7 معلومات غير صحيحة عن تناول الصوديوم والملح

«ملح البحر أفضل من ملح المائدة العادي» خطأ شائع

7 معلومات غير صحيحة عن تناول الصوديوم والملح
TT

7 معلومات غير صحيحة عن تناول الصوديوم والملح

7 معلومات غير صحيحة عن تناول الصوديوم والملح

«يجب على معظم الناس تقليل تناول الصوديوم لتحسين صحتهم»، تلك كانت عبارة جمعية القلب الأميركية «AHA» عند حديثها عن الجوانب الصحية حول الصوديوم والملح والأطعمة المالحة، لكنها أضافت قائلة: «ونتائج الدراسات الإحصائية تفيد بأن 90 في المائة من الأميركيين يتناول كميات من الصوديوم تفوق أعلى حد لتناوله بشكل يومي».

وأحد أسباب الصعوبات التي تواجه كثيرين في سعيهم نحو تقليل تناول الصوديوم هو بعض المعلومات الواسعة الانتشار حول الصوديوم والملح، التي في الوقت نفسه هي بالفعل معلومات غير صحيحة، ويتسبب تبنّيها بالضرر على صحة المرء. وإليك 7 منها:

معلومات خاطئة

1. «ضغط دمي طبيعي، لذا لا داعي للقلق بشأن كمية الصوديوم التي أتناولها». وهذه من أهم الأوهام وأكثرها ضرراً. وتوصي جمعية القلب الأمريكية بتناول ما لا يزيد عن 2300 ملّيغرام يومياً من الصوديوم، وتتجه نحو النصيحة بالحد المثالي الذي لا يزيد عن 1500 ملّيغرام يومياً لمعظم البالغين، حتى إن تقليل الجرعة بمقدار 1000 ملغم يومياً يمكن أن يساعد في تحسين ضغط الدم وصحة القلب.

وتقول منظمة الصحة العالمية: «يُعد الحد من مدخول الصوديوم أحد التدابير الأكثر فعالية من حيث التكلفة لتحسين الصحة، والحد من عبء الأمراض غير السارية، فكل دولار أمريكي واحد يُستثمر في توسيع نطاق تدخلات الحد من مدخول الصوديوم، يحقق عائداً لا يقل عن 12 دولاراً أميركياً».

هذا بالإضافة إلى أن جدوى تقليل تناول الصوديوم والملح لا تقتصر على خفض ارتفاع ضغط الدم لدى المصابين به، بل للوقاية المستقبلية وتقليل احتمالات الإصابة به؛ ليس هذا فحسب، بل أيضاً لحفظ وظائف الكلى وتقليل احتمالات الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض السرطانية، وخصوصاً في الجهاز الهضمي العلوي.

2. «أنا عادةً لا أُملّح طعامي برش الملح عليه من الملّاحة، لذلك أنا أعدُّ نفسي لا أتناول كثيراً من الصوديوم»، هذا شيء غير صحيح؛ لأنه، وكما تفيد الجمعية: «حتى لو أنك لم تلتقط الملّاحة مطلقاً (أثناء تناول وجبات الطعام)، فقد تحصل على كمية من الصوديوم أكثر مما تحتاج إليه؛ وذلك لأن أكثر من 70 في المائة من الصوديوم الذي نتناوله يأتي من الأطعمة الجاهزة والمعبّأة والمطاعم. وهذه الأطعمة يمكن أن تجعل من الصعب التحكم في كمية الصوديوم التي تتناولها».

وتضيف: «لهذا السبب، من المهم جداً مقارنة ملصقات الحقائق الغذائية وأحجام التقديم». ونتائج الدراسات الطبية التي بحثت في مصادر دخول الصوديوم أجسامنا، تفيد، دون لبس، بأن استخدام الملاحة لرش الملح على الطعام يمثل فقط 20 في المائة من كمية الصوديوم التي نتناولها.

ملح الأطعمة والأدوية

3. «الكميات العالية من الصوديوم موجودة فقط في الطعام. وملح البحر أفضل من ملح المائدة العادي». وهذا من التصورات الشائعة جداً في اعتقاد أن مصدر الصوديوم الذي يدخل أجسامنا يأتي حصرياً من الأطعمة التي نتناولها. لكن الحقيقة، التي قد لا يتنبه لها البعض، وكما تفيد جمعية القلب الأميركية، أنه «تحتوي بعض الأدوية المتاح الحصول عليها دون وصفة طبية، على مستويات عالية من الصوديوم. اقرأ ملصقات الأدوية بعناية، وتذكر أن بعض الشركات تنتج منتجات (من تلك الأدوية) منخفضة المحتوى بالصوديوم».

وكذلك ليس صحيحاً أن ملح البحر يحتوي على كمية صوديوم أقل من تلك التي في ملح الطعام العادي. وتقول الجمعية: «يحظى ملح البحر بشعبية كبيرة، لكنه عادة لا يكون أقل ملوحة، تماماً مثل ملح الطعام، فهو يحتوي عادةً على 40 في المائة صوديوم».

4. «الأطعمة منخفضة الصوديوم ليس لها أي طعم وغير مقبولة للتناول». وهذا اعتقاد شائع أيضاً، وقد يكون لدى البعض ما يبرره، لكن تعميم أن طعم تلك الأطعمة منخفضة الصوديوم لن يكون قابلاً للتناول، أو أن انخفاض الصوديوم في تلك الأطعمة يُفقد الطعم الشهي للحوم أو الدواجن أو الأسماك أو البطاطا أو غيره، هو أيضاً يمكن التغلب عليه.

وتعلق جمعية القلب الأميركية قائلة: «هناك عالم غني من البدائل الإبداعية واللذيذة للملح. قم بتجربة التوابل والأعشاب والحمضيات لتعزيز النكهة الطبيعية لطعامك». وفي إجابة لها عن سؤال: هل قلة الملح تعني طعماً «ماصخاً؟»، تقول جمعية القلب الأميركية: «عندما تستخدم كمية أقل من الملح، يمكنك تذوق النكهة الطبيعية للطعام، خصوصاً عند استخدام تقنيات الطبخ والمكونات اللذيذة لتعزيزها. ومع مرور الوقت، يمكن أن تتكيف براعم التذوق «Taste Buds» لديك مع كمية أقل من الملح. وتشير الدراسات إلى أنه عندما يتبع الناس نظاماً غذائياً منخفض الصوديوم، فإنهم يبدأون تفضيله، وأن الأطعمة التي كانوا يستمتعون بها ذات يوم، سيجدون أنها ذات مذاق مالح جداً. جرِّبه وانظر لنفسك!».

5. «من أجل صحة جيدة، أنا أحرص على عدم تناول الصوديوم تماماً، ولا أتناول كثيراً من الأطعمة المالحة، لذلك لا يدخل جسمي كثير من الصوديوم». وهي بالفعل معلومات غير صحيحة صحياً البتة، ولها ضرر صحي عميق إذا تبنّاها الشخص واعتقد صوابها في تعامله مع «طعم» الأطعمة. وعلقت عليها جمعية الأميركية للقلب بالقول: «الصوديوم هو عنصر غذائي أساسي، ويتحكم في ضغط الدم، وهو ضروري لجعل الأعصاب والعضلات تعمل بشكل صحيح، لكنك تحتاج إلى الكمية المناسبة».

والصوديوم موجود بعدة أشكال من المركبات الكيميائية، منها ما هو «مالح» الطعم، وكثير منها «غير مالح» الطعم. وتقول إدارة الغذاء والدواء الأميركية «FDA»: «في حين أن بعض الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الصوديوم (مثل المخللات وصلصة الصويا) ذات مذاق مالح، إلا أن هناك أيضاً عدداً من الأطعمة (مثل المعجنات الحلوة والدونات والفطائر والتورتة والبيتي فور والكوكيز) التي تحتوي على الصوديوم، ولكن ليس طعمها مالحاً». لذا توضح جمعية القلب الأميركية قائلة: «يوجد الصوديوم في جميع الأطعمة تقريباً، استخدم ملصق الحقائق الغذائية لاختيار الأطعمة التي تحتوي على أقل كمية من الصوديوم».

بدائل الملح

6. «بدائل الملح (Salt Substitutes) لا تعطي الأطعمة نكهة». وهذا يحتاج إلى توضيح؛ لأن بدء استخدام بدائل الملح شيء مفيد صحياً للمساعدة على تخفيف تناول الصوديوم عند إعداد وطهو الأطعمة. وتوضح جمعية القلب الأميركية قائلة: «هناك كثير من بدائل الملح في السوق، التي تحل محل بعض أو كل الصوديوم بالبوتاسيوم. طعم ملح البوتاسيوم يشبه كلوريد الصوديوم (ملح الطعام المعتاد)، إلا أنه عند تسخينه يمكن أن يكون له مذاق مرير. يمكن لمعظم الناس تجربة ملح البوتاسيوم، لكن بعض الحالات الطبية (مثل أمراض الكلى) والأدوية يمكن أن تكون لها آثار على مستوى البوتاسيوم بالجسم. تحدَّثْ مع اختصاصي الرعاية الصحية الخاص بك حول ما إذا كان بديل الملح مناسباً لك». وكانت دراسة حديثة، أجرتها جامعة بوند في أستراليا، وجرى نشرها ضمن عدد 9 أبريل (نيسان) الماضي من مجلة حوليات الطب الباطني (Annals of Internal Medicine)، قد أفادت، في نتائجها، بأن استهلاك بدائل الملح، بدلاً من ملح الطعام العادي، يمكن أن يقلل معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ويقلل أيضاً معدلات الوفاة لأي سبب، لمدة تصل إلى 10 سنوات. ويحتوي بديل الملح، الذي اختبره الباحثون، على بوتاسيوم إضافي، وهو ما قد يفسر جزئياً فوائده الصحية.

التوابل والأعشاب والحمضيات بدائل إبداعية لذيذة لتعزيز النكهة الطبيعية

7. «من الصعب ضبط تناول الصوديوم عند تناول الطعام في المطعم». وهذا أيضاً ليس صحيحاً، كما تفيد جمعية القلب الأميركية، بل إن تنبه المرء يمكّنه من تفادي هذه المشكلة. وتقول مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC): «40 في المائة من الصوديوم الذي يدخل الأجسام يأتي من عشرة أنواع من الأطعمة، وهي الخبز واللحوم الحمراء الباردة المصنّعة ولحوم الدواجن الباردة المصنّعة والبيتزا والشوربات السريعة التحضير والسندويشات والجبن وأطباق المعكرونة وأطباق اللحوم المُضاف إليها صوص مرق الطماطم والوجبات الخفيفة كشرائح البطاطا والفشار. وربع كمية الصوديوم التي نتناولها في اليوم تأتي من تناول أطعمة المطاعم السريعة».

وكحلول عملية، توضح جمعية القلب الأميركية أنه بإمكان المرء إخبار النادل بالكيفية التي يريد بها طعامه، وتقول: «اطلب أن يجري إعداد طبقك دون ملح إضافي، وأن يجري تقديم الصلصات والتوابل والمرق على الجانب، لاستخدامها باعتدال». وأيضاً تنصح: «تذوق طعامك قبل إضافة الملح. إذا كنت تعتقد أنه يحتاج لتعزيز النكهة، فأضف الفلفل الأسود المطحون الطازج، أو عصرة من الليمون الطازج، وتذوقه مرة أخرى قبل إضافة الملح. يُعدّ الليمون والفلفل جيداً بشكل خاص للأسماك والدجاج والخضراوات». وكذلك تنصح بـ: «التنبه للأشياء التالية: مخلل، مملح، مشوي، مدخن، مرق، صلصة الصويا، صلصة ميسو أو ترياكي. وهذه تميل إلى أن تكون عالية في الصوديوم، وكذلك الأطعمة المطبوخة على البخار، أو المخبوزة، أو المشوية، أو المسلوقة، أو المحمصة، قد تحتوي على كميات أقل من الصوديوم».


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع