بوتين وماكرون يشكلان «آلية مشتركة» للتنسيق حول سوريا

الرئيس الروسي قال ان «التسوية قضية معقدة»

بوتين وماكرون خلال المؤتمر الصحافي أمس (أ.ب)
بوتين وماكرون خلال المؤتمر الصحافي أمس (أ.ب)
TT

بوتين وماكرون يشكلان «آلية مشتركة» للتنسيق حول سوريا

بوتين وماكرون خلال المؤتمر الصحافي أمس (أ.ب)
بوتين وماكرون خلال المؤتمر الصحافي أمس (أ.ب)

أسفرت القمة الروسية – الفرنسية في سان بطرسبورغ عن إطلاق حوار مباشر بين موسكو وباريس حول الشأن السوري، بعد فترة جمود في العلاقات شهدت انقطاع قنوات الاتصال في الملفات الإقليمية. وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد جلسة محادثات مطولة عقدها مع الرئيس فلاديمير بوتين، أن الطرفين اتفقا على إطلاق «آلية مشتركة» خلال الأسابيع المقبلة، تهدف لإيجاد «نقاط مشتركة لدفع تسوية شاملة في سوريا قابلة للحياة».
وقال ماكرون في مؤتمر صحافي مع بوتين بأن التوتر الذي تزايد أخيرا بين إيران وإسرائيل يبرز خطر تدهور الموقف إلى توتر شامل وواسع النطاق، لافتا إلى اتصالات تنوي باريس القيام بها مع الطرفين في هذا الشأن. وزاد أن التطورات تؤكد أهمية أن تسعى كل الأطراف الإقليمية المعنية بحل سياسي للأزمة السورية إلى إطلاق عمل مشترك مماثل للأطر الموجودة حاليا كإطار آستانة وغيرها.
وأضاف الرئيس الفرنسي أن المهم بالنسبة إلى كل الأطراف إنجاز مهمات مكافحة الإرهاب ودفع التسوية، وزاد أن بلاده كانت لديها مواقف واضحة تجاه سياسة رئيس النظام السوري بشار الأسد، و«بعد العام 2017 تغير التوجه السياسي لفرنسا ونريد أن نصل إلى حل سياسي شامل يسمح للشعب السوري بإنجاز دستور جديد وانتخاب حكومته على أساسه». وقال بأن «هذا هو الهدف وهذا ما يجب أن نسعى إليه جميعا، ولذلك قررنا مع الرئيس بوتين أن نشكل آلية مشتركة للتنسيق المتبادل»، موضحا أن «هذا الإطار ومع عملية آستانة سيكون لديه سعي واحد هو الحفاظ على سيادة ووحدة سوريا». وأكد أن الطرفين اتفقا على إطلاق العمل لتشكيل الآلية المشتركة «خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وسنسعى لوضع جدول أعمال سيكون متوازيا مع الجهود الراهنة لكنه مشترك».
وفي إشارة إلى أن الآلية التي يقترحها ماكرون تضم بلدانا إقليمية وقوى كبرى، قال بأن «الإطار الجديد سيعمل مع إطار آستانة لإيجاد نقاط مشتركة قابلة للحياة للوصول إلى الهدف النهائي»، وأكد أنه «يؤمن كثيرا بهذه المبادرة».
وتطرق إلى الملف الإنساني، مؤكدا أنه اتفق مع بوتين على إيجاد آليات مشتركة لدفع جهود تخفيف معاناة المدنيين، ولفت إلى قرار فرنسا تخصيص 50 مليون يورو لمختلف المناطق السورية من خلال منظمات غير حكومية. وقال بأن بوتين «يتفق معه في أن هذا الهدف يسمح لنا أن نكون مفيدين وأن يحصل السوريون على المساعدات الضرورية». وأشار إلى استمرار الخلافات حول الملف الكيماوي لكنه دعا موسكو إلى «تنسيق جهود مشتركة لإنشاء آلية لتحديد المسؤولين عن استخدام الكيماوي من هذا الطرف أو ذاك».
وتعد إشارة ماكرون إلى مبادرة تشكيل آلية مشتركة الثانية التي يطرحها الجانب الأوروبي على روسيا بعدما كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اقترحت على بوتين قبل أسبوع إنشاء مجموعة عمل مماثلة لـ«مجموعة مينسك» بهدف تذليل الخلافات بين الأطراف الدولية المؤثرة والسعي إلى التوصل على تفاهمات لإطلاق تسوية سياسية. وتوقع ماكرون تحقيق اختراق في التسوية السورية خلال الأشهر القادمة، مشيرا إلى أنها قد تكون حاسمة بالنسبة إلى التسوية.
في المقابل، ركز بوتين على ضرورة تشكيل اللجنة الدستورية السورية وإطلاق عملها، معتبرا ذلك أولوية أساسية للتحرك المقبل. وأشار إلى اتفاق روسي - فرنسي على ضرورة مواصلة الجهود للمساعدة في إيجاد تسوية سياسية بعيدة الأمد، وخاصة مع الأخذ بعين الاعتبار توصيات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي. وجدد التأكيد أن روسيا ستواصل العمل مع الحكومة السورية والمعارضة في إطار عملية أستانة، مشيرا إلى أن هذا الإطار للتفاوض قد أثبت نجاحا ويأتي بنتائج ملموسة.
لكن بوتين شدد في الوقت ذاته على أن مسألة التسوية في سوريا «قضية معقدة جدا». وأضاف: «من المستحيل إحلال سلام طويل الأمد من دون الاتفاق بين كافة الأطراف المتنازعة».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.