أدوية مطورة لعلاج أمراض القلب

تستهدف الحمض النووي الريبوزي

أدوية مطورة لعلاج أمراض القلب
TT

أدوية مطورة لعلاج أمراض القلب

أدوية مطورة لعلاج أمراض القلب

يتناول الكثيرون اثنين أو ثلاثة أدوية يومياً لخفض نسبة الكوليسترول وضغط الدم إلى مستويات صحية -لكن ماذا لو تمكن هؤلاء من تحقيق نفس النتائج باستخدام الأدوية التي تتطلب بضع حقن فقط سنوياً- دون أقراص؟

لا يبدو هذا مجرد وعد بعيد المدى، ففي عام 2021 صدرت الموافقة على دواء «إنكليسيران Inclisiran» (ليكفيو Leqvio)، وهو دواء طويل الأثر قابل للحقن وقادر على خفض الكوليسترول. ويعتبر «إنكليسيران» أول عقار لخفض الكوليسترول يعمل عبر التدخل في الحمض النووي الريبوزي RNA - targeted drug.

وطريقة العلاج هذه تشكل الأساس لفئة موسعة من العلاجات الجديدة لمجموعة متنوعة من الأمراض. واليوم، هناك العديد من الأدوية الإضافية التي تستهدف الحمض النووي الريبوزي لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية، في مراحل متأخرة من التجارب.

والآن، كيف تعمل هذه الأدوية على وجه التحديد، ومن قد يستفيد منها؟

تسخير الحمض النووي الريبوزي

يوجد الحمض النووي الريبوزي في جميع الخلايا الحية، وهو الجزيء الذي ينسخ وينقل التعليمات الجينية من الحمض النووي المنقوص الأكسجين «دي إن إيه» DNA (وهو المخطط الجيني للخلية) لتكوين البروتينات.

جدير بالذكر أن جسم الإنسان يضم عشرات الآلاف من البروتينات المختلفة التي تضطلع بوظائف لا حصر لها، بما في ذلك دعم الأنسجة والأعضاء، والقيام بالتفاعلات الكيميائية الحيوية، ونقل الجزيئات المختلفة حول الجسم. واتضح أن الكثير من الأمراض ينتج عن مشكلات في البروتينات.

على سبيل المثال، تنتج أجسام الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع شديد في نسبة الكوليسترول (فرط كوليسترول الدم)، الكثير من البروتين الدهني منخفض الكثافة low - density lipoprotein (LDL)، وهو أحد البروتينات التي تنقل الكوليسترول. وفي حين أن الكوليسترول ضروري لصنع أغشية الخلايا، والكثير من الهرمونات، وفيتامين دي، فإن الكوليسترول الزائد في مجرى الدم يسهم في انسداد الشرايين.

تستخدم بعض أدوية حالة «فرط كوليسترول الدم» hypercholesterolemia الأجسام المضادة لصدّ ووقف نشاط PCSK9، البروتين الذي يجري تصنيعه في الكبد ويتولى تنظيم البروتين الدهني منخفض الكثافة. إلا أن دواء «إنكليسيران» المذكور يحول دون إنتاج PSCK9 من الأساس.

في هذا الصدد، قالت طبيبة القلب د. ميشيل أودونوغو، الأستاذة المساعدة في كلية الطب بجامعة هارفارد: «تعمل الكثير من هذه العلاجات عن طريق التدخل في شريط الحمض النووي الريبوزي، قبل أن تتاح له فرصة تكوين البروتين».

حمض نووي ريبوزي متداخل صغير

كما أن بعض الأدوية، المعروفة باسم «أدوية الحمض النووي الريبوزي المتداخل الصغير» small - interfering RNA (siRNA) drugs، تترك تأثيرات طويلة الأمد. إذ وبعد حقنها في الجسم، ينتقل الدواء إلى الكبد، وفي حالة عقار «إنكليسيران»، فإن مفعوله يتعارض مع تكوين PCSK9. ولدى الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع نسبة الكوليسترول بشكل مستمر، والذين يتناولون بالفعل الجرعة القصوى من دواء الستاتين، يسهم ذلك الدواء في خفض مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة بمقدار نحو النصف.

كبح البروتين الدهني (إيه)

تستهدف أدوية أخرى تتداخل مع الحمض النووي الريبوزي، التي لا تزال قيد التطوير، جسيماً مختلفاً يطلق عليه البروتين الدهني (إيه) أو إل بي (إيه) lipoprotein(a) or Lp(a). وتحتوي هذه الجسيمات على جزيء بروتين دهني إضافي يجعلها «أكثر لزوجة»، ما يبدو أنه يسرع تراكم الترسبات الدهنية داخل الشرايين بشكل أكبر عن البروتين الدهني منخفض الكثافة العادي.

وجرى ربط المستويات المرتفعة من البروتين الدهني (إيه) - والتي تؤثر على واحد من بين كل خمسة أشخاص تقريباً على المستوى العام للسكان - بارتفاع خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية وتضيّق الصمام الأبهري (تضيق الأبهر aortic stenosis).

ونظراً لأن مستويات البروتين الدهني (إيه) تعتمد إلى حد كبير على عوامل وراثية، لا يبدو أن عادات الأكل وممارسة الرياضة تؤثر على مستويات هذا البروتين في مجرى الدم. وحتى الآن، لا توجد أدوية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء أظهرت فاعليتها في خفض مستوى البروتين الدهني (أيه)، ما أصاب المرضى والأطباء بالإحباط على حد سواء.

ومع ذلك، هناك الكثير من الأدوية الواعدة في طور الإعداد. على سبيل المثال، يجري إعطاء أدوية «بيلاكارسين» Pelacarsen و«أولباسيران» olpasiran و«زيرلاسيران» zerlasiran و«ليبوديسيران» lepodisiran، عن طريق الحقن، كل شهر إلى ستة أشهر.

وثبت بالفعل أنها تخفض مستويات البروتين الدهني (إيه) بنسب تتراوح بين 70 و100 في المائة. وتجري حالياً تجارب أوسع نطاقاً وأطول أمداً تبحث فيما إذا كانت هذه الأدوية تساعد في الوقاية من المشكلات المرتبطة بالقلب. ومن المتوقع ظهور النتائج في غضون السنوات القليلة المقبلة، حسبما أفادت د. أودونوغو، الباحثة الرئيسة في التجارب السريرية لعقار «أولباسيران».

علاجات موجهة لمنع تكوين البروتينات المسببة للحالات المرضية

خفض ضغط الدم

هناك نوع آخر من أدوية الحمض النووي الريبوزي المتداخل الصغير، «زيليبيسيران»، يتداخل مع إنتاج الكبد للأنجيوتنسين، البروتين الذي يلعب دوراً رئيسياً في تنظيم ضغط الدم.

جدير بالذكر أن ما يقرب من نصف البالغين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، الذي يُعرف بأنه يتراوح بين قراءات عليا ودنيا تبلغ 130/80 ملم زئبق أو أكثر. وأقل من نصف الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يسيطرون على ضغط الدم لديهم، رغم توفر أكثر من 200 دواء مختلف لتنظيم ضغط الدم.

وفي دراسة مبكرة، أدى «زيليبيسيران» إلى انخفاض كبير في ضغط الدم استمر لمدة ستة أشهر. وتعمد الدراسات الحالية إلى اختباره مع أدوية ضغط الدم المختلفة. ومع ذلك، فإن أحد المخاوف بشأن هذا الدواء بالذات، أن آثاره لا يمكن دفعها بالاتجاه المعاكس بسرعة، ما قد يسبب مشكلات للأشخاص الذين يتلقونه، ثم يصابون بعد ذلك بعدوى خطيرة أو حالة أخرى تسبب انخفاضاً خطيراً في ضغط الدم.

وحتى اليوم، تعتبر الآثار الجانبية لجميع هذه الأدوية غير شائعة، وتتضمن احمراراً خفيفاً أو ألماً في موقع الحقن. وهنا، نبهت د. أودونوغو إلى أنه: «لم تجر دراسة أي منها على نطاق واسع بما يكفي لأن نكون واثقين تماماً بشأن فاعليتها وسلامتها. وهذا ما ستجيب عنه التجارب الحالية. إلا أن الأدلة تبدو حتى الآن مشجعة».

* رسالة هارفارد للقلب خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

«الحلم المسبق»... تقنية معتمدة من الأطباء تساعدك على النوم بشكل أسرع

صحتك تقنية «الحلم المسبق» الذكية التي يستخدمها الجيش يمكن أن تساعدك على النوم بشكل أسرع ليلاً (رويترز)

«الحلم المسبق»... تقنية معتمدة من الأطباء تساعدك على النوم بشكل أسرع

يقول أحد أطباء طب النوم إن تقنية «الحلم المسبق» الذكية التي يستخدمها الجيش يمكن أن تساعدك على النوم بشكل أسرع ليلاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الشوكولاته تحتوي على مستويات عالية من الفلافانولات (جامعة كنغستون)

تقرير: الإفراط في تناول الشوكولاته قد يسبب الوفاة

حذّرت صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية من الإفراط في تناول الشوكولاته؛ لأنه يؤدي إلى زيادة الوزن وتسوس الأسنان، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أهم الإنجازات الطبية في عام 2024

أهم الإنجازات الطبية في عام 2024

في نهاية كل عام نستعرض أهم الأحداث الطبية التي أثّرت بالإيجاب في المنظومة الصحية في العالم كله سواء باكتشاف طرق جديدة للعلاج والتشخيص أو الوقاية من الأمراض،

صحتك ثورة في أبحاث القلب... خلال عام 2024

ثورة في أبحاث القلب... خلال عام 2024

في عالم الطب، تبقى أبحاث القلب دائماً في صدارة الابتكارات التي تسعى لإنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة. ومع كل عام جديد تتكشف إنجازات علمية وتقنيات مبتكرة

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك جهاز "ضغط مجرى الهواء الإيجابي المستمر" لمرضى انقطاع النفس الانسدادي

7 معلومات عن انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم

يُعدّ «انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم» (Obstructive Sleep Apnea) تشخيصاً مهماً للغاية يجب على الأطباء وكذلك على المُصابين المُحتَملين، مراعاته. قلَّة…

د. عبير مبارك (الرياض)

تقرير: تحذيرات في بريطانيا من المخاطر الصحية للفطر «السحري»

أحد أنواع الفطر السحري (رويترز)
أحد أنواع الفطر السحري (رويترز)
TT

تقرير: تحذيرات في بريطانيا من المخاطر الصحية للفطر «السحري»

أحد أنواع الفطر السحري (رويترز)
أحد أنواع الفطر السحري (رويترز)

ذكرت صحيفة «غارديان» البريطانية أن الخبراء حذروا من زيادة استخدام فطر السيلوسيبين الذي يعرف بالفطر «السحري»، الذي انتشر بعد تقارير عن أنه يمكن أن يساعد في علاج بعض الحالات الصحية العقلية.

وأضافت أن فطر السيلوسيبين شهد نمواً سريعاً في شعبيته، مما أثار «نهضة» في المخدرات حيث أصبح الناس أكثر اهتماماً بفوائده على الصحة العقلية، لكن الخبراء حذروا من أن استخدامه الترفيهي يخاطر بإحداث ضرر أكثر من نفعه.

وأدت التجارب التي تستكشف السيلوسيبين كعلاج إلى انتشار شركات له في البلدان التي يكون فيها استخدامه قانونياً.

وتظهر أحدث بيانات مكتب الإحصاء الوطني ببريطانيا أن السيلوسيبين كان المخدر غير القانوني الوحيد الذي زادت شعبيته في عام 2024، حيث زاد بنسبة 37.5 في المائة ليصل إلى 1.1 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 59 عاماً، وهو ما يمثل نحو 300000 شخص ويجعل المخدر شائعاً تقريباً مثل الإكستاسي.

وقال الخبراء إنه في حين أظهرت التجارب السريرية نتائج واعدة، فإن الأدلة تشير إلى أن الأشخاص الذين يتناولون السيلوسيبين خارج هذه الظروف يمكن أن يتعرضوا للأذى، بما في ذلك القلق والصدمات والأرق والتشوهات البصرية.

وأضاف الخبراء أن الأطباء العامين والأطباء النفسيين والمعالجين يفتقرون إلى المعرفة اللازمة لعلاج هذا الأمر وأحياناً يخطئون في تشخيص المرضى بالذهان أو الهوس.

وعلى الرغم من صعوبة تحديد انتشار الأشخاص الذين يواجهون أضرار ما بعد الإدمان على المواد المخدرة، فقد وجدت الأبحاث الحديثة أن 8.9 في المائة من المستجيبين الذين استخدموا المواد المخدرة بانتظام طوال حياتهم أفادوا بضعف يستمر لأكثر من يوم واحد.

وقال توميسلاف ماجيتش، وهو طبيب نفسي، إن الناس لديهم تجارب سيئة مع الأطباء الذين لم يكونوا على دراية بـ«التأثيرات والمخاطر والمضاعفات للمواد المخدرة».

وأضاف أن «معظم المرضى يستخدمونها علاجاً ذاتياً ويحتاجون إلى دعم نفسي، على الرغم من أن البعض يحتاجون إلى مساعدة نفسية».

شخص يدخن (أرشيفية - جامعة آرهوس)

وقال: «لقد حدثت زيادة في المشاكل المتعلقة بالسيلوسيبين والمواد المخدرة التقليدية الأخرى، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الشعبية المتزايدة والتصوير المفرط لهذه المواد في وسائل الإعلام، وفي بعض الحالات، في الخطاب العلمي، وإحصائياً، كانت هناك زيادة في حالات المواد المخدرة في أقسام الطوارئ في بعض البلدان».

وذكر ريت زوي، الأستاذ المشارك في أبحاث المواد المخدرة في إمبريال كوليدج لندن، أن «نقطة الضعف في المواد المخدرة هي أن التجارب يمكن أن تكون أشبه بالأحلام وتشعر بأنها حقيقية للغاية، ويستنتجون خطأً أنهم يجب أن يستخدموها لفهم أنفسهم وعلاقاتهم وصعوباتهم».

وقال: «نحن بحاجة إلى المزيد من الاستراتيجيات لإعلام الناس بهذه الظواهر وتقديم الدعم عندما يحدث هذا»، مضيفاً أن حقيقة أن الاستخدام الترفيهي أصبح الآن «شائعاً للغاية» تشير إلى أن العاملين في مجال الرعاية الصحية يجب أن يتلقوا توجيهات لمعالجة هذه الظاهرة.