6 اختلافات أساسية بين قلوب النساء والرجال

من بين أكثر من 30 فرقاً

6 اختلافات أساسية بين قلوب النساء والرجال
TT

6 اختلافات أساسية بين قلوب النساء والرجال

6 اختلافات أساسية بين قلوب النساء والرجال

لا تزال أمراض القلب والأوعية الدموية لدى النساء تعاني من نقص في التشخيص والعلاج، مقارنة بالرجال.

تركيبة قلب المرأة

وفي حين أن مِن المسلم به على نطاق واسع أن قلب المرأة أصغر حجماً من قلب الرجل، فإن الأمر لا يقتصر على مجرد هذا الاختلاف في الحجم، بل إن قلب المرأة يمتلك أيضاً بنية مجهرية وطريقة وظيفية وتركيبة هيكلية، وحتى معايير هندسية، مختلفة عن تلك التي لدى الرجل. وكل هذه الاختلافات الطبيعية لدى الأصحاء من النساء، تلقي بظلالها على جوانب شتى حال إصابتهن بأحد أمراض القلب، مثل نوعية الأعراض والعلامات المرضية، ودقة التشخيص المبكّر، وطريقة المعالجة، ومدى الاستجابة العلاجية وجوانب أخرى.

وهذا ما أشار إليه باحثون من الولايات المتحدة والدنمارك وهولندا والنرويج، ضمن دراسة سابقة بعنوان «مسائل الجنس: مقارنة شاملة لقلوب الإناث والذكور»، نُشرت ضمن عدد 22 مارس (آذار) 2022 من مجلة «الحدود في علم وظائف الأعضاء (Frontiers in Physiology)»، بقولهم: «إن الاختلافات بين الجنسين في شكل القلب ووظيفته، هي بالفعل مُعقّدة للغاية، وبدرجة لا يمكن تجاهلها. إن قلب الأنثى ليس مجرد نسخة صغيرة من قلب الذكر. وعند استخدام معايير تشخيصية مماثلة في فحص قلوب النساء وقلوب الذكور، غالباً ما تحصل غفلة في اكتشاف أمراض القلب لدى النساء من خلال الفحوص الروتينية. ولذا يتم تشخيصها لاحقاً عندما تظهر أعراض أكثر خطورة، من تلك التي لدى الرجال. ومن الواضح أن هناك حاجة ملحة لفهم قلب الأنثى بشكل أفضل، وتصميم معايير تشخيصية خاصة بكل جنس، تسمح لنا بتشخيص أمراض القلب لدى النساء بشكل مبكر وقوي وموثوق، كما هي الحال عند الرجال».

اختلافات قلوب النساء والرجال

ووفق ما يشير إليه عديد من المصادر الطبية، فإن هذه الفروق بين قلب الأنثى وقلب الذكر تتجاوز الـ30 فرقاً، ولكن إليك 6 فقط من تلك الاختلافات بين قلوب النساء وقلوب الرجال:

1- كتلة القلب. عند الولادة، تكون كتلة قلب الطفل حديث الولادة بالعموم، أقل من عُشر الحد الأقصى لكتلة القلب لدى الشخص البالغ. ومع تقدمنا في العمر، يظل العدد الإجمالي لخلايا عضلة القلب كما هو، ويحصل نمو القلب نتيجة الزيادة في نمو حجم خلايا عضلة القلب نفسها.

ولكن القلب لدى الطفلة الأنثى حديثة الولادة، يكون بوزن 20 غراماً، بينما يزن قلب الطفل الذكر حديث الولادة 19 غراماً فقط. أي أن قلب الطفلة الأنثى حديثة الولادة أكبر بنسبة 5 في المائة. ثم ينمو قلب الذكور بشكل أسرع، خصوصاً بشكل ملحوظ خلال فترة البلوغ.

وينتج عن هذا عدم تطابق ملحوظ في الكتلة والحجم، فيما بين الذكور والإناث، مع وصولنا إلى مرحلة البلوغ. وفي المتوسط، تتراوح كتلة قلب الأنثى البالغة من 230 إلى 280 غراماً، وهي أخف بنسبة 26 في المائة تقريباً من قلب الذكر، الذي يتراوح من 280 إلى 340 غراماً. وبالنسبة لكل من النساء والرجال، تستمر كتلة القلب في الزيادة مع تقدم العمر، وتبقى قلوب الإناث أصغر باستمرار من قلوب الذكور. وفي كبار السن، تكون قلوب الإناث، التي يبلغ متوسط كتلتها 388 غراماً، أصغر بنسبة 4 في المائة تقريباً من قلوب الذكور، بمتوسط كتلة 405 غرامات.

2- فروق هندسية. قلب الأنثى ليس مجرد نسخة صغيرة من قلب الرجل، بل إن ثمة فروقاً هندسية مهمة بين الجنسين «Geometric Sex Differences» في قلب الإنسان السليم، بما في ذلك كتلة القلب بأكملها، وكتلة البطين الأيسر والبطين الأيمن، وسُمك الجدارين فيهما.

وعلى سبيل المثال، فإن كتلة البطين الأيسر (LV) للإناث أصغر بنسبة 34 في المائة من كتلة البطين الأيسر لدى الذكور، في حين أن كتلة البطين الأيمن (RV) أصغر بنسبة 25 في المائة فقط لدى المرأة مقارنة بكتلة البطين الأيمن لدى الرجل. وعند إجراء قياس متساوٍ (Isometric Scaling) للبطين الأيسر فقط، فإن جدار البطين الأيسر الأنثوي سيكون أرق بنسبة 13 في المائة. وتؤكد هذه التقديرات البسيطة، مرة أخرى، أن قلوب الذكور والإناث لا تتدرج ببساطة بشكل متساوي القياس في أبعاد حجرات القلب، وأن قلب الأنثى ليس مجرد نسخة صغيرة من قلب الذكر.

ويبدو من الطبيعي أن نتساءل عمّا إذا كانت هذه الاختلافات غير المتناسبة بين الجنسين في حجم الغرفة وسُمك الجدار تترجم إلى اختلافات في وظيفة القلب بين قلوب الذكور والإناث الأصحاء.

ضخ الدم ودور الهرمونات

3- «النتاج القلبي». قلب الأنثى لديه «نتاج قلبي» (حجم الدم الذي يضخه القلب من البطين الأيسر أو الأيمن خلال دقيقة واحدة/ Cardiac Output) أصغر من قلب الرجل. وذلك بناء على الاختلافات الوظيفية بين الجنسين في القلب، بما في ذلك حجم البطين الأيسر والبطين الأيمن، والنسبة المئوية للكسر القذفي (EF)، وحجم النفضة بالمليلتر (حجم الدم الذي يضخه القلب في النبضة الواحدة/ Stroke Volume)، ومعدل ضربات القلب (HR).

وتحديداً، فإن «حجم النفضة» لقلب الأنثى في كل نبضة، أصغر بنسبة 23 في المائة مقارنة بالرجل. ومن المثير للاهتمام أن قلب الأنثى يحاول تعويض هذا الاختلاف عبر رفع معدل ضربات القلب في الدقيقة الواحدة، الذي هو أعلى بنسبة 6 في المائة مقارنة بالرجل. ومع ذلك، يظل «النتاج القلبي» أصغر دائماً عند النساء منه عند الرجال، 5.6 مقابل 6.7 لتر/ دقيقة، أي أقل بنسبة 16 في المائة.

ولكن عند مقارنة مقدار «النتاج القلبي» مع قياس كتلة الجسم، الأقل عموماً لدى الإناث مقارنة بالذكور، فإن قلب الأنثى لديه درجة أكبر بنسبة 21 في المائة من قلب الذكر. وأيضاً قلب الأنثى لديه «كسر قذفي (Ejection Fraction)» أكبر من قلب الرجل. و«الكسر القذفي» هو النسبة المئوية فيما بين كمية الدم التي يضخها القلب عند انقباضه، مقارنة بما امتلأ في القلب (قبل الانقباض) من كمية دم في ذروة انبساط حجم القلب. وإكلينيكياً فإنه مؤشر مهم لكفاءة قوة انقباض البطين الأيسر، وكفاءة قوة عضلة القلب بالعموم. ولذا فإن من المثير للاهتمام أن الكسر القذفي لدى الإناث أكبر بنسبة 7 في المائة للبطين الأيسر و11 في المائة للبطين الأيمن، مقارنة بنظرائهن الذكور.

4- دور الهرمونات. يتم إنتاج الهرمونات الجنسية في المبيضين عند النساء، وفي الخصيتين عند الرجال، وفي الغدد الكظرية عند كلا الجنسين. والنوعان الرئيسيان من الهرمونات الجنسية الأنثوية هما «الاستروجين (Estrogen)»، و«البروجستيرون (Progesterone)». في حين يعدّ هرمون «التستوستيرون (Testosterone)» هرمون الذكورة، ولكن تنتج الإناث كمية صغيرة منه أيضاً. وعند النساء، تبيّن أن هرمون «الاستروجين» يلعب دوراً وقائياً من الإصابة بأمراض شرايين القلب، عن طريق الحفاظ على مرونة الأوعية الدموية ودعم الدورة الدموية الفعّالة. ولكن بعد انقطاع الطمث، قد يؤدي عدم التوازن في مستويات الهرمونات الأنثوية، أو ارتفاع نسبة الهرمونات الذكرية إلى الهرمونات الأنثوية، إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب لدى المرأة.

وبالنسبة للرجال، يمكن لمستويات هرمون «التستوستيرون» المرتفعة أن تزيد بشكل كبير من خطر إصابة الرجل بقصور ضعف القلب وجلطات الدم. وعلى العكس من ذلك، فإن الرجال الذين يعانون من انخفاض مستويات هرمون «التستوستيرون» هم أيضاً أكثر عرضة للإصابة بأمراض الشريان التاجي، ومتلازمة التمثيل الغذائي، ومرض السكري من النوع الثاني.

قلب المرأة يمتلك بنية مجهرية وطريقة وظيفية وتركيبة هيكلية مختلفة عن قلب الرجل

ضربات القلب

5- تتمتع النساء بمعدل ضربات قلب أعلى في أثناء الراحة، مقارنة بالرجال. وأيضاً يكون ضغط الدم لديهن بالعموم أقل من الرجال. لأنه فيما يتعلق بوظيفة القلب اللاإرادية (Autonomic Function) في إصدار نبضات القلب وعددها، تتمتع النساء بقدر أكبر من التحكم عبر «العصب المبهم (Vagal Control)» في الاستجابة الودية (Sympathetic Responsiveness) لوظيفة القلب، مقارنة بالرجال.

ولكن قلوبهن تستغرق وقتاً طويلاً في فترة ما بين الانقباض إلى الاسترخاء. وهذا نتيجة لعمل هرمون «التستوستيرون» في أثناء «عودة الاستقطاب البطيني (Ventricular Repolarization)». ويمكننا ملاحظة هذا من خلال زيادة طول فترة محددة (تُسمى فترات QT) في مخطط كهربية القلب ECG. وهذا يعرّض النساء لخطر أكبر للإصابة بعدم انتظام ضربات القلب الناجم عن تناول بعض أنواع الأدوية. ومع ذلك، تشير الدلائل العلمية إلى أن كلاً من هرمونَي «البروجسترون» و«التستوستيرون» وقائيان ضد عدم انتظام ضربات القلب لديهن، في حين أن هرمون «الاستروجين» قد يزيد من التعرض لاضطرابات الإيقاع النبضي. ومن وجهة نظر وظيفية، تشارك الهرمونات الجنسية في تنظيم توازن الكالسيوم، مما يؤدي إلى اختلافات بين الجنسين في مسار اقتران الإثارة لتحفيز انقباض القلب Cardiac Excitation، مع حصول انقباض القلب (Cardiac Contraction) فعلياً.

6- استهلاك الأكسجين والغلوكوز. توجد فروق بين الجنسين في استهلاك الأكسجين في عضلة القلب واستخدام الغلوكوز (عملية أيض الاستقلاب في عضلة القلب). وهو ما يرتبط ارتباطاً مباشراً بوظيفة القلب. وثبت أن هرمون «الاستروجين» الأنثوي، يقلل من استخدام عضلة القلب للغلوكوز، ما يعني أن قلب المرأة يلجأ بشكل أكبر إلى استخدام الأحماض الدهنية (بدل الغلوكوز) لإنتاج الطاقة لعضلة القلب، مقارنة بالرجال. وهذا قد يفسر لنا جانباً من التأثير الوقائي لهرمون «الاستروجين» على قلب المرأة. ومعلوم أنه وبسبب الهرمونات الأنثوية، فإن قلوب النساء محمية بشكل أفضل من قلوب الرجال.

وقد وجدت الدراسات الحديثة أيضاً اختلافات بين الجنسين في التكيف الأيضي بين رياضيي التحمل، حيث يقوم لدى النساء والرجال بتقليل الدهون في الجسم، وزيادة امتصاص الأكسجين، وزيادة كتلة البطين الأيسر بعد فترات مختلفة من التدريب وبدرجات مختلفة.


مقالات ذات صلة

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.