قراءة في رؤية شي جينبينغ لتحديات بكين في العصر الجديد

على خلفية رؤيته لتطوّر اشتراكية بخصائص صينية

لقطة من لقاء الرئيسين شي وجو بايدن الأخير في سان فرانسيسكو (رويترز)
لقطة من لقاء الرئيسين شي وجو بايدن الأخير في سان فرانسيسكو (رويترز)
TT

قراءة في رؤية شي جينبينغ لتحديات بكين في العصر الجديد

لقطة من لقاء الرئيسين شي وجو بايدن الأخير في سان فرانسيسكو (رويترز)
لقطة من لقاء الرئيسين شي وجو بايدن الأخير في سان فرانسيسكو (رويترز)

تلعب الصين دوراً متزايد الأهمية في الفضاء الدولي، كما أنها بالتوازي مع اهتماماتها التنموية مع العالم العربي تنشط في المجال السياسي. وكان من المحطات اللافتة أخيراً دعوة الرئيس الصيني شي جينبينغ يوم أول من أمس إلى عقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب بين إسرائيل و«حماس»، وذلك خلال خطاب توجّه به إلى القادة العرب في إطار منتدى يهدف لتعزيز العلاقات مع المنطقة. ما لا يحتاج إلى تذكير، أن الصين لطالما استوردت النفط الخام من الشرق الأوسط، ثم جاءت مبادرة «الحزام والطريق» الصينية (عام 2013)، لتدق جدياً أبواب الشرق الأوسط. وعلى الصعيد السياسي، سعت الصين تحت قيادة شي جينبينغ «البراغماتية» إلى توسيع نفوذها خلال السنوات الأخيرة، مستفيدة مما يراه مراقبون أخطاء ارتكبتها كل من الولايات المتحدة وروسيا في تعاملها مع بعض ملفات المنطقة الساخنة مثل فلسطين وسوريا. والواقع أن وراء «البراغماتية» الصينية في مجالات السياسة والاقتصاد والتنمية تقف خلفها قيادة حزبية قوية ورؤيوية شرّعت الأبواب لإصلاحات اقتصادية وتنمية مستدامة من دون إغفال الدور الرائد للحكومة بمقترحاتها وتوجيهاتها نحو الأهداف المعدّة؛ إن في الاقتصاد أو المجتمع، مع التركيز على تعزيز وتطوير التكنولوجيا بوصفها مدخلاً لتحقيق التقدم والتنمية.

 

جسر خليج جياوجو ... من التحفة الهندسية المهمة (رويترز)

 

 

من المفهوم أن الفلسفة الشيوعية الصينية تمحورت طويلاً حول دور الحزب الشيوعي الصيني بصفته قائداً ومحرّكاً للتغيير الاجتماعي والاقتصادي. وهنا أكد شي جينبينغ، أمين عام الحزب، «أهمية التمسك بالمبادئ الشيوعية التقليدية وتطويرها بما يتناسب مع الواقع الصيني الحديث وتحدياته». وبالطبع، شدد على أهمية دور الحزب في تحقيق التوازن بين التطور الاقتصادي والمحافظة على القيم والمبادئ الشيوعية.

إلا أن وراء الأسس الفلسفية لـ«الاشتراكية الصينية» تاريخاً طويلاً من التطوّر الفكري والسياسي في البلاد، وجمع فيه بين الشق العقائدي والتقاليد الثقافية. واليوم تظهر نتائج المرونة الحزبية التي أفضت إلى التطور والتكيف ليتناسب مع الوضع الصيني الفريد. وكل هذا من دون المساس بكون الحزب الشيوعي الصيني المحرّك الرئيس للتغيير الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

ووفق مناصري تجربة الصين، يؤكد شي جينبينغ أهمية دور الحزب في توجيه المجتمع نحو مستقبل أكثر استدامة وعدالة، كما أنه يرى من الضروري تطوير المبادئ الشيوعية التقليدية بما يتلاءم مع الواقع الصيني الحديث وتحدياته.

وفي هذا المجال، يسعى شي إلى استخدام التراث الثقافي الصيني منصةً لبناء مستقبل أفضل، مع تطوير وتحسين نموذج الاقتصاد الاشتراكي ليكون أكثر فاعلية وتوجهاً نحو العدالة الاجتماعية، وفي الوقت عينه يركز الأمين العام على أهمية الحفاظ على القيم والمبادئ الشيوعية في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة، ويؤمن بأن التوازن بين التطور الاقتصادي والمحافظة على القيم الثقافية والاجتماعية هو الطريق لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي في البلاد.

تحقيق التنمية الاقتصادية

هنا يشير المراقبون المقرّبون من بكين إلى أنه بفضل الرهان على نجاح التوجيه الاقتصادي والإصلاحات الهيكلية، حققت الصين نمواً اقتصادياً كبيراً خلال العقود الأخيرة؛ إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مستويات قياسية، ما جعلها واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم.

والحقيقة أن تحقيق التنمية الاقتصادية كان يعدّ من أولويات الحكومة الصينية في فترة حكم شي جينبينغ. ذلك أنه منذ تولي شي السلطة في عام 2012، قاد الزعيم الصيني جهوداً دؤوبة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة. ثم إن الحكومة واصلت في الوقت عينه سياسات الإصلاح والانفتاح التي كانت قد بدأت في أواخر السبعينيات، ولكن تحت قيادة شي جارٍ حالياً تعزيز هذه السياسات وتوسيع نطاقها.

وفي التفاصيل، جرى اتخاذ إجراءات لتحسين بيئة الاستثمار وتشجيع الابتكار وتطوير القطاعات الحديثة مثل التكنولوجيا والابتكار، وتعزيزاً للبنية التحتية خصّصت الحكومة الصينية موارد كبيرة لتطوير البنية التحتية في البلاد، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والمطارات والموانئ. وأيضاً حسّنت البنية التحتية لتعزيز الربط بين المدن والمناطق الريفية وتسهيل التجارة والنقل، وأُنجز تقدم لافت على صعيد رفع مستوى المعيشة للشعب الصيني إبان فترة حكم شي.

ومن ثم، نجحت السلطات في خلق فرص العمل، وتحسين الرواتب، وتوسيع نطاق التأمينات الاجتماعية ليشمل مزيداً من المواطنين، وإذ ركّزت الحكومة تحت قيادة شي بينغ على تحويل الاقتصاد الصيني نحو الابتكار والتكنولوجيا، جرى دعم الشركات الناشئة وتشجيع البحث والتطوير، وسُجّل تحقيق تقدمٍ مهمٍّ في مجالات مثل التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. وبناءً على هذا، أدت كل هذه السياسات المعتمدة والجهود الاقتصادية المبذولة إلى تعزيز دور الصين في الاقتصاد العالمي، بل لقد أصبحت الصين أكبر مشتر للسلع العالمية، ومن أهم المصدرين للاستثمار الخارجي.

تطوير التكنولوجيا والابتكار

وحقاً، يتفق متابعون وخبراء على أنه عبر توجيه القيادة الحالية اهتمامها نحو تعزيز الابتكار وبناء اقتصاد مبتكِر، شهدت الصين تطورات هائلة في مجال التكنولوجيا والابتكار، تمكنت بفضلها من أن تغدو قوة رائدة في مجالات عدة تشمل التكنولوجيا الرقمية، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الطاقة المتجددة.

وراهناً، تعدّ الصين ضمن طليعة دول العالم في مجال التكنولوجيا الرقمية، حيث تمتلك شركاتها العديد من الابتكارات في مجال الدفع الرقمي، والتجارة الإلكترونية، والتطبيقات الذكية. ومن بين أبرز الشركات الصينية الرائدة في هذا المجال «تينسنت»، و«علي بابا». كذلك تُعَد الصين من أبرز الدول التي تستثمر بقوة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتطوير تقنياته وتطبيقاته في مختلف الصناعات، مثل الصحة والتعليم والتصنيع والزراعة، وتعدّ شركات مثل باتا وهواوي من أبرز الشركات الطليعية المتقدمة في هذا المجال.

وبالنظر إلى التزايد الكبير في الطلب على الطاقة والمخاوف المتزايدة بشأن التغير المناخي، ركّزت الصين على تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية النظيفة، وهو ما يعكس التزام البلاد بالتنمية المستدامة.

والى جانب التركيز على التكنولوجيا الحديثة، تعمل الصين أيضاً على تحسين وتطوير الصناعات التقليدية من خلال التبني والتكامل مع التكنولوجيا الجديدة، ما يعزّز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية. وكذلك تقوم الحكومة راهناً بدعم الابتكار والبحث العلمي من خلال توفير الدعم المالي والتسهيلات للشركات والمؤسسات البحثية، بالإضافة إلى تشجيع الابتكار من خلال تطبيق السياسات والحوافز المناسبة.

الرئيس الصيني شي جينبينغ (رويترز)

مكافحة الفقر وتحسين مستوى المعيشة

ووفق تخطيط القيادة الحالية، وبناء على توجيهاتها، نجحت الصين في تبني العديد من السياسات والبرامج التي تهدف إلى مكافحة الفقر بفاعلية، وتحقيق التنمية المستدامة، وتطوير البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

وفي هذا الصدد، اعتمدت الصين سياسات اقتصادية شاملة تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفقر، مثل سياسات الإصلاح والانفتاح الاقتصادي، والاستثمار في البنية التحتية، وتطوير الصناعات الحديثة. وأيضاً، اضطلعت الحكومة بتنفيذ برامج اجتماعية وتنموية موجهة لمكافحة الفقر، مثل برنامج الحماية الاجتماعية، وبرنامج الرعاية الصحية الشاملة، وبرنامج الإسكان الاجتماعي، كما شهدت الصين جهوداً كبيرة في تطوير البنية التحتية في المناطق الريفية، مثل بناء الطرق والجسور، وتوفير الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، مما ساهم في تحسين جودة حياة السكان وتعزيز فرص العمل.

ويضاف إلى كل ما سبق، صب الاهتمام على تشجيع الاستثمارات في المناطق الفقيرة، وتقديم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة، وإطلاق مشاريع تنموية تهدف إلى خلق فرص عمل جديدة للمواطنين، مع إيلاء الدولة اهتماماً كبيراً لتحسين جودة التعليم، وتقديم التدريب المهني، بهدف زيادة فرص العمل، وتمكين الفرد وتحسين مستوى المعيشة.

شهدت الصين تطورات هائلة في مجال التكنولوجيا والابتكار بتوجيه من القيادة الحالية التي تعمل

على بناء اقتصاد مبتكِر

التأثير الدولي والدبلوماسية النشطة

أما على صعيد السياسة الدولية، فإن القيادة الصينية في بكين نجحت في إحداث اختراقات في عدد من مناطق العالم عبر مبادرات لافتة عزّزت دور الصين على الساحة الدولية، حيث أصبحت شريكاً أساسياً في مجالات الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية والتنمية المستدامة. وتحت إشراف شي صارت شريكاً بارزاً في مجالات الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية والتنمية المستدامة. وأدت الدبلوماسية النشطة والمؤثرة للصين إلى تعزيز التعاون الدولي وتحقيق مكاسب مهمة على المستوى العالمي، وتجلّى هذا بتعزيز الصين التجارة الدولية من خلال شراكات قوية مع دول ومنظمات دولية، وإسهامها في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، وخلق فرص العمل، والالتزام بتقديم الدعم والمساهمة في جهود التنمية المستدامة على الصعيدين الوطني والدولي. وأبرز المبادرات التي اعتمدتها أو شاركت فيها بكين بغية تعزيز التضامن الدولي والإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، «مبادرة الحزام والطريق»، و«مبادرة التنمية العالمية»، و«مبادرة السلام العالمية»، و«مبادرة الحضارة العالمية: مع تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للدول المحتاجة في مختلف أنحاء العالم، مما يعكس التزامها بالتضامن الإنساني والمسؤولية الدولية، وتعزيز القيادة الدولية في مواجهة التحديات العالمية، مثل تغير المناخ والفقر والأمن العالمي بالشراكة مع الدول الأخرى؛ لإيجاد حلول شاملة ومستدامة.

مبادرات مهمة

«مبادرة السلام العالمية» تعدّ إحدى الأولويات الرئيسة في السياسة الخارجية الحالية للصين؛ إذ تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز التعاون الدولي من أجل حل النزاعات الدولية بوسائل سلمية، والتصدي للتهديدات الأمنية العالمية مثل الإرهاب والتطرف، وتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. بفضل هذه المبادرة، شاركت بكين بفاعلية في الجهود الدولية لحل النزاعات والأزمات، وساهمت في إرساء قواعد اللعبة الدولية العادلة والمساواة.

ومن خلال «مبادرة التنمية العالمية» تسعى بكين إلى دعم التنمية المستدامة في العالم، وتحقيق الشمولية الاجتماعية والاقتصادية. وتشمل هذه المبادرة توجيه استثمارات هائلة نحو المشاريع التنموية في الدول النامية، وتقديم المساعدات الإنسانية والتقنية، وتبادل الخبرات في مجالات التنمية الزراعية والصحية والبنية التحتية.

وفيما يتعلق بتعزيز التبادل الحضاري والثقافي بين الشعوب بوصفه وسيلةً لتعزيز التفاهم والتسامح العالميين، تشمل «مبادرة الحضارة العالمية» تنظيم الفعاليات الثقافية المشتركة، وتبادل الزيارات الثقافية، وتقديم المنح الدراسية للطلاب الدوليين، وترويج الفنون والثقافات الشعبية.

أما «مبادرة الحزام والطريق» فتعدّ، بلا أدنى شك، إحدى أبرز المبادرات الاقتصادية والتجارية التي أطلقتها بكين، وهي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول الأخرى. وبفضل هذه المبادرة، تم تنفيذ مشاريع ضخمة للبنية التحتية في العديد من الدول، مما ساهم في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز التجارة والاستثمارات المشتركة.

... التحديات والتطلعات المستقبلية

في المقابل، على الرغم من الإنجازات الهائلة التي تحققت في السنوات الأخيرة، فإنه لا تزال هناك تحديات تستلزم التفكير الاستراتيجي والتصدي لها بحكمة. وتشمل هذه التحديات تحسين البيئة والتصدي لتغير المناخ، ومواجهة التحديات الديمغرافية، وتعزيز الابتكار والابتكار التكنولوجي، ومكافحة الفساد، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على القيم والمبادئ الاجتماعية.

 

روبوتات تجمع سيارات كهربائية في إقليم جيجيانغ الصيني (رويترز)

حول تطور العلاقات العربية ــ الصينية

> منذ بداية عام 2021، التزمت القيادة الصينية طرح مبادرات وأفكار جديدة تتناول القضايا العربية الرئيسية. وساعد هذا الأمر على فتح الأبواب أمام تنظيم انعقاد «القمة العربية - الصينية الأولى» في ديسمبر (كانون الأول) 2022 في العاصمة السعودية الرياض. وراهناً في أولويات التعامل الصيني مع القضايا السياسية التي تشغل العالم العربي، اعتماد خطة من خمس نقاط الهدف منها تحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط، والدفع باتجاه «حل الدولتين» حيال القضية الفلسطينية، وتوليفة مقترحات تضم أربع نقاط لحل الأزمة السورية وتداعياتها. مع ملاحظة أن الأجواء في بكين لا تريد الاكتفاء بالدور الصيني التاريخي إزاء الشرق الأوسط الذي تبلور بعد «مؤتمر باندونغ» في عقد الخمسينات من القرن الماضي، بل وجود حرص استراتيجي على الذهاب أبعد في تعزيز العلاقات مع العالم العربي.الجدير بالذكر أن فاتحة التقدم في هذا الاتجاه كانت عام 2018 على الاتفاق العربي – الصيني على بناء «شراكة استراتيجية»، ومن ثم أثمرت هذه الخطوة «القمة العربية - الصينية الأولى» عام 2022، وكان الأمل وطيداً، ولا يزال، في أن يؤسس هذا الإنجاز إطاراً تنموياً استراتيجياً يربط بين الحضارتين الصينية والعربية والإسلامية.وهنا، توفر مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، من دون أدنى شك، فرصاً مهمة وواعدة للدول العربية، في طليعتها الانفتاح الواسع على استقبال الاستثمارات الصينية في المنطقة. وفي هذا الإطار، يمكن النظر إلى مشاريع واسعة النطاق تسبق وتلي المراحل الأولية للمبادرة، والاستثمارات الصينية المباشرة عبر القروض والمنح، ومشاريع النفط والغاز، والتصنيع، والطاقة المتجددة، وعلوم التكنولوجيا الفائقة. وبالتوازي، من تأثيرات المبادرة مجالات تطوير الخدمات التي تقدمها الدولة المشاركة في قطاعات مثل الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية والمشاريع التنموية والأمن، ناهيك بإمكانية توفير فرص عمل لعشرات الآلاف من الشباب في الدول العربية من خلال مختلف مشاريع البنية التحتية والاستثمارية.

 

* رئيس جمعية طريق الحوار اللبناني - الصيني/ رئيس معهد طريق الحرير
للدراسات والأبحاث - كونفوشيوس


مقالات ذات صلة

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

حصاد الأسبوع من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

تختبر ليبيا راهناً، بحذر، «مبادرة جديدة» تقودها الأمم المتحدة لتحريك العملية السياسية المجمّدة، التي لم تفلح معها مسارات سابقة منذ إسقاط نظام معمر القذافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع برناردينو ليون (آ ف ب)

تاريخ من المبادرات لحل الأزمة الليبية... انتهت إلى «لا شيء»!

مرّ المشهد الليبي خلال العقد الماضي، بمحطات متعدّدة من المبادرات والمسارات بقيادة الأمم المتحدة لحل أزمة الانقسام السياسي والعسكري، لكن مآل هذه المبادرات.

حصاد الأسبوع ستيف ويتكوف مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط... مرشح للعب دور كبير في سياساته الخارجية

ستيف ويتكوف مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط... مرشح للعب دور كبير في سياساته الخارجية

يوم الثلاثاء، تناقلت وسائل الإعلام خبر وصول طائرة «خاصة» إلى مطار فنوكوفو في العاصمة الروسية موسكو آتية من واشنطن. وتبين أنها تعود إلى إحدى شركات ستيف ويتكوف.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع صورة من اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (بلومبرغ/غيتي)

ترمب: ويتكوف سيواصل العمل للتأكد من غزة خالية من التهديد

يشير تاريخ العلاقة الطويلة التي جمعت بين دونالد ترمب وستيف ويتكوف، إلى الثقة العميقة والولاء الذي سيعطي ويتكوف حرية أكبر للمناورة في ملف السلام في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع الاضطرابات التي أدت إلى التغيير في بنغلاديش (أ ف ب)

بنغلاديش: ما وراء الإطاحة بالشيخة حسينة؟

منذ الإطاحة بنظام رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة واجد، خلال أغسطس (آب) 2024، تغيّرت البيئة الجيوسياسية في جنوب آسيا، حيث نشط عدد من اللاعبين الخارجيين في هذا الوسط بسبب مصالحهم الفردية. وللعلم، تضم بنغلاديش ثالث أكبر عدد من المسلمين، وتقع بالقرب من الممر البحري الحيوي لخليج البنغال؛ ما يعطيها ميزة جيو-استراتيجية فريدة، ويجعل منها شريكاً إقليمياً مربحاً. وكانت انتفاضة قادها الطلاب قد أزاحت حكومة الشيخة حسينة يوم 5 أغسطس 2024، مُنهية حكماً دام 15 سنة. وعلى الأثر فرّت حسينة إلى الهند، وتولت حكومة مؤقتة بقيادة البروفسور محمد يونس، الحائز «جائزة نوبل للسلام»، القيادة بدعم من المؤسسة العسكرية ذات النفوذ.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

هربرت كيكل... زعيم اليمين النمساوي المتطرف ينتظر فرصته لإحداث تغييرات سياسية جذرية

هربرت كيكل
هربرت كيكل
TT

هربرت كيكل... زعيم اليمين النمساوي المتطرف ينتظر فرصته لإحداث تغييرات سياسية جذرية

هربرت كيكل
هربرت كيكل

رفض الأحزاب السياسية في النمسا تشكيل حكومة مع حزب الحرية اليميني المتطرف، بزعامة هربرت كيكل، يعود بشكل أساسي لشخص زعيمه وليس للحزب نفسه. ولعل اضطرار حزب الشعب (المحافظ) إلى التخلي عن رفضه التعاون مع كيكل إثر فشل الحزب في تشكيل حكومة، يدل على مدى راديكالية كيكل الذي يقول مراقبون إنه دفع بحزب الحرية إلى اليمين أكثر منذ ترأسه له عام 2021.

المؤرخ النمساوي فلوريان فينيغر، الأستاذ في جامعة فيينا، يرى أن حزب الحرية تحت زعامة كيكل يتبع آيديولوجية قومية جعلته على «ارتباط علني» بحركات يمينية متطرفة، بخلاف ما كان عليه في ظل قيادة الزعيمين اللذين سبقا كيكل في قيادته، يورغ هايدر وهاينز - كريستيان شتراخه. وللعلم، فإن هايدر وشتراخه كانا مرتبطين بشكل وثيق خلال نشأتهما بالنازية. إذن، كان والدا هايدر ناشطَين في الحزب النازي، بينما أمضى شتراخه فترة شبابه عضواً في منظمة «الأخوة القومية الألمانية» التي تنتمي إلى النازيين الجدد.

خلفية كيكل العائلية

في المقابل، فإن كيكل البالغ من العمر 55 سنة، ابن عائلة من الطبقة متوسطة من إقليم كارينثيا، ولا يملك لا هو ولا عائلته ماضياً مرتبطاً بالنازيين. ثم أن حزب الحرية كان يعدُّه «دخيلاً»، بحسب كتاب عن سيرته الذاتية نشر خلال العام الماضي.

بدأ كيكل دراسته الجامعية عام 1988 بدراسة الصحافة والعلوم السياسية في جامعة فيينا. وفي العام التالي تحوّل لدراسة الفلسفة والتاريخ، لكنه لم يكمل في أي من التخصصين، بل سرعان ما بدأ ينشط في حزب الحرية خلف الكواليس، وفي قيادة الحملات الانتخابية بشكل أساسي.

بعدها، عمل كاتب خطابات للزعيم السابق للحزب يورغ هايدر الذي قُتل في حادث سيارة، وثبت أنه كان ثملاً عندما كان يقودها.

وحقاً، كان كيكل صاحب شعارات قومية عدة أطلقها هايدر أثارت الكثير من الجدل - آنذاك - منها «دم فيينا... كثرة الأغراب ليست جيدة لأحد».

من خلف الكواليس إلى وزارة الداخلية

بقي صعود هربرت كيكل، داخل الحزب، خلف الكواليس حتى عام 2017 حين عُيّن وزيراً للداخلية في حكومة قادها حزب الشعب وشارك فيها حزب الحرية. ولقد أثار الرجل إبان فترة ولايته القصيرة التي انتهت بعد سنتين إثر فضيحة فساد أدت إلى انهيار الائتلاف الحاكم، بالكثير من الجدل بسبب سياساته حول الهجرة وتصريحاته التي كان يستخدم فيها تعابير نازية. وأيضاً، خلقت مواقفه من القضاء والإعلام، وانتقاداته لهما، توتراً في العلاقات مع رئيس الجمهورية فان دير بيلن الذي اتهمه بمحاولة تقويض الديمقراطية. ومن ناحية ثانية، أراد كيكل خفض التواصل مع وسائل الإعلام التقليدية، انتقد القضاء لرفضه مقترحاً منه لترحيل المهاجرين المتهمين بجرائم قبل إدانتهم. كذلك تعرّض لاتهامات بأنه يحاول تقويض القوانين الأوروبية وقوانين حقوق الإنسان.

فضيحة... ثم عودة انتهت بتبوئه الزعامة

بعدها، طُرد كيكل من منصبه في أعقاب اتهامه بأنه كان مسؤولاً عن الجانب المالي في حزبه إثر «فضيحة إيبيزا» التي أدت إلى انهيار الائتلاف الحاكم (آنذاك)، وأضرت بسمعة حزب الحرية بشكل كبير. وما يستحق الذكر هنا، أنه كان وراء الفضيحة شريط فيدير صوّر سراً يُظهر زعيم الحزب (في حينه) شتراخه مجتمعاً مع سيدة روسية زعمت بأنها ابنة أوليغارش روسي وبإمكانها أن تساعد بتغطية إعلامية إيجابية لحزب الحرية مقابل خدمات يقدّمها لها الحزب وعقود بقيمة الملايين مع الحكومة النمساوية.

غير أنه، على الرغم من أن حزب الحرية خسر الكثير من شعبيته بسبب تلك الفضيحة، نجح كيكل شخصياً في إعادته إلى الواجهة مستفيداً بشكل أساسي من جائحة «كوفيد – 19». وأيضاً، استفاد كيكل من تراجع حزبه بعد انهيار الحكومة؛ ما أدى إلى استقالة شتراخه من زعامة الحزب. وهكذا، نجح كيكل في الوصول إلى القمة عام 2021 وظفر بموقع الزعامة.

في الواقع، يعود الفضل في تعافي الحزب المتطرف من الفضيحة وصعوده من جديد إلى كيكل نفسه، الذي استغل نقمة كثيرين من القيود التي فرضتها الحكومة للحد من انتشار جائحة «كوفيد – 19»، فرفع شعبيته. وبالفعل، صار الزعيم التطرف وجهاً مألوفاً ومشاركاً دائماً في التظاهرات ضد القيود، وموجهاً سيلاً من الانتقادات الشعبوية إلى الاتحاد الأوروبي مدعياً أنه «يريد التحكّم بنا».

«الحركة الهويّاتية»... و«إعادة الترحيل»

وفي ظل زعامة كيكل اقترب الحزب من «الحركة الهويّاتية» (أو الـ«آيدنتيتاريين»)، وهي حركة قومية يمينية متطرفة جداً. وتبنّى الكثير من أفكارها في وقت كانت جماعات يمينية متطرفة أخرى تبعد نفسها عنها، مثل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في ألمانيا. وكان زعيم «الحركة الهوياتية» مارتن سيلنر قد أثار جدلاً واسعاً في ألمانيا بنهاية عام 2023 في أعقاب مشاركته في مؤتمر سرّي لليمين المتطرف عقد في مدينة بوتسدام المجاورة للعاصمة الألمانية برلين، طرح فيها فكرة «إعادة الترحيل»، أي ترحيل كل متحدّر من أصول مهاجرة أو مهاجر.

يومذاك، كان من بين المشاركين في المؤتمر، الذي كشف عنه صحافي متخفٍ حضره، ساسة مؤثرون داخل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المعادي للمهاجرين. إلا أن الحزب الألماني أبعد نفسه عن سيلنر وفكرته بعد موجة الغضب الشعبية والسياسية إثر الكشف عن المؤتمر. ولكن في ظل صعود التيار العنصري في الكثير من أنحاء أوروبا، ثبت أنها كانت عامل جذب انتخابي كبيراً... أوصلت اليمين المتطرف النمساوي إلى الفوز بالانتخابات.

بل، حتى في ألمانيا، عادت بعض أفرع حزب «البديل من أجل ألمانيا» لاستخدام التعبير ذاته «إعادة الترحيل» في الحملة الانتخابية تأهباً للانتخابات المبكّرة المقررة يوم 23 فبراير (شباط) بعدما أثبتت نجاحها في جذب الأصوات. وحتى أليس فيدل، زعيمة حزب «البديل» كرّرت التعبير أخيراً، بعد جريمة طعن نفّذها لاجئ أفغاني قتل فيها طفلاً ورجلاً، مستفيدةً من الدعم العلني من أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، لحزبها خلال الأسابيع الماضية.

على صعيد موازٍ، ليست مواقف هربرت كيكل من الهجرة وغزله مع النازيين الجُدد المشكلة الوحيدة بالنسبة لحزب الشعب وأيضاً لأوروبا. ذلك أن موقفه المقرّب من روسيا، وعدائيته العلنية والواضحة تجاه الاتحاد الأوروبي، يشكلان نقاط خلاف كبيرة قد لا يتمكن حزب الشعب من تخطّيها لتشكيل ائتلاف معه. وللعلم، كان كريستيان شتوكر، زعيم حزب الشعب، قد وصف كيكل بأنه «خطر أمني»، ولكن هذا قبل أن يفشل حزبه بتشكيل حكومة ائتلافية، وتوكل المهمة لكيكل.

حينذاك، كان زعيم الشعبيين يرفض رفضاً قاطعاً التحالف مع حزب كيكل. ولكن على الرغم من تغييره موقفه، ما زال من غير الواضح ما إذا كان سيتمكن من تخطي الخلافات حول السياسية الخارجية، علماً بأن الزعيمين اتفقا حتى الآن على السياسة المالية التي منعت الأحزاب الثلاثة الأخرى من التوصل إلى اتفاق.

أيضاً، ليس واضحاً بعد ما إذا كان كيكل نفسه مستعداً لتلطيف مواقفه المتطرفة من بروكسل أو تأييده موسكو. فهو منذ تولى زعامة حزب الحرية يوجه انتقادات لا تتوقف للاتحاد الأوروبي، كما يعارض الحزب منذ عقود انضمام النمسا للاتحاد، كما يعارض توسعه نحو الشرق. وكل هذا، نسبة عالية جداً من الوظائف في البلاد تعتمد على الاتحاد الأوروبي.

الموقف من روسيا وحرب أوكرانيا

من جانب آخر، لا يخفي هربرت كيكل معارضته الشديدة لموقف النمسا الراهن من روسيا وأوكرانيا. وبالفعل، عندما توجّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بكلمة عبر دائرة الفيديو إلى البرلمان النمساوي، وقف كيكل وغادر الجلسة اعتراضاً ومعه نواب حزبه. أما تبرير كيكل لذلك فهو «حياد النمسا» التي اعتُمد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهى مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.

ومن دون شك، فإن حكومة نمساوية معارضة للعقوبات على روسيا، ستعقّد مهمة بروكسل تجديد تلك العقوبات مع اتساع دائرة الدول الأوروبية المؤيدة لموسكو والتي تضم حالياً المجر وسلوفاكيا. ومعلوم، أن علاقة حزب الحرية مع موسكو تتخطى العلاقات الاقتصادية التي تطبع على الأرجح علاقات روسيا مع المجر وسلوفاكيا اللتين تستفيدان من الغاز الروسي البخس الثمن. فحزب الحرية وقّع عام 2016 «اتفاقية صداقة» مع روسيا حدّدت أطر التعاون بين الطرفين.

أخيراً، وفي الأحوال، تنتظر النمسا سنوات من التغيرات الكبيرة على الأرجح في حال نجح كيكل بتشكيل حكومة. أما في حال فشله، فقد تتجه البلاد مرة جديدة لانتخابات قد لا تفرز نتائج مختلفة عن الأولى، بل ربما تعزّز قوة الحزب المتطرف وتعطي زعيمه حججاً إضافية إلى تبني المزيد من السياسات الأكثر تطرّفاً. منذ تولى زعامة حزب الحرية وهو يوجّه انتقادات لا تتوقف للاتحاد الأوروبي... كما يعارض وحزبه منذ عقود انضمام النمسا للاتحاد الأوروبي