عندما نفكّر في الخرف (Dementia)، غالباً ما يتبادر إلى أذهاننا فقدان الذاكرة والارتباك. ورغم أن هذين العرضين يُعدّان بالفعل من أبرز سمات الخرف ومرض «ألزهايمر» (وهو الشكل الأكثر شيوعاً منه)، فإن تجاهل العلامات الدقيقة والأقل شهرة قد يؤدي إلى تأخّر التشخيص والرعاية.
ومع وجود نحو 6.7 مليون أميركي فوق سن الخامسة والستين يعيشون مع «ألزهايمر»، فإن الخرف بعيد كل البعد عن أن يكون حالة نادرة.
لكن ما الإشارات المرتبطة بالخرف التي ينبغي الانتباه إليها لدى النفس أو لدى الآخرين؟ ومتى يجب مراجعة الطبيب لإجراء فحص للكشف عن الخرف؟
إليكم كل ما تحتاجون إلى معرفته:
صعوبة في الكلام والتوجّه
أبرز العلامات المبكرة للخرف تتمثل في صعوبات الإدراك المكاني إلى جانب مشكلات في الكلام والتوجّه. فبينما يُعدّ نسيان بعض الكلمات أحياناً أمراً طبيعياً، فإن تحوّل ذلك إلى نمط متكرر قد يشير إلى وجود مشكلة أعمق.
يقول إخصائي الأعصاب الدكتور عريف دالفي: «تظهر صعوبات اللغة -مثل إيجاد الكلمات المناسبة، أو تركيب الجمل بشكل خاطئ، أو صعوبة التعبير عن الذات- في كثير من الحالات قبل ظهور فقدان الذاكرة».
ورغم أن البعض قد يتجاهل هذه العلامات بوصفها بسيطة، فإنه من المهم مراقبة تكرارها ومدى حدوثها. ويُضاف إلى ذلك أن الشخص قد يلاحظ ضعفاً في إحساسه بالاتجاهات.
ويتابع دالفي: «يمكن أن تتأثر القدرات البصرية أو المكانية في مراحل مبكرة أيضاً. ومن أكثر صورها شيوعاً صعوبة التنقّل في طريق مألوف مسبقاً أو الاعتماد على نظام تحديد المواقع (GPS) للوصول إلى وجهة كان يعرفها الشخص جيداً من قبل».
علامات إنذار أخرى
يُنصح بالانتباه أيضاً إلى علامات إنذار أخرى قد لا تكون معروفة على نطاق واسع.
فحسب اختصاصي الأعصاب الدكتور ستانلي أبِل، تشمل الأعراض الأقل شيوعاً: صعوبة إنجاز المهام المألوفة، والحساسية المفرطة تجاه الأصوات، وتغيّراً في حاستي التذوّق والشم.
وأضاف الدكتور عريف دالفي أن التغيّر المفاجئ في الشخصية أو المزاج من دون سبب واضح يجب أن يكون جرس إنذار حقيقياً.
وفي بعض الحالات النادرة، قد تظهر أعراض تشبه اضطرابات عصبية أخرى. ويقول أبِل: «بعض أنواع الخرف، مثل خرف أجسام ليوي (Lewy body dementia)، يمكن أن تؤدي إلى هلوسات أو أوهام. ومن المهم إدراك أن الهلوسات قد تنتج أيضاً عن أسباب أخرى، ولذلك تجب مناقشة أي أعراض غير معتادة مع الطبيب المختص».
لا علاج شافٍ
للأسف، لا يوجد علاج شافٍ للخرف حتى الآن، لكن الخبراء يؤكدون أن التشخيص المبكر يمكن أن يحسّن جودة الحياة ويُبطئ من تقدّم المرض.
وقال الدكتور ستانلي أبِل: «العلاجات التقليدية -مثل الأدوية للسيطرة على الأعراض، وتوصيات بتغييرات في نمط الحياة، والإحالة إلى خدمات الدعم مثل العلاج الوظيفي وعلاج النطق- تُعدّ ضرورية للحفاظ على الوظائف الإدراكية والصحة العامة».
إلى جانب ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تقدّماً كبيراً في علاج مرض «ألزهايمر»، مما يمنح أملاً جديداً في إبطاء مسار المرض وتحسين حياة المرضى.
ولفت الدكتور أبِل إلى أنّ إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) وافقت على دواءين جديدين هما Aduhelm (أدوكانوماب) وLeqembi (ليكانيماب)، يستهدفان تراكم لُويحات بروتين «الأميلويد بيتا» في الدماغ، وهي السمة المميّزة لمرض «ألزهايمر».
وأضاف: «رغم الجدل الذي رافق موافقة الدواء الأول (Aduhelm)، فقد أظهرت بعض الدراسات أنه يمكن أن يُبطئ التدهور الإدراكي لدى فئة محددة من المرضى، بينما أظهرت التجارب السريرية أن Leqembi قد يساهم في إبطاء التراجع الإدراكي لدى المصابين بدرجة خفيفة إلى متوسطة من ألزهايمر».
وأشار أبِل إلى أن بعض الأطباء يعملون أيضاً على مقاربات علاجية مبتكرة، من بينها التحكم في الالتهابات العصبية عبر خلايا T التنظيمية (Tregs)، إضافة إلى أبحاث تستخدم العلاج الجيني لتطوير طرق جديدة لمعالجة «ألزهايمر». وختم قائلاً إن هذه «الاختراقات في العلوم الطبية تمنح الأمل للمصابين بالخرف ولعائلاتهم».
لا يوجد عمر محدّد رسمياً لإجراء فحص الخرف، لكن من الجيّد دائماً استشارة الطبيب عند ملاحظة أي أعراض.
وأوضح الدكتور دالفي أن نسبة الإصابة بالخرف تزداد مع التقدّم في العمر، خصوصاً بعد سن الخامسة والستين، لذا يُستحسن في تلك المرحلة إجراء فحص إدراكي بسيط مثل اختبار القدرات المعرفية المصغّر.
وأضاف أن الأطباء يستطيعون خلال الفحص البحث عن أسباب قابلة لعلاج فقدان الذاكرة، مثل نقص فيتامين B12 أو قصور الغدة الدرقية.
كما شدّد على أهمية فحص السمع في هذا العمر، قائلاً: «يُقدَّر أن حالة واحدة من كل تسع حالات خرف قد تُعزى إلى فقدان السمع المرتبط بتقدّم العمر».
ورغم أنه لا يوجد علاج نهائي للخرف أو «ألزهايمر»، فإن الأطباء يمكنهم اتخاذ خطوات فعّالة بعد التشخيص للمساعدة في إبطاء التدهور وتحسين نوعية الحياة.


