تضارب في الرؤى الأوروبية حول إنشاء قوة مشتركة لحماية أوكرانيا

القادة لم ينجحوا في التوافق على صيغة موحدة لـ«الضمانات الأمنية»

ماكرون متوسطاً رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مساء الاثنين في قصر الإليزيه (رويترز)
ماكرون متوسطاً رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مساء الاثنين في قصر الإليزيه (رويترز)
TT

تضارب في الرؤى الأوروبية حول إنشاء قوة مشتركة لحماية أوكرانيا

ماكرون متوسطاً رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مساء الاثنين في قصر الإليزيه (رويترز)
ماكرون متوسطاً رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مساء الاثنين في قصر الإليزيه (رويترز)

عجل ثمانية من القادة الأوروبيين، بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبحضور رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية الأوروبية والأمين العام للحلف الأطلسي، بعقد اجتماع، مساء الاثنين في قصر الإليزيه، في محاولة للتوصل إلى مقاربة موحدة بشأن ما يستطيعون القيام به في إطار «الضمانات الأمنية» التي تطالب بها أوكرانيا لقبول التوقيع على اتفاقية سلام مع روسيا.

وفهم الأوروبيون أن هذه المساهمة ستكون أساسية حتى يتمكنوا من حجز مقعد لهم إلى طاولة المفاوضات فيما تخوفهم الأكبر أن يبقيهم الجانبان الروسي والأميركي بعيدين عنها على غرار ما جرى في اجتماع الرياض، يوم الثلاثاء، بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة الأميركية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرافق رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عقب انتهاء «قمة الإليزيه» ليل الاثنين - الثلاثاء (أ.ب)

وبعد ثلاث ساعات من المشاورات التي ضمت، إلى جانب ماكرون، رؤساء حكومات بريطانيا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا والدنمارك وهولندا، لم يتوصل المجتمعون إلى تصور موحد بشأن طبيعة الضمانات المطلوبة، وتحديدا مهمة وحجم القوة الأوروبية المطلوب انتشارها لطمأنه كييف والشروط التي من الضروري توافرها لذلك. في المقابل، توافر إجماع حول ضرورة أن يعمد الأوروبيون إلى تعزيز دفاعاتهم. ولخص ماكرون ذلك على منصة «إكس»: «نحن مقتنعون بأن على الأوروبيين أن يستثمروا بشكل أفضل وأكثر ومعاً في أمنهم ودفاعهم الآن وفي المستقبل. ولتحقيق ذلك، يرغب الأوروبيون في الإسراع في تنفيذ أجندتهم الخاصة بالسيادة والأمن والتنافسية، وسيستمر العمل على أساس مقترحات المفوضية الأوروبية، سواء في دعم أوكرانيا أو في التنمية والاستثمار في دفاعنا».

وبشأن الملف الأوكراني قال الرئيس الفرنسي: «نريد سلاماً راسخاً ودائماً في أوكرانيا. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على روسيا أن توقف عدوانها، ويجب أن يكون ذلك مصحوباً بضمانات أمنية قوية وذات مصداقية للأوكرانيين. وإلا فهناك خطر أن ينتهي وقف إطلاق النار هذا إلى ما انتهت إليه اتفاقات مينسك. سنعمل على ذلك مع جميع الأوروبيين والأميركيين والأوكرانيين». وتواصل ماكرون قبل الاجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب وبعده مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

انقسام أوروبي

بداية، عبرت عدة دول أوروبية عن غيظها من عدم دعوتها لقمة الإليزيه «التشاورية» ومن بينها رومانيا وتشيكيا وهما من أكثر الدول دعما لأوكرانيا. وما يفسر خيار ماكرون أنه أراد دعوة «الدول الرئيسية» الضالعة في دعم أوكرانيا واستبعاد المشاكسة منها مثل المجر وسلوفاكيا... لكن ذلك لم يمنع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني من «الإعراب عن حيرتها إزاء استبعاد العديد من الدول وعلى رأسها تلك الأكثر تعرضا لتمدد الصراع إلى أراضيها»، وفق ما نقل عنها. وأكثر من ذلك، حرصت ميلوني على تأكيد أن الاجتماع «ليس محفلا موجها ضد ترمب (وهي المقربة منه)، لأن الولايات المتحدة تعمل من أجل السلام في أوكرانيا وعلينا القيام بما يتوجب علينا».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عند مدخل الإليزيه الاثنين (رويترز)

ما حصل داخل «القمة» أن المجتمعين انقسموا إلى ثلاث مجموعات: الأولى المغتاظة والمتحفظة التي مثلها المستشار الألماني أولاف شولتس الذي لم يتردد في القول عقب الاجتماع: «أريد أن أقول بصراحة إنني أشعر حتى ببعض الانزعاج حيال هذه المناقشات»، مضيفا: «حتى أكون صريحاً وصادقاً للغاية، فإن هذا أمر غير مناسب على الإطلاق». وبنظر المستشار الألماني، فإن النقاش «غير مناسب، لأنه جاء في التوقيت الخطأ حول الموضوع الخطأ. لم نصل إلى السلام بعد، بل نحن في خضم حرب وحشية تشنها روسيا وتواصل دفعها قدماً بلا أي اعتبارات».

وفي أي حال، فإن شولتس يرفض إرسال قوة سلام من غير الغطاء الأميركي بحيث «لا يكون هناك تقسيم للأمن والمسؤولية بين أوروبا والولايات المتحدة»، وذلك من باب التمسك بالحلف الأطلسي وبمبدأ «التحرك المشترك». وخلاصته أنه «لا ينبغي التشكيك» بالحلف ودوره. وسبق لبرلين أن رفضت بصراحة مبدأ إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا عندما طرح ماكرون بداية العام الماضي هذه الفكرة.

يتقارب الموقفان الألماني والإيطالي كثيرا. وميلوني قريبة من شولتس، وهي تعارض الخطة المتعلقة بقوات حفظ السلام. ونقل عنها قولها في الاجتماع إن «الفرضية التي تشير لنشر جنود أوروبيين في أوكرانيا هي الأكثر تعقيدا وربما الأقل فعالية، وأنا أعبر عن شكوك إيطاليا بهذا الصدد». وميلوني المقربة من ترمب تحرص على الابتعاد عن كل ما يمثل انتقادات لأدائه. وفي السياق عينه، عبر رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك عن تحفظاته، معتبرا أن البحث في القوة المشتركة «سابق لأوانه». لكن باريس تريد انخراطا بولنديا نظرا لقوة الجيش البولندي الذي يعد الأول في الاتحاد الأوروبي، يليه الجيش الفرنسي.

الرئيس ماكرون يعول على رئيس الوزراء البولندي (يسار) للمشاركة في قوة السلام الأوروبية لأوكرانيا... على مدخل قصر الإليزيه عصر الاثنين (أ.ف.ب)

الانخراط الأميركي شرط مسبق

يعد ماكرون من أكثر المتحمسين لإرسال قوة أوروبية إلى أوكرانيا، ويتشارك في موقفه مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. ويمكن ضم هولندا والسويد إليهما. وقد سارعت السويد، على لسان وزيرة خارجيتها، إلى الإعراب عن استعدادها للمشاركة في قوة أوروبية. وتدور في باريس مقاربات تتحدث عن إمكانية إرسال ما يقارب الـ8000 عنصر في إطار قوة قد تتشكل من 25 إلى 30 ألف جندي. بيد أن هذا الرقم بعيد كل البعد عما يريده زيلينسكي الذي يطالب بـ200 ألف جندي أوروبي، وهو أمر مستحيل توافره لأسباب كثيرة.

وتعدّ فرنسا أن شريكها الأول سيكون بريطانيا التي عجل رئيس حكومتها بالإعراب عن الاستعداد لأمر كهذا. وكتب في مقال نشرته صحيفة «تلغراف» الاثنين أن لندن مستعدة لإرسال قوة إلى أوكرانيا وأنها يمكن أن تلعب «دورا قياديا» في توفير الضمانات الأمنية لها. لكنه ربط ذلك بوجود «التزام أمني أميركي». ووفق قراءته، فإن توافر أمر كهذا هو الوحيد الذي من شأنه ردع روسيا عن استهداف أوكرانيا مجددا وبعد إبرام اتفاقية سلام. وفي هذا السياق، كتب رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، عبر منصة «إكس»: «في هذا الوقت الحاسم بالنسبة لأمن أوروبا، يجب أن نستمر في الوقوف وراء أوكرانيا». مضيفا أنه «سيتعين على أوروبا تقديم مساهمة لحماية أي اتفاق، والتعاون مع الأميركيين ضروري».

والحال أن وزير الدفاع الأميركي أفهم نظراءه في بروكسل الأسبوع الماضي أن بلاده لن تنشر قوات في أوكرانيا، وأن القوة الأوروبية لن تكون تحت راية الحلف الأطلسي. والأكثر من ذلك أن واشنطن أرسلت استبيانا للدول الأوروبية يتضمن مجموعة أسئلة حول مدى استعدادها للمشاركة في القوة الأوروبية. وجاء في الاستبيان على سبيل المثال: «هل بلدكم مستعد لنشر قوات في أوكرانيا في إطار تسوية سلمية؟»، أو: «أين يريد بلدكم نشر هذه القوة ولأي فترة؟»، ومن الأسئلة أيضا: «ما المهمات التي يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها الاستعداد لها في حال هجوم روسي؟».

لقاء ثلاثي في «قصر الإليزيه» بين رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا يوم 7 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

واضح اليوم أنه رغم المواقف الأميركية بخصوص ترك مسؤولية دعم أوكرانيا للأوروبيين، فإن هؤلاء لا يبدون مستعدين للتغاضي عن دور واشنطن. وبرز ذلك في ما كتبته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على منصة «إكس» بعد اجتماع الإليزيه حيث قالت: «نريد أن نشكل فريقا مع الولايات المتحدة لتوفير سلم عادل ودائم لأوكرانيا» بمعنى أن يكون الاتحاد الأوروبي جزءا من الحل وليس مستبعدا منه. وحرصت على القول إنها أجرت «مناقشة مهمة» مع الجنرال كيث كيلوغ، ممثل ترمب في الملف الأوكراني الذي قال في ميونيخ، أثناء انعقاد مؤتمر الأمن، إنه «يستبعد» مشاركة الأوروبيين في مفاوضات السلام. وشددت فون دير لاين على أن أوروبا «وفرت الدعم لأوكرانيا أكثر من أي طرف آخر، إن ماليا أو عسكريا، وسنواصل جهودنا في هذا السبيل».

أما المجموعة الثالثة فتمثل الدول المقربة من روسيا مثل المجر وسلوفاكيا اللتين دأبتا على معارضة أي إجراء عقابي لروسيا، وهو السبب الذي حفز ماكرون على استبعادهما من القمة.

يبدو جليا أن مسارا شاقا ينتظر الأوروبيين قبل التوصل إلى اتفاق حول «قوة السلام». ذلك أن المفاوضات الخاصة به لم تبدأ بعد، كذلك يصعب استشراف موقف روسي من نشر قوات أوروبية على حدودها الغربية. الأمور ما زالت في بداياتها وعلامات الاستفهام التي تدور حولها كثيرة ومعقدة.


مقالات ذات صلة

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) يصافح نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

ماكرون: روسيا لا تظهر أي رغبة في السلام

كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الأربعاء)، عن أن روسيا لا تظهر أي رغبة في السلام مع أوكرانيا، داعياً إلى وقف الهجمات الروسية فوراً.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا تعدّ روسيا وأوكرانيا من بين أكبر مصدّري الحبوب في العالم (أرشيفية - رويترز)

ما نعرفه عن الهدنة المقترحة في البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا

أعلنت الولايات المتحدة، الثلاثاء، أنها حصلت على موافقة مبدئية من روسيا وأوكرانيا على وقف محتمل لإطلاق النار في البحر الأسود.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جانب من الدمار جراء الغرات الروسية على مدينة سومي الأوكرانية (رويترز)

الاتحاد الأوروبي: الانسحاب الروسي «غير المشروط» من أوكرانيا قبل رفع العقوبات

أكد الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، أن الانسحاب «غير المشروط» للقوات الروسية من «كامل أراضي» أوكرانيا هو أحد الشروط الرئيسية لرفع العقوبات الأوروبية على روسيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
العالم قال المتحدث باسم «الكرملين» إن السلطات الروسية راضية عن مدى تطور الحوار بين موسكو وواشنطن «بشكل عملي وبنّاء وفعال» (رويترز)

«الكرملين»: الاتصالات مع واشنطن مستمرة بشكل مكثف للغاية

قال المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، اليوم الأربعاء، إن الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة «مستمرة بشكل مكثف للغاية».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ماكرون: روسيا لا تظهر أي رغبة في السلام

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) يصافح نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) يصافح نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
TT

ماكرون: روسيا لا تظهر أي رغبة في السلام

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) يصافح نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) يصافح نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الأربعاء)، عن أن روسيا لا تظهر أي رغبة في السلام مع أوكرانيا، داعياً إلى وقف الهجمات الروسية فوراً.

ونقلت وكالة «بلومبرغ» للأنباء عن الرئيس الفرنسي قوله قبل قمة لزعماء دول أوروبية حول أوكرانيا في باريس: «الضربات الروسية على أوكرانيا يجب أن تتوقف فوراً».

وأعلن ماكرون أن فرنسا ستقدم ملياري يورو مساعدات إضافية لأوكرانيا، مضيفاً أن موسكو ليس لها الحق في إملاء شروطها بشأن الدعم الأوروبي لكييف.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك في باريس (إ.ب.أ)

وأكد ماكرون، الأربعاء، أنه لا يزال «من المبكر جداً» الحديث عن رفع العقوبات التي فرضت على موسكو إثر غزوها أوكرانيا، موضحاً أن هذا الأمر سيبقى رهن «خيار روسيا التزام القانون الدولي». وإذ تطرق في حضور نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى القوات التي تنظر دول أوروبية عدة في نشرها بأوكرانيا في حال التوصل إلى اتفاق سلام، أكد الرئيس الفرنسي أن لديه «مقاربة سلمية»، مشدداً على أن هذه الفرق لن تتوجه «إلى الجبهة للقتال».

ويشارك عدد من زعماء الدول الأوروبية في قمة بشأن أوكرانيا تستضيفها باريس هذا الأسبوع بدعوة من الرئيس الفرنسي لبحث الموقف بشأن الحرب ومطالبهم حول عملية السلام.

ويكافح حلفاء كييف الأوروبيون للمشاركة في عملية السلام بعد أن بدأت الولايات المتحدة محادثات مباشرة مع روسيا وأوكرانيا دون مشاركة أوروبية.