7 حقائق عن التنهّد وتنفس الصعداء

عملية ضرورية لوظائف الرئة واستمرار الحياة

7 حقائق عن التنهّد وتنفس الصعداء
TT

7 حقائق عن التنهّد وتنفس الصعداء

7 حقائق عن التنهّد وتنفس الصعداء

يمكنك ربط «التنهّد (Sigh)» بكثير من الأمور والأحداث، مثل «شهقة التوتر» عند معايشة لحظات من الضغط النفسي، أو الشعور بالإحباط، أو فزع الرهبة. وفي أوقات أخرى قد يتنهّد المرء نتيجة الشعور بالارتياح، ويكون هذا «تنفس الصعداء» بالنسبة إليك.

وقد لا يفكر البعض في التنهّد بوصفه شيئاً صحياً مفيداً وضرورياً، أو لا يلقي له بالاً، أو قد يتساءل: لماذا نفعل ذلك؟ ولكن الواقع العلمي الذي يُشدد على ذكره كثير من الباحثين الطبيين هو: «التنهّد أمر حيوي لوظيفة الرئة، وبالتالي للحياة».

وإليك الحقائق الصحية السبع التالية عن التنهّد:

1- ربما تكون معلومة طريفة، ولكنها حقيقة، وهي أن المرء الطبيعي يتنهّد دون أن يشعر بذلك مرة كل 5 دقائق. وهذا يعني 12 تنهيدة في الساعة خلال فترة اليقظة.

والتنهّد في الأصل نمط معين من التنفس، يجري خلاله عدد 2 من الشهيق المتتابع؛ أحدهما أولي سطحي، والآخر تكميلي أعمق، ثم زفير طويل كامل واحد.

ويوضح باحثون من جامعة كاليفورنيا: «التنهد هو تنفس عميق، ولكنه ليس نفساً عميقاً طوعياً. يبدأ الأمر أنفاساً طبيعية، ولكن قبل الزفير، تأخذ نفساً ثانياً فوقه»، وهو ما يؤدي إلى دخول الرئتين كمية مضاعفة من الهواء خلال عملية التنهّد، مقارنة مع عملية التنفس العادي طوال الوقت. وتوضح الدكتورة آنا هايبورن، الطبيبة النفسية بـ«قسم المركز العصبي العضلي» في «كليفلاند كلينك» قائلة: «عادة يتضمن التنهد أخذ شهيق ثانٍ قبل إخراج الزفير الطويل. وفي كثير من الأحيان، يتبع ذلك توقف في التنفس، يُعرف أحياناً باسم (انقطاع النفس التالي للتنهد (Post-Sigh Apnea)؛ أي فترة من الاسترخاء عن التنفس بعد الزفير الطويل».

2- ربما تتساءل: لماذا يتم التنهّد دون أن نشعر، وهل هو ضروري؟ حسناً؛ من الضروري في الواقع أن تتنهّد؛ لأن عملية التنفس الواحدة مطلوب منها أن تعمل على ملء 500 مليون كيس هوائي صغير داخل الرئتين. وهي الأكياس التي تُسمى «الحويصلات الهوائية (Alveoli)».

والمطلوب لإتمام عملية التنفس وضمان قيام الرئتين بوظائفهما، إبقاء هذه الحويصلات الهوائية مفتوحة مع الشهيق، ليتم تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون فيما بين الدم والهواء الذي يدخل إلى الرئتين. ولذا من المهم ألا يستمر انكماش وإغلاق تلك الحويصلات الهوائية بعد الزفير، بل «تشغيل» جميع أجزاء الرئتين مع الشهيق التالي.

ولكن مع مرور الوقت والتنفس «العادي» (غير العميق) من قبلنا في غالب الأوقات، تنهار هذه الأكياس الهوائية التي إذا تركت دون إعادة انتفاخ فستؤدي في النهاية إلى إضعاف وظائف الرئة في إتمام عمليات تبادل الغازات تلبية لحاجة الجسم، وتتجمع السوائل داخلها، وتزداد بالتالي فرص انكماش أجزاء من الرئة ونمو الميكروبات فيها.

ومن خلال «التنهّد الفسيولوجي» الضروري والطبيعي (الذي نفعله لا شعورياً)، تنفتح الحويصلات الهوائية وتستمر عملية التنفس الطبيعي لـ«تشغيل» جميع أجزاء الرئتين.

مركز التنفس في الدماغ

3- التنفس في الأساس «سلوك تلقائي (Automatic Behavior)». ويقع مركز التحكم الرئيسي فيه داخل مجموعة من الخلايا العصبية في «جذع الدماغ (Brain Stem)»، وتحديداً ضمن ما يُسمى «مجمع ما قبل بيتزينجر (Pre-Bӧtzinger Complex)». وإضافة إلى احتواء مركز التنفس في الدماغ على خلايا عصبية مهمتها العمل مصدراً «منظماً (Pacemaker)» لاستمرار إيقاع إجرائنا عملية التنفس بطريقة وبسرعة منتظمة طوال الوقت، أي ما بين 12 و20 مرة في الدقيقة، فإن مركز التنفس في الدماغ يتحكم أيضاً في نوع التنفس الذي نقوم به.

ويوضح البروفسور مارك كراسنو، أستاذ الكيمياء الحيوية وباحث «معهد هوارد هيوز الطبي» في كلية الطب بجامعة ستانفورد: «مركز التنفس في الدماغ يتحكم أيضاً في نوع التنفس الذي نقوم به. إنه يحتوي أعداداً صغيرة من أنواع مختلفة من الخلايا العصبية، يعمل كل منها مثل زر تشغيل، ليقوم بتشغيل نوع مختلف من أنواع التنفس. زر واحد يبرمج التنفس المنتظم، وآخر للتنهدات، والبعض الآخر يمكن أن يكون للتنفس خلال التثاؤب، والشم، والسعال... وربما حتى الضحك والبكاء».

4- حددت دراسة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا وستانفورد (نشرت في عدد 8 فبراير/ شباط 2016 من مجلة «نتشر Nature»)، مجموعتين صغيرتين من «الخلايا العصبية (Neurons)» في جذع الدماغ، هي المسؤولة عن تحويل الأنفاس الطبيعية إلى تنهّدات.

ويوضح البروفسور جاك فيلدمان، أستاذ علم الأعصاب في «كلية ديفيد جيفن للطب» بجامعة كاليفورنيا عضو «معهد أبحاث الدماغ» بجامعة كاليفورنيا: «التنهّد ينظمه عدد قليل من الخلايا العصبية ذات الصلة بالسلوك البشري البدائي». والجيد في الأمر هو أنه لا يتعين علينا أن نفكر بوعي في القيام بالتنهّد الفسيولوجي الضروري، الذي يتكرر منا دون أن نشعر طوال الوقت. ولمزيد من التوضيح، التنهّد، بوصفه نمطاً معيناً من التنفس، يحدث بسبب نشاط جزيئات بروتينية (ببتيدات عصبية Neuropeptides تُمكّن خلايا الدماغ من التحدث بعضها مع بعض)، تعمل على إرسال إشارة إلى «مجمع ما قبل بيتزينجر» (في مركز التنفس)، وتطلب منه بدء شهيقين عميقين متتاليين وزفير طويل.

5- اتضاح هذه المسارات الجزيئية بوصفها منظمات مهمة لعملية التنهّد، ومحددات جوهرية في دائرة التحكم بعملية التنهّد، قد يجعل من الممكن الآن العثور على أدوية تستهدف هذه المسارات للتحكم في التنهّد.

ويقول البروفسور فيلدمان: «عندما تنهار الحويصلات الهوائية، تضعف قدرة الرئة على تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. والطريقة الوحيدة لفتحها مرة أخرى هي التنهّد. إذا لم تتنهّد كل 5 دقائق، فسوف تنهار الحويصلات الهوائية ببطء، مما يسبب فشل الرئة. وهذا هو السبب وراء معاناة المرضى الذين يعانون من (رئة حديدية Iron Lungs) مبكرة من مثل هذه المشكلات؛ لأنهم لم يتنهّدوا مطلقاً». وهو ما يحدث أيضاً مع التقدم في العمر أو وجود أمراض في الرئة أو ما بعد جلطات السكتة الدماغية. وفي المقابل يقول: «يمكن أن تكون القدرة على الحد من منعكس التنهّد مفيدة في اضطرابات القلق وغيرها من الحالات النفسية التي يصبح فيها التنهّد المُفرط منهكاً. وتظل الآلية الكامنة وراء الجذور العاطفية للتنهّد الواعي لغزاً». ويضيف موضحاً: «هناك بالتأكيد عنصر من عناصر التنهّد يتعلق بالحالة العاطفية. وعندما تشعر بالتوتر، على سبيل المثال، فإنك تتنهّد أكثر. ربما تكون الخلايا العصبية في مناطق الدماغ التي تعالج المشاعر هي التي تؤدي إلى إطلاق الببتيدات العصبية التنهّدية، لكننا لا نعرف ذلك».

التنهّد العاطفي

6- تشير الدكتورة هايبورن إلى أن «الحالات العاطفية السلبية، مثل الخوف والقلق والحزن، ترتبط في الواقع بالتنهّد في كثير من الأحيان». ولذا تضيف أنه ليس من المستغرب أن يرتبط التنهّد غالباً بمشاعرنا.

على سبيل المثال، يقول أطباء «كليفلاند كلينك»: «هل سبق لك أن أطلقت تنهيدة وشعرت بتحسن؟ يمكن أن يكون التنهّد مُخففاً فعالاً للقلق في بعض الأحيان. ويفترض بعض الخبراء أن الأشخاص الذين يواجهون مواقف مثيرة للقلق قد يتنهّدون من أجل الحصول على راحة مؤقتة من الضيق. ووجدت دراسة أجريت عام 2022 (عدد أبريل/ نيسان 2022 من مجلة علم النفس البيولوجي Biological Psychology» لباحثين من هولندا والولايات المتحدة)، أن التنهّد كان مرتبطاً بالاستجابات العاطفية مثل الإثارة والقلق والألم». وتؤكد دراسات عامي 2010 و2015 ذلك أيضاً. وذكرت أن المرء أكثر عُرضة للتنهّد أكثر من المعتاد إذا كان يعاني من حالات مثل القلق، أو «اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)»، أو نوبات الهلع المتكررة، أو مشكلات في الجهاز التنفسي، أو خلل في النطق.

7- مع ما تقدم من الأهمية الصحية العالية لحدوث عملية «التنهّد الفسيولوجي» الضرورية لضمان بقاء عمل الحويصلات الهوائية في الرئتين، يبقى لدى الباحثين تساؤلات حول إفراط حدوث ذلك. وتقول الدكتورة هايبورن في الإجابة عن سؤال: هل التنهّد صحي؟: «بالنسبة إلى الجزء الأكبر، يمكن أن يكون التنهّد شيئاً جيداً. ولكن في حين أن التنهّد عادة ما يكون طريقة جسدك للتخلص من بعض الثقل العاطفي، فإن التنهّد المفرط قد يصبح عبئاً على نظامك. هل تتذكر كيف ذكرنا من قبل أن هناك توقفاً في التنفس تصاحبه تنهيدة؟ هذا هو الجزء الذي يمكن أن يصبح مقلقاً بمرور الوقت». وتوضح الدكتور هايبورن: «عندما يستمر التنهّد المتكرر لفترة طويلة - إما بسبب التوتر لفترة طويلة وإما بسبب اضطراب القلق - فإنه يمكن أن يؤدي في الواقع إلى تفاقم القلق والتوتر والذعر. وهذا لأنه يمكن أن يعزز فرط التنفس وزيادة الاستجابة للضغط النفسي». بمعنى آخر؛ إذا كنت تتنهّد كثيراً، ولا تعوضه عن طريق التنفس العميق والتنفس المدروس، فقد يكون ذلك علامة على الإجهاد العقلي أو، في بعض الحالات، على مشكلة تنفسية كامنة. ولذا تجب عليك مراجعة مقدم الرعاية الصحية الخاص بك إذا كنت تعاني من أعراض مع التنهّد المتكرر مثل ضيق في التنفس، أو دوخة، أو دوار، أو الشعور المفرط بالتوتر أو القلق، أو الشعور المستمر بالاكتئاب وانخفاض الطاقة أو اليأس.

التنهّد نمط معين من التنفس: شهقتان سطحية وتكميلية أعمق... ثم زفير طويل كامل واحد

فوائد متعددة للتنهّد واستخدامات علاجية متنوعة

أجرى الدكتور آندرو هوبرمان، عالم الأعصاب في جامعة ستانفورد، أبحاثاً رائدة حول دور التنهدات الفسيولوجية في تنظيم نظامنا العصبي وسلامتنا العاطفية. وأشار إلى أن فوائد التنهّد تتجلى في 3 جوانب.

- الجانب الأول منها يتعلق بعملية إعادة الضبط بعد الإجهاد والتوتر؛ لأن التنهدات الفسيولوجية تعمل بمثابة زر إعادة ضبط لجهازَينا التنفسي والعصبي. وعندما نشعر بالتوتر أو القلق، فإنه يمكن أن يصبح نمط تنفسنا سطحياً وسريعاً، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر التوتر لدينا. وتساعد التنهدات الفسيولوجية على مواجهة ذلك عبر تعزيز التنفس الأعمق والأكثر استرخاءً.

- الجانب الثاني يتعلق بتحسين تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الرئتين؛ لأن الشهيق المزدوج الذي يتبعه زفير طويل يساعد على إزالة ثاني أكسيد الكربون المتبقي من الحويصلات الهوائية ويسهل امتصاص الأكسجين. وهذا يضمن أن خلايانا تتلقى الأكسجين الذي تحتاجه للقيام بوظيفتها على النحو الأمثل.

- الجانب الثالث يتعلق بتنظيم الضبط العاطفي. ويوضح ذلك بإشارته إلى أن التنهّدات الفسيولوجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنظيم العاطفي. على سبيل المثال، عندما تشعر بالإرهاق أو القلق؛ فإن أخذ نفس عميق (الذي غالباً ما يتبين أنه تنهيدة فسيولوجية) يمكن أن يساعدك على استعادة رباطة جأشك وتقليل شدة المشاعر السلبية.

وبوصفها تطبيقات عملية؛ يبدو أن فهم الأهمية الفسيولوجية للتنهّد له آثار عملية في الحياة اليومية العادية، وكذلك لإدارة التوتر والقلق، مثل ممارسة «التنفس الواعي (Mindful Breathing)»، أي القيام بدمج الأنفاس العميقة والمتعمدة في روتين تنفسك اليومي. ويمكن أن تكون هذه التمارين بسيطة، مثل التوقف للقيام ببضعة أنفاس عميقة خلال يوم حافل، أو ممارسة تمارين التنفس الواعي. وكذلك استخدام التنفس العميق في حالات التوتر لاستعادة التوازن العاطفي، وأيضاً لجلب الاسترخاء ضمن ممارسات «تقنيات الاسترخاء (Relaxation Techniques)» في «التأمل (Meditation)» واليوغا، والتي غالباً ما تتضمن التنفس العميق والمتحكم فيه للحث على الاسترخاء والهدوء.


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال