توجهات جديدة لفحص سرطان القولون والمستقيم

اختبار دم بسيط يسهّل عملية رصده

توجهات جديدة لفحص سرطان القولون والمستقيم
TT

توجهات جديدة لفحص سرطان القولون والمستقيم

توجهات جديدة لفحص سرطان القولون والمستقيم

ربما حان الوقت لنطلق جميعاً زفرة ارتياح، أو على الأقل نشعر بالأمل؛ وذلك لأن عملية الكشف عن سرطان القولون والمستقيم ربما تصبح أسهل بكثير قريباً.

وتشير أحدث الأدلة على هذا الصعيد إلى أن اختبار دم بسيط ربما يتحول أداةً للكشف عن هذا النمط من السرطان. ويحمل هذا الأمر أهمية كبيرة، خاصة لأن الكثيرين ينأون بأنفسهم عن طرق الفحص الراهنة، مثل فحص القولون بالمنظار أو اختبار البراز؛ لأنها قد تكون مزعجة وتستغرق وقتاً طويلاً.

في الوقت ذاته، فإن تجاهل هذه الفحوص قد تكون له تداعيات مميتة، بالنظر إلى أن سرطان القولون والمستقيم واحد من أكثر أسباب الوفاة شيوعاً بين مرضى السرطان داخل الولايات المتحدة.

اختبار دم جديد

وفيما يلي عرض لما يمكن أن يعنيه اختبار الدم الجديد لجهود الكشف عن سرطان القولون والمستقيم، وما هي مزايا الطرق الأخرى للفحص اليوم.

• هل باتت أداة اختبار الدم وشيكة؟ يطلق على اختبار الدم المقصود هنا: اختبار «شيلد» Shield، الذي تولت تطويره مؤسسة «غاردانت هيلث» Guardant Health.

يبحث الاختبار عن شظايا الحامض النووي الناجمة المتولدة عن أورام سرطان القولون والمستقيم. جدير بالذكر أن «شيلد» متاح تجارياً بالفعل (وإن كان على نطاق غير واسع)؛ بناءً على توصيف الأطباء، لكنه لم ينل موافقة إدارة الغذاء والدواء بعد، ولا يغطيه التأمين. إلا أن هذا الوضع ربما يتغير.

وقد قدّرت دراسة ممولة من الصناعة، نُشرت في 14 مارس (آذار) 2024 بدورية «ذي نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين»، مستوى دقة «شيلد» لدى تجريبه على أكثر عن 7800 بالغ، كانوا يخضعون لفحص القولون بالمنظور. وكان جميع المشاركين يواجهون مستوى متوسطاً من مخاطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.

• دقة متفاوتة. وبوجه عام، حدد «شيلد» بدقة 83 في المائة من حالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. ومع ذلك، لم يبل الاختبار بلاءً عظيماً في رصد حالات النمو محتملة التسرطن التي يطلق عليها «السليلة» أو الورم الحميد (رصد «شيلد» 13 في المائة فقط من حالات السليلة المتقدمة advanced polyps). وفي نحو 10 في المائة فقط من الحالات، قدم الاختبار نتائج إيجابية كاذبة بخصوص أفراد لم يكن لديهم سرطان القولون والمستقيم أو أورام حميدة.

ومع ذلك، حال حصول «شيلد» على موافقة إدارة الغذاء والدواء، الأمر الذي قد يحدث هذا العام، فإن هذا الاختبار يمكن أن يحدِث فارقاً كبيراً لدى الأفراد الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون في الخضوع للأنماط الأخرى من الفحوص.

• تقييم طبي لأداء الاختبار. وفي هذا الصدد، يرى الدكتور لورانس إس. فريدمان، اختصاصي الجهاز الهضمي ورئيس قسم الطب بمستشفى نيوتن - ويلزلي، التابع لجامعة هارفارد، أنه: «من منظور الأداء، فإن هذا الاختبار لا يعد الأفضل، لكنه يبقى أفضل من عدم إجراء أي اختبار من الأساس؛ لأنه ربما يرصد وجود سرطان بالقولون قبل أن ينتشر. وحال الاستعانة بهذا الاختبار على نطاق واسع، بالنظر إلى كونه أسهل عن سبل الفحص الأخرى، فإنه قد يصبح الأداة المنشودة على صعيد أساليب فحص الأورام السرطانية. ومع هذا، يبقى من المبكر للغاية التأكيد على ما إذا كان سيحدث بالفعل».

اختبارات البراز

لا تتطلب اختبارات البراز أن يجري جمع دمك في المختبر أو عيادة الطبيب. وتأتي اختبارات البراز داخل مجموعة من الأدوات يصفها الطبيب. ويمكنك استخدام أدوات المجموعة مع الاستمتاع بالخصوصية في منزلك، وإرسال العينة إلى عيادة طبيبك أو المختبر. وهناك، يجري تحليل العينة؛ بحثاً عن مؤشرات سرطان القولون والمستقيم، مثل الحمض النووي للورم أو كميات صغيرة من الدم من الأورام أو الأورام الحميدة.

من جهتها، توصي قوة العمل الأمريكية للخدمات الوقائية بثلاثة أنماط من اختبارات البراز:

• اختبار الغواياك للبراز guaiac fecal occult blood test (gFOBT)، والذي يعتمد على عناصر كيميائية للعثور على الدم في البراز. ويجب إجراء مثل هذا الاختبار مرة واحدة سنوياً. (الغواياك مصطلح يدل على اسم سطح الورق المستخدمة في الاختبار الذي يحتوي على مركب الفينول، حمض ألفا غاياكونيك، المستخرج من راتنج خشب أشجار الغاياكوم – Guaiacum - المحرر).

• اختبار الكيمياء المناعية في البراز fecal immunochemical test (FIT)، الذي يستعين بالأجسام المضادة للكشف عن الدم بالبراز، ويجب إجراؤه مرة واحدة على الأقل سنوياً.

• اختبار الحمض النووي متعدد الأهداف multitarget stool DNA (mt-sDNA) test (Cologuard)، والمعروف كذلك باسم FIT-DNA، الذي يحدد الحمض النووي القادم من خلايا سرطانية في البراز. ويتضمن مكون FIT للبحث عن الدم. ويجب إجراء هذا الاختبار كل ثلاث سنوات.

من بين الاختبارات الثلاثة، يعتبر اختبار FIT-DNA الأكثر فعالية ودقة، ويعتبر حالياً أكثر دقة عن اختبار الدم. وبمقدور هذا الاختبار رصد 92 في المائة من حالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، و42 في المائة من الأورام الحميدة المتقدمة. أما معدل الإيجابية الكاذبة بين نتائجه، فيبلغ نحو 13 في المائة.

ويتميز الجيل التالي من اختبار Cologuard FIT-DNA، الذي لا يزال بانتظار موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، بأداء أفضل، فبإمكانه رصد 94 في المائة من حالات سرطان القولون والمستقيم، و43 في المائة من الأورام الحميدة المتقدمة، تبعاً للدراسة المنشورة في «ذي نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين» بتاريخ 14 مارس (آذار) 2024. أما معدل الإيجابية الكاذبة لديه، فيقدر بنحو 10 في المائة.

أداة الفحص الذهبية

يعد فحص القولون بالمنظار colonoscopy أسلوب فحص سرطانات القولون والمستقيم الأكثر شمولاً، خاصة وأنه يتيح للطبيب إلقاء نظرة داخل القولون والمستقيم. وينجح هذا الأسلوب في رصد 95 في المائة من حالات سرطانات القولون والمستقيم. وعن ذلك، قال الدكتور فريدمان: «هذا ليس اختباراً مثالياً، لكنه أدق من اختبار الدم أو البراز. ومن خلاله، يمكن للطبيب رصد وإزالة السلائل أو الأورام الحميدة التي يحتمل أن تكون سرطانية على الفور، والحيلولة دون الإصابة بالسرطان مستقبلاً».

إلا أن فحص القولون بالمنظار يتطلب للأسف، عملية استعداد طويلة غير مريحة لتنظيف الأمعاء (بحيث يتمكن الطبيب من رؤية جدران القولون والمستقيم بوضوح). ويجري تنفيذ هذا الإجراء عادة داخل مركز جراحة. وفي أثناء تنظير القولون، بينما أنت قيد التخدير، يضع الطبيب أنبوباً مرناً (يحمل كاميرا صغيرة ومعدات جراحية) عبر المستقيم إلى القولون. وبعد الفحص، يجب عليك قضاء بعض الوقت في غرفة الإنعاش، وبعد ذلك تعود إلى المنزل. وتستغرق العملية برمتها وقتاً طويلاً، وقد تكون باهظة التكلفة، حسب التأمين الخاص بك.

ومع ذلك، إذا اخترت إجراء اختبار البراز ووجدت شيئاً مريباً، فستحتاج إلى متابعة باستخدام فحص منظار القولون، والذي يعتبر اختباراً تشخيصياً. لا يغطي التأمين عمليات فحص القولون التشخيصي بالمنظار بشكل كامل، ويمكن أن تصل تكلفته إلى مئات آلاف الدولارات، حسب خطتك التأمينية. ومع ذلك، نظراً لأنه يمكن الطبيب من إزالة السلائل أو الأورام الحميدة محتملة التسرطن، فإنه يمكن أن يشكل خطوة قادرة على إنقاذ حياتك.

ماذا لو لم يكن لديك تأمين؟ تتراوح تكاليف أحد اختبارات البراز بين نحو 30 دولاراً و600 دولار. أما تكاليف فحص القولون بالمنظار، فتتراوح بين 1200 دولار و4800 دولار.

جدير بالذكر أن اختبار «شيلد» تبلغ تكلفته حالياً 895 دولاراً، ويتعين على المرضى دفع كامل التكاليف. وحال حصول «شيلد» على موافقة إدارة الغذاء والدواء، من المحتمل أن يتراجع السعر. إلا أن الحصول على نتيجة مريبة من اختبار الدم، سيستلزم إجراء متابعة عبر فحص القولون بالمنظار، الأمر الذي سيتطلب تكلفة كبيرة.

حدد اختبار الدم «شيلد» بدقة 83 % من حالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم

أسئلة من دون إجابات

مع أن فحص الدم البسيط للكشف عن سرطان القولون والمستقيم يبدو أمراً مثيراً، تبقى هناك الكثير من الأسئلة دونما إجابة حوله.

مثلاً، لا نعرف حتى الآن عدد المرات التي سيكون من الضروري إجراء هذا الاختبار. من جهتها، توصي الشركة المصنعة بإجراء الاختبار كل ثلاث سنوات، أي مثل اختبار FIT-DNA، لكن لا توجد توصية رسمية بعد بإجراء فحص الدم.

فيما يخص فحص القولون بالمنظار، يجب على الشخص المعرَّض لخطر الإصابة بسرطان القولون أن يخضع للفحص كل 10 سنوات.

ومن غير الواضح كذلك ما إذا كان اختبار الدم سيكون فعالاً من حيث التكلفة حقاً، بالنظر إلى معدل النتائج الإيجابية الكاذبة لديه، أو ما إذا كان مناسباً.

علاوة على ما سبق، فإننا لا نعرف ما إذا كان اختبار الدم سيعمل بشكل جيد لدى الشباب. يذكر أنه في إطار دراسة «شيلد» المنشورة عام 2024، تراوحت أعمار المشاركين بين 45 و84 عاماً.

على أدنى تقدير، بإمكاننا الوثوق في أن لدينا بالفعل اختبارات فحص لسرطانات القولون والمستقيم جيدة، ونأمل في أن أسلوب فحص جديد أبسط ربما يكون بالطريق إلينا.

في هذا السياق، عبّر الدكتور فريدمان عن اعتقاده بأنه: «ربما يفضل الكثيرون إجراء فحص دم للكشف عن سرطانات القولون والمستقيم، لكن الاختبار ليس جاهزاً تماماً للاستخدام بكثافة بعد. وهناك حاجة إلى تأكيد النتائج الحالية حول (شيلد) عبر المزيد من الدراسات».

وأضاف: «السؤال هنا: هل أعتقد أن فحص البراز أو الدم سيكون اختباراً جيداً مثل فحص القولون بالمنظار؟ لست واثقاً من ذلك؛ لأنه لا يوجد بديل للحصول على نظرة جيدة داخل القولون. أضف إلى ذلك، أنه ليس جميع أنواع السرطان تدفع بمواد جينية في الدم، لكن من يدري؟ ربما نعثر يوماً ما على مؤشر يكون قائماً قبل وقت طويل من اكتشاف السرطان».

سرطان القولون والمستقيم أحد أكثر أسباب الوفاة شيوعاً بين مرضى السرطان داخل الولايات المتحدة

هل يمكن تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم؟

كلما تقدمت في العمر، زاد خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. ومع ذلك، يبقى العمر مجرد عامل خطر واحد للإصابة بسرطان القولون والمستقيم. وتتضمن العوامل الأخرى:

- الأورام الحميدة السابقة (نمو حميد في القولون أو المستقيم).

- إجراء إشعاع سابق على الحوض أو البطن.

- وجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان القولون والمستقيم.

- الإصابة بالسمنة، أو مرض السكري، أو مرض التهاب الأمعاء inflammatory bowel disease (مثل التهاب القولون التقرحي ulcerative colitis أو مرض كرون Crohn's disease).

- بعض الحالات الوراثية، مثل متلازمة لينتش Lynch syndrome.

- نمط الحياة القائم على الجلوس لفترات طويلة.

- اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة الدهنية أو اللحوم الحمراء.

- انخفاض مستوى فيتامين دي في الدم

- التدخين أو تعاطي الكحول بكثرة

الملاحظ، أنه من المتعذر تغيير بعض عوامل الخطر هذه، مثل العمر والتاريخ العائلي وبعض الأمراض، لكن تبقى لديك بعض السيطرة على عادات نمط حياتك.

عليك البدء بممارسة الرياضة كل يوم، حتى لو كان ذلك لبضع دقائق فقط. واحرص على تناول نظام غذائي صحي غني بالألياف (الخضراوات والفواكه والبقوليات)، مع القليل من اللحوم الحمراء والأطعمة فائقة المعالجة (الوجبات السريعة). حاول إنقاص الوزن إذا كنت في حاجة إلى ذلك، وقلل استهلاك الكحول (لا يزيد على مشروب واحد يومياً للنساء، ومشروب واحد أو اثنين للرجال). وإذا كنت تدخن، فابحث عن برنامج لمعاونتك على الإقلاع عن التدخين.

ستساعد كل خطوة تتخذها في تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، وكذلك تجنب الكثير من أنواع السرطان الأخرى والأمراض المزمنة.

* رسالة هارفارد الصحية - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

هل النوم لمدة 6 ساعات كافٍ؟

صحتك النوم الجيد يُمكّن الأشخاص من الاستمتاع بصحة أفضل خلال حياتهم (رويترز)

هل النوم لمدة 6 ساعات كافٍ؟

يعاني البعض من الشعور بعدم الحصول على القدر الكافي من النوم رغم الاستغراق فيه لمدة 6 ساعات، ما يثير قلقهم بشأن حالتهم الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك 7 نقاط حول التعامل العلاجي مع حالات الأرق

7 نقاط حول التعامل العلاجي مع حالات الأرق

ضمن الجهود العلمية المشتركة، عرض باحثون من مركز الأبحاث بجامعة «لافال» بكندا، مجموعة المستجدات العلمية الحديثة حول إدارة معالجة حالات الأرق Insomnia.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الرضاعة الطبيعية والتغذية التكميلية تنقذان مئات الآلاف من صغار الأطفال

الرضاعة الطبيعية والتغذية التكميلية تنقذان مئات الآلاف من صغار الأطفال

يحتفل الوسط الطبي في دول العالم بفعالية الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية 2024

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك كيف تتعامل مع إدمان وسائل التواصل الاجتماعي؟

كيف تتعامل مع إدمان وسائل التواصل الاجتماعي؟

مع تصاعد الأصوات التي تطالب بحظر استخدام المراهقين والأطفال، تحت سن 16 عاماً، وسائل التواصل الاجتماعي....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك زجاجة مياه (إ.ب.أ)

ماذا يحدث إذا لم نغسل زجاجة الماء جيداً؟

تساعد زجاجات المياه القابلة لإعادة الاستخدام في الحفاظ على رطوبة الجسم، كما تقلل أيضاً من استخدام البلاستيك الذي يُستخدم لمرة واحدة، وتوفر المال في كل مرة تقوم…

«الشرق الأوسط» (لندن)

7 نقاط حول التعامل العلاجي مع حالات الأرق

7 نقاط حول التعامل العلاجي مع حالات الأرق
TT

7 نقاط حول التعامل العلاجي مع حالات الأرق

7 نقاط حول التعامل العلاجي مع حالات الأرق

ضمن الجهود العلمية المشتركة، عرض باحثون من مركز الأبحاث بجامعة «لافال» بكندا، ومن المركز الطبي بجامعة «بيتسبرغ» بالولايات المتحدة، مجموعة المستجدات العلمية الحديثة حول إدارة معالجة حالات الأرق Insomnia. وذلك بنوعية المؤقت والمزمن.

إشكالية حالات الأرق

وفقاً لما نشر ضمن عدد 17 يوليو (تموز) الماضي من مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين» N Engl J Med الطبية، أفاد الباحثون في مقدمة عرضهم العلمي بأن الأرق شائع. ويرتبط الأرق المزمن بالضيق الشديد، والضعف الوظيفي، والنتائج الصحية الضارة. وتوصي الإرشادات الطبية الحالية بالعلاج السلوكي المعرفي للأرق CBT - I، بوصفه خط العلاج الأول للأرق المستمر. ويتضمن العلاج السلوكي المعرفي استراتيجيات عملية لتعديل عادات النوم، وتنظيم جداول النوم والاستيقاظ، وتقليل الاستيقاظ من النوم، وإعادة صياغة المعتقدات غير المفيدة حول النوم والأرق.

والإشكالية الأهم في التعامل الشائع مع حالات الأرق تشمل ممارسة أحد نقيضين، وهما:

- إما البحث المباشر عن أدوية تُساعد في النوم وتكرار الاستمرار في تناولها.

- وإما المعاناة المطولة من الأرق وتداعياته، دونما بحث عن العلاج الملائم لدى الطبيب المتخصص.

اضطراب النوم الشائع

وبجملة مراجعة هذه الورقة العلمية، نقتطف النقاط العلمية والصحية التالية، التي بإدراكها كما يرى الباحثون، يُمكن «إعادة صياغة المعتقدات غير المفيدة حول النوم والأرق»، وهي:

1 - مشكلة شائعة. الأرق، كما أفاد الباحثون، هو اضطراب النوم الأكثر انتشاراً بين عامة الناس في العالم. وهو من بين المشكلات الأكثر طرحاً من قِبل المرضى أثناء زيارات عيادات الرعاية الأولية. وهو أيضاً من الحالات التي تستمر دون تلقي علاج. وقالوا: «ما يقرب من 10 في المائة من البالغين يستوفون معايير تشخيص الإصابة باضطراب الأرق، ويفيد 15 إلى 20 في المائة من البالغين الآخرين بوجود أعراض الأرق العرضية لديهم».

وعلى وجه الخصوص، الأرق أكثر انتشاراً بين النساء والأشخاص الذين يعانون من مشاكل عقلية أو طبية، وتزداد نسبة حدوثه في منتصف العمر وما بعده، وكذلك خلال فترة ما قبل انقطاع الطمث وانقطاع الطمث.

2 - مشكلة إكلينيكية. وصف الباحثون حالة الأرق بأنها اضطراب يتميز بعدم الرضا الذاتي عن نوعية النوم أو مدته، المرتبط بصعوبة النوم أو الاستمرار فيه. وهو يصاحب بالشعور بالضيق المحزن الكبير، أو بالإعاقة والضعف أثناء النهار. وأوضحوا أن هذه الحالة توصف بدقة عند حصول اضطراب في النوم يحدث في 3 ليالٍ أو أكثر خلال أيام الأسبوع، ويستمر لأكثر من 3 أشهر. والأهم أنها حالة لا تحصل نتيجة عدم توفر فرص للنوم لدى الشخص.

وأضافوا أنها غالباً ما تحدث متزامنة مع حالات طبية أخرى، مثل الألم في المفاصل أو العظام أو العضلات أو أي مناطق أخرى من الجسم. وكذلك بمرافقة حالات الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، أو مع وجود اضطرابات أخرى في النوم مثل متلازمة تململ الساقين Restless Legs Syndrome أو حالات انقطاع التنفس أثناء النوم Sleep Apnea.

عوامل ومضاعفات الأرق

3 - حالات مؤقتة أو عرضية. يمكن أن يكون الأرق ظرفياً (أي متعلقاً أو معتمداً على مجموعة من الظروف أو الحالات المستمرة غالباً)، أو عرضياً (يحدث في بعض الأحيان فقط وليس بشكل منتظم)، ولكنه يتبع مساراً مستمراً لدى أكثر من 50 في المائة من المرضى.

وأضاف الباحثون: «تنشأ الحلقة الأولى عادة من مواقف حياتية مرهقة، أو مشاكل صحية، أو جداول عمل غير نمطية، أو السفر عبر عدة مناطق زمنية (اضطراب الرحلات الجوية الطويلة Jet Lag)». وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص يستأنفون نومهم الطبيعي بعد التكيف مع الحدث المُسبب، فإن الأرق المُزمن قد يتطور لدى الأشخاص الأعلى عُرضة لهذا الاضطراب.

وغالباً ما تؤدي العوامل النفسية أو السلوكية أو الطبية إلى إدامة صعوبات النوم المزمنة. وأوضحوا على سبيل المثال، أن النوم في وقت متأخر من الصباح أو القيلولة أثناء النهار يمكن أن يساعد كل ذلك الأشخاص في البداية على التغلب على اضطرابات النوم، ومع ذلك، فإن تلك الممارسات نفسها يمكن أن تؤدي إلى تفاقم صعوبات النوم بمرور الوقت.

4 - تداعيات ومضاعفات الأرق. لخّص الباحثون هذا الجانب بقولهم: «يرتبط الأرق المزمن بزيادة مخاطر الإصابة بالاكتئاب الشديد، وارتفاع ضغط الدم، ومرض ألزهايمر، والعجز عن العمل». وهو ما أوضحه أطباء كلية «جونز هوبكنز» للطب بقولهم: «الأرق يمكن أن تكون له مضاعفات خطيرة».

ترتبط نوعية النوم السيئة بكل من زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وزيادة خطر الإصابة بمرض السكري، وزيادة الوزن المفرطة أو السمنة، وزيادة حالات الاكتئاب، وزيادة خطر إصابتك أو إصابة الآخرين، مثل حادث سيارة بسبب القيادة أثناء النعاس.

وعند عرضهم مضاعفات الأرق، قال أطباء «مايوكلينك»: «يؤثر الأرق عليك عقلياً وبدنياً. وقد أفاد الأشخاص المصابون بالأرق بأن جودة حياتهم منخفضة مقارنة بالأشخاص الذين ينالون قسطاً كافياً من النوم».

وقد تشمل مضاعفات الأرق أداءً ضعيفاً في العمل أو الدراسة، وتباطؤ رد الفعل أثناء القيادة، وزيادة خطر التعرض للحوادث، وأمراض الصحة العقلية، مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات تعاطي المواد المخدرة، وزيادة خطر التعرض للإصابة بالأمراض أو الحالات الصحية طويلة المدى، ومثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب».

علاج نفسي سلوكي

5 - تشمل خيارات العلاج الحالية للأرق كلاً من تناول الأدوية، والعلاجات النفسية والسلوكية التي يشار إليها أيضاً باسم العلاج السلوكي المعرفي للأرق CBT - I والعلاجات التكميلية والبديلة.

والإشكالية كما أفاد الباحثون أن «يتلقى عدد قليل من المرضى العلاج السلوكي المعرفي، ويرجع ذلك جزئياً إلى الافتقار إلى المعالجين المدربين بشكل كاف». وأضافوا: «يعد العلاج السلوكي المعرفي علاجاً توجيهياً، وهو الخط الأول في معالجة الأرق، لحل المشكلات المرتبطة أو المتسببة بالأرق. ويتم توجيهه عادة من قبل معالج الصحة العقلية (على سبيل المثال، طبيب نفساني) في سياق أربع إلى ثماني زيارات استشارية». ووفق ما أفاد الباحثون: «تشمل المكونات الأساسية للعلاج السلوكي المعرفي الاستراتيجيات السلوكية وجدولة النوم، وطرق الاسترخاء، والتدخلات النفسية والمعرفية التي تهدف إلى تغيير المعتقدات غير المفيدة والقلق المفرط بشأن الأرق، والتثقيف حول نظافة النوم Sleep Hygiene». وللتوضيح فإن «نظافة النوم» مصطلح يُشير إلى جملة العناصر المشكلة لبيئة نوم الشخص وسلوكياته للنوم.

يرتبط الأرق المزمن بالضيق الشديد والضعف الوظيفي والنتائج الصحية الضارة

أدوية علاج الأرق

6- أفاد الباحثون بأن تلقي الأدوية المُوصى بها للأرق، ينتج تخفيضات ذات معنى إكلينيكي في أعراض الأرق، وزمن بداية النوم، ووقت الاستيقاظ بعد بداية النوم. والعلاج السلوكي المعرفي، وحده أو مع الدواء، يمكن أن يعزز التخفيف السريع والمستدام لأعراض الأرق مع مرور الوقت.

وأوصوا باستخدام الأدوية التي تعالج الأرق (على سبيل المثال، منبهات مستقبلات البنزوديازيبين، ومضادات مستقبلات الأوركسين المزدوجة، والدوكسيبين) التي تمت الموافقة عليها من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية بوصفها علاجات بديلة أو مساعدة. وأوضحوا أنه «قد تغيرت أنماط وصف الأدوية المنومة في الولايات المتحدة بشكل كبير على مدى السنوات العشرين الماضية، حيث انخفضت الوصفات الطبية لمنبهات مستقبلات البنزوديازيبين بشكل مطرد، وزادت الوصفات الطبية للترازودون بشكل مطرد. وبالإضافة إلى ذلك، تم طرح الأدوية المضادة لمستقبلات الأوركسين في عام 2014 وهي تُستخدم على نطاق واسع.

وتوصف الأدوية المنومة بمعدلات أعلى للنساء وكبار السن والمرضى، مما يعكس الخصائص الوبائية للأرق. وعندما يقرر الطبيب أن تناول الدواء هو العلاج المختار لحالة الأرق، فإن أدوية فئة «منبه مستقبلات البنزوديازيبين» قصيرة المفعول، أو أدوية فئة «مضاد الأوركسين»، أو أدوية فئة أدوية «الدواء الحلقي غير المتجانس»، بجرعة منخفضة، هو الخيار الأول المعقول في معظم السيناريوهات الإكلينيكية، كما أفاد الباحثون.

7 - قد يتم تفضيل وصف أدوية «منبهات مستقبلات البنزوديازيبين» في علاج مرضى الأرق الذين لديهم مشكلة في بدء النوم، أو مرضى الأرق متوسطي العمر، أو عندما سيكون الاستخدام قصير المدى محتملاً (على سبيل المثال، استجابة للضغوطات الوقتية أو الدورية المتكررة). وبالمقابل، قد يتم تفضيل جرعة منخفضة من «الأدوية الحلقية غير المتجانسة» أو «مضادات الأوركسين» في علاج المرضى الذين يعانون من أعراض ترتبط في الغالب باستمرارية المحافظة على النوم أو الذين يُعانون من الاستيقاظ المبكر جداً، وكبار السن، والمرضى الذين يعانون من انقطاع التنفس أثناء النوم.

وغالباً ما يشتمل العلاج الأولي للأدوية على الاستخدام ليلاً لمدة تتراوح من 2 إلى 4 أسابيع، ثم إعادة تقييم التأثيرات والآثار الجانبية. ويتم تشجيع المعالجة المتقطعة (2 إلى 4 مرات في الأسبوع) إذا كان الاستخدام طويل الأمد مناسباً. وينبغي توجيه المرضى لتناول الأدوية قبل 15 إلى 30 دقيقة من موعد النوم. ولكن تجدر ملاحظة أنه مع استخدام الدواء لفترة طويلة، تتطور الحالة إلى «اعتماد على تناول الدواء» Drug Dependence لدى بعض المرضى، خصوصاً مع استخدام منبهات مستقبلات البنزوديازيبين. وهو ما يجدر التعامل معه علاجياً، والأهم هو الوقاية من حصوله.