وجدت دراسة نفسية حديثة لباحثين من «معهد مانموهان التذكاري للعلوم الصحية في كاتماندو» (Manmohan Memorial Institute of Health Sciences in Kathmandu) في نيبال، ونُشرت في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي في مجلة «بلوس ون» (PLOS One) أن الأساليب المختلفة للتربية تلعب دوراً مهماً في التأثير سلباً أو إيجاباً على الصحة النفسية للمراهقين.
من المعروف أن تدهور الصحة النفسية يعد إحدى أهم المشاكل الصحية على مستوى العالم، وتبعاً لمنظمة الصحة العالمية على وجه التقريب يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الاضطرابات النفسية المختلفة، وبشكل خاص المراهقون والشباب في مقتبل العمر، حيث يُعد الانتحار ثالث سبب رئيسي للوفاة بين الفئة العمرية من 15 إلى 29 عاماً، ما يهدد صحة الشباب حول العالم.
أساليب التربية
قام الفريق البحثي بعمل مسح لطلاب عشر مدارس في نيبال، وكان المجموع النهائي للطلبة 583 مراهقاً (بعد استبعاد المراهقين الذين ليس لديهم أولياء أمور). وتراوحت أعمار المشاركين بين العاشرة والثامنة عشرة بمتوسط عمر 15 عاماً، وكانت نسبة الذكور نحو 60 في المائة تقريباً. وهدفت الدراسة بشكل أساسي لمعرفة الكيفية التي ترتبط بها أساليب التربية المختلفة (الحازمة، والمتسلطة، والمتساهلة) بمجموعة من نتائج مؤشرات الصحة النفسية.
طلب الباحثون من المشاركين استكمال استبيان من أربعة أجزاء؛ تضمن الجزء الأول معلومات مفصلة عن الحالة الاجتماعية والديموغرافية للطالب وأسرته، والحالة الأكاديمية ومدى تفوقه وفشله الأكاديمي والمستوى التعليمي للأب والأم، وتضمن الجزء الثاني أسئلةً لتقييم أسلوب التربية السائد في منزل الطالب وبأي صفة يمكن وصفه، وتضمن الجزء الثالث أسئلةً لتقييم الحالة النفسية للطلاب وشمل الاكتئاب والقلق والتوتر، وتضمن الجزء الرابع أسئلة لقياس مستويات تقدير الذات والثقة بالنفس لدى المراهقين.
بالنسبة للمستوى التعليمي للوالدين، كانت هناك نسبة بلغت نحو 84 في المائة من الأمهات متعلمات، ونحو 96 في المائة من الآباء متعلمون، كما أفاد غالبية الطلاب بأن آباءهم وأمهاتهم حصلوا على شهادة الثانوية العامة، وبالنسبة للدخل الشهري، تراوح دخل معظم الأسر بين 107 و214 دولاراً تقريباً، (ما يعني أن معظم الأسر كانت في مستوى اقتصادي أقل من المتوسط) وكانت غالبية الآباء (93 في المائة) متزوجين، بينما كانت النسبة المتبقية الضئيلة منفصلين أو مطلقين.
بعد ذلك قام الباحثون بتقييم هذه العوامل باستخدام مقاييس نفسية معينة، وحللوا البيانات لمعرفة وجود روابط بين أنواع التربية التي تلقاها الطلاب وصحتهم النفسية، وقام الباحثون بتقسيم أساليب التربية تبعاً لأسئلة الاستبيان إلى أسلوب التربية الحازم (يتضمن التنظيم، والحرص على أداء المهام المختلفة والاستقلالية)، وأسلوب التربية السلطوي (يتضمن الاعتداء الجسدي، والعنف اللفظي، والعقاب الدائم)، وأسلوب التربية المتساهل (يتضمن التدليل، والاعتمادية).
وتم تثبيت جميع العوامل التي يمكن أن تؤثر في النتيجة النهائية مثل العمر، الجنس، العرق، نوع المدرسة (حكومية أو خاصة)، الصف الدراسي، مهنة الأم والأب، عمر الأم والأب، الحالة الاقتصادية والمستوى الاجتماعي للأسرة، عدد الأشقاء، وحالتهم الاجتماعية، شكل العلاقة مع الإخوة والأصدقاء والمعلمين، المشاركة في الأنشطة المختلفة، والتعرض للتنمر من عدمه.
درء اختلال الصحة النفسية
كشفت النتائج عن ارتفاع معدلات حدوث أعراض اختلال الصحة النفسية، وكان عرض القلق هو العرض الأكثر تأثيراً في المراهقين بنسبة تزيد على 40 في المائة، ثم جاء الاكتئاب ثاني أكثر عرض تأثيراً بنسبة بلغت 37 في المائة، وحل التوتر في المركز الأخير، وعلى وجه التقريب كانت نسبة المراهقين الذين عانوا من التوتر لا تزيد على 24 في المائة.
إلا أن الأمر الذي لفت نظر الباحثين كان أن معظم الطلاب الذين شملتهم العينة أكدوا على أنهم يتمتعون بثقة عالية بالنفس بنسبة بلغت 69 في المائة، أما فيما يتعلق بأسلوب التربية، فكان الأسلوب الأكثر شيوعاً بين أسر المراهقين هو الأسلوب الحازم بنسبة 83 في المائة، يليه الأسلوب المتساهل بنسبة 56.6 في المائة، ثم الأسلوب السلطوي بنسبة 43 في المائة.
وعندما قام الباحثون برصد أثر كل نمط من أنماط التربية على نتائج الصحة النفسية، وجدوا أن أسلوب التربية السلطوي كان مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب، وأيضاً ارتبط بانخفاض الثقة بالنفس. على النقيض، لاحظ الباحثون أن أسلوب التربية الحازم كان مرتبطاً بحماية المراهقين من الاكتئاب والقلق والتوتر، وفي الوقت نفسه ساهم في ارتفاع تقدير الذات، وكان أسلوب التربية المتساهلة مرتبطاً بارتفاع مستويات التوتر.
وجدت الدراسة أن عمر الأب ارتبط بشكل وثيق بالاكتئاب، حيث أظهرت النتائج أن احتمالية الإصابة بالاكتئاب لدى المراهقين الذين يزيد عمر آبائهم على 50 عاماً تزيد بمقدار الضعف مقارنة بأقرانهم الذين يقل عمر آبائهم عن هذا العمر.
وأوضحت الدراسة أن العلاقات الاجتماعية الجيدة لعبت دوراً كبيراً في الحفاظ على الصحة النفسية والثقة بالنفس، إذ إن غالبية المراهقين الذين وصفوا علاقتهم بأصدقائهم بأنها وثيقة وجيدة كانوا الأكثر ثقةً بالنفس، والأمر نفسه تكرر بالنسبة للمشاركة في الأنشطة المختلفة وخصوصاً الرياضية، ومعظم المشاركين في ممارسة الرياضة تمتعوا بصحة نفسية جيدة.
في النهاية، قال الباحثون إن النتائج تُظهر بوضوح أهمية أسلوب التربية في الحفاظ على الحالة النفسية للمراهقين، وحمايتهم من المشكلات النفسية، حيث يُظهر سلوك التربية الإيجابي تأثيراً إيجابياً على سلوك الطفل وثقته بنفسه، وأيضاً أكدوا على أهمية الدعم النفسي من المحيطين بالمراهق بداية من أفراد الأسرة والأصدقاء والمعلمين.
حقائق
أكثر من مليار
شخص حول العالم يعانون من الاضطرابات النفسية المختلفة

