمل ريشته كسلاح لمواجهة الفساد ومشكلات المجتمع وعيوبه، مثل الفنان مصطفى الشيخ، في حين صوّره الفنان حسني عباس في لوحة معبّرة وهو يحمل ريشته كشعلة يضيء بها الظلام من حوله، في إشارة إلى ما قدّمه طوغان عبر مسيرته في فن الكاريكاتير. أما في لوحة لخضر حسن، فجاء تصويره لطوغان وهو يحمل قلماً تنطلق منه رصاصات ضد الفساد وأمراض المجتمع.

ويضيف مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «جاءت أبرز المشاركات العربية في (عيد الكاريكاتير) من الإمارات، من خلال عمل للفنانة آمنة الحمادي. ومن السعودية حيث شارك الفنان أمين الحبارة بلوحة رسم في قلبها هرماً كبيراً تتصدره راية مصر، وتظهر خلفه مجموعة من الأهرامات. ومن الأردن شارك الفنان محمود الرفاعي، وقد كرّمته جمعية الكاريكاتير وأهدته درعها تقديراً له. واحتفت لوحته بالمتحف المصري الكبير عبر رموز فرعونية وقبطية وإسلامية وفنية وثقافية، رآها عناصر أساسية في تشكيل الشخصية المصرية، وجعل الأهرامات وأبو الهول في قلبها بوصفهما العماد الذي تقوم عليه حضارة مصر».

طوغان يحمل شعلة مضيئة... لوحة الفنان حسني عباس (الشرق الأوسط)

لوحاتُ الفنانين الأجانب عبّرت عن سعادتهم بافتتاح المتحف، وقدّموا أعمالاً رسموها خصيصاً لـ«عيد الكاريكاتير». وجاءت بعض المشاركات من الصين وبولندا وإسبانيا، ومن أوروغواي التي شارك منها الفنان لويس هارو بلوحةٍ رسم في قلبها فارساً فرعونياً يرحّب بزيارة المتحف. كما ركّزت لوحات فناني أوكرانيا على إبراز عناصر مصرية خاصة، من بينها أبو الهول والأهرامات و«حورس» والكباش، فجاءت بمثابة رسالة سلام ترحِّب بافتتاح المتحف الكبير وتدعو إلى زيارته.

أمّا لوحات الفنانين المصريين التي شاركت في الاحتفال بالمتحف، فقد اتخذ بعضها منحًى اجتماعياً ساخراً، منها عملٌ للفنان سعيد أبو العينين صوَّر فيه زوجةً تهاتف والدتها مستنجدةً بها من زوجها وابنها، مشيرةً إلى أنهما بعد افتتاح المتحف «تفرعنا» عليها، في إشارة إلى استعراضهما القوة أمامها. وقد اتخذ الفنانان عمرو سليم ودعاء العدل المنحى الساخر نفسه في أعمالهما.

لوحة الفنان الأوكراني كازانيفسكي (الشرق الأوسط)

«تركّزت لوحات الرسامين الأجانب المشاركة على الصورة، بخلاف المصريين الذين كان لتعبيرهم بالكلمات دورٌ أساسي في تشكيل أعمالهم وتكويناتها»، وفق الفنان سمير عبد الغني، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «(عيد الكاريكاتير) في دورته الخامسة يتشكّل من موضوعين: الأول الاحتفال بافتتاح المتحف الكبير، والثاني مئوية ميلاد طوغان».

وأضاف عبد الغني: «في كل الدورات السابقة كانت المشاركة تقتصر على فناني مصر، لكن هذه السنة كانت متميّزة، خصوصاً بمناسبة افتتاح المتحف الكبير؛ لذا وجّهنا دعوات إلى فنانين من بلدان كثيرة للمشاركة. وتميّزت لوحاتهم بوعي بصري كبير اشتغلوا من خلاله على الصورة التي سيطرت على التكوين، بخلاف لوحات المصريين التي ينقسم تشكيلها بين الرسم والتعبير اللغوي. والفرق بيننا وبينهم، كما أرى، نابعٌ من أنهم يشتغلون على فكرة سبعة آلاف سنة حضارة، والمومياوات، والضوء الذي يخرج من قلب عالمنا الخاص الساحر الزاخر بالعظمة منذ آلاف السنين، ومن هنا جاءت رسوماتهم مختلفة، بخلاف أعمال المصريين التي اتسمت بالوضوح والمباشرة».

لوحة الفنان جورج رودريغيز من فنزويلا (الشرق الأوسط)

تعود الفروق بين مساهمات فناني مصر والمشاركات الأجنبية، حسب عبد الغني، إلى ما يمكن تسميته بـ«الوعي البصري» المرتبط بثقافة الفنانين الأجانب، التي تتغذّى على زيارة المتاحف وما تضمه من آثار وتحف مصرية قديمة، إضافة إلى الاهتمام المبكر بالصورة عبر التعليم في مراحله المختلفة. أمّا الفنانون المصريون، فيأتي تعبيرهم في رسوم الكاريكاتير متأثّراً بسيطرة التعبير اللغوي في كثير من فنوننا، منها الأغنية والنكتة. ولعل أعمال مصطفى حسين، وأحمد رجب، وصلاح جاهين، وحجازي، وبهجت عثمان، وغيرهم كثيرون، خير تمثيل لذلك.

ورحّبت وزارة الثقافة المصرية بالمعرض، مشيرةً في بيان إلى أن «عيد الكاريكاتير» يهدف إلى ترسيخ الشعور بالهوية المصرية، وإعادة تسليط الضوء على ما تمتلكه مصر من متاحف وقيمة حضارية فريدة، إضافةً إلى تشجيع المشاركة المجتمعية في الفعاليات الثقافية والفنية التي تنظمها المتاحف المصرية، وتعميق الوعي بدورها بوصفها جسوراً تربط المصريين بتاريخهم العريق، وتغرس الانتماء من خلال الاحتفاء بموروثهم الإنساني والحضاري.

وتعكس الأعمال المشاركة تنوّعاً بصرياً وفنياً لافتاً؛ إذ تجمع بين النقد المرح، والفلسفة الساخرة، والطرح الإنساني، بما يمنح الجمهور تجربةً غنية تُبرز قدرة الكاريكاتير على تناول القضايا الكبرى بلغة فنية جذابة وقريبة من الناس.