في عالم الأزياء حيث تتنافس الأسماء على التفرد، لمع اسم المصممة المصرية دينا شاكر رمزاً للأناقة والابتكار. قدرتها على المزج بين الحرفية و اللمسات الدرامية أصبح لها حضور عالمي. فاسم دينا شاكر تردّد كثيراً في الآونة الأخيرة، بفضل اختيار ليتيزيا ملكة إسبانيا سترة من تصميمها لدى زيارتها لمصر في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. فالمعروف عن ليتيزيا أسلوبها العصري والمواكب للموضة، الأمر الذي جعلها واحدة «من أكثر أفراد العائلات المالكة أناقةً في العالم»، وفق قول المصممة، مضيفةً أنها، إلى جانب دوقة كمبردج ودوقة ساسكس، أعادت ابتكار الأسلوب الملكي للقرن الحادي والعشرين.

قبل الملكة ليتيزيا
لكن علاقة المصممة مع الموضة تعود لسنوات طويلة. تقول إنها انجذبت نحو عالم الموضة منذ طفولتها، قبل أن يتحول شغفها بالتصميم إلى واقع تجسّد في تأسيس واحدة من العلامات المصرية المفضلة لدى شخصيات نسائية بارزة داخل مصر وخارجها. وجاء ارتداء ملكة إسبانيا ليتيزيا لقطعة من توقيعها بمثابة نقطة ضوء أخرى في مسيرتها.
كانت القطعة على شكل سترة «بلايزر» من الكتان بأربعة جيوب أمامية وطيَّات خلفية لراحة وسهولة الحركة، وفي الوقت ذاته لمنح الخصر أنوثة.

لا تخفي دينا فخرها بهذا الظهور، وتقول في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط»: «لدى العائلات المالكة قواعد ملكية صارمة يجب اتباعها فيما يتعلق بالأزياء، ومن ثم فإن الأمر هنا لا علاقة له بأي أهداف تسويقية أو ترويجية من جانبي؛ فلا أحد يستطيع طرق أبواب قصر ملكي لترشيح قطعة ملابس لأفراد العائلة. وهذا ما أسعدني كثيراً؛ أن اختيارها كان لذوق شخصي».

وتؤكد في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم أن ليتيزيا تُطلق العنان لإطلالاتها في التنسيق وارتداء ملابس من مصممين محليين إسبانيين في غالب الأحيان، فإنها تُحافظ على التقاليد الملكية والدبلوماسية في اختيار ملابسها، وهو ما يزيد من فخري».
وفي حين يضع هذا الأمر أي مصمم في مقارنات صعبة مع نفسه في المستقبل، فإن دينا شاكر تَعد «هذه الخطوة بمنزلة إضافة فصل جديد من نجاحها يُعزز رغبتها في مواجهة كل التحديات وترسيخ مكانتها في الساحة العالمية».
تأثير زها حديد
تخصصت المصممة الشابة في العمارة الداخلية بكلية الفنون الجميلة «ومن المعروف أن الاستلهام ما بين العمارة والموضة أمر متبادَل ومستمر»، وفق قولها، وهو ما ينعكس على تصاميمها التي تتميز بخطوط هندسية تتبع نفس المدرسة التفكيكية، التي تأثرت بها المعمارية الراحلة زها حديد، واقتبستها هي الأخرى من المفهوم «التفكيكي» لجاك دريدا، الذي يهتم بتفكيك النص الأدبي للكشف عن المعاني الكامنة فيه، وأعادت به زها تعريف العناصر البنائية لابتكار فراغات غير مألوفة معمارياً وبصرياً.

وهكذا تفعل دينا شاكر في تصاميمها؛ تفكِّك القطع الكلاسيكية التي اعتاد الناس عليها مثل السترات، وتعيد تقديمها بأشكال غير تقليدية. فرغم أن الـ«بلايزر» الذي ظهرت بها ملكة إسبانيا عرَّف العديد من الناس بها، فإنه يبقى كلاسيكياً مقارنةً بغيره من القطع المتمردة على المتعارف عليه والتي أعادت بناءها بأسلوب متفرد، تستعمل فيه أحياناً تقنيات من الخياطة الرجالية، لأنها من وجهة نظرها تجعل مقاييس المرأة تبدو أجمل، ومفعمة بقوة ناعمة.

هذا التأثر بالمدرسة التفكيكية سبقها إليه المصممون اليابانيون الذين فككوا بعض الكلاسيكيات وأعادوا بناءها بعد دمجها بحضارتهم وإرثهم الثقافي، فجاءت المدرسة اليابانية في الأزياء لتُحدث انقلاباً في عالم الموضة، وهو ما ألهم دينا شاكر أيضاً.
تأثير المدرسة اليابانية
تابعت المصممة العروض اليابانية وتطور صناعة الموضة على يد مصمميها باهتمام كبير. تقول: «فهمت منهم كيف يمكن أن أتبع التفكيكية في الموضة بلغة مصرية؛ فأنا أنتمي إلى دولة تتمتع بتاريخ وعراقة وحضارة ومفردات خاصة بها؛ فلماذا لا أحقق الاستمرارية للقديم بطريقة معاصرة جديدة تماماً؟».

طبَّقت هذا المبدأ من خلال الكسرات والثنيات والخطوط الأفقية والرأسية التي تطغى على كثير من تصاميمها، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أسلوبها منذ أن أطلقت علامتها في 2013. فكرة «البليسيه» مثلا بالنسبة إليها هي مصرية خالصة: «على جدران المعابد الفرعونية، مما يُثبت أن أول من استخدم البليسيه في الأزياء هم المصريون القدماء».
وهكذا أعادت تقديم الكسرات والطيَّات بأشكال أكسبتها لمسات عصرية سواء في التنورات البليسيه التي تقدمها، أو في القمصان من دون أكمام وبتصميم جانبي منحوت، تُميِزها ثنيات جانبية ممتدة على اليسار، أو في فساتين بسحابات خفية تُسهل ارتداءها بأشكال مختلفة لأنها تراعي المحيط الطبيعي للجسم، مثل فستان يمكن أن يستعمل كتنورة، وهكذا.

تقول إن الطيات والكسرات في هذه التصاميم تتعدى دورها كطبقة إضافية أو تفصيل للتزيين؛ بل هي متأصلة في الشكل نفسه، وجزء لا يتجزأ من الصورة الظلية، مثل آثار قديمة لا تفقد رونقها أو حضورها.

لا تتجاهل المصممة أهمية البنطلون، فتقدمه هو الآخر بشكل عصري ومنساب بدقة هندسية بفضل طيات أمامية تميل بشكل حاد فتُضفي عليه حركة وتجعل الخصر يبدو منحوتاً، الأمر الذي يمنح الإطلالة توازناً ونعومة.
في السياق نفسه تستخدم العلامة الأقمشة الفاخرة، وتحتفي بالكتان تحديداً، كونه من البيئة المصرية، وكان الأجداد أول من استخدموه في النسيج.

إلى جانب أهمية التصميم وضرورة أن يسهم في إبراز جمال المرأة وأناقتها، لا تتجاهل دينا شاكر أهمية الحرفية واليد العاملة التي تعمل على تنفيذ وتصنيع كل صغيرة وكبيرة. تقول: «أهتم للغاية بإظهار جمال الحرفة؛ لأننا دوماً لا نشاهد ما بالداخل، ولا نعطي مراحل التصنيع حقها من التقدير، ولذلك أترك طرفاً أو جزءاً من القماش كما هو بطبيعته، دون ثنيه أو (تهذيبه)؛ لأن من ضمن فلسفتي التي أريد تأكيدها أن الجمال ليس في الكمال، أو التنميق المبالغ فيه».
وتتابع: «من الخطأ الاعتقاد بأن المرأة الجميلة هي التي تخلو تماماً من أي عيوب، فثمة جوانب أخرى قد لا تبدو للعين مثل الشخصية النقية أو الواثقة، تنعكس على المظهر وتمنحه جاذبية، وهذا هو ما أريد التعبير عنه في كل تصميم أرسم ملامحه لأخرجه من تلك النظرة التقليدية للجمال».

فالرسالة كانت ولا تزال استعمال الأناقة لتمكين المرأة ورفع ثقتها بنفسها بعيداً عن إملاءات الموضة أو المجتمع. هي في هذه الحالة بمنزلة «درع»، وفق قولها.
الألوان التي تميل المصممة إلى استعمالها في معظم تصاميمها هي ألوان محايدة مثل: الأبيض، والبيج، والكريمي، والرمادي، والأزرق الغامق. فهذه الألوان بالنسبة إليها مستلهَمة من البيئة العربية؛ حيث الصحراء والرمال والصخور، كما أنها تناسب المرأة العربية.
















