في مجموعة المصمم إيرديم لموسم ربيع وصيف 2026، تفكر للوهلة الأولى أنه وقع تحت تأثير ماري أنطوانيت، لا سيما أن متحف «فكتوريا آند ألبرت» ينظم حالياً معرضاً ضخماً عن أناقتها وتأثيرها المستمر على الموضة. ثم تقرأ البيان الرسمي وتكتشف أن مُلهمته مختلفة تماماً؛ ليست عن ماري أنطوانيت فقط، بل عن غالبية نساء العالم. هي هي هيلين سميث؛ سويسرية لا علاقة لها بالأدب أو أي اختراع من الاختراعات... فهي فنانة وعرّافة، أو كما كانت تسمي نفسها «وسيطة روحية»، عاشت في أواخر القرن الـ19، لكنها كانت تعتقد، بكل يقين، أنها عاشت حيوات سابقة في عصور مختلفة وأماكن متنوعة؛ من بلاط فرنسا إلى قصور الهند، مروراً برحلات إلى كوكب المريخ.

هذا الجنون في القناعة، شدّ المصمم ولمس جانبه الإبداعي المتحفز للسفر واستكشاف ثقافات بعيدة وجديدة عبر أزمنة مختلفة، مع العلم بأن هذا التعدد في الهويات والصور الغريبة التي باعتها هيلين سميث للعالم، لم يثر خيال إيرديم وحده... سبق أن أثار فضول عالم النفس تيودور فلورنوا، الذي درس حالتها ووصفها بـ«الدورات الرومانسية»... رأى فيها انعكاساً لرحلة داخلية تبحث عن الذات وسط عوالم متداخلة ومتخيلة بين الوهم والذاكرة.
أمر التقطه إيرديم أيضاً، وقد تعامل معها على أنها رمز أكثر منها واقعاً... رسمها في كل قطعة؛ انعكاساً لامرأة تريد إعادة خلق ذاتها عبر الفن والخيال والحلم. لم ير في جموح خيالها جنوناً، بل مرآة لأنثى معاصرة؛ مستقلة، ورومانسية، ومرنة... يمكنها التأقلم والتحول في كل مكان وزمان.

انطلاقاً من هذه الرؤية، نسج هذه المجموعة على شكل رحلة بصرية وسردية تنتقل من حقبة إلى أخرى بانسيابية وسلاسة. مرة يستحضر لنا فخامة ماري أنطوانيت، أو الملكة إليزابيث الأولى، من خلال ياقات عالية، ومرة تطريزات «ساري» لأميرة هندية، من دون أن ينسى أن يأخذنا إلى الفضاء عبر أزياء بتصاميم مستقبلية تغلب عليها ألوان النيون ومواد من البلاستيك.
افتتح العرض بفستان قصير على شكل ساعة رملية بتنورة مقببة وخصر محدد. قال إنه مصنوع «من بقايا دانتيل قديم جُمّعت بعناية وحرفية». تطريزاته الداكنة بأحجار الكريستال الأسود منحته غموضاً وأناقة في آن معاً.
ثم توالت الإطلالات؛ أبرزها معطف «ترينش» يمكن ارتداؤه بوجهين، ومصنوع من قماش خفيف يلمع بلون العاج ببطانة مطرزة بالأزهار، في إشارة إلى أن الحكم على الظاهر وحده غير كاف، وإلى أن ما خفي أعظم.

كما هي عادته، لم يتخلَّ إيرديم عن لغته الأثيرة: الزهور. فهو من المصممين الرومانسيين الذين يعتمدون الطبيعة لغةً أساسية في تصاميمهم، وبالتالي تكررت في كثير من الإطلالات. تارة عبر تطريزات باليد أو طبعات، وأخرى من خلال زخارف تطبيقية. لم يكن الهدف منها التزيين فحسب، بل استُهدفت بوصفها رمزاً للأنوثة المتجددة والقادرة على التفتح في كل زمان ومكان.
من الإطلالات اللافتة التي ستظل مرسومة في الذاكرة، معطف «ترينش» من الساتان بلون أخضر، ومطرز بدقة متناهية. تلته إطلالات أخرى، منها قطعة مستلهمة من «البيجاما» مكونة من قميص مخطط من القطن مع سروال مربوط بخيط، نُسّقت مع حزام على شكل كورسيه مطرز بالزهور. كان الهدف من هذا الكورسيه ربط الماضي بالحاضر بأسلوب معاصر.

ربما كان هذا الربط بين القديم والمتجدد هو القوة الدافعة في تشكيلة فصّلها إيرديم لتشكّل فصلاً آخر من رحلة متخيلة تحكي فيها الأقمشة وتطريزاتها حكايات ملهمة تتوق للمستقبل؛ ربما لأن الهروب من الحاضر، كما فعلت مُلهمته هيلين سميث، ليس ضعفاً، بل نوع من التجدد.
















