«سترة الميدان»... بين الحرب والسلم

أصوله عسكرية… دماؤه عملية وجيوبه تفضحه

مناسبتان رسميتان… أهداف وألوان مختلفة… والجاكيت واحد (إ.ب.أ +رويترز)
مناسبتان رسميتان… أهداف وألوان مختلفة… والجاكيت واحد (إ.ب.أ +رويترز)
TT

«سترة الميدان»... بين الحرب والسلم

مناسبتان رسميتان… أهداف وألوان مختلفة… والجاكيت واحد (إ.ب.أ +رويترز)
مناسبتان رسميتان… أهداف وألوان مختلفة… والجاكيت واحد (إ.ب.أ +رويترز)

قد يصعب تصديق أنه من رحم الحروب ودمويتها، ولدت قطع أزياء صمدت عبر الزمن، وتحدَت إيحاءاتها المرتبطة بالعنف والظُلم. ليس هذا فحسب، بل دخلت عالم الموضة من أوسع الأبواب. سلاحها هو العملية الوظيفية. ما علينا سوى ذكر المعطف الممطر Trench Coat الذي ابتكره توماس بيربري في القرن الماضي لحماية الجنود البريطانيين من عوامل الطقس وتقلباته في الخنادق، حتى نشعر بالامتنان له ولمطوريه من المصممين من بعده بعد أن أصبح قطعة لا يمكن الاستغناء عنها في خزانة المرأة والرجل على حد سواء. كذلك بنطلون «الكارغو» Cargo pants بجيوبه المتعددة، ونقشاته الحربية، والذي يرافقنا في السفر والنزهات اليومية، وأخيراً وليس آخراً جاكيت الميدان Field Jacket.

كانت هذه الجواكيت ولا تزال مرتبطة بالرجل لكنها دخلت عالم المرأة على يد مصممين كبار (هوكرتي)

جاكيت الميدان

هذا الجاكيت وجد في الإقبال الذي تشهده السترات عموماً هذا الموسم فرصة ليتقدم للصدارة، لافتاً الانتباه بجيوبه المتعددة، والكبيرة. زاد من إشعاعه ظهور ميلانيا ترمب، زوجة الرئيس الأميركي، به مؤخراً.

صور الحرب العالمية الثانية التي وُلد فيها ومن أجلها بعيدة هي الآن عن الأذهان. جيل كامل يقرأ عنها في كتب التاريخ فقط، وبشكلها الحديث، يربطها أغلبهم بصورة مغامر مستكشف، أو أرستقراطي بريطاني في رحلة صيد يبحث فيها عن فريسة. ربما لأنه يشبه في بعض تفاصيله جاكيت السافاري، الذي أبدعه الراحل إيف سان لوران في الستينات من القرن الماضي، وكان الجاكيت العسكري الميداني مصدر إلهامه. إيف، باعتبار أنه مبدع، له نظرة فنية استثنائية، فكك إيحاءاته الحربية، وطوره بأن زاد من طوله، واقترحه بخامات مترفة تليق بأحلى المناسبات للجنسين.

بين ميلانيا والملكة ليتزيا

سبب الحديث عن هذا الجاكيت في الآونة الأخيرة إطلالتان مثيرتان لكل من ميلانيا ترمب والملكة الإسبانية ليتزيا في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. إطلالتان أثارتا الكثير من الفضول والإعجاب، نظراً لتأثيرهما البصري الأنيق.

ميلانيا ترمب وجاكيت من «رالف لورين» خلال زيارتها الأخيرة لبريطانيا (رويترز)

كان ذلك عندما ظهرت الأولى بجاكيت «الميدان» في اليوم الأخير من زيارتها الرسمية لبريطانيا رفقة زوجها الرئيس دونالد ترمب. كان بتوقيع دار «رالف لوران»، ومصنوعاً من جلد الشامواه، بأربعة جيوب تحترم التصميم الأصلي. تجدر الإشارة إلى أن علامة «رالف لورين» من العلامات المفضلة لدى ميلانيا، لكن اللافت أكثر أنها تحرص منذ ولاية زوجها الثانية على الظهور بإطلالات تعكس القوة والصرامة، وكأنها في حرب مع الآخر.

في الجهة الأخرى، ظهرت الملكة ليتزيا في ثالث يوم من زيارتها مع زوجها الملك فيليبي لمصر بجاكيت بتوقيع المصممة المصرية دينا شاكر، مستوحى من جاكيت السافاري. تميَز باللون الأبيض، ومن الكتان الطبيعي حتى يناسب حرارة القاهرة، وروح المغامرة التي رافقت مستكشفي القارة السمراء والأهرامات. كانت لفتة دبلوماسية من الملكة قبل أن يكون قطعة عملية تتقاطع مع «الجاكيت العسكري» بجيوبها الكبيرة، ومناسبتها للمكان، والزمان.

ليتزيا ملكة إسبانيا وجاكيت من المصممة المصرية دينا شاكر خلال زيارتها الأخيرة لمصر (إ.ب.أ)

فالجيوب ربما تكون السمة الملازمة للجاكيت العسكري الميداني، وأكثر ما يُميزه ويمنحه هويته. ثم تأتي خامته، والمواد التي يُصنع منها ثانياً. على الأقل في عالم الموضة. كانت هذه الجيوب، بحجمها وعددها، إلى عهد قريب حكراً على السترات الرجالية، ولا تزال إلى حد كبير. لكن ومنذ بدأ مصممون من أمثال ستيلا ماكارتني وجاكوموس وعلامة «ساكاي» يطرحونها، إلى جانب «رالف لورين» وهي تخاطب امرأة مستقلة تتوخى العملية من دون أن تتنازل عن الأناقة.

الحرب هي البداية

ولدت هذه السترة لدواعٍ حربية صرفة. كان ذلك في عام 1941، وخلال الحرب العالمية الثانية، باعتبار أنها بديل للمعطف الصوفي للحماية من قسوة الخنادق. صدرت آنذاك باسم «M-41» بوصفها قطعة أساسية في الزي العسكري الأميركي، وروعي فيها أن تأتي بقوة عزل عالية من خلال طبقة خارجية مصنوعة من قطن البوبلين، وبطانة من صوف الفلانيل المقاوم للماء والرياح. ورغم ذلك لم تكن مثالية، ولم تُوفر بطانتها عزلاً كافياً، كما لم تحمِ طبقتها الخارجية من المطر تماماً. كان هناك أيضاً تذمر في صفوف الجنود من قلة الجيوب فيها. فهذه كانت ضرورية لحمل الذخيرة، والخرائط، والمستلزمات الطبية. ومع ذلك ظل هذا التصميم معتمداً لعدم توفر بديل آخر حتى عام 1943، مع ظهور «M-43»، النموذج المحسَن.

تميز بطول ممتد يصل إلى الورك، وغطاء رأس قابل للفصل، وجيوب أمامية، وحبل شد حول الخصر، واستخدم قماشاً من قطن الساتان.

نجح في توفير ما يحتاج إليه الجنود لمواجهة قسوة الطقس، والحماية قدر الإمكان. لم يتوقف الجاكيت عن التطور. تصميم «M-50» مثلاً جاء بأزرار داخلية تسهل تركيب البطانة، كما تخلى عن بعض التفاصيل التي كانت تربطه بميادين القتال فقط. تحوّل هنا إلى زي رسمي يمكن ارتداؤه في مناسبات أخرى. بقي أكثر ما يُميِزه جيوبه الأمامية الكبيرة -اثنان على الصدر، واثنان على جانبي الخصر.

تحوله إلى رمز ثقافي

ثم جاء الإصدار الشهير «M-65» الذي ارتداه الجنود الأميركيون خلال حرب فيتنام، بأقمشة مقاومة للرياح والأمطار الغزيرة خلال موسم المونسون.

ظهرت بها النجمة جين فوندا في عدة مظاهرات ومناسبات مناهضة للحرب (غيتي)

أصبح في هذه الفترة انعكاساً للتحول الثقافي الذي شهدته الولايات المتحدة الأميركية والعالم أجمع، حيث استعمله المناهضون لحرب فيتنام بوصف أنه رمز لرفض الحرب، والمطالبة بعدالة اجتماعية. كان من بينهم مشاهير من أمثال جين فوندا، وجون لينون، وغيرهما. ثم دخل عالم السينما على أنه سترة ترمز للقوة في أفلام «جيمس بوند»، و«أبوكاليبس ناو» و«رامبو».

في السبعينات، بدأ هذا التصميم يلفت الأنظار إلى جانبيه العملي والجمالي، بعد أن أدخله مصممون مثل رالف لورين عالم الموضة. وبينما اجتهد الراحل إيف سان لوران في إخفاء معالمه الحربية بأن جعله تصميماً خاصاً بالمغامرات واستكشاف ثقافات أخرى، حافظ رالف لورين على شخصيته الأصلية، ربما للحفاظ على انتمائه الأميركي. ركَز أكثر على تجديده بإدخال أقمشة مترفة، أحياناً شفافة ليخفف من صرامته، ومن ثم يضفي عليه النعومة. لا يزال يقوم بهذا لحد الآن، وهو ما ظهر جلياً في تشكيلته لربيع وصيف 2026، والتي قدمها خلال أسبوع نيويورك الأخير.

من عروض أزياء «رالف لورين» و«نون«... تغيرت الأقمشة والألوان وظلت الجيوب علامة مميزة (رالف لورين +نون)

حالياً، حيث نلمس حنيناً لافتاً للماضي، يتجسّد في رغبة المصممين إعادة تفسير أيقونات من عقود مضت بلغة جديدة، وأناقة معاصرة، فإن هذا الجاكيت لم يغب عن أنظارهم. تلاعبوا عليه من خلال الخامات، واستغنوا عن تفاصيل تتطلبها ميادين الحرب، مثل القلنسوات، واللون الزيتوني، والأربطة على شكل حبال، والقبعات المربوطة بسحابات، وغيرها من التفاصيل الوظيفية. اكتسى في المقابل بألوان أكثر تنوعاً، كما اكتسب خطوطاً ناعمة تحدد الخصر بحزام يراعي متطلبات الموضة، إضافة إلى استعمال أزرار عوض أربطة، وسحابات. بيد أن الجيوب ظلت مكانها. لم تتغير شكلاً، أو عدداً.

«هوكرتي»... تُفصِلها على المقاس

أصبح الآن بالإمكان تفصيلها على المقاس باختيار القماش واللون (هوكرتي)

وبما أن جواكيت «الميدان» مثل كل الكلاسيكيات يجب أن تكون على المقاس تنسدل على الأكتاف، وتلامس الخصر بشكل مثالي، كان من البديهي أن توليه علامات متخصصة في التفصيل على المقاس، مثل علامة «هوكرتي» Hockerty، اهتمامها. فهي تقدّم مجموعة أنيقة ومتنوعة لرجل يريد مواكبة الموضة من دون أن تُلغي إرثه التاريخي، وفق ما صرحت به العلامة قائلة: «إن تفسيرنا لهذه السترة يوجه تحية للماضي ويحترمه، لكن يأخذ بعين الاعتبار متطلبات الحاضر والمستقبل. لهذا كان لا بد أن تأتي أكثر تنوعاً مما كانت عليه في أي وقت مضى».

تشرح العلامة، ومركزها في سويسرا، أنه تم حذف بعض التفاصيل الحربية الصارمة، مثل أصفاد الفيلكرو، والأربطة على شكل حبال «وما شابه من تفاصيل لم تعد هناك من حاجة إليها». صحيح أن «رجل اليوم يريد تصاميم لها تاريخ وجذور قوية، إلا أنه يريدها أيضاً أن تكون عملية وأنيقة يمكنه اعتمادها في عدة مناسبات بأسلوب يمنحه الثقة والراحة... وتظهر رشاقته». طبعاً مع مراعاة أن تناسب القطعة كل المواسم. في الشتاء يمكن استعمالها مع كنزة صوفية سميكة، وفي الربيع مع قميص من القطن أو «تي-شيرت». وفي كل الحالات، فإن الرسالة واحدة: منح الحماية والثقة، وتحقيق السلام.


مقالات ذات صلة

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

لمسات الموضة كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

راما منذ الآن هي سيدة نيويورك الأولى... في ملامحها ظِلّ من الشرق وحضور غربي في آن معاً... ثنائية لا تخفيها، بل تفخر بها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)

أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

بعد 14 عاماً، أعلنت دار «بالمان» ومديرها الإبداعي أوليفييه روستينغ إنهاء علاقة تجارية وفنية أثمرت على الكثير من النجاحات والإنجازات. صرحت دار الأزياء الفرنسية…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)

مجوهرات الفيروز والذهب... زواج يتجدد بلغة العصر

افتتاح المتحف المصري الكبير الذي تابعنا فعالياته مؤخراً أعاد لنا ذلك الافتتان لدرجة الهوس بكل ما هو مصري في مجالات فنية وإبداعية متنوعة. كما أعاد وهج حضارة…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تمت ترجمت الفكرة في مجوهرات ناعمة بأحجار كريمة (أختين)

علامة «أختين» المصرية تنقش من الحناء مجوهرات عصرية

لم تكن نقوش الحناء يوماً مجرد زينة. كانت ولا تزال أيضاً لغة بصرية تجسد البركة التي تشهد على كل الاحتفالات، وتُنقش بلغة فنية تُعبر عن الهوية والانتماء، وأحياناً…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة قلادة «سويتر برستيج» من «شانيل» الفائزة بالجائزة الأولى (شانيل)

«شانيل» تفوز بالجائزة الكبرى للمجوهرات الرفيعة في إمارة موناكو

حدث جديد شهدته إمارة موناكو وسينضم إلى روزنامتها الحافلة بالفعاليات العالمية المهمة، مثل سباق «فورمولا 1» ومعرض اليخوت، والأمسية الخيرية Bal De La Rose. …

«الشرق الأوسط» (لندن)

«صالون المجوهرات» يخطف الأضواء وألق الذهب والأحجار الكريمة يُزيّن الرياض

يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
TT

«صالون المجوهرات» يخطف الأضواء وألق الذهب والأحجار الكريمة يُزيّن الرياض

يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)

بتصميمات فريدة جمعت بين الابتكار والأناقة، يستعرض معرض «صالون المجوهرات 2025»، المُقام في «إيه إن بي أرينا»، ضمن «موسم الرياض»، لزوّاره، أحدث تصميمات المجوهرات والأحجار الكريمة والساعات والمقتنيات النادرة والثمينة.

وتُشارك فيه أكثر من 600 علامة تجارية فاخرة من 50 دولة، وسط أجواء تعكس الفخامة وتنوُّع المعروضات، إذ تتنافس الدُّور المُشاركة على تقديم تصميمات استثنائية تبرز دقّة الصنعة وفنّ التكوين، وسط حضور لافت يشهده المعرض مع انطلاقته في العاصمة السعودية، ضمن الموسم الترفيهي الأضخم في المنطقة والعالم.

يشهد المعرض مشاركة دُور مجوهرات عالمية تمتد جذورها لأكثر من قرنين (موسم الرياض)

كما يشهد مشاركة دُور مجوهرات عالمية عريقة تمتد جذورها لأكثر من قرنين، من بينها «دار بريجيه»، التي انطلقت في القرن الثامن عشر، وكذلك «شوبار»، و«فرنك مولر»، إلى جانب «الفردان للمجوهرات»، و«جوهان»، و«ليدا دايموند آند جولري».

وهو يُعدّ وجهة عالمية تجمع المُصمّمين والمُوزّعين والمُهتمين في تجربة حسّية متكاملة تمتزج فيها الإضاءة الفنّية والموسيقى الهادئة، ويعرض قِطع مجوهرات تُطرح للمرة الأولى عالمياً.

المعرض وجهة عالمية يتيح تجربة حسّية متكاملة (موسم الرياض)

وحضرت هيئة المواصفات السعودية «تقييس»، لتعريف الزوّار بأهمية موثوقية موازين المجوهرات والذهب، في الوقت الذي يُقدّم فيه الحدث تصميمات استثنائية راقية.

وشهدت نُسخ المعرض السابقة تسجيل مبيعات تجاوزت 53.3 مليون دولار (200 مليون ريال سعودي)، وقِطعاً استثنائية أثارت اهتمام خبراء المجوهرات، من بينها قناع مُرصّع بأكثر من 3600 ألماسة بلغت قيمته نحو مليون ونصف مليون دولار.

قِطع مجوهرات تُطرح للمرة الأولى عالمياً (موسم الرياض)

المعرض يستمر حتى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مُقدّماً تجربة فريدة لعشّاق المجوهرات والجمال الراقي، ومُحتفياً بتنوّع الذوق السعودي وقدرته على مواكبة أحدث اتجاهات التصميم العالمية.


راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
TT

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)

صورة عمدة نيويورك الجديد، زهران ممداني، وزوجته، راما دواجي، تبدو لأول وهلة جديدة على المشهد السياسي الأميركي... ثنائي شاب من أصول مسلمة، ينتمي إلى جيل «زد» ويتحدث لغته بفصاحة وشجاعة لم ترَ لها نيويورك مثيلاً. فهما لم يتنازلا في أي مرحلة من مراحل الرحلة الانتخابية عن مبادئهما الإنسانية والسياسية والفكرية الداعمة للأقليات والضعفاء.

لكن من الناحية البصرية، لا تبدو هذه الصورة جديدة تماماً. تُذكّر بالرئيس الأميركي الراحل جون كيندي وزوجته جاكي... ثنائي لا يقل كاريزما وتأثيراً على جيل كامل كان يحلم وينتظر التغيير للأفضل. فضل كبير في تجميل صورة جون كيندي يعود إلى جاكي؛ السيدة الأولى التي وظّفت الجمال والأناقة سلاحاً ناعماً ومؤثراً في الوقت ذاته.

ملكت راما بجمالها ونعومتها وثقافتها قلوب ناخبي نيويورك (رويترز)

وكما شكّلت جاكي كيندي في ستينات القرن الماضي مرآة جيل آمَن بالحلم الأميركي، تبدو راما دواجي اليوم امتداداً لذلك الإرث وأكثر... فهي تنقله إلى مرحلة أعمق وعياً وصدقاً يمكن أن تتحول فيها الموضة صوتاً للإنسانية والأقليات.

راما من الآن هي سيدة نيويورك الأولى... في ملامحها ظِلّ من الشرق وحضور غربي في آن معاً... ثنائية لا تخفيها، بل تفخر بها. مثل جاكي؛ تتمتع راما بكاريزما وجمال فريد من نوعه، ومثلها أثرت على جيل كامل من الناخبين في زمنها؛ أي من جيل «زد»، وفق تصريح من زوجها، الذي استقطب المؤثرين في حملته الانتخابية للوصول إلى هذه الشريحة.

لم يكن لأصول راما العربية والمسلمة، فهي من والدين سوريين ووُلدت في الولايات الأميركية، تأثير سلبي على الناخبين. على العكس؛ ملكت قلوبهم بصدق مواقفها أولاً، وجمالها وأناقتها ثانياً.

وقفت راما إلى جانب زوجها تنظر إليه بصمت... لكن كل ما فيها كان يتكلم... من نظرات العيون إلى الأزياء (أ.ف.ب)

الصورة التي ستبقى خالدة في الذاكرة والتاريخ، وهي تظهر إلى جانب زوجها زهران ممداني بصفته أول مسلم وأصغر عمدة يتولى هذا المنصب منذ عام 1892، جذبت اهتمام الولايات المتحدة، كما شدّت أنفاس العالم بأسره... كان فيها تصالح مع الماضي واستقبال للحاضر... وقفت فيها راما، ذات الـ28 عاماً، إلى جانبه صامتة، تنظر إليه بين الفينة والأخرى بنظرات إعجاب، شبّهها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي بنظرات الأميرة الراحلة ديانا.

بلاغة الصمت

صمتها لم يَشفِ غليل البعض؛ لأنهم لم يجدوا فيه سمات الصورة النمطية للزوجة المسلمة التابعة لزوجها من دون أن يكون لها كيان خاص أو استقلالية... فراما فنانة لها وجود وتأثير على الساحة الفنية، وقالت بصمتها كل ما يلزم قوله عن هذه الاستقلالية، إضافة إلى انتمائها الثقافي والسياسي. فما ارتدته لم يكن مجرد اختيار عادي يليق بمناسبة يفترض فيها أن تكون بكامل أناقتها، بل كان بياناً سياسياً وإنسانياً وفنياً لا يعتذر عن أفكارها ورؤيتها ودعمها القضية الفلسطينية. إطلالتها أكدت أن الجيل الذي تنتمي إليه أعلى شجاعة من الجيل الذي سبقه في صدق تعبيره عن القضايا السياسية ونبل المشاعر الإنسانية.

عبّرت راما عن ثنائية انتمائها باختيار إطلالتها من مصمم فلسطيني - أردني ومصممة نيويوركية (رويترز)

قد تبدو إطلالتها بسيطة أول وهلة، لا سيما أنها بالأسود؛ «اللون الذي لا يخيب» وتلجأ إليه المرأة عندما تكون خائفة وتريد أن تلعب على المضمون، إلا إن بساطتها كانت خادعة وعميقة في آن؛ لأنها كانت محملة بالأفكار. اختارت «بلوزة» دون أكمام من الدينم الأسود، مطرزة بتخريمات منفذة بالليزر، من تصميم الفلسطيني - الأردني زيد حجازي، الذي أبرز فيها تفاصيل التطريز الفلسطيني التراثي وزخارف القرى الفلسطينية. زيد حجازي، الذي تخرج في معهد «سنترال سان مارتينيز» بلندن، يصف علامته بأنها «استكشاف لـ(الثقافات القديمة والمعاصرة)».

نسّقت دواجي «البلوزة» مع تنورة من المخمل والدانتيل، أيضاً بالأسود، من تصميم إيلا جونسون، وهي مصممة نيويوركية تشتهر بأسلوبها الرومانسي والحرفي، الذي يستهوي النخب الفنية والبوهيمية في بروكلين. الجمع بين مصمم فلسطيني ومصممة نيويوركية يشير إلى جذورها وانتمائها إلى ثقافتين: العربية والأميركية، ويقول إن الموضة ليست مجرد مظهر أنيق وأداة جذب أو قناع واقٍ، بل هي مواقف وأفعال، وترمز أيضاً إلى جيل من المهاجرين لم يعد يكتفي بالاندماج، بل يحلم بالتأثير والمشاركة في رسم ملامح الواقع الذي يعيشه.

ما أسلوب راما دواجي؟

تتميز راما بأسلوبها الخاص وإن كانت تميل إلى الأسود في المناسبات الرسمية (أ.ف.ب)

إلى جانب أنها فنانة ورسامة ومصممة رسوم متحركة، فهي تتمتع بأسلوب بوهيمي تعبر من خلاله عن شخصية مستقلة ومتحررة فكرياً، فهي تنتمي إلى جيل الإنترنت، والـ«تيك توك» وغيرها من المنصات الشبابية. هذا الجيل يراقب العالم بعين ناقدة... يُحلله ويحلم بتغييره للأفضل، بما في ذلك صناعة الموضة، التي يفهمها ويعشقها، لكنه في الوقت ذاته يريد إخراجها من قوالبها النخبوية والتقليدية. يبدو أن دواجي توافقهم الرأي، وإذا كانت إطلالتها ليلة النصر هي المقياس، فإن المتوقع منها طيلة فترة عمدية زوجها أن تتعامل مع الموضة بوعي إنساني بوصفها جسراً تلتقي عليه الحضارات والثقافات بصدق وشفافية.


أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
TT

أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)

بعد 14 عاماً، أعلنت دار «بالمان» ومديرها الإبداعي أوليفييه روستينغ إنهاء علاقة تجارية وفنية أثمرت على الكثير من النجاحات والإنجازات.

صرحت دار الأزياء الفرنسية في بيان أصدرته بالمناسبة بأنها «تُعرب عن امتنانها العميق لأوليفييه على كتابته فصلاً مهماً من تاريخها».

من جهته، أعرب روستينغ عن مشاعره قائلاً في بيانه الخاص: «أنا ممتن لفريقي الاستثنائي في (بالمان)، كانوا عائلتي التي اخترتها في مكان كان بمثابة بيتي طوال الـ14 سنة الماضية... سأظل دائماً أحتفظ بهذه التجربة الثمينة في قلبي».

أوليفييه روستينغ يودع دار «بالمان» بعد 14 عاماً (أ.ف.ب)

لم يكن تعيين «بالمان» لروستينغ «تقليدياً» في عام 2011. كان في الرابعة والعشرين من عمره، أي كان أصغر مدير إبداعي في باريس منذ إيف سان لوران، وأول مدير إبداعي من أصول أفريقية في دار أزياء أوروبية.

صغر سنه ساهم في إدخال الدار العالم الرقمي، حيث أطلقت في عهده أحد أول «فلاتر سناب تشات» الخاصة بالعلامات التجارية، وتطبيق خاص بها، وشراكة مبكرة مع «إنستغرام» للتسوق في عام 2019، من دون أن ننسى أنه أعاد إحياء خط الأزياء الراقية في «بالمان» بعد انقطاع دام 16 عاماً.

من تصاميمه لدار «بالمان» (غيتي)

من بين إنجازاتها الكثيرة أنه نشر ثقافتها لجيل كامل وقع تحت سحر جرأته الفنية، وإن كان البعض يرى أن السحر يكمن في تعاوناته مع نجمات عالميات، نذكر منهن كيم كارداشيان وجيجي حديد وكندال جينر وبيونسي وغيرهن.

روستينغ في عرضه الأخير لخريف وشتاء 2025 مع عارضاته (غيتي)

ولد أوليفييه في مدينة بوردو الفرنسية لأبوين أفريقيين تخليا عنه ليتم تبنيه في سن مبكرة من قبل زوجين فرنسيين. على المستوى المهني، درس في معهد «إسمود» في باريس قبل أن ينضم إلى دار «روبرتو كافالي» بعد التخرج، حيث تولى في نهاية المطاف قيادة قسم الأزياء النسائية. في عام 2009، التحق بدار «بالمان» ليعمل تحت إشراف المصمم كريستوف ديكارنين، وبعد عامين خلفه بصفته مديراً إبداعياً، وفي عام 2016، قاد الدار بسلاسة خلال عملية استحواذ مجموعة «مايهولا» القطرية عليها.

رغم أن صورة وجه المصمم وإطلالاته الاستعراضية ستبقى محفورة في الذاكرة، فإن تصاميمه المبتكرة هي أكثر ما يميزه في انتظار الفصل التالي من مسيرته.