مصوِّر لبناني «يضيء الظلام» في السويد

محمد أسعد ينال جائزة نظّمها متحف نوبل منافِساً 400 صورة

الفوز بالجائزة يُخبر قصة الإصرار على النجاح (حساب محمد أسعد الشخصي)
الفوز بالجائزة يُخبر قصة الإصرار على النجاح (حساب محمد أسعد الشخصي)
TT

مصوِّر لبناني «يضيء الظلام» في السويد

الفوز بالجائزة يُخبر قصة الإصرار على النجاح (حساب محمد أسعد الشخصي)
الفوز بالجائزة يُخبر قصة الإصرار على النجاح (حساب محمد أسعد الشخصي)

القصة بدأت قبل 3 سنوات، حين نظَّم متحف نوبل التاريخي مهرجان «أسبوع أضواء نوبل» بالتزامن مع توزيع الجوائز المرموقة في الطب، والفيزياء، والكيمياء، والآداب، والسلام. اطّلاع المصوّر اللبناني الشاب محمد أسعد على الحياة الثقافية في المجتمع السويدي حيث يقيم، وتصويره معظم نشاطاته، جعلاه يصنع الحدث. يشارك «الشرق الأوسط» مشوار الفوز في مسابقة التصوير الفوتوغرافي لمهرجان «أسبوع أضواء نوبل» بين أكثر من 400 صورة.

في عام 2022، أعدَّ تقريراً بعنوان «الضوء يجلب لنا أخبار الكون» خلال المهرجان. محمد أسعد صحافي أيضاً، تناول تقريره كيفية تأثُّر الحياة على الأرض بالضوء الآتي من بُعد مئات ملايين الكيلومترات.

حلَّ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليسجّل على جدول مواعيده متابعة حدث توزيع جوائز نوبل. وخلال تصفّحه الموقع الإلكتروني للمتحف، قرأ عن مسابقة التصوير الفوتوغرافي، فدوّن الوقت والأماكن التي ستُضاء. يقول: «زرتُ 17 مكاناً أُعلن عنها، ولكل منها قصة عن عالم الإضاءة، مستوحاة من جوائز نالها العلماء سابقاً. اطلّعتُ على الأعمال الفوتوغرافية المُختارة سابقاً، ولاحظتُ أنّ لجنة متحف نوبل تختار صوراً تعكس الإبداع والاختلاف واللامألوف».

قدّم الصورة قبل انتهاء مهلة المشاركة بساعتين، وبعد أيام وصلته الرسالة الأولى: «تم اختياري واحداً من المتأهّلين للتصفيات النهائية في مسابقة التصوير الفوتوغرافي لمهرجان (أسبوع أضواء نوبل)». طلبوا إرسال الصورة الأصلية عبر البريد، لتُطرَح الصور المتأهّلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الجمهور اختار صورته.

صورة محمد أسعد الفائزة عنوانها «أَضِيء الظلام» (حسابه الشخصي)

بدأ محمد أسعد التصوير في سنّ السابعة: «التقطتُ الصورة الأولى مستعملاً كاميرا والدي. التصوير مهنة العظماء. رؤية المصوِّر للأمور تختلف عن العامة. يرى الأشياء برمّتها ومن منظورها الأشمل. ينظر إلى التفاصيل ويغوص في عمقها. يحضُر في الساحات، يحمل كاميرته ملاحقاً الضوء، راسماً منه صوراً للتاريخ والذكرى».

اسم صورته الفائزة «أَضِيء الظلام». يحاكي الأسود في عمقها الغموض والمجهول، بينما الأزرق والبنفسجي على جانبها يختزلان الأمل والتفاؤل، والصفاء، والبصيرة أو الوعي، حين يبلغ الفرد المعرفة والإدراك. أما الانعكاس ما بين سقفها وأرضيتها، وتكرار أعمدة الجسر على الأطراف، فدليل على الاعتدال والتوازن. يتابع: «اخترتُ موضوعاً أثار فضولي، هو عمل ضوئي يصوّر ما يحدث داخل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالعلماء عندما يتعاملون مع بيانات معقّدة. ألهمني العالِم فيرنر هايزنبرغ صاحب نوبل الفيزياء الإبحار في تفاصيله».

وقف أمام المشهد للمرة الأولى، وتأمّل تفاصيله وألوانه. لمرات، زار المكان، ونظر إلى كيفية تأمُّل الناس العتمة، وكيف يبتسمون عندما يحضُر الضوء، ثم يفرحون عندما يطغى على الظلام الدامس. سمع وشوشاتهم عن التفاؤل: «هنا لمعت فكرة العنوان (أَضِيء الظلام). تمثّلت المهمّة الأصعب بكيفية صناعة مشهد مضيء ومتحرّك في صورة فوتوغرافية إبداعية، تحمل رسالة تخوّلها الفوز».

الطموح اللبناني يُزهر في السويد (حساب محمد أسعد الشخصي)

في السويد مثل شعبي يقول: «ليس هناك طقس سيئ، بل ملابس سيئة». لا يرى الشاب اللبناني السويد باردة رغم قربها الجغرافي من القطب الشمالي. يقول: «التقطتُ صورة (أَضِيء الظلام) بدرجة حرارة 12 تحت الصفر، وفي أرشيفي صور مذهلة لجمال الشتاء والثلج الأبيض. المصوّر في داخلي يتماهى مع فصول السويد، ولديه فصله الخامس الذي يجمع به كل فصول السنة. في الصيف، لا أقف أمام الشمس المنخفضة، فقد تقتل الظلّ، مانح المعنى والروح للمشهد. فصلي الخامس هو الذي أخرج به كل مرة إلى مدينة أستوكهولم وأراها بعين جديدة، بلا قلق من قصر وقت النهار في الشتاء. التصوير الليلي الذي يهزم كثيرين، أشعل نار معرفتي في فن التصوير الفوتوغرافي، باحثاً عن خيوط الضوء في اكتشاف شوارعها ومعالمها الأثرية وهندستها المعمارية. أستمتع بكل لحظة، ناسياً الزمان وحالة الطقس. دفء الفن في قلوبنا لا يُبقي متسعاً للصقيع».

وماذا عن الطموح والأحلام والوطن والحياة؟ جوابه: «الطموح سعيٌ إلى النجاح عبر المثابرة، والشغف، والصبر، وتكوين المعرفة والعمل الدؤوب. الصورة وليدة ثقافة المصوّر، وقراءته ومعرفته بالتقنيات وإحساسه. هي مزيجٌ ما بين العقل والعاطفة، الأداة والإبداع، الكاميرا والعين، وبين الحلم والواقع. اليوم أشعر بمسؤولية عظيمة بعد الفوز بالجائزة، وأصبح طموحي خوض تجارب عالمية مثيلة. الاستمرارية معيار النجاح. هو ليس ضرباً من ضروب الحظّ؛ يأتي مرة ويذهب أدراج الريح. هنا أُعرِّف الحياة؛ فالنجاح يعطيها معنى ورونقاً. أما الوطن فأحمله معي في كل رحلة وإنجاز. بعد فوزي في بطولة قطر لمناظرات الجامعات الدولية، سُئلت عن موطني، وأجبتُ: لبنان. السؤال نفسه طُرح عليَّ في الولايات المتحدة عندما نلت شهادة تقدير من وزارة الدولة لشؤون التعليمية والثقافية عن برنامج إعداد القادة. وأجبتُ: لبنان. واليوم، بعد فوزي بجائزة مهرجان أضواء نوبل للتصوير الفوتوغرافي، كان السؤال: من أين أنت؟ فأجبت: لبنان».

ترافقه الهوية أينما حلَّ. 45 عاماً أمضاها والده يصوّر آلام لبنان وتعافيه، ورجالاته وسيداته، وعظماءه وفنانيه، وتراثه، وبحره وأرزه، وها الابن يقول: «يستحقّ أن نهديه إنجازاتنا، ونعد أنفسنا بلقائه، فنجده يحضننا كأننا لم نتغرّب أبداً».


مقالات ذات صلة

100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

يوميات الشرق إحدى لوحات محمود سعيد (الشرق الأوسط)

100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

يقدّم المعرض وكتابه التعريفي السيرة الذاتية للفنان وكيف بدأ حياته محباً للرسم، واضطراره للعمل في القضاء تماشياً مع رغبة أسرته التي كانت من النخبة الحاكمة لمصر.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق نانسي عجرم وسمير سرياني يُكملان مشوار النجاح (صور: سمير سرياني)

نانسي عجرم وسمير سرياني... الثقة المُثمرة

يُخبر المخرج اللبناني سمير سرياني «الشرق الأوسط» أنه تصوَّر فكرة وخطرت أخرى في اللحظة الأخيرة ليتغيَّر كلُّ المخطَّط.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق دوللي ماديسون السبعينية (سوذبيز)

بيع أقدم صورة لسيدة أميركا الأولى «كريمة الضيافة»

اشترى معرض الصور الوطني التابع لمؤسّسة «سميثسونيان» ما يُعتقد أنها أقدم صورة لسيدة أولى في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا التطبيق يوفر أدوات تحكم احترافية لتصوير الفيديوهات بمميزات مثل التحكم اللاسلكي والتوجيه عن بُعد (أبل)

«أبل» تطلق رسمياً تطبيق «فينال كت كاميرا» للـ«آيفون»

أطلقت «أبل» تطبيقها «فينال كت كاميرا» (Final Cut Camera) لأجهزة الـ«آيفون» والـ«آيباد»، وهو تطبيق جديد تماماً يوفر أدوات تحكم احترافية لتصوير الفيديوهات.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
يوميات الشرق «أسبوع بيروت للصورة» احتفاليّة خاصة بالتصوير المحترف بين 3 و9 يونيو

هل يحلّ الذكاء الاصطناعي مكان المصوّرين؟ «أسبوع بيروت للصورة» يناقش...

بيروت على موعد مع النسخة الثالثة من أسبوع الصورة، حيث تتنوّع النقاشات واللقاءات والمعارض. والعنوان الرئيسي: التحديات التي تواجهها الصورة في عصر الذكاء الاصطناعي

كريستين حبيب (بيروت)

«ليلة الأحلام» تُبهر جمهور جدة بتألُّق عمر خيرت وآمال ماهر

«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
TT

«ليلة الأحلام» تُبهر جمهور جدة بتألُّق عمر خيرت وآمال ماهر

«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)

في ليلة ساحرة خارج صخب يوميات الحياة، استمتع الحضور بحفل «ليلة الأحلام»، الجمعة، فاجتمع الموسيقار المصري عمر خيرت وابنة بلاده الفنانة آمال ماهر على خشبة مسرح «عبادي الجوهر أرينا» ليقدّما عرضاً استثنائياً ضمن فعاليات «موسم جدة 2024»، لتشكّل الأمسية رحلة إبداعية فريدة.

البداية بعرض فيديو للتمارين المكثَّفة التي جمعت الأوركسترا العالمية بقيادة الموسيقار وليد فايد والفنانة؛ فأشار فايد إلى أنّ صوت ماهر «يعزف ولا يغنّي»، فيما أبدى عازف الفلوت العالمي بيدرو أوستاش إعجابه الكبير به.

عمر خيرت يشدو بألحانه في «ليلة الأحلام» بجدة (بنش مارك)

افتتح خيرت الأمسية بأداء مبدع، فقدَّم مقطوعات شهيرة مثل «قضية عم أحمد»، و«فيها حاجة حلوة»، و«عارفة» التي شاركه الجمهور بغنائها، بجانب «ليلة القبض على فاطمة»، و«ما طلعت شمس ولا غربت».

وفي ختام عرضه، سلَّمه رئيس «الهيئة العامة للترفيه» المستشار تركي آل الشيخ دعوة لتكريمه ضمن حفل ضخم يقيمه في «موسم الرياض 2024»، تقدَّم بها بالنيابة عنه رئيس مجلس إدارة شركة «بنش مارك» زكي حسنين.

علَّق خيرت في مؤتمره الصحافي على الدعوة قائلاً: «سعيد جداً بها، وبجمهور السعودية الذي أشعر بتجاوبهم العميق والكيمياء التي تجمعهم بالموسيقى».

وأشاد بتعاونه مع فنانين سعوديين منذ مدّة طويلة، مشدّداً على أنّ الأغنية مهمّة جداً، ولكن بجانب أهميتها، تأتي أيضاً أهمية الموسيقى: «وهذا ما حرصتُ عليه منذ صغري، أن تكون لدينا موسيقى مرافقة للغناء».

صعدت آمال ماهر إلى المسرح، وافتتحت عرضها بأغنيتها الشهيرة «اللي قادرة» بمشاركة عمر خيرت على البيانو، ثم تتابعت الأغاني: «كل ده كان ليه»، و«مش أنا اللي أشكي» لمحمد عبد الوهاب، و«إنت الحب» لأم كلثوم بتألُّق صوتها وموسيقى الموسيقار المصري.

تعلَّم حبّ الموسيقى من عائلته (بنش مارك)

كما قدَّمت أغنية «الرسايل» لمحمد عبده مع عازف الساكسفون العالمي ديفيد كوز وعازف البيانو العالمي راؤول دي بيلاسيو الذي أشاد بصوتها وإحساسها العميق بالموسيقى العربية.

وأيضاً شاركت عازفة التشيللو العالمية ماريكو موراناكا في أداء أغنيتَي «رايح بيّا فين» و«من غير ليه» لمحمد عبد الوهاب. وفي لمسة مُشابهة لما قدَّمه الفنان محمد منير في حفله السابق، قدَّمت ماهر أغنية «علّي صوتك بالغنا» بمشاركة عازف الفلوت بيدرو أوستاش وعازف الكمان ديفيد غاريت.

وختمت الحفل بأغنية «يا أنا يا أنا» لفيروز بمشاركة عازفَي الكمان غاريت وغارسيا وعازفة التشيللو ماريكو موراناكا. وبعد أكثر من ساعتين ونصف ساعة من الأداء المبهر، تحوّل الحفل واحداً من أجمل ليالي «موسم جدة 2024».

عازفون عالميون و150 آخرون ضمن أوركسترا بقيادة وليد فايد (بنش مارك)

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال الموسيقار خيرت: «أعتزّ كثيراً بالدعوة لتكريمي في (موسم الرياض)، فقد بات من الفعاليات العربية التي تتميّز بأهمية خاصة؛ إذ يُعمِّق تفاعل الجمهور العربي مع الفنّ، ويضع الفنان المُشارك أمام مسؤولية كبيرة».

وأضاف: «الدعوة فرصة للاحتفاء بمشواري الفنّي، ومشاركتي في حفل (ليلة الأحلام) جعلتني أستعيد ذكريات عزيزة على قلبي».

وعن أغنيات الحفل، تابع: «حقَّق الفنان محمد عبد الوهاب نقلة كبيرة في الموسيقى المصرية، وأنا من عشاقه. ألبوم (الوهابيات) الذي قدّمته مع (صوت الموسيقى) في الثمانينات، من التجارب الفنّية المهمّة المتعلّقة بتقديم الموسيقى الشرقية في قالب أوركسترالي؛ فوزَّعتُ بعض أغنياته، منها (لأ مش أنا اللي أبكي)، و(كل ده كان ليه)، و(كنت فين)».

وأوضح أنّ «عبد الوهاب لم يكن يرفض التوزيعات الأوركسترالية، بل كان يحترمها ويحبّها، ومن المعروف أنّ موسيقار الأجيال خاض تجربة توزيع أغنيته (لأ مش أنا اللي أبكي) مع الفنان أندريه رايدر».

ديفيد غارسيا وعازف البيانو راؤول دي بيلاسيو يقدّمان مقطوعة لويتني هيوستن (بنش مارك)

ومن الذكريات التي جالت في خاطره خلال العزف، إشادة تلقّاها من عبد الوهاب في شبابه، والتي يعدُّها تكريماً حقيقياً له في بداية مشواره: «فوجئتُ بعد عرض مسلسل (ضمير أبلة حكمت)، من بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر، بمكالمة هاتفية منه يهنئني على موسيقى المسلسل، قائلاً: (ربنا يخليك لمصر). كان لهذه الكلمات سحرٌ خاص على أذني، لأنها جاءت من موسيقار بحجمه، ولأنني أعشق تراب بلادي».

وعدَّ الفنان عمر خيرت الموسيقى جزءاً من تكوينه و«شفرته الجينية»، وفق تعبيره: «أراها إرثاً عائلياً نتناقله عبر الأجيال. فقد كان جدّي عاشقاً لها، وكان لأبي الفضل في استغراقي مبكراً في عالمها. كثيراً ما جلست أستمع إلى عزفه روائع الموسيقى العالمية على البيانو، لأتعلّم العزف مبكراً على هذه الآلة، إلى أن أتقنته بشكل أكاديمي ولم يتجاوز عمري 11 عاماً».

وأكمل استدعاء الذكريات: «أتذكر أنّ أبي اقتنع بإصراري على اختيار طريق الموسيقى، وأخذ أوراقي من الثانوية العامة لتقديمها لمعهد الموسيقى بنفسه، مؤكداً على تمتّعي بالموهبة. لقد شكَّل نموذجاً للآباء المتفهّمين حق الأبناء في تحديد مصيرهم».