أجيال كثيرة عاشت طفولتها برفقة مجلات الأطفال، قرأت «ماجد» و«باسم» و«سمير» و«ميكي» ومجلات أخرى، تعثر بعضها وتوقف بعضها الآخر، في حين ما زالت قلة منها صامدة أمام «إعصار التقنية»، تقاوم المصير المؤلم وشبح الاندثار، مع عزوف الجيل الجديد من الأطفال عن اقتناء هذه المجلات، وانشغالهم بالأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة كمصدر للترفيه والمعلومة.
هذه المجلات التي لطالما خاطبت الطفل من خلال الطرائف والمسابقات والمعلومات الخفيفة والقصص البسيطة حول الحيوانات والطيور والأسماك والأزهار، وموضوعات الفضاء والرحالة وحياة البحار والصحراء، وعلاج مشاكل الطفل مع رفقاء المدرسة، أصبحت تقف وحيدة عاجزة عن جذب شريحة جديدة، بعد أن كبر الجيل الذي نشأ معها، وابتعد أطفال اليوم عنها.
وأكد فرج الظفيري، رئيس تحرير مجلة «باسم» سابقاً والكاتب في مجلة «ماجد» حالياً، أنّ مجلات الأطفال ليست وحدها المهددة. وتابع: «لعل بعض المتشائمين يتحدثون عن انحسار الكتاب الورقي، وكثير من كلامهم فيه مبالغات، وأبسط الأدلة عن ذلك معارض الكتب التي تشهد إقبالاً كبيراً، ومع وجود هذا التهديد فإنّ المجلات والصحف الورقية لها جمهورها».
وأضاف الظفيري لـ«الشرق الأوسط»، أنّ مجلات الأطفال وقعت فعلاً تحت هذا التهديد أو التأثير، وإن كان ذلك ليس راجعاً لكون المجلة ورقية، بل لعوامل أخرى تتعلق بضعف الاهتمام بالقراءة، سواء في المدرسة أو المنزل أو المجتمع، ومزاحمة القنوات الفضائية ومنصات الألعاب في وقت الطفل. ومثال بسيط على ذلك: أنّ زيارة المكتبة المدرسية تكاد تنعدم في المدارس إما لعدم وجودها أصلاً، أو لعدم الاهتمام بها وعدم توفر كتب مناسبة فيها، بينما كانت زيارة المكتبة نشاطاً أساسياً في مادتي القراءة أو التعبير في زمان مضى. كما لفت إلى أنّ بعض المجلات ما زالت تواصل صدورها منذ عشرات السنين، ومن أمثلة ذلك مجلة «سمير» بمصر التي تجاوزت 60 سنة، ومجلة «ماجد» في الإمارات التي ستحتفل بعامها الأربعين، مشيراً إلى أنّ مجلات توقفت عن الصدور، ولم يكن من أسباب توقفها قلة الكوادر اللازمة للتحرير والرسم والإخراج، أو ضعف الإبداع، بل أسباب مالية بحتة، مثل مجلة «باسم» ومجلة «فراس» اللتين توقفتا وهما في أوج إبداعهما.
وعن دور المؤسسات الإعلامية في ذلك، قال الظفيري: «المؤسسة التي تصدر مطبوعات عدة موجهة لفئات متنوعة من المجتمع، سيكون في آخر اهتماماتها مجلة موجهة الطفل، لأنّها لا تقدم دخلاً مادياً للمؤسسة، لضعف الإعلانات، بينما يكون في المؤسسة نفسها مجلة نسائية تواصل الصدور وتحقق دخلاً إعلانياً عالياً مع أن اهتمامات النساء بالتقنية الحديثة أعلى من اهتمامهن بالمجلة الورقية، إذن الفرق هو الجانب المادي، ولا علاقة للاهتمام بالتقنية».
وتطرق إلى أن انصراف الطفل للأجهزة اللوحية يطغى على اهتماماته، بل حتى قنوات الأطفال تعاني من انخفاض نسبة المشاهدة، عمّا كانت عليه قبل سنوات. وهذه الأجهزة تجعل تفاعل الطفل سلبياً، فهو يتابع المقاطع من دون جهد يذكر، أو يمارس لعبة تستنزف طاقته الجسدية وقدراته الذهنية بلا فائدة، وكل ما يجنيه منها هو الصراخ، والانفعالات غير السوية.
وشدّد على أنّ صحافة الطفل تحتاج إلى دعم مادي، مثل ما هو الحال في بعض الدول التي تُصدر مجلات أطفال، من واقع الإحساس بالمسؤولية. ومحتوى المجلة يجب أن يكون إبداعياً مواكباً لتطلعات الطفل، ومساعداً له على تنمية مواهبه ومهاراته، ومحفزاً ومشوقاً له على المتابعة والتعلق بالمجلة.
وأشار الظفيري إلى أنّ ذلك لا يمنع من استفادة مجلة الطفل من التقنية الحديثة، وأن يكون لها موقع إلكتروني أو تطبيق أو حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي لتعزيز علاقتها بقرائها والتواصل الفعال معهم، والربط بين المجلة الورقية والفضاء الرقمي، بما يحقق الفائدة للجميع، وأولهم الطفل الذي تقدم له المجلة الفوائد التربوية والتثقيفية والترفيهية، لأنّها ستكون ملزمة بالانضباط فيما تقدمه المواقع والمنصات التي تقدم أي شيء بلا ضوابط ولا قيود.
إلى ذلك، يرى خالد السبهان، المشرف على مجلة «أنس» المخصصة للأطفال، أنّ مجلات الأطفال التي لا تزال صامدة اتجهت معظمها للمواقع الإلكترونية تناغماً مع متطلبات العصر. وتابع: «مجلات الأطفال اليوم بين ورقي وإلكتروني، وكثير من المجلات الورقية انقطع وتوقف، ونحن في مجلة (أنس) نعمل حالياً على تحويلها إلى إلكترونية بما يناسب طبيعة المرحلة، وانتشار الأجهزة اللوحية بين الأطفال».
وعمّا إذا كانت مجلات الأطفال الورقية ستنقرض، أكد السبهان لـ«الشرق الأوسط» أن المجلات الورقية ستستمر لكن ربما بشكل آخر، فالطفل بحاجة إلى الكتابة والقراءة بشكل مباشر، ومن الصعب أن نعلمه الكتابة والقراءة من دون أن يكون أمامه ورق وقلم، خصوصاً بالنسبة للمراحل العمرية المبكرة، وهذا ما يزيد الحاجة لاستمرار مجلات الأطفال الورقية. كما لفت إلى وجود شباب لديهم القدرة على كتابة قصص الأطفال، لكن هم بحاجة للممارسة لتطوير أدواتهم.
«التقنية» تطيح بمجلات الأطفال واحدة تلو أخرى
https://aawsat.com/home/article/1054426/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%86%D9%8A%D8%A9%C2%BB-%D8%AA%D8%B7%D9%8A%D8%AD-%D8%A8%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D9%84%D9%88-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89
«التقنية» تطيح بمجلات الأطفال واحدة تلو أخرى
- الدمام: إيمان الخطاف
- الدمام: إيمان الخطاف
«التقنية» تطيح بمجلات الأطفال واحدة تلو أخرى
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة