في وقت تساءل فيه مسؤولون أميركيون عما إذا كان الحشد العسكري لبلادهم يؤجج الحرب في الشرق الأوسط بدلاً من الحيلولة دون اتساعها، نقلت شبكة «سي إن إن» للتلفزيون عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية أن إسرائيل «لم تقدم ضمانات» للرئيس جو بايدن بأنها لن تستهدف المنشآت النووية في إيران، وهو ما أيده المرشح الجمهوري للانتخابات المقبلة الرئيس السابق دونالد ترمب.
وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه في الأشهر الـ12 التي تلت هجوم «حماس» ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اتسع النزاع شيئاً فشيئاً ليشمل بدرجات متفاوتة كلاً من اليمن ولبنان وسوريا والعراق وإيران. وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مجموعة كبيرة من الأسلحة إلى المنطقة، ومنها حاملات طائرات ومدمرات بصواريخ موجهة وسفن هجومية برمائية وأسراب من المقاتلات الحربية. وأعلنت، هذا الأسبوع، أنها ستضيف «بضعة آلاف» من القوات إلى نحو 30 ألفاً من الجنود المنتشرين في المنطقة مع مضاعفة قوتها الجوية.
وأعلن الرئيس بايدن أن المعدات والقوات الإضافية هدفها مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية القوات الأميركية في كل أنحاء المنطقة. وأوضحت نائبة الناطق باسم «البنتاغون» سابرينا سينغ أن قيادة وزارة الدفاع لا تزال «تركز على حماية المواطنين الأميركيين والقوات الأميركية في المنطقة، والدفاع عن إسرائيل، وتهدئة الوضع من خلال الردع والدبلوماسية»، مشددة على أن الوجود الأميركي المعزز هدفه «ردع العدوان، والحد من خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً».
اتجاهان متناقضان
وخلال الأيام القليلة الماضية، بدا بوضوح أن موضوع التصعيد مع إيران صار جزءاً من الحملات للانتخابات الرئاسية الأميركية بعد 30 يوماً.
وعندما سُئل في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض عما إذا كان يعتقد أن نتنياهو يحاول التأثير في نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، أجاب بايدن: «لا أعرف إذا ما كان يحاول التأثير في الانتخابات أو لا»، لكن «لم تفعل أي إدارة أكثر مني لمساعدة إسرائيل».
وكرر الرئيس الأميركي أنه يبذل ما بوسعه للحيلولة دون اتساع نطاق التصعيد في الشرق الأوسط، قائلاً إن «أهم أمر يمكننا القيام به هو محاولة حشد بقية العالم وحلفائنا للمشاركة... في خفض التوتر». واستدرك: «لكن عندما يكون لديك وكلاء غير عقلانيين مثل (حزب الله) والحوثيين، من الصعب تحديد ذلك».
وكان المرشح الجمهوري للانتخابات المقبلة الرئيس السابق دونالد ترمب في تعارض تام مع سياسة الإدارة الحالية. وعلق خلال حملة انتخابية في نورث كارولاينا على سؤال طُرح على بايدن حول إمكانية استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية. وقال ترمب: «طرحوا عليه هذا السؤال، وكان ينبغي أن تكون الإجابة: اضربوا النووي أولاً واهتموا بالباقي لاحقاً».
أثر الوجود الأميركي؟
غير أن كثيراً من مسؤولي «البنتاغون» الآخرين عبَّروا عن قلقهم من أن إسرائيل توسع حربها ضد ميليشيا «حزب الله»، آخذة في الحسبان أن أسطولاً من السفن الحربية وعشرات الطائرات الهجومية الأميركية على أُهْبة الاستعداد للمساعدة في صد أي هجوم من إيران ووكلائها.
ونُقِلَ عن المسؤولة السابقة في «البنتاغون» دانا سترول أنه «في الوقت الحالي، هناك موقف كافٍ في المنطقة بحيث إذا تَدَخَّلَ الإيرانيون، فسيمكننا أن ندعم دفاع إسرائيل»، مؤكدة أنه «إذا كنت إسرائيلياً ومخطِّطاً عسكرياً، فأنت تريد أن تفعل كل ذلك أثناء وجود القوات (الأميركية) في المنطقة، وليس بعد رحيلها».
وكشف مسؤولون طلبوا عدم نشر أسمائهم أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال تشارلز براون، الذي عمل فترة في الشرق الأوسط، أثار هذه القضية في اجتماعات «البنتاغون» والبيت الأبيض، متسائلاً عن تأثير الوجود الأميركي الموسع في المنطقة على «الاستعداد» القتالي الشامل، وقدرة الجيش الأميركي على الاستجابة السريعة للصراعات، بما في ذلك مع الصين وروسيا. وقال مسؤول عسكري أميركي كبير إن الجنرال براون ووزير الدفاع لويد أوستن ومسؤولين آخرين «حاولوا الموازنة بين احتواء الصراع، وتشجيع إسرائيل». ولاحظ مسؤول آخر أنه من الأسهل على إسرائيل أن تشن هجوماً إذا كان «الأخ الأكبر» (أي الولايات المتحدة) قريباً.
تعامُل صعب
وأكد المسؤولون أن التعامل مع الإسرائيليين صار أكثر صعوبة بالنسبة إلى «البنتاغون»، لا سيما بعدما أوضحت إسرائيل أنها لن تُخطر الولايات المتحدة مسبقاً قبل أن تتخذ إجراءات ضد ما تعده تهديدات وجودية. ولاحظ المسؤولون الأميركيون أنه رغم التوافق مع الإسرائيليين على «توغل بري محدود» في لبنان، فإن الغارات الإسرائيلية توحي بعملية واسعة النطاق. كما أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لم يبلغ نظيره الأميركي عن عملية اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله إلا في الوقت الفعلي لتنفيذ العملية.
وأكد مسؤولون في «البنتاغون» أن أوستن كان غاضباً؛ لأن الإسرائيليين لم يعطوا إشعاراً مسبقاً للسماح للقوات الأميركية في المنطقة بزيادة التدابير الدفاعية ضد أي انتقام إيراني محتمل. وعندما سُئِلت عن رد فعل أوستن، قالت سينغ إنه «أُخِذَ على حين غرة».
ولكن بعد ذلك، طلب قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال مايكل كوريلا إرسال قوات إضافية (من 2000 إلى 3000 جندي) لحماية القوات الأميركية في المنطقة، والمساعدة في الدفاع عن إسرائيل.
وحاولت الإدارات الأميركية المتعاقبة إخراج الجيش الأميركي من الشرق الأوسط، ولكن إدارة بايدن تجد نفسها مضطرة مجدداً لاستضافة مجموعة متنامية من القوة العسكرية الأميركية.
لا ضمانات
إضافة إلى ذلك، قال المسؤول الأميركي رفيع المستوى في وزارة الخارجية إنه «من الصعب حقاً معرفة» ما إذا كانت إسرائيل سترُدّ في مناسبة الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الذي نفذته «حماس» ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية المحيطة بغزة. وعندما سئل عما إذا كانت إسرائيل أكدت للولايات المتحدة أن استهداف المواقع النووية الإيرانية غير وارد، أجاب: «نأمل ونتوقع أن نرى بعض الحكمة والقوة، ولكن كما تعلمون، لا توجد ضمانات».
ورداً على سؤال عما إذا كانت إسرائيل ستستغل الذكرى السنوية للرد على إيران، قال: «من الصعب حقاً أن نقول». لكنه عبَّر عن اعتقاده أن الإسرائيليين «يريدون تجنُّب السابع من كل شيء، لذا فإن تقديري هو أنه إذا كان هناك أي شيء، فمن المرجح أن يكون قبل ذلك اليوم أو بعده». وأكد أن الولايات المتحدة تعمل منذ زهاء عام لمنع اتساع نطاق حرب غزة، مضيفاً: «الآن، الوضع على حافة الهاوية».
ورغم أن المسؤولين الأميركيين أكدوا دعمهم لرد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني، فإنهم عبَّروا عن مخاوفهم من اشتعال حريق إقليمي واسع النطاق في الشرق الأوسط. وأعلن الرئيس بايدن أن إدارته لن تدعم إسرائيل في استهدافها البرنامج النووي الإيراني. وقال الجمعة: «لو كنت مكانهم، لفكرت في بدائل أخرى غير ضرب حقول النفط». وأشار إلى أن المسؤولين الأميركيين على اتصال بنظرائهم الإسرائيليين «12 ساعة في اليوم».