في عالم موسيقى البوب الكورية المعروفة بالـ«K-pop»، لا يمكن الحديث عن معجبين. ستقلّل هذه الكلمة من حجم ما يكنّه عشّاق هذا الفن لنجومه أو الـidols كما يسمّونهم. الـ«K-pop» حالة خاصة، فإمّا أن يصيبك الهوَس به والإدمان عليه، أو أن تبقى على ضفّة غير المعنيين به. لا حلول وسطى هنا.
عندما خرج «بساي» (Psy) على الملأ في عام 2012 مع أغنية Gangnam Style، أحدَث موجة غير مسبوقة من التفاعل محققاً مئات ملايين المشاهدات. كانت اللحظة مؤاتية مع فورة منصات البث الرقمي وصفحات التواصل الاجتماعي. الكل حول العالم رقص على الأغنية وردّدها في سرّه أو بعلو الصوت، على الرغم من عدم فهم أيٍ من كلماتها.
ربما فتحت «غانغنام ستايل» العيون على الموسيقى الكورية، لكنّ كل ما لحقها كان مختلفاً وتفوّق عليها أرقاماً واستمراريّةً.
كصاروخٍ انطلقت فِرَق الـ«K-pop» من بلد المنشأ، كوريا الجنوبيّة، مجتاحةً الكرة الأرضيّة بسرعة فائقة. في العالم العربي حلّ هذا الفن الحديث ضيفاً استثنائياً؛ تبنّاه الملايين من المراهقين والشباب، لا سيّما في المملكة العربية السعودية ومصر، حيث يتصدّر البوب الكوري حالياً الاستماعات لدى الجيل الجديد. مع العلم أنّ أكثر من 90 في المائة من مُشاهَدات كليبات الـ«K-pop» على «يوتيوب» آتية من خارج كوريا الجنوبية.
أبرز أسباب العشق العربي للـ«K-pop»
- الصورة الجذّابة والرقص:
يكفي أن تشاهد أحد فيديو كليبات فريق BTS وهو أشهر فِرَق الـ«K-pop» على الإطلاق، حتى يلفتَك السخاء الإنتاجيّ. كل فيديو عبارة عن فيلم هوليودي مصغّر لناحية المؤثّرات الخاصة والألوان. يعمد صنّاع البوب الكوري إلى تقديم صورة نظيفة وطافحة بالألوان الجريئة في آنٍ معاً، ليكون اللون أحد أهمّ مكوّنات خلطة الـ«K-pop» السحريّة إلى جانب الرقص. فعلى كل نجم أن يكون راقصاً محترفاً، يمضي ساعاتٍ في التمرين يومياً، وإلا رسب في امتحان الصعود على الخشبة والغناء أمام الملايين. ومن المعروف أنّ مغنّي الـ«K-pop» يدخلون إلى أكاديميات تُخضعهم لدروس وتدريبات وأنظمة غذائية قاسية، قبل أن يخرجوا منها مشاريعَ نجوم.
https://www.youtube.com/watch?v=pBuZEGYXA6E
- أناقة المغنّين:
لا يقتصر الأمر على أزياء عصريّة وجميلة، فنجوم الـ«K-pop» مؤثّرون في عالم الموضة وباتوا يرسمون خطوطها العريضة من خلال إطلالاتهم الجريئة، التي لا تخلو من بعض الغرابة أحياناً. وقد ازدادت مؤخراً المتاجر التي تبيع ألبسةً مستوحاة من «لوكات» النجوم إناثاً وذكوراً.
لا يكتفي عشّاق الـ«K-pop» بتقليد نجومهم في الملبَس فحسب، فبعضهم يسعى وراء جراحات تجميلية تستنسخ وجوه هؤلاء النجوم. ليس مستغرباً أن تزور مراهقة طبيب التجميل وتطلب منه أنف «جيسو» من فريق «بلاك بينك» أو عينَي «ايرين» من «ريد فيلفت»!
- كلامٌ غريب ونغمةٌ تعلق في الأذهان:
هو لحنٌ خاطف، يلتصق بالذاكرة ولا يفارقها إلا بصعوبة. إنه مكوّنٌ آخر في خلطة الـ«K-pop» السحرية. لا يفهم المستمع معاني كلمات الأغنية الكورية، لكنه يجد نفسه مردّداً اللازمة. ولعلّ غرابة الكلام تشكّل عنصراً جاذباً إضافياً بالنسبة للشباب العربي.
إلا أنّ محبّي الـ«K-pop»، المتطرّفين في حبّهم هذا، أظهروا مثابرةً غير مسبوقة في فكّ الألغاز والأحجيات. منهم مَن تَعلّم الكوريّة وأخذ على عاتقه مهمّة ترجمة الأغاني إلى العربيّة! وإذا صادفتَ في شارعٍ عربيٍ ما، مجموعة من الشابات والشبّان الذين يتحدّثون بالكوريّة فلا تستغرب، واعلم أنهم من مُناصِري الـ«K-pop».
https://www.youtube.com/watch?v=PSeX4oq9tlU
تركّز أغاني البوب الكوري على موضوعات الحب، والصداقة، والصحة النفسية، إضافةً إلى حب الذات ومشاكل الشباب... وهذا سببٌ إضافيّ لتعلّق المراهقين بها.
- إحياءٌ لصورة فِرَق التسعينات
ليس حب الموسيقى الكورية حكراً على مَن هم دون العشرين. فرضوان، الشاب الثلاثيني، انجذب مؤخراً إلى الـ«K-pop». يخبر «الشرق الأوسط» أنّ فِرَقاً مثل BTS وBLACKPINK وStray Kids وRed Velvet تذكّره بالحقبة الذهبية لـBackstreet Boys وNSYNC وSpice Girls. يقول: «إنتاجاتهم ضخمة، كليباتهم مميّزة، أشكالهم جميلة وهناك جُمَل لافتة في أغانيهم. يذكّرونني أيضاً بالـanime أو الرسوم المتحرّكة اليابانيّة».
أساليب تسويقية ذكيّة وأرقام خياليّة
ما كادت تمرّ 24 ساعة على صدور فيديو كليب «Butter» لفريق BTS، حتى كان قد حصد 108 ملايين مشاهدة على «يوتيوب»! من الصعب جداً تحطيم أرقام الـ«K-pop»، أكان على منصات البث الموسيقي أو على وسائل التواصل الاجتماعي.
تقف خلف تلك الملايين والمليارات آلة تسويقية ضخمة تعتمد بشكل كبير على منتديات المعجبين المنتشرين حول العالم. تحوّل هؤلاء مع مرور الوقت إلى جيوش إلكترونية منظّمة، تتجنّد للتسويق بكثافة لأي أغنية أو ألبوم أو حفل جديد. يتميزون بحضور لافت على منصة «تويتر»، وهم لا يهدأون قبل أن تحطّم مشاهَدات كليبات فِرَقهم المفضّلة أرقاماً قياسيّة. نتحدّث هنا عمّا يفوق المليار مشاهدة، كما الحال مع أحد فيديوهات «بلاك بينك» الذي شوهِد أكثر من مليار و870 مليون مرة على «يوتيوب».
فريق بلاك بينك (رويترز)
دفعت هذه الظاهرة الموسيقيّة الفريدة بعددٍ كبير من النجوم العالميين إلى التعاون مع فرق الـ«K-pop» وتقديم أعمال مشتركة. لم يتردد فريق «كولدبلاي» مثلاً في تسجيل أغنية إلى جانب BTS، وهكذا فعلت «هالسي». «لايدي غاغا» بدورها انجذبت إلى السحر الكوري فقدّمت أغنية مع فريق «بلاك بينك».
BTS Army، أكثر من مجرّد نادي معجبين
يوم حطّ فريق «BTS» على خشبة المسرح في استاد الملك فهد الدولي في الرياض منذ ثلاث سنوات، كانت قائدة فريق «سعودي آرمي» ممثل القاعدة الجماهيرية لـBTS في السعودية، تعيش أجمل لحظات حياتها على الإطلاق. تخبر «الشرق الأوسط» أنها «كانت تجربة رائعة لا تُنسى، أشبَه بالحلم... كأنّ حب الكون وطاقته اجتمعت في ذلك المكان وفي تلك اللحظة».
توضح أنّ BTS Army ليست جيشاً إلكترونياً، على خلاف الاعتقاد السائد. «فريق BTS هو الذي أطلق على محبّيه تسميةA.R.M.Y) Adorable Representative M.C. for Youth) أي مقدّمو الشباب الرائعون» وهم منتشرون حول العالم. أما الهدف الرئيس لـBTS Army في السعودية، فهو نشر المعلومات الصحيحة عن الفريق، إضافة إلى دعم الأغاني والمشاريع والفعاليات الخاصة بهم في السعودية وخارجها.
قائدة فريق «BTS Saudi Army» البالغة من العمر 25 عاماً والعاملة في مجال تصميم الغرافيك، بدأت تهتم بـBTS منذ خمسة أعوام وهي لا ترى أن حب الفريق يتوقف عند عمر معيّن، «فثمّة معجبون ملتزمون ويحضرون الحفلات، مع أنهم تجاوزوا سن الأربعين». تتحدّث بشغف عن الفريق الكوري: «BTS تخطّوا حدود الـK - pop»، حطّموا أطُرَه ونقلوه إلى العالم أجمع، من خلال المفاهيم المهمة والقصص المؤثرة التي يتطرّقون إليها في أغانيهم. أعشق أسلوبهم في التواصل مع جماهيرهم... هم سبعة أعضاء لكنهم عائلة واحدة فعلاً».
https://www.youtube.com/watch?v=a686-7YL8i4
لدى سؤالها عن عائق اللغة، تردّد ما يقوله قائد الفريق «نامجون»: «الموسيقى دوماً تتجاوز اللغة». وتردف أنّ الترجمة العربية للأغاني تصدر بشكل فوري بفضل جهود مَن يتفرّغون للمهمّة. وقد ردّ أعضاء فريق BTS التحيّة بالعربية في حفل الرياض، فتوجّهوا إلى عشّاقهم بعبارات مثل «هلا والله»، و«شكراً»، و«أحبكم»، و«غنوا معنا».