نماذج مصغرة للمخ تكشف أسباب حالات التوحد الشديدة

طفرة جينية واحدة قد تتسبب في حدوثها

نماذج مصغرة للمخ تكشف  أسباب حالات التوحد الشديدة
TT

نماذج مصغرة للمخ تكشف أسباب حالات التوحد الشديدة

نماذج مصغرة للمخ تكشف  أسباب حالات التوحد الشديدة

قام علماء من منظمة «سكريبس ريسيرتش - Scripps Research» البحثية غير الربحية في الولايات المتحدة، بتخليق نماذج مصغرة للمخ organoids في المختبرات باستخدام الخلايا الجذعية المستخلصة من مرضى يعانون من نوع نادر وشديد من اضطراب طيف التوحد يسبب الإعاقة الفكرية. وخصصت هذه النماذج لدراسة المرض حيث ساعدت الأعضاء المزروعة في المختبر الفريق البحثي على فهم طبيعة المرض ومعرفة كيف يمكن أن تتسبب طفرة جينية واحدة في حدوث التوحد. ونُشرت هذه الورقة البحثية في مجلة الطب النفسي «Molecular Psychiatry»، في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي.

نماذج مصغرة للمخ

من المعروف أن اضطراب طيف التوحد مرض عصبي يؤثر على النمو الإدراكي ويتميز بالسلوك التكراري وصعوبة التواصل الاجتماعي مع الآخرين. والأسباب المؤكدة للمرض ليست معروفة تماماً، ولكن في الأغلب يلعب العامل الجيني دوراً كبيراً في حدوثه.

ومنذ سنوات عديدة كانت دراسات التوحد تتم على نماذج من الفئران تعاني من اضطراب طيف التوحد أو من خلال دراسة خلايا المخ عن طريق الفحص بالرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية. لكن كل هذه المحاولات لم تكن قادرة على محاكاة التعقيد الموجود في المخ البشري.

أوضح الباحثون أن الهدف من دراسة النماذج المصغرة للمخ هو دراسة الطفرة الجينية التي تحدث وتسبب الخلل في خلايا المخ أثناء النمو ومحاولة معالجة هذا الخلل في الخلايا المريضة حتى تتخلص من تأثير هذه الطفرة.

وركزوا أبحاثهم على نوع عنيف من المرض يسبب إعاقة فكرية ويحدث بسبب خلل في جين معين MEF2C. وفي حالة نجاح التجارب على هذا النوع العنيف فإنه بالتأكيد سوف يساهم في علاج المرض بشكل عام.

قام العلماء باستخدام تقنيات حديثة ومتطورة لتحويل خلايا الجلد المعزولة من مرضى يعانون من هذا النوع النادر والعنيف إلى خلايا جذعية، ثم قاموا بزراعتها في نماذج مصغرة للمخ mini-brain بقطر مليمتر واحد فقط؛ حيث يمكن للباحثين دراسة كيفية تفاعل الأنواع المختلفة من خلايا المخ بعضها مع بعض.

في المخ البشري السليم تتطور الخلايا العصبية إلى أعصاب لها قدرة على إرسال واستقبال الإشارات العصبية المختلفة في جميع أجزاء الجسم، بما فيها خلايا المخ التي تلعب دوراً مهماً في تحويل هذه الإشارات إلى أوامر عصبية، وكذلك تقوم بتخزين معلومات للاستفادة منها وتتحكم في العواطف المختلفة وتساعد في الحفاظ على سلامة الجهاز العصبي.

طفرة جينية تخلخل المخ

هناك توازن دقيق بين الخلايا العصبية المختلفة في المخ، بمعنى وجود خلايا تساعد على تعزيز التوصيلات الكهربائية أو مثيرة excitatory neurons وخلايا عصبية مثبطة تقلل من هذه التوصيلات وخلايا أخرى تكون النسيج الرئيسي للمخ support. لكن في حالة التوحد يحدث اختلال للتوازن بين الإثارة والتثبيط مما يؤدي غالباً إلى إثارة مفرطة.

هناك عدد محدود من الجينات الحاملة لشفرة الحمض النووي مسؤولة عن انقسام الخلايا العصبية إلى الأنواع المختلفة المكونة للجهاز العصبي بكل خلاياه، سواء التي تكون النسيج الرئيسي glial cell أو المثيرة أو المثبطة وهناك توازن دقيق بين هذه الأنواع.

وفي حالة النوع الشديد والنادر من التوحد، وجدت المجموعة البحثية أن الطفرة التي تحدث في الجين تغير صفاته وشفرته النووية، وبالتالي لا تستطيع الخلايا المخية النامية أن تنقسم بتوازن وتكون السيطرة للخلايا المثيرة.

في نماذج المخ المصغرة من خلايا الأطفال المصابين بالنوع النادر من التوحد، تطورت الخلايا الجذعية العصبية التي تعاني من نقص الجينات المسؤولة عن الانقسام في كثير من الأحيان بشكل عشوائي، ما تسبب في حدوث خلل في أعداد هذه الخلايا مقارنةً بالخلايا العصبية العادية. وبشكل خاص كانت النماذج التي تم تطويرها من خلايا المرضى تحتوي على عدد أقل من الخلايا المثبطة، ما أدى إلى إشارات كهربائية مفرطة في هذه النماذج بشكل يحاكي تماماً المخ البشري الحقيقي المصاب باضطراب طيف التوحد، وعندما أضاف الباحثون نسخاً إضافية من هذه الجينات إلى النماذج المصغرة تطور المخ بشكل أقرب للطبيعي وحدث التوازن بين الخلايا.

حتى الآن لا يتم تشخيص التوحد أثناء نمو المخ في الجنين، ولذلك تُعد طرق العلاج التي تهدف إلى تغيير الخلل الجيني لعمل التوازن اللازم بين الخلايا المثبطة التي تسبب الإثارة قبل الولادة غير فعالة، ولكن العلماء قاموا بتطوير دواء معين (NitroSynapsin) يُستخدم في مرض ألزهايمر يمكن أن يساعد في خلق التوازن بين الخلايا العصبية حتى بعد النمو.

حاول الباحثون معرفة إذا كان الدواء يمكن أن يساعد أيضاً في علاج هذا النوع من التوحد وقاموا باستخدامه على الخلايا المشتقة التي تشكل المخ المصغر، وأظهرت النتائج أنه قادر على تصحيح الخلل جزئياً ومنع فرط استثارة الخلايا العصبية بجانب أنه حافظ على التوصيلات العصبية.

وأكّد الباحثون أن هناك حاجةً إلى مزيد من الدراسات لمعرفة ما إذا كان الدواء يحسن أعراض المرضى المصابين بالتوحد من عدمه؛ لأن تحسن استجابة الخلايا في المختبر لا يعني أن الدواء بالضرورة سوف يحسن الأعراض، ولا بدّ من إجراء تجارب على استخدامه بشكل موسّع، وأيضاً من الضروري معرفة إذا كان الدواء يؤثر على بقية الأنواع العادية من التوحد التي تكون فيها الحالة أقل حدة. وفي النهاية تُعد نتائج هذه الدراسة بالغة الأهمية لأنها تتيح للعلماء دراسة المخ البشري بشكل طبيعي ومعرفة العوامل المؤثرة عليه، مما يساعد في علاج المرض في المستقبل القريب.* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة: بطانة الرحم المهاجرة والأورام الليفية قد تزيد خطر الوفاة المبكرة

صحتك أشارت دراسة أميركية جديدة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة (متداولة)

دراسة: بطانة الرحم المهاجرة والأورام الليفية قد تزيد خطر الوفاة المبكرة

تشير دراسة أميركية موسعة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك دماغ (أ.ف.ب)

ما أفضل مكملات غذائية لدعم صحة الدماغ؟

أكد موقع «هيلث» على أهمية الحفاظ على عقل سليم لأنه يساعد على تعلُّم المعلومات والاحتفاظ بها واتخاذ القرارات وحل المشكلات والتركيز والتواصل عاطفياً مع الآخرين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك اكتساب الوزن سريعاً بعد خسارته من المشكلات التي تؤرّق الكثير من الأشخاص (د.ب.أ)

لماذا يكتسب الكثيرون الوزن سريعاً بعد فقدانه؟

بحثت دراسة جديدة في السبب المحتمل وراء اكتساب الوزن سريعاً بعد خسارته، ووجدت أنه قد يرجع إلى ما أطلقوا عليه «ذاكرة الخلايا الدهنية».

«الشرق الأوسط» (برن)
صحتك تؤدي الكثير من عوامل الخطر إلى الإصابة بسكتة دماغية (رويترز)

للوقاية من السكتة الدماغية الشديدة... عالج هذه المخاطر

يمكن أن تؤدي الكثير من عوامل الخطر إلى الإصابة بسكتة دماغية، لكن بعض هذه العوامل والسلوكيات تكون مخاطرها شديدة للغاية لتتسبب في سكتات دماغية حادة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)
طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)
طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة.

وعقدت لجنة تابعة لمنظمة الصحة العالمية اجتماعاً طارئاً في جنيف، اليوم الجمعة، لتقرير ما إذا كان فيروس جدري القردة «إمبوكس» لا يزال يمثل أزمة صحية عالمية.

وتجتمع اللجنة، التي تضم نحو 12 خبيراً مستقلاً، كل ثلاثة أشهر، بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية، في أغسطس (آب) الماضي، حالة طوارئ صحية بسبب انتشار فيروس جدري القردة في القارة الأفريقية.

وتبحث اللجنة حالياً في سبل مواجهة سلالة جديدة من الفيروس تسمى «كليد 1 بي»، انتشرت من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد تكون أكثر خطورة ومُعدية بشكل أكبر.

وقالت منظمة الصحة العالمية إنه جرى رصد أكثر من 50 ألف حالة مشتَبه بها من جدري القردة في البلدان الأفريقية، هذا العام، مع أكثر من 1800 حالة وفاة. ومن بين الإصابات جرى اكتشاف 12 ألف حالة في المختبرات.

وتعتزم منظمة الصحة العالمية تقديم تفاصيل حول نتائج مشاورات اللجنة، مساء اليوم الجمعة.