تعد زراعة الأعضاء لمرضى السرطان، مجالاً متطوراً يجمع بين مبادئ علم الأورام، وطب زراعة الأعضاء، وعلم الأورام الجراحي لعلاج السرطان -وخاصة سرطان الكبد وحالات مختارة من الأورام الخبيثة النقيلية أو النادرة.
وللتعرف على المزيد عن هذا المجال الواعد، تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الدكتور معن عبد الرحيم، رئيس قسم أورام الجهاز الهضمي في مركز نيل للسرطان في هيوستن ميثوديست، والمحرر الرئيس لكتاب «زراعة الأعضاء لمرضى السرطان: آفاق جديدة في رعاية متعددة التخصصات لمرضى السرطان»، والذي يعد أول كتاب في العالم عن استخدام زراعة الأعضاء لعلاج مرض السرطان.
عن الكتاب، يقول الدكتور عبد الرحيم: «خلال التعاون مع خبراء ورواد عالميين، نتطلع أن يساعد كتاب زراعة الأعضاء لمرضى السرطان على تقليص فجوات المعرفة، ووضع أسس للممارسة السريرية، وإلهام الابتكارات المستقبلية في هذا المجال المتطور، ويأتي هذا الكتاب ليعكس الاعتراف المتزايد بعلم زراعة الأعضاء لعلاج السرطان باعتباره تخصصاً متميزاً، والافتقار إلى مصدر شامل للأطباء والباحثين».
وأوضح أن هذه المقاربة في علاج السرطان تمثل تحولاً نموذجياً في رعاية مرضى السرطان، وتعتمد إمكاناته على تعزيز التعاون العالمي، وتحسين أنظمة تخصيص الأعضاء، وتطوير البحث في علم مناعة الأورام.
ويصف الدكتور فيتشينزو مازافيرو، عراب زراعة الأعضاء لعلاج السرطان، ومدير جراحة الجهاز الهضمي وزراعة الكبد في المعهد الإيطالي للأورام ومؤلف الفصل الافتتاحي، الكتاب باعتباره مصدراً تقدمياً يقدم وصفاً مكثفاً للخصائص السريرية وعلاج المرضى. ويقول الدكتور مازافيرو: «نأمل أن يكون هذا الكتاب موضع اهتمام المهنيين الطبيين، ونتوقع أن يكتشف الباحثون في مجال العلوم الأساسية والتحويلية، مما يمهد الطريق لتطوير مناهج إبداعية لمعالجة المشكلات المعقدة التي نواجهها حالياً».
ومن خلال تعاون هيوستن ميثوديست الوثيق مع شركاء استراتيجيين في السعودية والمنطقة العربية لترجمة معايير الرعاية الصحية الدولية إلى القطاعات المحلية، نظم المستشفى في العام 2023 أول مؤتمر من نوعه لعلم الأورام المتعلق بزراعة الأعضاء علاجاً للسرطان في الشرق الأوسط، بمشاركة أكثر من 1500 متخصص من المنطقة والعالم.
وفي إعداد الكتاب، شارك عدد كبير من الأطباء السعوديين في كتابة فصوله، حيث شاركوا تجاربهم وخبراتهم في هذا المجال. وفي هذا الصدد، يقول الدكتور بندر الجديبي، استشاري زراعة كبد للبالغين في مستشفى الملك فيصل التخصصي: «يركز الكتاب الفريد من نوعه على دمج زراعة الأعضاء وعلم الأورام، مع التركيز على التقدم الرائد في مثل العلاج المناعي، وتطبيق الحمض النووي للورم، والتأثير التحويلي للتقنيات الجراحية في علاج السرطان».ومن جهته، يقول الدكتور فهد بن شمسه، استشاري ورئيس قسم الأورام بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، وأحد الكتاب: «بحمد الله صدر الكتاب الذي أعتز بالمشاركة فيه مع خبراء من مختلف أنحاء العالم». وأضاف: «يبحث الكتاب علاج السرطان عن طريق زراعة الأعضاء كطريقة علاجية واعدة، حيث شهدت في الآونة الأخيرة أبحاثاً وتطورات واعدة في سبيل علاج السرطان. ونسأل الله أن يجعله من العلم النافع».
كما أثنى الدكتور عاصم منصور، الرئيس التنفيذي والمدير العام لمؤسسة ومركز الحسين للسرطان، على الجهود المبذولة وإصدار الكتاب، الذي اعتبره مورداً لا يقدر بثمن للأطباء والباحثين على حد سواء، يقدم أحدث الأبحاث والتطبيقات السريرية في هذا المجال المتوسع.
ويوضح الدكتور عبد الرحيم أن مستقبل زراعة الأعضاء لعلاج السرطان واعد، وسوف يكون مدفوعاً بالتقدم في التكنولوجيا والعلاجات المبتكرة والرعاية متعددة التخصصات. وستعالج الابتكارات مجالات مثل تحسين الحفاظ على الأعضاء والعلاج المناعي والطب الدقيق التحديات الحرجة مثل نقص المتبرعين وتحسين نتائج المرضى.
ويعتقد الدكتور عبد الرحيم أن التعاون العالمي بين المؤسسات والباحثين ومقدمي الرعاية الصحية من شأنه أن يسرع التقدم، في حين أن دمج الذكاء الاصطناعي في التشخيص وتخطيط العلاج من شأنه أن يمكّن الرعاية الشخصية وقال: «يحمل هذا المجال المتطور القدرة على تعزيز معدلات البقاء على قيد الحياة ونوعية الحياة لمرضى السرطان في جميع أنحاء العالم بشكل كبير. ويعتمد مستقبله على معالجة المعضلات الأخلاقية، وتحسين تخصيص الموارد، ودمج العلاجات الجديدة لإعادة تعريف معايير الرعاية لمرضى السرطان في جميع أنحاء العالم، وتشكيل مستقبل الرعاية الصحية العالمية».
وبالإضافة إلى قيادة رعاية مرضى سرطان الجهاز الهضمي في هيوستن ميثوديست، يشغل الدكتور عبد الرحيم منصب مدير مركز هيوستن ميثوديست كوكريل للعلاجات المتقدمة، حيث يشرف على المرحلة الأولى من التجارب السريرية. والدكتور عبد الرحيم هو باحث رئيس في تجارب متعددة تركز على العلاج الكيميائي والعلاج المستهدف، والعلاج المناعي في الأورام الخبيثة في الجهاز الهضمي، ومن رواد زراعة الأعضاء لمرضى لسرطان، ويتمتع بخبرة فريدة في أنواع السرطان التي يتم علاجها عن طريق زراعة الكبد - مستفيداً من خبرة هيوستن ميثوديست متعددة التخصصات في علم الأورام والجراحة وزراعة الأعضاء لتقديم هذا العلاج المبتكر للمرضى.
وبحسب الدكتور عبد الرحيم، تتضمن زراعة الأعضاء لعلاج السرطان استخدام زراعة الأعضاء باعتبارها طريقة علاجية للسرطانات عندما لا تكفي الطرق التقليدية، مثل زراعة الكبد لسرطان الخلايا الكبدية، أو سرطان القنوات الصفراوية.
ويعتقد رئيس قسم أورام الجهاز الهضمي في مركز نيل للسرطان في هيوستن ميثوديست، أن هذه المقاربة تعد أملاً للمرضى الذين لديهم خيارات محدودة. ويضيف: «إنه نهج تحويلي لرحلة علاجهم، ويمكنها توفير فرص علاجية للسرطانات المتقدمة أو غير القابلة للجراحة، وتقليل معدلات تكرار الإصابة بالعلاجات المتكاملة قبل وبعد الجراحة. فضلاً عن تحسين نوعية الحياة ومعدلات البقاء على قيد الحياة للمرضى من خلال معالجة السرطان بشكل منهجي ومحلي».
وتجمع زراعة الأعضاء لمرضى السرطان بين الدقة الجراحية والعلاج المناعي المتقدم، والطب الدقيق لتحقيق نتائج أفضل. وتُظهر الأبحاث أنه يمكن أن يكون علاجاً شاملاً يتيح الإزالة الكاملة للأعضاء السرطانية واستبدال أعضاء صحية بها، مما يؤدي غالباً إلى نتائج أفضل.
وأظهر مرضى سرطان الكبد، مثل سرطان الخلايا الكبدية، الذين يستوفون المعايير الصارمة، زيادة في معدلات البقاء على قيد الحياة، مقارنة بالمرضى غير الخاضعين لعملية زرع الأعضاء. ويتطلب التأهيل للعلاج معايير انتقائية تعتمد على نوع السرطان، وتطوره، والاستجابة للعلاج. كما ينطوي على بعض المخاطر، إذ يمكن أن يزيد العلاج المثبط للمناعة بعد عملية الزرع من قابلية الإصابة بالعدوى والأورام الخبيثة الثانوية، ومع ذلك، تضمن التغييرات الأخيرة في بروتوكولات الزرع التخلص السريع من مثبطات المناعة. كما يشكل التوافر المحدود للأعضاء القابلة للزرع تحدياً كبيراً يتم التغلب عليه تدريجياً من خلال زراعة الأعضاء من متبرعين أحياء.