النوم... «غسّالة» سرّية تُخلّص دماغك من السموم

اكتشاف علمي يوضح كيف يطرد المخّ فضلاته خلال الراحة

العقل يتطهَّر ليلاً (غيتي)
العقل يتطهَّر ليلاً (غيتي)
TT

النوم... «غسّالة» سرّية تُخلّص دماغك من السموم

العقل يتطهَّر ليلاً (غيتي)
العقل يتطهَّر ليلاً (غيتي)

لعقود، ظلَّ العلماء يفكرون في مشكلة أساسية، وهي كيف يتخلَّص مخّ الإنسان من النفايات التي يُفرزها في أثناء العمل والتفكير طوال اليوم، والتي تتضمَّن بروتينات وجزيئات زائدة قد تتحوّل إلى مواد سامّة في حال عدم التخلُّص منها، ومن بينها بروتينات الأميلويد بيتا وتاو التي تُعدّ من المسبّبات الأساسية لمرض ألزهايمر. وبالنسبة إلى باقي أعضاء الجسم، يتخلّص الجهاز الليمفاوي من هذه الفضلات، فتنتقل السوائل الزائدة إلى الطحال والعقد الليمفاوية وأجزاء أخرى من الجهاز الليمفاوي قبل أن تمرّ إلى مجرى الدم ليجري التخلّص منها. لكن هذه العملية الحيوية لا يمكن أن تجرى بالطريقة نفسها داخل المخّ بسبب ما يُعرف باسم الحاجز الفاصل بين المخّ والدم، وهو غلاف واقٍ يمنع انتقال العدوى إلى الخلايا العصبية داخل المخّ، لكنه بالمثل يمنع أيضاً انتقال أي شيء خارجه.

في هذا السياق، ذكرت «وكالة الأنباء الألمانية» أنه في عام 2012، توصَّل فريق بحثي بجامعة روشستر الأميركية برئاسة اختصاصية طب الأعصاب مايكن نيدرغارد إلى وجود نظام دوري لم يكن معروفاً من قبل لطرد الفضلات السامّة من المخّ. وتبيَّن من خلال بحوث على فئران التجارب تدفّق السائل النخاعي داخل أنفاق حول الأوعية الدموية في المخّ، إذ تمرّ هذه القنوات على نوع من خلايا المخّ تُعرف بالخلايا النجمية وتختلط بما يُعرف باسم «السوائل الخلالية»، إذ تجمع الفضلات وتحمّلها خارج المخّ عبر المساحات المحيطة بالأوعية الدموية. وعام 2013، نشرت نيدرغارد دراسة مهمّة مفادها أنّ عملية «التنظيف المنزلي» تنشط خلال الليل. وتقول الباحثة في تصريحات للموقع الإلكتروني «ساينتفيك أميركان» المتخصّص في البحوث العلمية: «خلال الاستيقاظ، تتوقف عملية التنظيف، ويرجع السبب في ذلك على الأرجح إلى أنّ دقة عمل الأنظمة العصبية اللازمة لمعالجة مؤثرات العالم الخارجي لا تتوافق مع عملية الاغتسال».

وتؤكد هذه النتائج أنّ عملية اغتسال المخّ التي اكتُشفت حديثاً هي واحدة من أهم فوائد النوم. وتوضح: «عندما تستيقظ وأنت تشعر بالنشاط بعد مدّة من النوم الهادئ، فإنّ ذلك يعود، على الأرجح، إلى أنّ المخّ تعرّض لعملية إعادة ضبط شبيهة بما يحدث في حالة صيانة السيارة».

لكن تلك الدراسات السابقة أُجريت على الفئران، التي تتّسم أدمغتها بأنها أصغر وأقلّ تعقيداً من عقول البشر، كما أنّ مدّة نومها عادة متقطّعة وليست متصلة مثل الإنسان، وبالتالي كان كثير من العلماء يرفضون نظرية اغتسال العقل البشري خلال النوم. ويقول اختصاصي علم المناعة العصبية في كلية طب جامعة واشنطن الأميركية، جوناثان كيبنيس: «قبل 10 سنوات، كان الحديث عن تدفّق السوائل داخل المخّ يبدو مثل الهرطقة». وقد أمضى الباحثون السنوات الـ10 الماضية في دراسة ما إذا كانت عملية اغتسال المخّ تحدُث لدى الإنسان على غرار ما يحدُث لدى الفئران، وقد توصّلت البحوث إلى إثبات صحة هذه النظرية، بل وإنّ الموجات الكهربائية التي تتحرّك داخل المخّ خلال النوم تدفع السائل النخاعي داخله وخارجه.

ومن جانبه، يؤكد أستاذ طب النفس والأعصاب بجامعة واشنطن، جيفري إيليف، أهمية ما يُعرف باسم النظام «الغليمفاوي» الذي يقصد به آلية تنظيف المخ وإزالة الفضلات التي تجري أثناء نوم الإنسان. ويقول لموقع «ساينتفيك أميركان» إنّ تعطّل هذه المنظومة يؤدّي على الأرجح إلى الإصابة باضطرابات عصبية ونفسية، من بينها مرض ألزهايمر؛ ويرى أنّ تعطل النظام الغليمفاوي قد يفسّر سبب اختزان المخّ لبروتينات الأميلويد وتاو في مرحلة الشيخوخة.

وذكر إيليف أنّ المتخصّصين في مجال النوم ظلّوا لسنوات يركزون على أهمية النوم في عملية اختزان الذكريات، كما أنّ الأطباء الذين درسوا المساحات المحيطة بالأوعية الدموية لم يتبينوا الغرض منها بشكل واضح، بل واستبعدوا إلى حدّ كبير إمكان أن تكون هذه المساحات في حقيقتها قنوات لمرور السوائل، مضيفاً أنهم «لم يدركوا مدى ديناميكية هذه القنوات». ويقول الباحثون إنّ الجسم البشري ينتج ما بين 3 إلى 4 أمثال مخزونه من السوائل النخاعية كل يوم ثم يتخلّص منها. وقد أدركت بعض الدراسات المبكرة ارتباط تدفّق هذه السوائل بنبضات القلب، ولكن لم يتّضح خلال الدراسات السابقة التغيّر الذي يطرأ على تدفّق هذه السوائل خلال النوم.

وخلال التجربة التي أجرتها الباحثة نيدرغارد لقياس معدّلات التخلّص من بروتينات الأميلويد في أثناء استيقاظ الفئران ونومها وتخديرها، حقن الباحثون متتبعات فلورية داخل أدمغة الفئران لمتابعة تدفّق السوائل النخاعية داخل المساحات حول الأوعية الدموية. وتبيَّن لهم أنّ تدفّق تلك السوائل يتراجع بنسبة 95 في المائة في أثناء الاستيقاظ، مقارنة بما يحدث خلال النوم، وأن حجم هذه القنوات بين الأوعية يتّسع بنسبة 60 في المائة عندما تكون الفئران نائمة أو في حالة تخدير، وهو ما يؤكد أنّ الجسم يتعرّض لتغيّرات فسيولوجية خلال الغياب عن الوعي تزيد من قدرة المخّ على التخلُّص من فضلاته.

وفي دراسة مماثلة على البشر أُجريت عام 2021، حقن جراح الأعصاب بيير كريستيان إيدي من مستشفى جامعة أوسلو النرويجية متتبعات فلورية لمتابعة تدفّق السوائل النخاعية لدى مجموعة من المرضى المتطوّعين، مع تقسيمهم إلى مجموعتين، إذ سُمح لأفراد المجموعة الأولى بالنوم بشكل طبيعي طوال الليل، بينما أُبقي أفراد المجموعة الثانية مستيقظين خلال المدّة نفسها. وأُجري تصوير بالرنين المغناطيسي لأفراد المجموعتين مرّتين خلال الليل ثم في اليوم التالي.

وتبيَّن خلال التجربة أنّ حركة المتتبعات الفلورية التي ترصد تدفُّق السائل النخاعي كانت بطيئة بشكل كبير لدى المتطوّعين الذين لم يُسمح لهم بالنوم، وظهر أيضاً أنه حتى بعد السماح لهم بالنوم في الليلة التالية، ظلَّ معدل تدفُّق السائل النخاعي لديهم بطيئاً مقارنة بأفراد المجموعة الأخرى، مما يدل على أنّ آثار الحرمان من النوم لا يمكن تعويضها بسهولة بمجرّد نوم ليلة واحدة. وأكد إيدي أنه «رغم اختلاف آلية عمل النظام الغليمفاوي بين البشر والفئران بشكل عام، إذ تحدُث التغيّرات في العقل البشري خلال ساعات وليس دقائق كما في الفئران، فمن المؤكد أن العقل البشري أيضاً يغتسل في أثناء النوم، وأن نقص النوم يؤثّر بالفعل سلبياً على آلية عمل هذه المنظومة».


مقالات ذات صلة

7 عادات يومية بسيطة لتحسين المزاج

صحتك طهي وجبة مألوفة يمكن أن يساعد على تحسين المزاج (مجلة ريل سيمبل)

7 عادات يومية بسيطة لتحسين المزاج

عادات يومية بسيطة مثل ترتيب السرير وتناول وجبات منتظمة واستنشاق روائح لطيفة يمكن أن تحسن المزاج وتعزز الطاقة الإيجابية طوال اليوم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك شخص يُجري فحصاً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كولومبيا البريطانية)

14 طريقة لخفض سكر الدم دون أدوية

يُعد خفض سكر الدم والحفاظ عليه ضمن المستويات الطبيعية أمراً بالغ الأهمية للصحة العامة إذ يسهم في تحسين الطاقة والمزاج والقدرة على التركيز 

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الشراكات الاستراتيجية تدعم توجهات السعودية في تنويع الاقتصاد (الشرق الأوسط)

دراسة: الشراكات الاستراتيجية للسعودية بوابة للنمو وتنويع الاقتصاد وتجاوز التحديات

دعت دراسة اقتصادية إلى ضرورة تعزيز الشراكات السعودية الاستراتيجية بما يتوافق مع مستهدفات «رؤية المملكة 2030»، عبر تبنّي اتفاقيات نوعية.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
صحتك الوجبات الغنية بالدهون غير الصحية تضر بخلايا الكبد (جامعة هارفارد)

كيف تؤثر الدهون على نمو خلايا الكبد السرطانية؟

أظهرت دراسة حديثة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة أن النظام الغذائي الغني بالدهون يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك تغيرات الشهية في الشتاء تتأثر بشكلٍ أكبر بانخفاض ساعات النهار والتعرض لأشعة الشمس (بيكساباي)

لماذا يزيد الطقس البارد من شعورك بالجوع؟ وما الحل؟

خلال أشهر الشتاء الباردة، يشعر الكثيرون بجوعٍ أكبر من المعتاد، ويقول الخبراء إن الأسباب الحقيقية تكمن في قصر النهار، واضطراب الساعة البيولوجية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».