المضادات الحيوية تنقذ أطفال أفريقيا

دراسة تطالب بتغيير التوصيات الحالية بحظرها لخطورة حدوث مقاومة البكتيريا لها

المضادات الحيوية تنقذ أطفال أفريقيا
TT

المضادات الحيوية تنقذ أطفال أفريقيا

المضادات الحيوية تنقذ أطفال أفريقيا

رغم المخاوف التي تجتاح الأوساط الطبية في العالم كله بسبب الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية، لكن لا يوجد جدال حول أهميتها الطبية في إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح، بشرط أن يتم إعطاؤها بجرعات معينة في حالات محددة للإصابات البكتيرية.

وحسب أحدث بحث أجراه علماء من جامعة كاليفورنيا California University بالولايات المتحدة ونشر في نهاية شهر أغسطس (آب) من العام الحالي في مجلة «نيو إنغلاند» الطبية New England Journal of Medicine يمكن للعلاج بالمضاد الحيوي إنقاذ حياة آلاف الأطفال.

وفيات الأطفال الصغار

تمثل وفيات الأطفال تحت عمر الخامسة مشكلة طبية كبيرة في جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، ويكفي أن نعرف أن عدد وفيات الأطفال في عام 2022 فقط كان نحو 2.8 مليون طفل معظمهم توفوا نتيجة للإصابة بالالتهابات البكتيرية التي يمكن علاجها في البداية بسهولة باستخدام المضادات الحيوية.

وتشمل الإصابات الالتهاب الرئوي أو النزلات المعوية (التي تُعد القاتل الأساسي للأطفال في أفريقيا) أو الإصابة بالملاريا. وحسب الدراسة الجديدة يمكن أن يساهم المضاد في تقليل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة بنسبة كبيرة جداً تصل إلى 14 في المائة.

أوضح الباحثون أن علاج الأطفال في عمر أقل من عام عند الإصابة بالالتهابات فقط ليس كافياً لحمايتهم، ولكن يجب إعطاء المضاد الحيوي لجميع الأطفال المحيطين بهم حتى سن 5 سنوات؛ وذلك لتحقيق فائدته الكاملة وخصوصاً في هذه المنطقة التي يموت فيها طفل واحد من كل 10 أطفال قبل بلوغهم سن الخامسة، نتيجة لحدوث مضاعفات خطيرة بعد الالتهابات البسيطة، لأن المنطقة كلها تعاني من التلوث ونقص وسائل الحماية الطبية وأبسط طرق التعقيم. والمضاد الحيوي في هذه الحالة أشبه ما يكون نوعاً من اللقاح الذي يضمن القضاء على الميكروب من البيئة المحيطة كلها.

ومن المعروف أن منظمة الصحة العالمية WHO كانت قد أوصت بالحد من استخدام المضاد الحيوي أزيثروميسين azithromycin بسبب المخاوف من أن يؤدي الإفراط في استخدامه إلى ظهور مقاومة المضادات الحيوية، لكن البحث الحالي يظهر أن الأطفال الأصغر سناً والأكثر ضعفاً والأقل مناعة، الذين تقل أعمارهم عن عام واحد، يكتسبون حماية أكبر من الالتهابات الخطيرة المحتملة في الجهاز التنفسي بشكل خاص إذا تم علاج أشقائهم الأكبر عمراً أيضاً بالمضاد الحيوي بشكل وقائي، حتى لا ينقلوا إليهم هذه الالتهابات.

شملت الدراسة الأولى التي بدأت في عام 2018 ما يقرب من 200 ألف طفل في ثلاث دول أفريقية هي النيجر وملاوي وتنزانيا، حيث تم إعطاء الأطفال جرعة واحدة من مضاد الأزيثروميسين الواسع المجال عن طريق الفم أربع مرات على مدار عامين كاملين، ما أدى إلى خفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنسبة 14 في المائة بشكل عام، وبنسبة 20 في المائة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 أشهر.

فوائد المضادات الحيوية

وفي عام 2020، قامت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع دولة النيجر فقط - وذلك لأن معدلات وفيات الأطفال لديها كانت أعلى بكثير من تنزانيا وملاوي - بإعادة التجربة نفسها وإعطاء المضاد الحيوي، لكن مع تقسيم الأطفال إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى (الرضع من عمر 1 إلى 11 شهراً يتلقون الأزيثروميسين مع الأطفال الأكبر عمراً الذين يتلقون دواءً وهمياً)، والمجموعة الثانية شملت (جميع الأطفال أقل من سن 5 سنوات يتلقون الأزيثروميسين)، والمجموعة الثالثة (جميع الأطفال أقل من سن 5 سنوات يتلقون دواءً وهمياً) لمعرفة تأثير المضاد.

وتبين أن استهداف الرضع فقط في العلاج لم يساهم بشكل كبير في خفض عدد الوفيات، بينما وجدوا أن معدل وفيات الأطفال دون عمر الخامسة انخفض بشكل كبير فقط عندما تم علاج جميع الأطفال، وانخفض معدل الوفيات بين الرضع بنسبة 17 في المائة من نحو 220 حالة وفاة سنوية لكل 10 آلاف طفل إلى 185 فقط.

وقال العلماء إن الأطفال الرضع يتعرضون لمسببات الأمراض في المنزل، حيث لاحظ الباحثون أن معظمهم لديهم أشقاء أكبر عمراً وفي الأغلب ينقل هؤلاء الإخوة العدوى أو يساهمون في زيادة حدتها؛ لأنهم يقضون وقتاً أطول خارج المنزل، ويلعبون مع أطفال آخرين، ما يزيد من احتمالية إصابة أشقائهم الأصغر سناً والأقل مناعة بالأمراض المختلفة التي لا تظهر أعراضها المختلفة على إخوتهم الكبار نتيجة لقوة مناعتهم. وبالتالي يُعد علاج هؤلاء الأشقاء الأكبر (حتى من دون شكوى) نوعاً من الحماية للرضع.

قللت الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة بنسبة تصل إلى 14 %

المضادات الحيوية

وأكد الباحثون أنهم على دراية بخطورة إمكانية حدوث مقاومة للمضادات الحيوية، ولكن في حالة عمل مقارنة بين فوائد استخدام المضادات المتمثلة في إنقاذ حياة آلاف الأرواح من الأطفال من الموت المحقق وبين مخاطر حدوث المقاومة، تكون النتيجة محسومة لصالح إعطاء المضاد الحيوي، خاصة إذا كان التدخل يقتصر على مجموعة فرعية صغيرة من السكان، أي الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الخامسة، وذلك لبضع سنوات فقط، وفي حالات محددة. وليس معنى ذلك أن يتم التعامل مع المضاد باستخفاف أو استخدامه بشكل موسع.

في النهاية، أعرب الباحثون عن أملهم بأن تصدر منظمة الصحة العالمية توصيات ملزمة بضرورة إعطاء المضاد الحيوي للأطفال دون السنوات الخمس (في أفريقيا)؛ لحمايتهم من الوفاة، لأن التوصيات الحالية تسمح باستخدام المضادات الحيوية من عمر شهر إلى 11 شهراً فقط في حالة الإصابة، ولكن حسب الدراسة الجديدة يجب إعطاء الأطفال جميعهم العلاج.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

الصين توقف تبنّي الخارج لأطفالها

آسيا أب يحمل طفليه في ضواحي شنغهاي بالصين - 3 يونيو 2021 (رويترز)

الصين توقف تبنّي الخارج لأطفالها

قال متحدث باسم الحكومة الصينية، الخميس، إن الحكومة لم تعد تسمح بتبني الخارج لأطفال الصين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
المشرق العربي امرأة فلسطينية تحمل طفلاً خلال حملة تطعيم ضد شلل الأطفال وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» في دير البلح وسط قطاع غزة 4 سبتمبر 2024 (رويترز) play-circle 00:42

أهل غزة يتمنون دوام وقف القتال بعد حملة التطعيم ضد شلل الأطفال

وقف آباء قلقون في طوابير، اليوم (الأربعاء)، مع أطفالهم للحصول على اللقاح المضاد لشلل الأطفال في وسط قطاع غزة، وهم يعدون الدقائق قبل أن تنتهي ساعات وقف القتال.

«الشرق الأوسط» (غزة)
يوميات الشرق «الجيل زد»... الهاتف الجوال والألعاب الإلكترونية جزء أساسي من الروتين اليومي

الهواتف الذكية: هل تجعل أطفالكم أكثر ذكاءً أم تعرقل تعلمهم؟

تشير الأبحاث إلى أن وجود الهواتف الذكية في المدرسة قد يكون له تأثيرات سلبية تتجاوز مسألة التواصل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إدارة شرطة مدينة ليهي أكّدت لوسائل الإعلام المحلية أن الطفل أطلق النار على رأسه عن طريق الخطأ (رويترز)

تركته في سيارتها وذهبت للتسوق... طفل «يُطلق النار على نفسه» بمسدس والدته

توفي طفل يبلغ من العمر 8 سنوات في الولايات المتحدة، بعد أن أطلق النار على نفسه عن طريق الخطأ بمسدس محمّل بالذخيرة، تركته والدته في سيارتها بينما كانت تتسوق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي لقطة من فيديو للطفلة الفلسطينية التي قُتلت وهي ترتدي حذاء التزلج في غزة (إكس)

كانت تلعب مرتدية حذاء التزلج... مقتل طفلة بقصف إسرائيلي على غزة تُدمي القلوب

وسط استمرار الحرب في غزة منذ نحو 11 شهراً، أصبحت المشاهد الدموية المؤلمة واقعاً لا مفر منه خصوصاً لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين يتابعون الأحداث يومياً.

«الشرق الأوسط» (غزة)

مدة بسيطة جداً من التمارين اليومية قد تقلل خطر إصابتك بالسرطان

ممارسة التمارين الرياضية يومياً لمدة بسيطة جداً يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالسرطان (رويترز)
ممارسة التمارين الرياضية يومياً لمدة بسيطة جداً يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالسرطان (رويترز)
TT

مدة بسيطة جداً من التمارين اليومية قد تقلل خطر إصابتك بالسرطان

ممارسة التمارين الرياضية يومياً لمدة بسيطة جداً يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالسرطان (رويترز)
ممارسة التمارين الرياضية يومياً لمدة بسيطة جداً يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالسرطان (رويترز)

أكد خبير تغذية ولياقة بدنية أن ممارسة التمارين الرياضية يومياً لمدة بسيطة جداً يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالسرطان.

ونقلت صحيفة «نيويورك بوست» عن الدكتور لين نورتون قوله: «إن (4 دقائق من النشاط القوي يومياً) كافية لخفض خطر الإصابة بالسرطان لدى الفرد بشكل كبير».

وأضاف: «التمارين الرياضية من الأشياء القليلة التي يمكنها تحسين صحتك من جميع الجوانب، إذ لا تقتصر فوائدها فقط على فقدان الوزن».

واستشهد نورتون بدراسة نشرت العام الماضي في مجلة «جاما لعلم الأورام»، وقال إن الباحثين وجدوا أن «النشاط البدني القوي» الذي يقوم به الشخص بشكل تدريجي طوال اليوم، لمدة قصيرة لا تتعدى الـ4 دقائق، يمكن أن يُخفض خطر الإصابة بالسرطان بنسبة 20 في المائة.

رجل مريض بالسرطان (رويترز)

ولفت نورتون أيضاً إلى أن الدراسة وجدت أن ممارسة الرياضة لمدة «10 دقائق» يومياً تزيد هذه النسبة الخاصة بتقليل خطر السرطان، إذ تصل حينها إلى 30 في المائة.

ووجدت الدراسة أيضاً أن 3 دفعات قصيرة فقط من التمارين الرياضية يومياً، تتراوح مدتها من 4 إلى 10 دقائق، يمكن أن تؤدي إلى انخفاض خطر الإصابة بالسرطان والوفاة بسببه بنسبة 40 في المائة، وانخفاض في الوفاة بأمراض القلب بنسبة 50 في المائة.

ولفت نورتون إلى أن «المشي السريع لمدة 30 دقيقة يومياً قد يقيك من المرض تماماً».

وفي حين قد يشكك البعض في نتائج هذه الدراسة، أشار نورتون إلى أنه أجرى عدداً من «التجارب العشوائية» التي وجدت مؤشرات مماثلة لفوائد ممارسة الرياضة على تقليل خطر الإصابة بالسرطان.

وقال: «لقد أجرينا تجارب عشوائية لتحديد تأثير ممارسة التمارين الرياضية لفترات قصيرة جداً، ورأينا تحسناً في التمثيل الغذائي للغلوكوز، والدهون في الدم، والالتهابات، والوقاية من السرطان، وتحسين القدرات المعرفية أيضاً».

وأوضح أن «التجربة العشوائية» وجدت أن الرجال الذين يعانون الاكتئاب الشديد، والذين قاموا بجلستين من تدريب المقاومة أسبوعياً، مدة كل منهما 25 دقيقة، وذلك لمدة 8 أسابيع شهدوا «تحسناً كبيراً في الأعراض».

وأشار نورتون إلى أنه يدرك أن البدء في ممارسة التمارين الرياضية الروتينية قد يكون أمراً صعباً بالنسبة لكثير من الأشخاص، لكنه اقترح على الأشخاص أن ينظروا إلى الأمر مثل «تنظيف الأسنان بالفرشاة».

وأوضح قائلاً: «هل تشعر بأن لديك حافزاً لتنظيف أسنانك بالفرشاة؟ لا، أنت تفعل ذلك لأنك تعلم أنه إذا لم تنظف أسنانك بالفرشاة، فسوف تتلف. ويحدث الشيء نفسه لجسمك إذا لم تمارس الرياضة».

وإضافة للوقاية من السرطان، أظهرت دراسة بريطانية نشرت في مايو (أيار) الماضي، أن ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة إلى القوية يمكن أن تُحسّن فاعلية علاجات سرطان الدم الليمفاوي المزمن، وهو نوع من أنواع السرطان يبدأ في الخلايا المناعية التي تُسمى الخلايا الليمفاوية، ويتميز بنمو غير طبيعي للخلايا الليمفاوية في الجسم.