دانيال روزبيري لـ«الشرق الأوسط»: قد نختلف على طريقة نطق اسمها لكننا جميعا نعرف من هي

«سكياباريللي»... من سبات عميق إلى رقم صعب في معادلة الموضة حالياً

دانيال يحيِّي ضيوفه بعد عرض أثار الإعجاب وأيقظ الأحلام (غيتي)
دانيال يحيِّي ضيوفه بعد عرض أثار الإعجاب وأيقظ الأحلام (غيتي)
TT

دانيال روزبيري لـ«الشرق الأوسط»: قد نختلف على طريقة نطق اسمها لكننا جميعا نعرف من هي

دانيال يحيِّي ضيوفه بعد عرض أثار الإعجاب وأيقظ الأحلام (غيتي)
دانيال يحيِّي ضيوفه بعد عرض أثار الإعجاب وأيقظ الأحلام (غيتي)

كانت أشعة شمس دافئة تلقي بظلالها على ساحة «فاندوم» الباريسية. تدخل مقر «ميزون سكياباريللي» Maison Schiaparelli في أقصى ركن منها، حيث كان موعد اللقاء مع مصممها دانيال روزبيري، فيصفعك هواء منعش ورائحة ورود ذكية تنبعث من جوانبه. المبنى هنا لا يشبه مقرات بيوت الأزياء الأخرى، بل له طابع نخبوي يخفي بعض الأسرار التي لا يعرفها كثيرون. فهو مكون من عدة طوابق تتفرع منها قاعات عرض للأزياء الرفيعة، وأخرى تستعرض تاريخ الدار، وفي الطابق الثاني متجر خاص بالإكسسوارات والأزياء الجاهزة مفتوح للزبونات العارفات بوجوده. فالتسوق بالنسبة إلى الدار يجب أن يكون تجربة فريدة مفعمة بالحميمية.

كان اللقاء المرتقب مع روزبيري، المصمم الذي يصفه البعض بالوريث الشرعي لإلسا سكياباريللي على الساعة التاسعة والنصف صباحاً. تأخر نحو 6 دقائق اعتذر عنها بحرارة بعفوية أميركية.

المصمم دانيال روزبيري يتأكد من كل التفاصيل قبل العرض (سكياباريللي)

مظهره هادئ. أناقته بعيدة عن الزخرف، بعكس عروضه المليئة بالمفاجآت المسرحية والدراما الفنية. يمتد الحديث إلى نصف ساعة، تكتشف فيها أن خلف هذا الهدوء، تكمن طاقة داخلية مشحونة بالأفكار والرغبة في التميز.

يصوب نظره نحو «ساحة فاندوم» وهو يُوافق على قولي بأنه محظوظ بوجوده في هذا المكان الأيقوني: «فعلاً! لا يمكن لأحد أن يكون هنا من دون أن يشعر بالرهبة. هذه الساحة تمثل قلب الفخامة الباريسية، وهي بلا شك تلهمني». يتابع مازحاً بابتسامة: «ربما لهذا أستخدم هذا القدر من الذهب في تصاميمي».

ساحة بطولات وهزائم

قد تكون الساحة حالياً معقل دور المجوهرات الرفيعة، لكنها قبل ذلك كانت مسرح بطولات وهزائم عسكرية، كما شهدت على تحوّلات طبقية وفنية شتى، منها تلك المنافسة الشرسة والأقرب إلى المعركة بين مصممتين كانتا ولا تزالان لهما تأثير كبير على ساحة الموضة، هما: كوكو شانيل وإلسا سكياباريللي. هنا كانت تعيش الأولى متنقلةً بين شارغ غامبون وفندق الريتز، وعلى بُعد خطوات منها، في هذا المبنى، كانت الأخرى تُبدع تصاميمها وتستقبل زبوناتها وأصدقاءها من الفنانين من أمثال سالفادور دالي وجون كوكتو وألبرتو جياكوميتي ومان راي وغيرهم.

المفاتيح والأقفال وغيرها من الأشكال أصبحت لصيقة باسم الدار وتظهر في كثير من إبداعات المصمم (سكياباريللي)

الفرق بينهما كان شاسعاً. كوكو تبنت أناقة معاصرة بينما آمنت إلسا بالفن حد الذوبان فيه. تجاهلت تغيرات الثقافة العامة بعد الحرب العالمية الثانية، ورفضت أن تغيّر هويتها، وكانت النتيجة خروجها من المنافسة تاركة الساحة لغريمتها تجول وتصول فيها. بالنسبة إلى عشاقها، خسرت المعركة لكن حفرت مكانتها في الذاكرة، لتعود بعد عقود. فقصتها لم تنتهِ بالنسبة إلى الملياردير الإيطالي، دييغو ديلا فالي، مالك مجموعة «تودز»، عندما اشتراها في عام 2006. وفي 2019 أفاقت من سباتها بشكل كامل على يد دانييل روزبيري.

الآن «سكياباريللي» ليست مجرد اسم إضافي في برنامج باريس للـ«هوت كوتور». أصبحت لاعباً أساسياً في ساحة الموضة ككل. نجح روزبيري فيما لم ينجح فيه غيره منذ زمن: تفجير طاقات «سكياباريللي» النائمة موظِّفاً الذهب والدراما في إكسسوارات نافرة وتفاصيل قد تميل إلى المسرحي، لكنها حرّكت المياه الراكدة ليس في عُقر الدار وحدها بل في ساحة الموضة التي ظلت لسنوات تعاني من الجفاف البصري والفني.

حوار الماضي والمستقبل

دانيال روزبيري خلال أول عرض له للدار في يوليو 2019 (غيتي)

منذ أول عرض له قدم تشكيلة جريئة انتزعت شهقات الإعجاب والدهشة بأكتافها العالية وأحجامها المبالغ فيه وإكسسواراتها الغريبة، من أقراط أذن تغازل الناظرين بعيونهم الجاحظة، إلى أحزمة بإبزيمات ذهبية أو حقائب يد تتماهى فيها الجلود مع المعادن بجرأة. كانت هذه التشكيلة إيذاناً باستعادة الدار عافيتها الفنية، وإن كان لدانيال رأي آخر: «لم تكن مثالية لي لكنها كانت شجاعة». شجاعتها تكمن في أنه دخل قلب معركة بدأت في الماضي وعليه أن يوجهها نحو المستقبل. ورقته الرابحة كانت ولا تزال أنه لم يُقدس الماضي فيتقيد به، بل حاوره بلغة معاصرة وواقعية.

أسأله: ما الذي استهواه بصفته مصمماً أميركياً عندما تلقى العرض لقيادة دار أزياء باريسية متخصصة أساساً في الـ«هوت كوتور»؟ يأتي جوابه بسيطاً: «لعدة أسباب، الأول أن إلسا لم تكن تسعى لإرضاء السوق على حساب رؤيتها الخاصة، والثاني إرثها الذي يتمتع بمرونة تساعد على تطويعه في قطع استثنائية بكل معنى الكلمة. ثالثاً طموح الدار الكبير رغم أنها صغيرة مقارنةً ببيوت الأزياء العملاقة، فضلاً عن شجاعتها. من الناحية الشخصية، كنت مستعداً بدوري لخوض تحدٍّ جديد وشجاع».

رموز الدار الأيقونية تظهر في كل تشكيلاته سواء للـ«هوت كوتور» أو الأزياء الجاهزة أو الإكسسوارات (سكياباريللي)

هذا الطموح الذي أشار إليه يعكس في المقام الأول طموح مالك مجموعة «تودز» دييغو ديلا فالي الذي استحوذ عليها في عام 2006. أخذ وقته في البحث عن خليفة يفهم شخصيتها المتمردة ليفك طلاسم رموزها الفنية الصادمة بشكل معاصر. تعثر بحثه لسنوات، حيث توالى على الدار كل من ماركو زانيني في عام 2014، تلاه برتراند غيون إلى عام 2019، قبل أن يثمر صبر ديلا فالي ويتوصل إلى دانيال روزبيري.

كان أول أميركي يتولى إدارة دار متخصصة في الـ«هوت كوتور»، ومنذ أول تشكيلة قدمها أكد أن الإبداع لا جنسية له. سرعان ما توسع للأزياء الجاهزة والإكسسوارات. دائماً ملتقطاً أيقونات كانت منسية، يعيد تفسيرها بلغة تلمس روح العصر وتدغدغ خيال شريحة كبيرة من النساء.

اليوم، يُنتج روزبيري أربع تشكيلات سنوياً، وهو رقم مرهق لأي مبدع. لكنه ينفي أي شعور بالإرهاق أو الاستنزاف. بالعكس «أجد في التحدي مصدراً للتجدد. هذا لا يعني أني لا أشعر بثقل المسؤولية، لكني عندما أرى كيف يُحدث تصميم يحمل توقيعنا أثراً إيجابياً، فإني أشعر بسعادة غامرة تُهوِن كل شيء».

الـ«هوت كوتور» بالنسبة إليه «يطمح للوصول إلى آفاق عالية لتذكِّرنا بأن الكمال يأتي بثمن»... (سكياباريللي)

سريالية كورونا

تعيين روزبيري تزامن مع بداية انتعاش السريالية في العالم، الأمر الذي كان في صالحه، لكنه أيضاً تزامن مع بداية تفشي جائحة كورونا في عام 2019. كانت فترة عصيبة على الجميع، إلا أنه تعامل معها بمرونة لم تكن متوفرة لدى المؤسسة إلسا سكياباريللي. فإغلاق دارها في عام 1954، رغم ما كانت تمتلكه من إمكانات فنية عالية كان بسبب رفضها مسايرة تغيرات العصر بعد الحرب العالمية الثانية. يُلمِح روزبيري لهذه الحقيقة وهو يستشهد بمقولة داروين: «إن البقاء ليس للأصلح بالضرورة، بل للأكثر قدرة على التكيف».

طوال سنواته الست في الدار، ذهب إلى ما هو أبعد من التكيف أو التأقلم. استغل منذ البداية مضادان حيويان فعالان تمتلكهما الدار، وهما الحلم والفانتازيا. فقدم سلسلة من العروض استحضرت كل الرموز المسرحية والفنية التي جعلت من إلسا سكياباريللي مصممة أسطورية. كان السؤال الذي طرحه في بيانه الصحافي عند تقديمه تشكيلته الأولى هو: كيف نتعامل مع الأزياء في نهاية العالم؟ لم يكن يتوقع أن يكون هذا السؤال استباقاً لما سيأتي «لأن 2019 كان نهاية العالم كما عرفناه وعشناه قبل جائحة كورونا» وفق قوله.

كيف أيقظ الحلم؟

لايدي غاغا تتوجه لأداء النشيد الوطني في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بإطلالة صمَّمها لها دانيال خصيصاً (غيتي)

في عز هذه الفترة، كثَّف جهوده لإيقاظ الحلم، وحقق الهدف سريعاً. في يناير (كانون الثاني) 2021، وحين كان العالم أجمع يتابع حفل تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، ووجوه الحضور تختفي وراء كمامات، ظهرت المغنية لايدي غاغا لتؤدي النشيد الوطني. غيَّرت المشهد بزي درامي بلون كحليّ عند الصدر، تتدفق منه تنورة باللون الأحمر وبروش ذهبي على هيئة حمامة سلام. كانت الإطلالة بتوقيع «سكياباريللي» ساهمت في التحليق بالدار إلى أعلى المستويات. غنيٌّ عن القول أنها استقطبت مزيداً من الاهتمام العالمي، كما استقطبت النجمات، لتصبح تصاميم روزبيري للدار، الحاضر الدائم في مناسبات السجاد الأحمر.

بغض النظر عن عدم القدرة على نطق اسم الدار بشكل صحيح فإن التعرف عليها ممكن من النظرة الأولى بفضل تفاصيلها المميزة (سكياباريللي)

عروضه أيضاً من بين الأكثر إثارة في باريس حالياً، بدليل أن عرضه لخريف 2025 عُدَّ الأفضل في 2024. في القاعة الفخمة التي جرت فيها المقابلة، تناثرت فساتين من تشكيلته الأخيرة للـ«هوت كوتور» في استعراض رائع لقدراته الفنية، بطيَّاتها المتعددة والمبتكرة ولمساتها الجانحة نحو السريالية.

وفي الطابق الثاني حيث المتجر الخاص بالأزياء الجاهزة، تُعرض تشكيلته لربيع وصيف 2025. روَّض جموحها الفني من دون أن يُفقدها خصوصيتها، بحيث لم تخلُ من رموز أيقونية ترتبط بالدار مثل شريط قياس وظَّفه لتزيين ياقة جاكيت أو صندل مفتوح، أو مفاتيح وأقفال تزين جزءاً من فستان أو حقيبة يد أو تشكل أزراراً وهلمّ جرّا. بيد أن رائحة أميركية خفيفة تفوح من بعضها على شكل شراشيب أو من الدينم. فأي مبدع، مهما ابتعد، لا يمكن أن ينسى بيئته الأولى.

يعلِّق: «الأزياء الرفيعة والجاهزة بالنسبة إليّ وجهان لعملة واحدة تجمعهما (سكياباريللي)». ثم يضيف بابتسامة خفيفة أنه يجب عدم الاستهانة بهذا الاسم أبداً «فمن أحب العبارات إلى قلبي ما قاله عنها صديقها سالفادور دالي: قد نختلف على طريقة نطق اسمها، لكننا جميعاً نعرف من هي». ويتابع دانيال: «برأيي، لا يهم إن نُطقت (تشيابارالي) أو (سكيابارللي). ما يهم أن يتعرفوا عليها وعلى رموزها بسهولة».

بهذا التصريح يختتم اللقاء مودِّعاً. يتوجه بهدوء نحو مكتبه الواقع في المبنى ذاته، مخلِّفاً انطباعاً أن أجمل الفصول لم تُكتب بعد، وأن القادم لن يقل درامية.

أخرج من المبنى وأجول بنظري في ساحة «فاندوم»، فيخطر ببالي سؤال قديم: هل انتصرت إلسا، بعد كل هذه العقود، على غريمتها الأزلية كوكو شانيل؟ الدلائل توحي بأن المعركة لم تنتهِ، لكنها دخلت مرحلة مثيرة بقيادة مصمم ينحدر من ولاية تكساس الأميركية اقترب من إلسا كثيراً وردَّ لها اعتبارها وأكثر، لكنه لم يتوارَ خلفها.

تتميز المساحة الخاصة بالدار في الطابق الأول بكل معاني الرفاهية والأناقة من خلال الديكور كما من خلال المعروضات (سكياباريللي)

بعد أسبوعين من اللقاء احتفلت الدار بتوسيع القسم الخاص بها في الطابق الأول من «هارودز» في لندن. افتتحته أول مرة في عام 2023، وكان لابد من توسيعه بالنظر إلى النجاحات التي تحققها وحجم الإقبال على سرياليتها. هنا أيضاً تشعر بروح «سكياباريللي» تتجلى في المعروضات كما في الديكورات. ألوان ذهبية في كل مكان تذكرني بتصريح المصمم دانيال روزبيري في بداية لقائنا «ربما لهذا استخدم هذا القدر من الذهب في تصاميمي» عندما تحدث عن تأثير ساحة «فاندوم» الباريسية عليه.

لعب دوراً كبيراً في تصميم هذه المساحة حتى تأتي بمعايير تجعل من التسوق تجربة مختلفة، لا سيما وأن سياسة «سكياباريللي» عدم افتتاح محال في كل مكان. تريد أن تبقى نخبوية وحميمية، وهذا ما عكسته المساحة الخاصة بها في «هارودز». صُممت على شكل شقة فخمة بغرف متعددة تنقل الزائر إلى أقسام الأزياء والاكسسوارات والمجوهرات بتسلسل مريح. فالمكان دعوة مفتوحة لدخول عالم «سكياباريللي» بكل إبهاره وبهاراته.


مقالات ذات صلة

ريم صالح تخيط حلمها بخيط توشّح به البحر والسماء

يوميات الشرق ريم صالح وفستان زفاف من تصميمها (المُلحَقة الإعلامية)

ريم صالح تخيط حلمها بخيط توشّح به البحر والسماء

استلهمت مجموعتها من عناصر الكون، فاختارت قصّات هندسية غير تقليدية، وكورسيهات مُنحنية تُشبه شكل النجوم. واستوحَت من حوريات البحر تصاميم انسيابية بألوان متدرّجة.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة بين التصاميم الهندسية والتفاصيل الأنثوية خلق خالد صورة تتوق للعالمية (الشرق الأوسط)

«هاليد ولينا»… علامة مصرية تنسج من ذكريات الماضي حداثة تتوق للعالمية

علامة Haled&Lena مصرية تتمسك بالجرأة والتجريب من دون أن تنسى الماضي أو تتنصل منه

نادية عبد الحليم (القاهرة)
لمسات الموضة من عرض فاريل ويليامز لدار «لوي فويتون» (أ.ب)

أسبوع الموضة الرجالية لربيع وصيف 2026 في مواجهة التغيير

المصممون يواجهون أزمات التغيير بتصاميم راقية وبسيطة في الوقت ذاته. هدفهم مخاطبة أكبر شريحة ممكنة من عشاق الموضة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة الهوت كوتور... من العصر المذهب إلى عُرس القرن

لقاء الموضة بالنفوذ والصورة

مقولة منسوبة لرجل الأعمال الأميركي جي. بول غيتي مفادها أن «المال هو القوة الحقيقية في هذا العالم، ولا شيء يتحرك من دونه» تُلخص حال الموضة بشكل أو بآخر

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة جيلدو زينيا وإيلي صعب يتوسطان أنجيلو زينيا وإيلي صعب جونيور (زينيا)

«زينيا» و«إيلي صعب» ومفهوم التوريث

تخرج من اللقاء بنتيجة واضحة، وهي أن إرث «زينيا» و«إيلي صعب» قائم على علاقة تنسجها الأجيال، وأنها في أمان.

«الشرق الأوسط» (دبي)

«هاليد ولينا»… علامة مصرية تنسج من ذكريات الماضي حداثة تتوق للعالمية

بين التصاميم الهندسية والتفاصيل الأنثوية خلق خالد صورة تتوق للعالمية (الشرق الأوسط)
بين التصاميم الهندسية والتفاصيل الأنثوية خلق خالد صورة تتوق للعالمية (الشرق الأوسط)
TT

«هاليد ولينا»… علامة مصرية تنسج من ذكريات الماضي حداثة تتوق للعالمية

بين التصاميم الهندسية والتفاصيل الأنثوية خلق خالد صورة تتوق للعالمية (الشرق الأوسط)
بين التصاميم الهندسية والتفاصيل الأنثوية خلق خالد صورة تتوق للعالمية (الشرق الأوسط)

على الرغم من أنها لا تزال في بداياتها، فإن العلامة المصرية Haled&Lena «هاليد ولينا» تتمسك بالجرأة والتجريب. رغم أن الأفكار المفاهيمية في التصميم هي التي تُميّزها، فإن ذكريات قديمة وعناصر من الماضي أكثر ما يُلهمها.

معاطف بأكتاف حادة تكشف عن القوة والثقة، فساتين «مكرمشة» ومنحوتة تُبرز جمال الجسد والروح، تنورات مفعمة بالأنوثة، بنطلونات متعددة الطبقات «Layered Pants»... والثقافات أيضاً، بدلات بأحجام واسعة. كلها بأقمشة تتميز بالنعومة والشفافية وتناسب الأمسيات الزاخرة باللحظات السعيدة، كما تزخر بالأفكار العملية لنهارات تتطلب العمل والحركة.

تصاميم مستوحاة من الذاكرة بأسلوب حداثي ومعاصر (الشرق الأوسط)

هذه القطع التي تتعارض وتلتقي في الوقت ذاته، تحمل توقيع خالد فريد. شاب طموح أسس دار الأزياء بالتعاون مع لينا أبو سريع، خبيرة تجميل ربطته بها علاقة صداقة قوية؛ وهو ما يفسر اسم العلامة الذي يحمل الاسم الأول لكل منهما. لكن «خالد» تحول إلى «هاليد»؛ بسبب عدم قدرة أحد أصدقائه الأجانب على نُطق الخاء.

الولع بالجمال والموضة جمع الصديقين؛ فقبل «هاليد ولينا» عمل كل منهما في عالم الجمال والموضة. تخصص خالد في تنسيق أزياء علامات تجارية معروفة مثل «أختين»، «مغربي»، «دخون» الإماراتية، «فاما»، في حين عملت لينا فنانة ماكياج وخبيرة تجميل. تعاملت لسنوات مع نجمات ووجوه تمثل علامات تجارية مثل ريتمو أباريل، وبي إندي، وباي ريما الشهيب، وبيمن وغيرها.

استحضار الماضي بلغة معاصرة أمر أساسي بالنسبة لخالد فريد (الشرق الأوسط)

لكن عندما قرر الصديقان تأسيس علامة خاصة بهما، كان أول شيء اتفقا عليه هو التخلص من تأثير أي من العلامات التي سبق وعملا فيها أو تعاملا معها. انطلقت فكرتهما من ضرورة تقديم تصاميم غير نمطية تُعبّر عنهما وتخاطب كل من يريد التفرد.

من هذا المنظور، يستلهم فريد تصاميمه من «أرشيفه العاطفي» وفق قوله وذاكرته البصرية التي تتراوح مكوناتها ما بين الريف المصري حيث نشأ، والمدينة الصاخبة القاهرة حيث يقيم راهناً، إلى جانب سفرياته وشغفه بعالم الموضة. بدورها، تُبدي لينا أبو سريع، التي تتولى الأمور الإدارية، رأيها في كل قطعة. لكن بعين عاشقة موضة تلتقط نقاط الجمال وتفاصيله.

المعطف قطعة أساسية في تشكيلته وجاء بأشكال متنوعة... لكن دائماً مبتكرة (الشرق الأوسط)

بالنسبة للكثيرين، فإنه مع حلول فصل الشتاء، يُعد وجود معطف في خزانة أي شخص من الأساسيات، كما يشكل قطعة لا يجب التباخل عليها من قِبل المشتري أو الإبداع فيها من قِبل المصمم. وهذا ما تلاحظه في مجموعة «هاليد ولينا» لشتاء 2025، فإن الأمر يجمع الأناقة بالعملية، خصوصاً وأنها تمثل لفريد قطعة «مٌحمَّلة بالذكريات والحنين».

استدعى خالد فريد من ذاكرته المعطف الواسع الذي كان يرتديه والده فوق «الجلابية» الريفية التقليدية - وهو أمر كان معتاداً في الريف المصري زمان ـ نوعاً من الفخامة وللوقاية من برودة الطقس، ليقدم تصميماً معاصراً له.

المعطف الأسود قطعة أساسية في علامة «هاليد ولينا» (1)

تستند معاطف المجموعة، وهي للمرأة والرجل على السواء، إلى جلد نابا الناعم المرن، وهي كبيرة الحجم، ذات تصميم مزدوج الصدر، وياقة من جلد التمساح، بارزة من أحد الجانبين. تفاصيلها وخاماتها تضفي عليها الفخامة وفي الوقت نفسه تساير أحدث اتجاهات الموضة بعمليتها.

بيد أن منبع الاستلهام الأكبر في تصاميم فريد يبقى لوالدته ياسمين التي يكاد يطلق اسمها على كل تصاميمه. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كانت أمي محجبة، لكنها دائماً تختار أغطية الشعر من الشيفون، فمن هنا أحببت هذه الخامة الناعمة والشفافة وكل ما يقارب ملمسها».

يتذكر فريد كيف كان يتدرب على التصميم مستعملاً أوشحة والدته، معلَقاً: «من هنا بدأ ولعي بالرسم والتصميم».

كل قطعة من تشكيلة «أمورال» - وفق قوله - تجسد قطعة فريدة من نوعها، بتميزها وفخامتها. والجميل فيها أنها لا تتطلب الكثير من المرأة لكي ترفع من مستوى جمالها أو رفاهيتها. إنها ببساطة مجموعة مناسبة لـ«السجادة الحمراء»، مثل فستان بلون عنابي بقماش «مكرمش».

الكرمشات كما ظهرت في فساتين من تصاميمه (الشرق الأوسط)

مع هذا الفستان تشعر المرأة أن الكرمشات دعوة لاحتضان أسلوبها الشخصي، بعيداً عن النمطية أو المفهوم التقليدي للأناقة والجمال. هذه الكرمشات أيضاً عملية من ناحية أن تحرر المرأة من قيود الشكل المتناسق بالكامل. فهي تبدو هنا أنيقة بشكل طبيعي.

يوضح المصمم أن هذا لا يتعارض مع الأناقة الرسمية في المناسبات المهمة مثل السجادة الحمراء. يقول: «سبق أن رأينا على سبيل المثال في حفل (ميت غالا) فستان ميشيل يوه المصنوع من رقائق الألمنيوم من (بالنسياغا)، وكذلك فستان غريتا جيرفيغ الوردي المتجعد والمرح من العلامة نفسها في (كان)».

هنا يتذكر فريد من جديد والدته وكيف ألهمته وهو صغير: «كنت أتعجل الخروج مع أصدقائي؛ لنلعب سوياً، فأمد يدي وأسحب ملابسي من الخزانة من دون كي، فتزجرني أمي، لكنها تتقبل الأمر وهي تضحك».

يتابع بتأثر: «بالنسبة لي يكمن جمال هذه الملابس في عفويتها المتأصلة وما تمنحه لصاحبها من راحة وشعور بالانطلاق».

رغم أنه يستلهم من محيطه وذكرياته، لا تتعمد علامة «هاليد ولينا» تقديم تصاميم مصرية الهوية؛ فهي تأتي بالفطرة. يترك الأمر إلى ما يوحيه له خياله وما يتذكره من تجارب خاصة، وما يتطلبه الواقع. فالموضة بالنسبة له «مرادف للتغيير والتجديد أولاً وأخيراً». حتى القديم يمكن أن يخضع للتجديد ليواكب العصر ويبقى حاضراً.

أناقة معاصرة بنكهة الذكريات من خلال استعماله الطبقات المتعددة (الشرق الأوسط)

يستشهد على هذا بموضة «الطبقات المتعددة» المتكونة من تنورات فوق بنطلونات كانت ولا تزال تُستعمل بطريقة عفوية في الأماكن الشعبية والقرى البعيدة من قِبل الرجال والنساء على حد سواء. هي الآن موضة عالمية تقدمها أرقى بيوت الأزياء العالمية، كذلك كثير من التوجهات الرائجة التي يمكن أن نجد لها جذوراً في ثقافات بعيدة جغرافياً وثقافياً عن باريس أو ميلانو أو نيويورك. وليس أدل على هذا من موضة الشباشب التي كانت رائجة في مصر والدول العربية وتشهد انتشاراً عالمياً بعد أن صاغها مصممون عالميون بطريقتهم وسوّقوها بشكل جذاب.

يعترف خالد بأن أحد المصادر التي استلهم منها هي «رجل الروبابكيا»، وهو ما يظهر في مجموعة بنطلونات بطبقتين. يتذكر كيف كان رجل الروبابكيا يتجول في الحي الذي يسكنه، بزيه المميزة؛ ما حفر صورة مليئة بالنوستالجيا في ذاكرته. هذه الموضة ظهرت أيضاً في عروض أزياء عالمية مثل عرض دار «دولتشي آند غابانا».

يعلّق خالد فريد بأن المصمم العربي أولى بإعادة صياغتها؛ لأنه يفهمها، وكل ما عليه أن يقدمها بأسلوب راقٍ يجمع الابتكار والإبداع ولو جاء الأمر على حساب الربح التجاري.